اليونيفيل لحماية لبنان أم إسرائيل

24-04-2008

اليونيفيل لحماية لبنان أم إسرائيل

لم تأت تهديدات الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري لقوات «اليونيفيل» من الفراغ... لكن طريقة التعامل معها من الجانب الدولي، كما مع مجمل الواقع الذي يحيط بها، لم تكدورية راجلة لجنود الاحتلال الإسرائيلي قرب نهر الوزاني أمسن بمستوى ما تحمله في طيّاتها من مخاطر باتجاه «القبعات الزرق» ومستقبل دورها الجنوبي واللبناني والإقليمي.
وإذا كان تهديد الظواهري هو الثاني من نوعه منذ انتشار «اليونيفيل» المعززة، غداة «حرب تموز»، فإن المعلومات الاستخباراتية التي تجمعت طيلة الشهور الأخيرة لدى الأجهزة اللبنانية والدولية، كانت تؤكد أن ثمة تواصلا قائما بين مجموعات من «القاعدة» أو تبرم «عقوداً» معها، وبين قياديين من «القاعدة» في العراق، وهو الأمر الذي ظهر جليا في أكثر من حالة، آخرها ما كشفه الموقوف حسام معروف الذي تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من نصب كمين أمني محكم له في عين الحلوة، قبل أن تتسلمه على أحد حواجزها.
وقد أظهرت التحقيقات مع معروف، عمق ارتباط بعض المجموعات السلفية في عين الحلوة، بقياديين في «القاعدة»، سواء ممن قتلوا على يد الأميركيين مثل الزرقاوي، أو الذين ما زالوا قيد الملاحقة مثل أبو حمزة المهاجر (أبو أيوب المصري) أو أبو عمر البغدادي...
وبينما كان الجيش اللبناني يحاول، محصناً بموقف العديد من القوى السياسية والشخصيات الروحية في صيدا والجنوب، تعطيل بعض «الصواعق الأمنية»، كانت «اليونيفيل» تتخذ سلسلة إجراءات، خاصة بعد حادثتي سهل الدردارة والقاسمية، تشمل المراكز والدوريات والتنقلات عموما، وخاصة على الخط الساحلي باتجاه العاصمة.
هذه الإجراءات لم تلغ وقائع أخرى، كانت «اليونيفيل» تتجاهل مدى تأثيرها السلبي عليها، وخاصة عندما كانت تتصرف في معظم الأحيان وكأنها تمثل العين الإسرائيلية، ميدانيا، في جنوب نهر الليطاني، وسياسيا في الإطار اللبناني كله، وهو الأمر الذي بات يهدد جديا علاقتها بالأهالي الذين كانوا ينظرون للقوات الدولية بوصفها سندا معنويا لهم في مواجهة الخروقات الاسرائيلية المتمادية.
لم يتولد هذا الاستنتاج من العدم. الوقائع كثيرة. تبدأ من التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرار ,1701 وكذلك من تقرير تيري رود لارسن حول القرار .1559 من يقرأ التقريرين يلاحظ وجود بصمات إسرائيلية على الكثير من صياغاتهما ومفاصلهما. يزيد الطين بلة عندما يقول بان كي مون أكثر من مرة إن هناك معلومات عن كذا وكذا (تسلح «حزب الله» وتهريب السلاح عبر الحدود وعن أعمال تجري جنوب النهر)، ثم يعود للقول إن «اليونيفيل» لا تملك أية أدلة تثبت صحة هذه المعلومات!
في المقابل، أظهرت المعطيات الميدانية على مدى أكثر من سنة ونصف ، وجود عقدة خوف من الإسرائيلي، بحيث لا تجرؤ «اليونيفيل» ليس في الحديث عن الخروقات الاسرائيلية المتمادية وحدودها وخطورتها، بل عن حوادث تتعرض لها من الجانب الاسرائيلي ويجري التغاضي عنها. والأمثلة كثيرة، آخرها تعرض فريق صيني لنزع الألغام لإطلاق نار من موقع جل العلام الإسرائيلي أثناء كشفهم على أحد الحقول في منطقة اللبونة جنوب الناقورة (13 شباط 2008). هذا الحادث وغيره مؤخرا في الوزاني (شباط 2008) وفي الغجر (شباط 2008) وفي كفركلا، بقيت كلها قيد الكتمان ولم يجر الاحتجاج على وقوعها على الرغم من تصنيف بعضها في خانة «الرصاص القاتل»(حادثة اللبونة).
لماذا لم يتضمن تقرير بان كي مون هذه المعلومات الموثقة في أرشيف «اليونيفيل»، بينما يتم اعتماد الروايات الإسرائيلية في ما خص «حزب الله»، كما يتم تكبير حادثة مفبركة من نوع تعرض «عناصر مسلحة لليونيفيل» في منطقة عملياتها، ما يمثّل «انتهاكا خطيرا للقرارين 1559 و1701»، بتاريخ 30 آذار، كما جاء في تقرير الأمين العام نقلا عن لارسن!
