اليد الأميركية في الفوضى السوريه (2)
الجمل- * جوناثان مارشول - ترجمة: رندة القاسم:
انتهت عملية الرصاص المصبوب القصيرة في كانون الثاني، تماما قبل حفل تنصيب الرئيس أوباما. و قال الأسد ل هيرش أنه رغم الاستياء من إسرائيل " التي تقوم بكل ما يمكن من أجل تقويض آفاق السلام، إلا أننا لا زلنا نؤمن بالحاجة إلى الوصول لحوار جدي يقودنا للسلام" كما قال حاكم قطر : "سوريه تواقة للارتباط بالغرب الأمر الذي لم يدركه بيت بوش الأبيض، فكل شيء ممكن طالما هناك سعي للسلام".
و عن أوباما قال الرئيس الأسد :"نحن مسرورون لأنه قال بأن الدبلوماسية –لا الحرب- هي وسيلة إدارة السياسة الدولية." و أضاف : "لا نقول أننا دولة ديمقراطية. لا نقول أننا كاملون، و لكننا نتحرك قدما"... كما و عرض أن يكون حليفا للولايات المتحدة ضد الخطر المتنامي للقاعدة و الإسلام المتطرف، و الذي أضحى قوة أساسية في العراق و لم يسيطر بعد على سوريه.
و أجهضت آمال الأسد ، فحكومة إسرائيل الجديدة بقيادة رئيس الوزراء بينيامين نيتينياهو ، و التي وصلت للحكم في آذار 2009، عارضت بثبات أي اتفاق أرض مقابل سلام مع سوريه. و افتقدت إدارة أوباما النفوذ أو الإرادة لمواجهة إسرائيل.
و لكن الرئيس أوباما استمر بتقديم الوعود بعلاقات مع سوريه بعد فترة طويلة من تجميدها. و أرسل ممثلين عن الإدارة و مجلس الأمن القومي إلى دمشق بداية 2009، و كذلك أرسل المبعوث جورج ميتشيل ثلاث مرات لمناقشة تسوية السلام في الشرق الأوسط، و عين أول سفير إلى دمشق منذ 2005، و قام بدعوة نائب وزير الخارجية السوري إلى واشنطن من أجل الاستشارات.
غير أن أوباما استمر أيضا في تمويل مجموعات معارضة سوريه بشكل سري، الأمر الذي حذر منها دبلوماسي أميركي رفيع المستوى على أساس أن السلطات السورية ستعتبره "معادلا لدعم تغيير النظام".
و في الداخل، تعرضت سياسية أوباما الجديدة للشجب من قبل المحافظين الجدد. ايليوت أبرامس ، المتهم بقضية إيران كونترا و الذي نال غفران جورج دبليو بوش و عمل على توجيه سياسة الشرق الوسط في مجلس الأمن القومي فترة حكم بوش، وصف جهود أوباما بأنها "ترضية" و قال بأن السياسة السورية تتغير فقط "إذا و حين يسقط النظام في إيران الداعم الأكبر للأسد".
و بنفس الوقت رفضت سوريه مطالب واشنطن التخلي عن دعمها لإيران و حزب الله و أصابها الإحباط من رفض الإدارة الأميركية رفع العقوبات الاقتصادية. و قال الأسد :" الذي حدث حتى الآن هو طريقة معاملة جديدة، إذ حل الحوار مكان الأوامر، و هو جيد. و لكن الأمور توقفت هناك".
و في آذار 2011 استمرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالدفاع عن المحادثات مع الأسد و قالت :" هناك قائد مختلف في سورية الآن ، الكثير من أعضاء الكونغرس من الحزبين ذهبوا إلى سوريه في الأشهر الأخيرة و قالوا بأنهم يعتقدون أنه يقوم بإصلاحات".
غير أن هذا الموقف تغير بعد شهر ، عندما شجب البيت الأبيض بأقسى العبارات الممكنة "إجراءات نظام دمشق الصارمة" تجاه المعارضين السياسيين في مدينه درعا، متجاهلة قتل رجال شرطة في المدينة المذكورة.
و في آب من نفس العام ، و بعد تقرير نقدي من الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان حول مسؤولية النظام عن قتل و تعذيب مدنيين، انضم الرئيس أوباما إلى القادة الأوربيين في المطالبة بقيام الأسد "بمواجهة حقيقة الرفض التام لنظامه من قبل الشعب السوري و بالتالي التنحي " (و في الواقع عبر استفتاء شعبي في كانون الأول 2011 عارض معظم السوريين استقالة الرئيس الأسد)
و فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية جديدة ما دفع مندوب سوريه لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري ، إلى القول بأن " الولايات المتحدة تشن حربا إنسانية و دبلوماسية ضدنا"
و بداية لاقت سياسة أوباما التصفيق من قبل الساعين للتدخل العسكري إلى أن فشل بإرسال جنود أو مساعدات أساسية للمجموعات المتمردة، و فتح مجال أمام دول الخليج و تركيا لمساعدة المجموعات الإسلامية.
صعود السلفيين:
مع بداية صيف 2012 ورد في تقرير سري لوكالة استخبارات الدفاع : "السلفية، الأخوان المسلمون و القاعدة في العراق (التي أضحت فيما بعد الدولة الإسلامية) أصبحوا القوى الأساسية التي تقود التمرد في سوريه"
و فيما بعد أقر نائب الرئيس "جوزيف بايدين" :"في حقيقة الأمر.. لا يوجد وسيط معتدل.. حلفاؤنا في المنطقة هم مشكلتنا الأكبر في سوريه.. إنهم يصبون مئات الملايين من الدولارات... و آلاف الأطنان من الأسلحة لكل من يستعد للقتال ضد الأسد ، غير أن الناس الذين يلقون الدعم هم النصرة و القاعدة و عناصر جهادية متطرفة"..
ألم نتعلم من العراق و ليبيا؟ "تغيير النظام" في سوريه قد يؤدي إما إلى دولة إسلامية متعصبة أو دولة عاجزة و ما من نهاية للعنف.
و بالعودة بالذاكرة إلى حماقة إسرائيل في إنشاء منافس إسلامي لفتح (وهو حماس) ، قال جاكي هوغي خبير الشؤون العربية في راديو الجيش الإسرائيلي : "الذي يجب أن تتعلمه إسرائيل من هذه الأحداث هو أن عليها النضال من أجل البقاء و دعم النظام الحالي بأي ثمن " و أضاف : "بقاء نظام دمشق يضمن استقرار إسرائيل على حدودها الشمالية، و هو حجر الأساس لأمنها القومي. فالنظام السوري علماني و لا يتوق إلى الموت، و لا يسعى إلى إنشاء خلافة إسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرته... و بما أن سورية دولة ذات سيادة فهناك طرق كثيرة للضغط عليها في حالة الصراع أو الأزمة. من الممكن إيصال رسائل دبلوماسية ، أو العمل ضدها في الساحات الدولية أو إلحاق الضرر بمصالحها الإقليمية. و إن كان هناك من حاجة لعمل عسكري ضدها، فلن تبحث عنها بيأس ضمن التجمعات المدنية و تخشى من قتل مدنيين أبرياء... لقد خبرت إسرائيل سنوات من الحدود المستقرة مع النظام السوري حتى اندلاع الحرب هناك، و رغم أن الأسد نقل العداء ضد إسرائيل إلى الحدود اللبنانية عن طريق حزب الله، فان هذا الحزب و عداده الحربي أفضل بالنسبة لإسرائيل من القاعدة و أشباهها..فهو معروف و قادته معروفون ، و إسرائيل تواصلت مع حزب الله عبر وسطاء منذ سيطرة الحزب على جنوب لبنان. .. و كان حوار غير مباشر هدفه خدمة المصالح العملية التي تفرض نفسها على من يعيشون بجانب بعضهم، و كانت تقودها البراغماتية.. و رغم أن مقاتلي حزب الله أعداء لاذعون، فانك لن ترى بينهم متعة الشر و أكل لحوم البشر كالتي شوهدت في العقد الماضي بين المنظمات الجهادية السنية"...
لا تحتاج واشنطن الذهاب بعيدا لدرجة دعم الأسد باسم البراغماتيه ، و لكن عليها التخلي بوضوح عن سياسة "تغيير النظام "، و دعم الحظر على السلاح، و بدء العمل بتناغم مع روسيا و إيران و دول الخليج و قوى إقليمية أخرى من أجل دعم مفاوضات سلام غير مشروطة مع نظام الأسد.
و مؤخرا لمح الرئيس أوباما الى ترحيبه بمحادثات مستقبلية مع روسيا من أجل هذا الهدف في مواجهة احتمال سيطرة الجهاديين على سوريه. و يجب أن يلقى هذا الاتجاه السياسي الجديد الترحيب من الأميركيين الذين يثمنون حقوق الإنسان و السلام أكثر من مما يفعلون حيال إسقاط أنظمة عربية .
*باحث أميركي
عن مجلة Consortium News
الجمل
إضافة تعليق جديد