المتغيرات في العلاقات الأوروبية- الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

22-03-2007

المتغيرات في العلاقات الأوروبية- الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

الجمل:   استطاعت الولايات المتحدة، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية استغلال وتوظيف أطروحة الحظر الشيوعي، وإفهام الأوروبيين بأن الاستقلالية الذاتية الأوروبية قد ماتت تماماً منذ عام 1914م، ولأن الأوروبيين لم يقتنعوا بموت استقلاليتهم الذاتية فقد تعرضوا لخطر الحرب العالمية الثانية المدمرة، ومن ثم فإن الانخراط في تحالف اقتصادي سياسي عسكري، هو الضمانة الحقيقة لسلامة أوروبا ودرء مخاطر الحرب عنها.
الشراكة الأوروبية- الأمريكية، أو شراكة عبر الأطلنطي، اتسعت آفاقها ولم تعد حصراً ضمن دائرة المبادلات بين الأمريكيين والأوروبيين، بل أصبحت شراكة استراتيجية بين طرفين، يمتد موضوعها ليشمل كل العالم، بحيث أصبح هناك موقفاً مشتركاً بين أطراف عبر الأطلنطي إزاء كل الملفات القائمة في النظام العالمي المعاصر.
• ملف الشرق الأوسط وشراكة عبر الأطلنطي:
تعتبر الملفات الشرق أوسطية، الأكثر أهمية في الوقت الحالي بين بنود وأجندة الشراكة الأمريكية- الأوروبية..
المواقف الأمريكية ظلت أسيرة لاعتبارات مشروع الهيمنة الأمريكية بينما المواقف الأوروبية، كانت تبدو في بداية أمرها أكثر اعتدالاً واستقلالاً، ولكنها سرعان ما تبدلت وتبهدلت بعد ركوبها في قاطرة التبعية الامريكية.
- في حرب أفغانستان أيد الأوروبيون بتحفظ الغزو الامريكي، ولكنهم في النهاية تولوا أمر العمليات العسكرية بدلاً عن القوات الأمريكية، وأصبحت قوات الناتو الطرف العسكري الرئيسي في الحرب الأفغانية.
- في حرب العراق عارض الأوروبيون بشدة –ما عدا بريطانيا- الحرب ضد العراق، وبعض الدول الأوروبية الصغيرة شاركت بوحدات رمزية فقط.. ولكنهم في نهاية الأمر أصبحوا يقدمون الدعم والمساندة للإدارة الأمريكية، وعلى وجه الخصوص ألمانيا وفرنسا، اللتان طالبتا المجتمع الدولي بقبول الأمر الواقع (de facto) الذي نص عليه القانون.
- في الصراع اللبناني كانت الأطراف الأوروبية أكثر اعتدالاً في التعامل مع الملف اللبناني، ولكنها بعد عملية اغتيال الحريري أصبحت أكثر تحيزاً في المسألة اللبنانية، وظلت فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص تتزعمان تنفيذ المخطط الإسرائيلي- الأمريكي في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، وتكيلان الاتهامات غير المسنودة بالدلائل ضد سوريا.
- حول الوضع الفلسطيني ظل الموقف الأوروبي يتأرج ما بين حالة التأييد لإسرائيل، وحالة الصمت السلبي عندما يكون التأييد لإسرائيل غير ممكن، وقد تورط الأوروبيون كثيراً في دعم وجهات النظر الإسرائيلية- الأمريكية إزاء السلطة الفلسطينية وعملية سلام الشرق الأوسط، وحتى الخطوات الإيجابية –نسبياً- لم تقم الحكومات الأوروبية باتخاذها إلا تحت ضغوط الرأي العام والمنظمات الأوروبية غير الحكومية.
- الملف السوري: تتبنى سوريا موقفاً متميزاً إزاء قضايا الشرق الأوسط، يتسم مبدأ الحياد الإيجابي، فهي تؤيد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعودتهم إلى بلدهم، وأيضاً تؤيد استقلال العراق، واستقراره، وتدعم استقرار وسيادة لبنان، إضافة إلى أنها تطالب بحقوقها العادلة في استرداد أراضيها المحتلة. وبرغم ذلك فقد اتخذت الدول الأوروبية الرئيسية الكثير من المواقف المنجزة وغير العادلة إزاء حقوق سوريا القانونية، كذلك سعت الدول الأوروبية إلى فرض العقوبات والقرارات الدولية الجائرة في حق سوريا، وكيل الاتهامات لها بالتدخل في الشأن اللبناني.
• بؤرة الأزمة في الموقف الأوروبي:
السياسة الخارجية –أي سياسة خارجية- تقوم على العديد من الاعتبارات المتعلقة بتوازنات المصالح مع دول العالم الأخرى، وتأسيساً على هذه القاعدة يمكن القول بأن السياسة الخارجية الأوروبية:
- اعتمدت الاعتبارات الاقتصادية في التعامل مع الشرق الأوسط.
- اعتمدت الاعتبارات العسكرية الأمنية في التعامل مع أمريكا.
إن هذه الاعتمادات تبدو من الناحية النظرية المعلنة فقط، لأن معطيات الخبرة التاريخية في العلاقات الأوروبية- الشرق أوسطية، تقول بأن الاعتبارات العسكرية- الأمنية ظلت تمارس نفوذاً كبيراً يطغى على الاعتبارات الاقتصادية.
إن السبب الرئيسي في اختلال معادلة الموازنة بين الاعتبارات الاقتصادية والاعتبارات العسكرية- الأمنية، إزاء العلاقات الأوروبية- الشرق أوسطية، يتمثل في وجود العامل الأمريكي الذي يؤثر على أوروبا عبر علاقات عبر الأطلنطي.
التأثير الأمريكي على أوروبا يتم وفقاً لعدة أسباب، أبرزها:
- الوسائل المؤسسة: وتتمثل في المعاهدات والتحالفات الأمريكية- الأوروبية المشتركة، مثل حلف شمال الأطلنطي (NATO)، واتفاقيات التجارة العالمية، والمنظمات الدولية والإقليمية التي تضم الأطراف الأوروبية جنباً إلى جنب مع أمريكا.
- الوسائل الوظيفية: وتتمثل في النخب السياسية والاقتصادية التي تدخل ضمن شبكة المصالح الأمريكية، وذلك على خلفية التداخل والانفتاح المتبادل بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الأوروبي الغربي، واللذان يمكن اعتبارهما اقتصاداً موحداً يعمل وفقاً لآليات قوى السوق الرأسمالية، والتي أصبحت أكثر تداخلاً في الوقت الحالي بفعل ترابط البورصات والأسواق المالية، وحرية تدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة، واندماج الكثير من الشركات الأوروبية والأمريكية ضمن شركات عالمية عملاقة موحدة.
كذلك على الصعيد الاجتماعي، ترتبط غرب أوروبا مع أمريكا الشمالية عن طريق الكنيسة البروتستانتية، وهو ارتباط يجد سنده الرئيسي في غلبة الأصل الاثني الأوروبي على أمريكا، عليه استخدام اللغة الانكليزية.
كذلك من بين الوسائل الوظيفية تأتي الاختراقات السياسية والاستخبارية، فالسياسة الخارجية الأوروبية ترتبط بالأمن الأوروبي، وذلك وفقاً لبنود السياسة الخارجية والدفاع المشتركة التي ظلت تتبناها دول الاتحاد الأوروبي، ووفقاً لهذه البنود لن تستطيع أي دولة أوروبية –أيا كانت- أن تنتهج سياسة خارجية خاصة بها لا تتماشى مع اعتبارات مبادئ الأمن والدفاع الأوروبي.. وعلى خلفية سيطرة أمريكا على اعتبارات الأمن والدفاع الأوروبي بسبب الدور القيادي الذي منحته اتفاقية حلف الناتو لأمريكا، فقد أصبحت أمريكا تؤثر في كل شيء في أوروبا تحت ذرائع أنه يرتبط بالأمن والدفاع.
حاولت الكثير من البلدان الأوروبية الانفلات من دائرة التبعية للسياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية ولكن دون جدوى، وحالياً تحاول بعض الدول الأوروبية تكراراً تجربة الاستقلال الأوروبي التي بدأها الجنرال ديغول عندما قرر سحب فرنسا من اتفاقية الناتو العسكرية، والاكتفاء فقط بالبقاء ضمن مظلة الاتفاقية السياسية.
وعموماً يمكن القول: أيد الأوروبيون الأمريكيون في مقاطعة السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس، وطالبوا بضرورة إقامة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعلى غرار ما طالبت به كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، والآن عندما تم تشكيل هذه الحكومة تبنت الإدارة الأمريكية في تطور مثير للجدل جزئياً موقف حكومة أولمرت، وعلى الصعيد الأوروبي أصر الاتحاد الأوروبي على اتخاذ موقف يتماشى مع الموقف الأمريكي، وتزامن ذلك مع مواقف أوروبية، منفردة، فقد قررت النرويج وبعض الدول الأوروبية الأخرى، أن تتحرك بمعزل عن الاتحاد الأوروبي وتدعم الحكومة الفلسطينية الجديدة، فهل يا ترى ستعود هذه الدول الأوروبية إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي، أم أن عددها سوف يزداد وبالتالي تتحرك الرمال تحت أرجل الاتحاد الأوروبي، ويدب الذعر في البيت الأبيض الأمريكي، الذي لن يكون أمامه سوى أمرين لا ثالث لهما، إما تبني الموقف الأوروبي الجديد، أو التمسك بموقفه وترك الأوروبيين يمضون في سبيلهم المستقل، هذه المرة، وما هو أخطر بالنسبة للبيت الأبيض هو أن تتطور هذه الاستقلالية، من استقلالية أوروبية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط إلى استقلالية أوروبية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط إلى استقلالية أوروبية في التعامل مع الملفات الأوروبية- الأمريكية الأخرى، مثل توسيع الناتو، الحرب ضد الإرهاب، غزو العراق، نشر شبكات الدفاع الصاروخي الأمريكي في شرق أوروبا، مستقبل القواعد الامريكية في أوروبا، تحرير التجارة.. وغير ذلك.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...