ذهبت بعض وحدات «اليونيفيل» أبعد من ذلك. لقد حوّل الاسرائيليون عبر ضباط ارتباطهم، القيادة الدولية في الناقورة الى أكثر من حائط مبكى وشكاوى. تحوّلت قيادة «اليونيفيل» بفعل الضغط الدولي (السياسي) والضغط الاسرائيلي الى مخفر، عليه أن يلاحق الجيش اللبناني يوميا، بوصفه المسؤول الأول عن الأمن والسيادة في منطقة جنوب النهر...
وهكذا، بدل أن يكون الجيش و«اليونيفيل» والأهالي، في موقع واحد هو حفظ أمن الجنوب ومنع الخروقات، وخاصة الاسرائيلية، كما ينص القرار الدولي نفسه، بدأوا يتحولون الى عناصر متضادة يتم تشغيلها في غير الوجهة الأساسية.
يريد الاسرائيلي لـ«اليونيفيل» أن تكون عبارة عن مخبر، وللجيش اللبناني عبر هذه «الأخبار» أن يكون مجرد شرطة تتقصى صحة أو عدم صحة شكاوى المخبرين، أما الأهالي، فعليهم أن يتحملوا بعض التصرفات التي لا تليق بالقوات الدولية، مثل التلصص على خصوصياتهم، بالكاميرات والمخبرين أو بإنشاء «شبكات أمنية لبنانية» كما فعل الاسبان في منطقة عملهم في القطاع الشرقي، مع إغراءات تتمثل بتوزيع أجهزة خلوية وخدمات ومساعدات مالية، والهدف «تقديم كل ما يلزم من معلومات حول «حزب الله» مدنيا وأمنيا وعسكريا واجتماعيا» الخ.... ولا من يسأل إلا بخجل عن «القاعدة» وبعض امتداداتها في المنطقة الحدودية!
لم يقتصر الأمر على «الشبكات». ثمة عملية مسح تقوم بها معظم وحدات «اليونيفيل» للقرى جنوب النهر. الديموغرافيا. الاقتصاد. الاجتماع. التربية. الصحة. البلديات. المخاتير. الأحزاب والقوى السياسية. أرقام الهاتف الخلوي والثابت... قد يكون الأمر مقنعا للبعض ولكنه يرسم علامات استفهام، خاصة عندما يردد أحد قادة الوحدات الدولية على مسامع بعض أعضاء مجالس البلديات بصورة مستمرة «أعطونا دراسات بمشاريع ونموّلها سريعا لكم». وعندما سئل عن السبب؟ أجاب «حزب الله» لم يكن ليتعاظم نفوذه في قراكم لولا الخدمات التي قدمها ويقدمها للأهالي... أفضل طريقة لإإضعافه تتمثل في البذخ على السكان المحليين»!
أغرق الإسرائيليون «اليونيفيل» بالشكاوى اليومية... بدورها، «اليونيفيل» تغرق الجيش بـ»الخبريات». تطلب مداهمة مكان أو فحصه.. شبهة سيارة وصاروخ وشاحنة ومراقبة ومغارة ومستوصف وسطح منزل... لا تكتفي «اليونيفيل»، فترسل دورية.. تزور بلدية. تسأل عن الملجأ فيتبين أنه مستوصف. تسأل عن شاحنة، فيتبين أنها تحمل أسماكا مجلدة.. إرهاق يومي للجيش واحتكاكات دائمة بالأهالي، كما حصل أكثر من مرة في الخيام وعيثرون وغيرهما...
ولكن ماذا عن الخروقات الاسرائيلية اليومية التي لا تعد ولا تحصى. في الجو. في البر. في البحر. من يحاسب الاسرائيلي اذا حطم البوابة الشمالية للغجر (حادثة 26 آذار المنصرم) وتقدم باتجاه «الخط الأزرق»؟ هل تكون المحاسبة بتعبيد الطريق ومن ثم إنارتها وترك البوابة المخلوعة مشرعة، حتى اذا أراد الدخول مرة ثانية تكون كل العوائق قد أزيلت من طريقه؟
كان الاتفاق مع «اليونيفيل» يقضي بأن يستقر من يريد من العائلات والموظفين في الأراضي اللبنانية، فهل ما زال الاتفاق ساري المفعول، أم انهم صاروا يتنقلون بين الجنوب اللبناني وشمالي فلسطين المحتلة؟
كان الاتفاق يقضي بنقل جنود «اليونيفيل» في الحالات الطارئة الى مستشفيات الجنوب وبيروت، لا الى مستشفى رامبام في حيفا؟ لماذا تم تجاوز القرار (نموذج الجندي الغاني الذي نقل في شهر شباط وتوفي لاحقا).
