الصينيون الأويغور طليعيو الثورة السورية
مثل كثيرٍ من «المهاجرين»، أثارت دعوات «النّفير» إلى سوريا حماسة مقاتلي «تركستان» (إقليم شينغيانغ، غربي الصين) منذ بواكير الحرب السوريّة، ليبدأ دخولهم فُرادى عبر الأراضي التركيّة، قبل أن يتحولوا تدريجاً إلى نواة لواحدة من أشد المجموعات «الجهاديّة» تنظيماً.
مع الظهور العلني لـ«جبهة النصرة»، كان عددٌ قليل من المقاتلين التركستانيين (ويُعرفون باسم «الأويغور»، وهم من أقلية صينية تدين بالإسلام في غربي الصين) قد انتظموا في صفوفها. يدفعهم إلى ذلك وجود صلات «عقائديّة» وطيدة بين حاضنهم «الحزب الإسلامي التركستاني» من جهة، وبين كلّ من «حركة طالبان» وتنظيم «قاعدة الجهاد» من جهة أخرى. كذلك كان عدد قليل من هؤلاء (خمسة يتقنون اللغة العربية) قد انضووا في صفوف «حركة أحرار الشام الإسلاميّة»، قبلَ أن يرفض قادة «الحركة» انضمام آخرين إضافيين، لأنّهم «لا يفهمون العربيّة ولا يتكلّمونها»، وفقاً لمصدر من داخل «الحركة». يشرح المصدر أن الرفض كان ناجماً عن «أسباب عدّة، أبرزها المخاوف الأمنية لدى الشيخ أبو عبد الله الحموي (القائد السابق لـ«أحرار الشام»، الذي قضى، مع معظم قادة الحركة، بتفجير غامض في أيلول 2014 في ريف إدلب). فكيف يمكن الاطمئنان إلى وجود مجموعة لا نفهم لغتها بيننا؟ وما أدرانا بعدم كونهم مُخترقين استخباريّاً؟ قد يتآمرون علينا بحضورنا من دون أن نعلم ذلك». وينقل المصدر عن أبو معاذ اللاذقاني (أحد قياديي الحركة القلائل في ريف اللاذقية، وهو شقيق أبو عبد الملك الشرعي أحد أبرز قياديي الحركة الذين قُتلوا في التفجير الشهير)، ينقل قوله: «روى أبو معاذ لنا أن الشيخ أبو عبد الله الحموي تقبله الله وجّه بإعطاء مجاهدي تركستان كل ما يحتاجونه. قال: أعطوهم ما تستطيعونه ومن أفضل ما عندكم وليس من فضل مالكم. ثم التفت قائلاً للشيخ أبوعبد الملك تقبله الله: هل نكون هكذا قد خذلناهم؟ (أي بعدم ضمهم)، فقال أبو عبد الملك: لا». لاحقاً لذلك، سبّبت مسألة اللغة مشكلات عدّة ــ حتّى بعد تنظيم التركستان في تجمّعات خاصّة بهم ــ وعلى وجه الخصوص عند الحواجز التي كانوا يقيمونها في مناطق نفوذهم.
بدء الظهور المُنظّم
في مطلع عام 2012 كانت الانعطافة الأولى نحو تنظيم العنصر «الجهادي التركستاني» في سوريا. أبو رباح (وهو مقاتل سوري سابق في «جبهة النصرة»، لحق بعائلته في تركيا بعد تعرّضه لإصابة أدّت إلى بتر ساقه) يروي أنّه كان قد تعّرف بأبو حمزة التركستاني في معسكر الشيخ سليمان (ريف حلب الغربي). ويضيف: «كان لقاؤنا على الأرجح في أيلول 2011. كان أبو حمزة قد نشأ بعيداً عن وطنه، حيث تعيش عائلته في تركيا. وبعد أن دقّت طبول الجهاد في الشام، اختار النفير إليها، لأنّه تربّى على كره الطاغوت، وعلم أن هزيمة طواغيت الشام تعني هزيمة رؤوس الكفر في الصين أيضاً». يضيف المصدر: «قاتل أبو حمزة معنا في سريّة واحدة بعد انتهاء التدريبات. كانت سريتنا تضم إخوةً في الإيمان من سوريا وتركستان وتركيا وأوزبكستان والسعودية». كانت تلك السّرية تابعة لـ«كتيبة أسود السّنة» التي تزعّمها عمرو العبسي «أبو الأثير». ووفقاً للمصدر نفسه، فقد «دُعي أبو حمزة بعد فترة إلى الالتحاق بمعسكر تدريبي جديد إلى جانب العشرات من أبناء بلده». كانت هذه البداية الفعليّة لتنظيم «الأويغور»، وقد اشتهر من بين مدرّبيهم أبو رضا التركستاني.
«الحزب الإسلامي التركستاني.. لنصرة أهل الشام»
النواة الحاضنة لـ«الجهاديين» الأويغور في سوريا هو «الحزب الإسلامي التركستاني» (المنادي بالانفصال عن الصين)، الذي أسّسه أبو محمد التركستاني (حسن مخدوم، 1964 – 2003) أواخر تسعينيّات القرن الماضي. ومنذ مطلع عام 2013 شكّل «الحزب» فرعاً له باسم «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام».
