الفلسطينيون يدفعون ضريبة الثورة المصرية
يبدأ أهل غزّة اليوم صيامهم في شهر رمضان، لكنهم لن يقبلوا على طقوسهم الدينية في ارتياح وطمأنينة؛ فحجّاجهم عالقون على المعبر ولا يستطيعون أداء العمرة، وبعض أفراد عائلاتهم محاصرون بدورهم، في غرفة بمطار القاهرة منذ أيام بسبب إغلاق المعبر ومنعهم من الوصول اليه. أما أسواقهم، فتكاد تفرغ من المواد التموينية التي تحتاج إليها سُفرة رمضان نتيجة إغلاق الأنفاق، التي تنقل البضائع، وتدميرها.
ولا يزال الآلاف من الفلسطينيين يقبعون داخل زنزانة تسمى «غرفة الترحيل» في مطار القاهرة، مع إغلاق السلطات المصرية لليوم الخامس على التوالي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة من الجانبين. وكانت السلطات قد أصدرت قراراً مساء الخميس الماضي بإغلاقه وبشكل رسمي حتى إشعار آخر، نظراً لسوء الأوضاع الأمنية في مصر.
وفي مشهد آخر، احتشاد مئات المسافرين الفلسطينيين من مختلف مناطق القطاع على المعبر، رغم علمهم بإغلاقه، غير أنهم يداومون على زيارة البوابة الحدودية يومياً، على أمل حصول معجزة تسمح لهم بالعبور إلى مصر. ومع كثرة المسافرين، تتعدد أسباب السفر. ورغم الإجازة الصيفية، لا أحد منهم خارج للتنزه أو السياحة؛ فالكثير من الفلسطينيين العالقين على المعبر ليسوا سوى طلاب حضروا في بداية الصيف لزيارة ذويهم، وآخرين ذاهبين للعلاج، وغيرهم لأداء العمرة في السعودية.
المواطنة صفية أبو رزق (54عاماً) حجزت مع إحدى شركات السفر والعمرة في بداية شهر حزيران، وبعدما حزمت حقيبتها واستعدت للعمرة في أول زيارة لها لبيت الله الحرام في السعودية، فوجئت بخبر إغلاق المعبر. ومع أن قرار السلطات المصرية بإغلاق المعبر كان حتى إشعار آخر، أخبروها في الشركة باحتمال فتح المعبر خلال أيام. تقول أبو رزق لـ«الأخبار» «كنت أشعر بأنني لن أسافر وهذا ما حدث، لمدة ثلاثة أيام على التوالي أحمل حقيبتي وأتوجه للمعبر الذي يبعد عن مكان سكني قبالة الساعة بالسيارة، وفي النهاية أخبرني ولدي بأن المعبر لن يفتح».
وحسب بعض شركات السفر والعمرة في غزة، فإن ما يقارب الألف معتمر فلسطيني عالقون حالياً في الأراضي السعودية بسبب منع السلطات المصرية لمطار القاهرة استقبال أي فلسطيني، بالإضافة إلى مئات المعتمرين الذين مُنعوا من السفر بسبب إغلاق معبر رفح.
وبالنسبة للأنفاق، التي بدأت السلطات المصرية بهدم وتدمير ما يتم اكتشافه منها أولاً بأول، فإن القليل منها، وبحذر شديد، يقوم بإدخال جزء من البضائع المكدسة على الجانب الآخر من الأنفاق. تقول أم محمد العشي، صاحبة محل خاص بالملابس الجاهزة في مدينة غزة، لـ«الأخبار»، إن هناك الكثير من البضائع الخاصة بها تنتظر إدخالها عبر الأنفاق منذ أكثر من أسبوعين، وتضيف وهي تشير إلى محلها الفارغ إلا من بعض قطع الملابس المتناثرة بعناية في زواياه: «افتتحت المحل قبيل الشهر واستلمت أول شحنة ملابس من تركيا، وبعت الكثير منها، ولازلت أنتظر دخول باقي الملابس من الأنفاق التي أغلقتها مصر الأسبوع الماضي»، مشيرةً إلى أن التاجر المتفق معه على إحضار بضاعتها، يرفض العمل في ظل هذه الظروف خوفاً من اكتشاف النفق وهدمه.
أزمة نقص المواد في السوق الغزية طالت الوقود أيضاً، حيث شهد القطاع نقصاً شديداً في الكميات خلال الأسبوعين الماضيين، مما أدى لحدوث أزمة في المواصلات نظراً لاقبال السائقين على شراء الوقود المصري، والذي يتناسب سعره مع أسعار المواصلات، بعكس الوقود الإسرائيلي مرتفع السعر. ويحتاج قطاع غزة إلى ما يقارب 700 ألف لتر يومياً من الوقود.
غير أن جمعية أصحاب محطات تعبئة الوقود أعلنت أول من أمس دخول كميات محدودة من الوقود المصري إلى قطاع غزة عبر الأنفاق. وقال المتحدث باسم الجمعية محمد العبادلة «يبدو أن هنالك حل قريب وإن كان جزئي لأزمة الوقود»، موضحاً أن الكميات القليلة التي دخلت تم توزيعها على محطات التعئبة المنتشرة في القطاع ومحطة توليد الكهرباء. ومع استقبال الفلسطينيين لأول أيام شهر رمضان المبارك اليوم، تختفي الكثير من البضائع الرمضانية من الأسواق الغزية، كالتمر وقمر الدين وأنواع الجبن والمعلبات التي يستخدمها الفلسطينيون في السحور، والتي غالباً ما تأتي قبل استقبال رمضان بشهر، عبر أنفاق التهريب الحدودية، ومع تعطل الأنفاق توقفت إمدادات البضاعة إلى غزة.
غير أن صاحب أحد المتاجر في شمال غزة، عبد الكريم الحايك، ينفي في حديث لـ«الأخبار»، اختفاء البضائع من السوق، لكنه يؤكد ارتفاع أسعارها، ويقول «هناك بضائع باقية من موسم رمضان الماضي وهي ليست بالقليلة، لكن الكثير من التجار يزيدون من أسعارها بالتوازي مع إغلاق المعبر مما يشكل مشكلة أكبر».
أم مصطفى النحال (46عاماً) كان لها رأي مختلف، تقول «حسبي الله ونعم الوكيل، الأنفاق هي الوسيلة الوحيدة التي تدخل عبرها المواد التموينية، وغالبية البضائع قديمة ولا علم لي بصلاحيتها أم لا».
وفي ظل إغلاق الأنفاق المتنفس الوحيد للبضائع التي يحتاج إليها القطاع، وإغلاق معبر رفح المتنفس الوحيد للمواطنين الفلسطينيين، دعا المتحدث باسم الحكومة المقالة إيهاب الغصين، السلطات المصرية إلى إخراج معبر رفح مما وصفه بدائرة التجاذبات السياسية التي تعيشها مصر، وقال «بالفعل الأوضاع الأمنية المصرية سيئة، لكن هذا لا يعني استمرار إغلاق المعبر ومصالح الكثير من المسافرين الفلسطينيين معطلة، وفتح المعبر لن يؤثر على أوضاع مصر الأمنية»، واصفاً استمرار إغلاق المعبر بأنه يضاعف الحصار على القطاع ويشدده، ويزيد من الأزمة الإنسانية للفلسطينيين.
فاطمة عبد الله
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد