الفرد العربي الغائب في مشروع التحديث

02-07-2006

الفرد العربي الغائب في مشروع التحديث

يثير الوضع العربي الراهن، لا سيما على المستوى الشعبي، مسألة دور الفرد العربي وغيابه عن الفعل السياسي. يتساءل كثيرون عن أسباب هذا الغياب وعن العوامل الذاتية والموضوعية التي تجعل هذا المواطن في شبه غيبوبة عن الأحداث المصيرية التي تعصف ببلاده. يحاول لطفي المرايحي في كتابه «الفرد الغائب في مشروع التحديث» الصادر عن دار الفارابي، ان يجيب على بعض الأسئلة المتصلة بالمعوقات التي أدت الى هذه الهامشية الكبيرة للإنسان العربي.

تتعدد أسباب غياب المواطن – الفرد في العالم العربي عن الفعل في تطور الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعن تهميش دوره في مشروع التحديث المنشود، وتشكل طبيعة الأنظمة السياسية العربية أهم الأسباب الموضوعية لهذا الغياب والتغييب. وتهيمن على العالم العربي اليوم أنظمة سمتها الرئيسة انها استبدادية، تقوم على تجميع السلطات في يد فرد أو مجموعة أفراد. ويتلاعب الحكّام بالدساتير والقوانين، فتنتهك النصوص التي تقول بحق الشعوب في المشاركة، وتداس سلطة القانون، ويلغى قانون تداول السلطة والاحتكام الى المؤسسات. ويبقى العامل الأخطر في تغييب دور الفرد هو العامل المتصل بسياسة السلطة تجاه الحريات العامة. وتقيّد الحريات السياسية، وتنتهك حقوق الانسان والمواطن، وتمنع أحزاب المعارضة من الممارسة السياسية، وتكمّم الأفواه المخالفة، «وتزدهر» السجون بمعتقلي الرأي والاعتراض.

وتتحمل الأيديويولجيات التي سادت أو لا تزال مسؤولية كبيرة في تغييب دور الفرد وتهميش موقعه. وتتشارك الأيديولوجيات الاشتراكية والقومية والأصولية في إلغاء خصوصية الفرد وتدفع به الى الذوبان والتماهي مع الجماعة تحت عنوان التضحية بالذات في سبيل القضية العامة. ويؤدي هذا التماهي على حساب الخصوصية الى شل نبض الاعتراض والنقد لدى الفرد. ويزيد الأمر صعوبة ما تحاول هذه الأيديولوجيات ترسيخه من فكر يعتبر الحقيقة ملكه وحده، فيما الآخرون على خطأ. وينجم عن ذلك غرس لمظاهر التعصب ورفض الآخر، وهي عناصر لا تساعد على تفتح الديموقراطية وبالتالي إعطاء الفرد حريته وكينونته.

ولا شك أن الهزائم المتتالية التي مني بها العالم العربي على امتداد العقود الماضية تتحمل مسؤولية في غياب المواطن – الفرد أو في تشويه وعيه للقضايا المطروحة. وتعرضت الشعوب العربية منذ أكثر من خمسين عاماً الى سلسلة متواصلة من الهزائم بدأت بهزيمة 1948 أمام المشروع الصهيوني، واستكملت بهزيمة حزيران (يونيو) 1967، وتوالت في السبعينات وفي الثمانينات بخاصة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وفي التسعينات عبر حروب الخليج وعودة الاستعمار المباشر، وصولاً الى احتلال العراق والعنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني المستمر يومياً. وتسببت هذه الهزائم بإحباط ويأس لدى الشعوب العربية، التي سبق لها ودعمت حكّام أنظمة الهزيمة وأملت منها تحقيق الانتصارات. وهكذا حصد المواطن العربي خيبات متوالية أفقدته الثقة بنفسه، وأدت به الى الانكفاء واليأس من إمكان تجاوز هذا الواقع المظلم.

ويتساءل لطفي المرايحي عن دور المثقفين في نشر الوعي بين الشعوب العربية والارتفاع بمستواها بما يتوافق ومتطلبات مشروع النهضة والتحديث. ويكتشف بأن هذه الفئة تعيش معضلات لا تساعد في القيام بالدور المفترض لها. فالمثقفون اليوم فئتان: تضم الأولى أصحاب الرأي الحر والمعارض والمساجل في الأسباب الحقيقية لتخلف العالم العربي، وعلى رأسها الاستبداد، وهي فئة هامشية تعاني الاضطهاد أو تقييد حرية حركتها وقولها وصولاً الى زجها في المعتقلات، أما الفئة الثانية فهي التي تكيفت مع الأنظمة السائدة ودخلت في خدمتها وتمارس التبرير الفكري والأيديولوجي للحاكم. وتمثل هذه الشريحة غالبية وسط المثقفين اليوم، وتكوّن وعياً مشوّهاً ومناقضاً لآمال المواطن العربي وتطلعاته في الحرية والتقدم.

أخيراً يلفت الكاتب النظر الى دور العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في تغييب الفرد العربي. ويأتي تكوّن الأسرة البطريركية في رأس هذه العقبات وتمثل سلطة الأب الخلية الأولى لسلطة الحاكم المطلق. ويرمي كل واحد الى إخضاع الوسط السائد عليه (العائلة، الشعب) الى سلطته المطلقة. ويضاف الى ذلك تلك النظرة التي يحملها المجتمع تجاه المرأة وعدم الاعتراف بحقها كمواطن له حقوق وعليه واجبات مساوية للرجل، وهي نظرة تساهم في تعميق السلطة البطريركية وتزيد من تخلف المجتمعات العربية وتمنع تفتح روح الفرد الحر فيها.

 

خالد غزال

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...