يتم استقطاب مسلحي «التركستاني» من بين اللاجئين الأويغور في تركيا
شارك مقاتلو «التركستاني» في معارك متفرّقة في الشمال السوري (إدلب، وريف حلب) بأعداد محدودة، تحت راية «جبهة النصرة» حيناً، وراية «أحرار الشام الإسلاميّة» حيناً، و«جيش الفتح» إبّان معارك إدلب الأخيرة. شكّلت معركة جسر الشغور انعطافةً في عمل «الحزب»، حيث كان فعلياً رأس الحربة الأساسي فيها. ووفقاً لمصادر «جهادية»، «تلقّى مجاهدو الحزب تدريبات خاصة وطويلة على عمليات الانغماس والاقتحام منذ أواخر العام الماضي». ويقول المصدر إنّ «عدداً من المجاهدين الذين برعوا في المعارك السابقة اختيروا لتلقّي تدريبات خاصة، ليكونوا بمثابة رأس الحربة التي تُثخن بالكفّار». وفيما تحفّظ المصدر على تقديم أي تفاصيل حول مكان تلقّي تلك التدريبات، ثمّة معطيات عدّة تجعل احتمال وجودها خارج الأراضي السورية (في تركيا) أمراً وارداً، بل ومرجّحاً. كان «الحزب» قد دشّن نشاطه في استقطاب «المجاهدين الأويغور» داخل الأراضي التركيّة بإطلاق موقع إلكتروني «جهادي» باللغة التركيّة. وقال بيان إطلاقه إنه «أول موقع جهادي باللغة التركية، علّه يكون سبباً في إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله في نفوس شباب الإسلام في تركيا وغيرها». كذلك راحت قضية «الجهاد في سوريا» تأخذ حيّزاً واسعاً من «مجلّة تركستان الإسلاميّة» الصادرة عنه. وانطلاقاً من مقولة «إذا كانت الصين لديها الحق بدعم الأسد في سوريا، فنحن لدينا الحق بدعم السوريين المسلمين»، وفقاً لما جاء في عدد آذار 2013. وحسب دراسة نَشرها معهد واشنطن في حزيران 2014، فقد «جعل الحزب من سوريا قاعدة ثانية للعمليات المتقدمة له بعد أفغانستان في السنوات الأخيرة». أسهمَ العدد الكبير للاجئين الأويغور في تركيا (نحو 20 ألفاً) بسهولة استقطاب «مجاهدين» من بينهم، للانضمام إلى «الحزب» الذي اتّخذ من الأراضي التركية مسرحاً أساساً لنشاطه، مع غضّ نظر ودعمٍ من المخابرات التركية. وتؤدي «جمعية التضامن والتعليم لتركستان الشرقية» دوراً محوريّاً في عمليات ضم المقاتلين، وتجهيزهم للتوجه إلى سوريا، تحت غطاء «تقديم الدعم الإنساني إلى الشعب السوري».
العلاقة مع «طالبان» و«القاعدة»
وُلد حسن مخدوم في مدينة كشغر الصينية عام 1964. تلقّى علوماً دينيّة في مسقط رأسه، وفي عام 1997 توجّه إلى مكّة، بالتزامن مع امتداد حركة «طالبان» وسيطرتها على كابول والعديد من مدن أفغانستان. سافر التركستاني إلى أفغانستان مع آخرين من المتأثرين بالأفكار «الجهاديّة». هناك، تحت كنف «طالبان» أسّس «الحزب الإسلامي التركستاني». وهدفه «الجهاد من أجل تحرير تركستان الشرقية (الانفصال عن الصين) وإقامة الدولة الإسلامية». وتركستان الشرقية هي إقليم في أقصى شمال غرب الصين، تسكنه أغلبية تركية مسلمة، وتطلق عليه بكين اسم «شينغيانغ»، ومعناه الأرض الجديدة. في تشرين الأول 2003 أعلن الجيش الباكستاني مقتل حسن مخدوم في عملية على الحدود مع أفغانستان، وخلفه عبد الحق التركستاني. أقام «الحزب» معسكرات عدّة في مناطق سيطرة «طالبان» وبإشرافها، وتخصّص بعضها في تدريب «الجهاديين الفتيان» وهم مقاتلون تراوح أعمارهم بين 14 و16 عاماً. وتنقل تقارير عدّة عن محللين عسكريين باكستانيين ومتابعين لشؤون «الحركات الإسلامية» تأكيدهم أن «العديد من المقاتلين في صفوف طالبان تعود أصولهم إلى الجماعة التركستانية المقاتلة». ويبدو أن السنة الأخيرة قد شهدت استقطاب عدد من هؤلاء للانضمام إلى الحرب السوريّة. فيما كانت بكين قد أصدرت قبل سنوات تقريراً اتهمت فيه الحركة الانفصالية بالارتباط بتنظيم «القاعدة».
أعلنت موسكو هذه الجماعة تنظيماً محظوراً منذ عام 2006. وتنظر بكين إلى أعضاء «الحزب الإسلامي» باعتبارهم إرهابيين انفصاليين. وتعتبره واشنطن «ذراع طالبان الضاربة في تركستان الشرقية، وفي العالم». أعلنته الإدارة الأميركية عام 2009 جماعة إرهابية. وأدرجته الأمم المتحدة على قائمات المنظمات الإرهابية بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد