البابا في مهمة تركية حرجة
يتجه البابا بنيدكتوس السادس عشر إلى تركيا الثلاثاء في زيارة ربما تكون الأكثر خطورة ودقة ونزاعا يقوم بها بابا خارج إيطاليا في العصر الحديث.
فالزعيم الروحي لما يقدر بـ1.2 مليار كاثوليكي يقوم بأول زيارة خلال بابويته لبلد ذي أغلبية إسلامية، ويواجه بعداء من جانب القوميين الإسلاميين اليمينيين في تركيا، الذين أوضحوا بالفعل أنه ضيف غير مرحب به.
كما لا يفوت بنيدكتوس أن علي أغا، المسلح الذي حاول اغتيال البابا السابق يوحنا بولس الثاني في روما عام 1981 وفشل في محاولته، كان تركيا.
لقد كتب أغا إلى البابا بنيدكتوس من زنزانته (إذ يمضي الآن حكما آخر بالسجن في تركيا لجريمة أخرى غير متعلقة بمحاولة الاغتيال) ينصح فيها البابا الحالي بأنه سيكون من الحكمة إرجاء زيارته لتركيا أو إلغاؤها كلية.
- وقد عدل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في اللحظة الأخيرة من خطته، وقال إنه سيكون الآن في استقبال البابا في مطار أنقرة الثلاثاء. وكان أردوغان قد خطط من قبل عدم الاجتماع بالحبر الأعظم، إذ قال أنه سيتعين عليه التوجه لحضور قمة لحلف الأطلسي (الناتو) في ريجا.
ويدرك البابا أنه سيتعين عليه أن يقيم بدقة كل كلمة ينطق بها خلال زيارته التي تستغرق أربعة أيام إلى أنقرة واسطنبول، والآثار التي قد تخلفها تلك الكلمات.
فقد تسببت المحاضرة التي ألقاها في سبتمبر/أيلول بعنوان "الإيمان والعقل" خلال آخر زيارة خارجية قام بها - إلى بلده الأصلي ألمانيا - في نزاع سياسي وغضب واسع المدى في أنحاء العالم الإسلامي.
واستشهد البابا عن إمبراطور بيزنطي عاصر ضغوط الإمبراطورية العثمانية في القرن الرابع عشر على بقايا الدولة البيزنطية، وهو الإمبراطور مانويل باليولوغوس الثاني، اعتباره أن الإسلام دين عنف وأن فكرة الجهاد تتناقض مع طبيعة الله. وقد رفض المنتقدون ذلك وقالوا إن الإسلام دين سلام ورحمة وطالبوا البابا بتقديم اعتذار.
ومنذ سبتمبر/أيلول ربما تراجعت حدة التراشق، غير أن كلمات البابا لم تنس بسهولة، رغم قول البابا إن كلماته أسيء فهمها وإن الاقتباس لا يعبر عن رأيه الشخصي.
ولن يكون في استقبال البابا حشود متهللة تصفق له بينما تجتاز العربة البابوية التقليدية الشفافة بين الجموع كما يحدث في بلدان أخرى.
في الحقيقة لن تكون هناك عربة بابوية من أصله، ولن ينتقل البابا إلا في موكب رسمي في سيارة ليموزين مصفحة تحت حراسة طوق أمني مشدد من توفير الحكومة التركية.
- لقد كانت زيارة البابا إلى تركيا أصلا مخططة من جانب الفاتيكان بهدف تحسين العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية.
فمقر الزعيم الروحي للكثير من المسيحيين الأرثوذكس، البطريرك بارثماوس الأول، يقع في الواقع في اسطنبول، المدينة ذات الأغلبية المسلمة والتي كانت في يوم من الأيام هي القسطنطينية حاضرة المسيحية الشرقية وعاصمة الدولة البيزنطية لألف عام.
وبارثلماوس يوناني عرقي يحمل المواطنة التركية، ولديه جمع مسيحي محلي ضئيل يبلغ نحو ثلاثة آلاف أرثوذكسي، وهي نقطة في بحر من المسلمين الأتراك.
غير أن البطريرك نفسه هو زعيم روحي يمثل الملايين من الأرثوذكس الذين انفصلوا عن روما قبل قرابة ألف عام.
ويتواجد الأرثوذكس بالأساس في روسيا، وفي البلقان، وفي الشتات في أنحاء مختلفة من العالم، فضلا عن طوائف أرثوذكسية أخرى غير الروم الأرثوذكس.
ومن المقرر أن يتم الاحتفال باللقاء بين الزعيمين الروحيين في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اليوم الذي يتزامن وعيد هام بالنسبة للأرثوذكس، وهو عيد القديس أندراوس الرسول، القديس الحامي للأرثوذكسية، إذ كان هو الذي حمل المسيحية إلى آسيا الصغرى.
كما أن هذه الزيارة ذات أهمية كبرى بالنسبة للبابا بنيدكتوس، فمن الأهداف بعيدة الأمد لبابويته، بإقراره، السعي لإبراء جراح النزاعات اللاهوتية المريرة التي قسمت العالم المسيحي، والتي استمرت لمئات السنين، حتى تصبح الأسرة المسيحية بأسرها يوما في وحدة جسد واحد، حسب التعبير الديني.
- وهكذا فإن زيارة البابا في الواقع تحمل ثلاثة أوجه يتمايز كل منها عن الآخر: الزيارة الرسمية للدولة التركية العلمانية، وحواره غير الرسمي، المستمر والمرير أحيانا، مع العالم الإسلامي، وثالثا زيارته الرسمية لمقر الكنيسة الأرثوذكسية.
وحينما رافقت البابا الذي خلفه البابا بنيدكتوس، وهو البابا يوحنا بولس الثاني، في زيارته لاسطنبول في بداية بابويته قبل نحو ربع قرن، لم يتفوه البابا يوحنا ولو مرة واحدة بكلمة "الإسلام" في أي من خطاباته التي ألقاها.
غير أن العالم قد تغير منذ 1979.
لقد تراجع إرث الدولة العثمانية التي قد انقضت منذ زمن وأصبحت في طيات التاريخ، في الوقت الذي تطرق تركيا باب الاتحاد الأوروبي، وأوروبا نفسها أصبحت أكثر علمانية من أي وقت مضى، وأما التواجد المسيحي في الشرق الأوسط الذي يعج بالصراعات فقد أصبح في حالة نزف وتضاؤل، وباتت الكنيسة الكاثوليكية تتنافس بشراسة مع الإسلام لاجتذاب الداخلين إلى الدين في أفريقيا جنوب الصحراء.
وفي اسطنبول، وفي إضافة في اللحظة الأخيرة لبرنامج الرحلة، سيزور البابا المسجد الأزرق الشهير للمدينة، وستكون هذه ثاني مرة في التاريخ يدخل فيها بابا من روما مسجدا.
وزيارة البابا بأكملها حافلة بالرمزية الدينية، فسوف يدخل أيضا أيا صوفيا - التي ظلت لألف سنة أكبر كنائس العالم المسيحي، ثم تم تحويلها إلى مسجد من سقوط القسطنطينية في أيدي الاتراك العثمانيين في القرن الخامس عشر، والآن صارت بناية علمانية، متحفا للزيارة.
وستكون كل عبارة يتفوه بها البابا خلال رحلته إلى تركيا تحت المجهر وتحت تسليط الضوء لمحاولة تفسيرها كرؤية للطريقة التي ينظر بها لكيفية تعايش كنيستين منفصلتين للمسيحية من ناحية والعالم الإسلامي من ناحية أخرى، أو حتى تعاون الجانبين في عالم سريع التغيير ومتشابك في القرن الحادي والعشرين.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد