اليد الأميركية في الفوضى السورية (1)
الجمل ـ بقلم الباحث الأميركي جوناثان مارشول ـ ترجمة رنده القاسم:
في عام 2000خلف القائد السوري الحالي ، بشار الأسد، والده كرئيس و قائد لحزب البعث الحاكم، و قد أيقظ، و هو البالغ خمسة و ثلاثين عاما فقط و المتعلم في بريطانيا، آمالا واسعة في وطنه و الخارج بالإصلاحات و تحرير النظام. و في سنته الأولى أطلق سراح مئات المعتقلين السياسيين و أغلق سجنا كان سيء السمعة.
و لكن تقريبا منذ البداية استهدف الأسد من قبل إدارة جورج دبليو بوش لأجل "تغيير النظام". و في السنوات الأولى لرئاسة أوباما ، كانت هناك بعض محاولات إقامة علاقات دبلوماسية ، و لكن بعد فترة وجيزة من اندلاع الصراع الأهلي عام 2011، عاد الإرث التاريخي للعداء الرسمي الأميركي لسوريه إلى الواجهة و وضع واشنطن في مواجهة مدمرة مع الأسد لا تزال مستمرة حتى الآن.
لذا من المهم فهم تاريخ موقف إدارة بوش تجاه سوريه . فبعد الحادي عشر من أيلول علم قائد الناتو السابق ويسلي كلارك من مصدر في البنتاغون أن سوريه كانت في نفس قائمة الاستهداف مع العراق. و يقول كلارك بأن إدارة بوش "أرادت منا زعزعة استقرار الشرق الأوسط، و قلبه رأسا على عقب، و جعله تحت سيطرتنا" ..
و في أيار 2002 ضمن خطاب تحت عنوان "ما وراء محور الشر" اعتبر جون بولتون سوريه واحدة من عدة دول مارقة إلى جانب العراق و التي "يمكن توقع أن تغدو أهدافا لنا". و إشارات التعاون التي أظهرها الأسد لم تؤخذ بعين الاعتبار.
و لم يسجل الرئيس بوش و لا نائبه ديك تشيني لنظام الأسد أنه أصبح، كما قال البروفيسور الأميركي في العلوم السياسية كيليك بوغرا كانات ،" واحدا من أهم حلفاء السي آي ايه في مجال الاستخبارات من أجل الحرب ضد الإرهاب"، و لم يوفر النظام معلومات استخباراتية مصيرية تتعلق بهجمات للقاعدة فحسب ، بل قام أيضا نيابة عن السي آي ايه باستجواب متهمين بالإرهاب تم تسليمهم من قبل الولايات المتحدة من أماكن مثل أفغانستان و غيرها.
و معارضة سوريه للغزو الأميركي للعراق عام 2003، و الاشتباه بتورطها في شباط 2005 باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عمق من عداء الإدارة تجاه دمشق.
و بشكل سري ، بدأت واشنطن التعاون مع السعودية لدعم مجموعات معارضة إسلامية تضم الأخوان المسلمين، و ذلك وفقا لما ذكره الصحفي سيمور هيرش. و حدث بأن أحد المستفيدين الرئيسيين كان النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي انشق إلى الغرب عام 2005. و في آذار 2006 قام خدام ،إلى جانب زعيم الأخوان المسلمين في سوريه، بتشكيل جبهة الخلاص الوطني ، و هدفها إبعاد الأسد. و بفضل ويكيليكس علمنا بأن سياسيين لبنانيين هامين عملوا ،بالتنسيق مع قادة سعوديين، على حث واشنطن لدعم خدام كوسيلة لتحقيق تغيير نظام كامل في سوريه و مواجهة مشكلة إيران الأكبر.
و بنفس الوقت كان نظام الأسد يناضل بقوة لتقليص عزلته الدولية بالتوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل. و بدأت محادثات سريه بين الطرفين في تركيا عام 2004، ومع حلول السنة التالية "تم التوصل إلى صيغة متقدمة جدا تشمل قضايا متعلقة بالممتلكات و الماء و الحدود و مسائل سياسية " و ذلك وفقا لما قاله المؤرخ غابرييل كولكو .
و لقيت المحادثات دعم حشد من المسؤولين الإسرائيليين بما فيهم قادة جيش الدفاع الإسرائيلي و وكالة الأمن الإسرائيلي شين بيت و وزارة الخارجية. غير أن إدارة بوش عارضتهم، الأمر الذي أكده الرئيس المصري حسني مبارك في كانون الثاني 2007
و قال كولكو :"لقد كان دور إدارة بوش حاسما في إحباط أي اتفاق. دايفيد ويلش، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، شارك في اللقاء الأخير، و حضر ضابطان سابقان في السي آي ايه كل اللقاءات و قاما بإرسال تقارير نظامية إلى مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، و امتلأت الصحف بتفاصيل حول الدور الأميركي القاطع، لأن الحرب ، لا السلم ، كانت على رأس أجندتها".
في آذار 2007 كانت صحيفة McClatchy السباقة في نشر خبر قالت فيه أن "إدارة بوش شنت حملة لعزل الرئيس السوري بشار الأسد و إحراجه..و الحملة التي رافقتها مخاوف رسمية تهدف إلى زعزعة استقرار سوريه ،و قد بدأت منذ شهور، و تتضمن تصعيد الهجوم على سجل حقوق الإنسان في سوريه.. و يبدو أن الحملة كانت تحديا لتوصيات تقدمت بها "مجموعة دراسة العراق" في كانون الأول الماضي ، إذ حثت الرئيس بوش على الارتباط دبلوماسيا مع سوريه من أجل استقرار العراق و مواجهة الصراع العربي-الإسرائيلي.. وقال المسؤولون أن الحملة حملت بصمات ايليوت أبرامس ، من المحافظين المتعاونين مع البيت الأبيض لدفع أجنده بوش المتعلقة بالديمقراطية العالمية ".
من غير المفاجئ أن نائب الرئيس تشيني كان أيضا مقاوما عنيدا للعلاقات مع سوريه.
و في محاولة ثانية لفتح الطريق المسدود، نادى سفير سوريه لدى الولايات المتحدة ، في تموز 2008، بمحادثات لتحقيق اتفاق سلام شامل مع إسرائيل ، إذ قال عماد مصطفى في تعليق بثته إذاعة الجيش الإسرائيلي : "نطمح إلى أن نعترف ببعضنا البعض و إنهاء حالة الحرب..و عندها سيتحقق أمر عظيم، لنجلس معا، دعونا نصنع السلام ، دعونا ننهي مرة واحدة و للأبد حالة الحرب".
و بعد ثلاثة أيام ردت إسرائيل بإرسال فريق كوماندوس إلى سوريه لاغتيال ضابط سوري كان يقيم مأدبة عشاء في منزله على الشاطئ.و في تقرير سري وصفت وكالة الأمن القومي العمل بأنه "أول مثال على قيام إسرائيل باستهداف مسؤول حكومي شرعي".
و بعد شهرين فقط ، شنت القوات العسكرية الأميركية غارة في سوريه بزعم قتل عناصر من القاعدة، الأمر الذي أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين عزل. و كتبت صحيفة Daily Star في بيروت :" يشتبه بتورط بعض من أكثر الصقور عداء لسوريه و على مستوى رفيع في إدارة بوش ، بما فيهم نائب الرئيس تشيني، و رافق الأمر صمت الولايات المتحدة ما أثار لعبة تخمين من قام بالضبط بإصدار الأوامر أو الموافقة على الغارة عبر الحدود".
شجبت صحيفة New York Times الهجوم على أساس أنه انتهاك للقانون الدولي و قالت بأن التوقيت لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، و أشارت إلى " تزامنه مع تأسيس سوريه، و لأول مره، لعلاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان. ما يعتبر دليلا على جدية القائد السوري بشار الأسد في إنهاء حالة النبذ من الغرب، و هو إشارة إلى مصر و السعودية و الأردن ، الممقتين لتحالف الرئيس السوري مع إيران، بأن الأسد يطمح للعودة إلى المجموعة العربية ". و أضافت الصحيفة: "إذا كان الرئيس بوش و النائب تشيني قد أجازا عملا يخرب مباحثات السلام السورية –الإسرائيلية، و يعكس موجه التعاون السوري في العراق و لبنان، و يخدم إيران، فعندها يمكن القول أن بوش و تشيني لم يتعلما أي شيئ من أخطائهما و سوء تصرفاتهما الماضية"
و في مقابلة مع مجلة Foreign Policy ذكر السفير عماد مصطفى أن حكومته كانت قد بدأت للتو محادثات ودوده مع مسؤولين كبار في الإدارة ، بما فيهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايز، حين وقعت الغارة فجأة ، و أضاف : "أنا لا أصدق بأن الأشخاص في الإدارة كانوا يخدعوننا فعلا، أنا أعتقد بأنهم يريدون بصدق الارتباط سياسيا و دبلوماسيا مع سوريه. و نحن نؤمن أن هناك قوى أخرى ضمن الادراة مستاءة من هذه اللقاءات و قاموا بذلك من أجل تقويض البيئة الجديدة بأكملها".
و رغم هذه الاستفزازات الكثيرة استمرت سوريه بالتفاوض مع إسرائيل عبر وسطاء أتراك. و في أواخر 2008 ، و كما ذكر الصحفي سيمور هيرش" :" تم حل الكثير من الأمور التقنية المعقدة، و وضعت اتفاقيات مبدئية حول تطبيع العلاقات الدبلوماسية. و كان هناك إجماع،كما قال السفير الذي يعمل الآن في تل أبيب، على أن الطرفين كانا أقرب مما يمكن تخيله".. ثم بدأت إسرائيل في أواخر كانون الأول عملية الرصاص المصبوب، الهجوم المدمر على غزه و الذي أودى بحياة ألف و أربعمائة فلسطيني إلى جانب تسعة ضباط إسرائيليين و ثلاثة مدنيين.. يتبع..
عن مجلة Consortium News
الجمل
إضافة تعليق جديد