كان الاتفاق يقضي بعدم إقامة شبكة واحدة للسنترال الهاتفي الواصل من الجانبين اللبناني والاسرائيلي، فلماذا تم جمع الشبكتين في سنترال واحد، وألا يمكن أن يؤدي ذلك الى كشف كل شبكة الاتصالات الأرضية اللبنانية على الاسرائيليين، خاصة أن السلطات اللبنانية وصلت «اليونيفيل» بالشبكة المركزية في العاصمة بيروت، علما بأن هناك تقديرات حول قدرة الاسرائيلي على فعل ذلك بطريقة تقنية سهلة!
كان الاتفاق يقضي بأن تنتظم العلاقة باللبنانيين والاسرائيليين طبقا لقواعد الاشتباك، أي عبر ضباط ارتباط من الجانبين، ولا علاقة فرعية جانبية بين ضابط دولي من هنا وضابط لبناني أو إسرائيلي من هناك؟ هل يسري الأمر على علاقة «اليونيفيل» بالجيش اللبناني؟ الجواب: نعم. ومع الاسرائيليين؟ الجواب هو أن بعض الوقائع في البر والبحر ربما تشي بغير ذلك!
بهذا المنطق الدولي، تغادر «اليونيفيل» موقع الحكم. موقع الحامي. تصبح بحاجة لمن يحميها من بعض هناتها وربما أكثر اذا قرر من يراقب عملها أن ينسب اليها سوء النية.
طلب الاسرائيليون إعادة تعريف مفهوم «الأعمال العدائية» جنوب النهر وتحديدها. تصدى لهم الوفد العسكري اللبناني وقال للاسرائيليين إن هذه مسؤولية الأمم المتحدة وحدها.. بعد أيام لا تجد «اليونيفيل»، ماذا يضير عندما تنقل الرغبة الاسرائيلية للجانب اللبناني. تسأل عن «العدائي» و»غير العدائي» أو ما يندرج في خانة التحضير للاعتداء. كان الجواب أن الدخول في نقاش كهذا مرفوض. هذا فخ إسرائيلي ينصب لـ»اليونيفيل» لكي تصطدم بكل مواطن في جنوب النهر. سيصبح كل مواطن جنوبي، وحتى كل جندي في الجيش، مشتبها فيه حتى أثناء نومه أو تناوله النارجيلة، الى أن يثبت العكس للاسرائيلي من خلال «اليونيفيل».
نموذج المخاطر واحتمال المناورات التي يقوم بها جنود «اليونيفيل». هي تضع في الحسبان «القاعدة». تضع في الحسبان قيام الاسرائيلي بحرب جديدة ضد لبنان. أكثر من ذلك، ثمة قرار متخذ في القيادة الدولية ويقضي بالانسحاب الدولي من كل المواقع والانتشار دفعة واحدة (الـ13 ألف جندي دولي) على طول «الخط الأزرق»، من الناقورة حتى شبعا، من أجل محاولة منع الاسرائيلي من التوغل في الأراضي اللبنانية، وهذه شهادة حق لقوات «اليونيفيل». ولكن ماذا عن الهاجس الدائم المتمثل في كيفية اعتراض «حزب الله» ومواجهته؟ ماذا عن محاولة التمدد نحو شمال النهر (نموذج موقع القاسمية على الضفة الشمالية لليطاني)...
سعت الجهات المعنية مرارا، على قاعدة الحرص على تطوير العلاقة مع «اليونيفيل»، الى شرح المخاطر: الارهاب الذي يواجهنا هو إرهاب مشترك من أية جهة كان. واجبنا أن نحمي الأهالي لا أن نحمي الاسرائيلي. عليكم أن تشعروا البيئة التي تعملون في وسطها بأنكم تحرصون عليها حتى يكون هناك نوع من الاندماج. الحياد والموضوعية شرطان للاستمرار، والعكس يمكن أن يضر مهمتكم. اذا واجهتكم خروقات من الجانب اللبناني، فلا مانع من تسليط الضوء عليها وإثارتها، ولكن حاولوا أن تتحدثوا ولو بالحد الأدنى عن الخروقات الاسرائيلية، اذا لم يكن تجاه لبنان فتجاهكم أنتم تحديدا.
الفرصة متاحة وكبيرة أمام «اليونيفيل» لاستدراك ما يمكن استدراكه، وأن تظل المظلة الدولية الحامية للبنان كما نص على ذلك القرار ,1701 وباعتبارها ضرورة سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ونفسية، لا كما يريد تيري رود لارسن أو غيره من الموظفين الدوليين الغيارى على مصلحة اسرائيل أكثر من الاسرائيليين أنفسهم.
تجدر الاشارة الى أن الجانب العسكري اللبناني توصل في الأيام الأخيرة الى تسوية لقضية الجزء الشمالي اللبناني المحتل من بلدة الغجر، حيث تقرر أن ينسحب منه الاسرائيليون خلال شهرين، على أن يتم تسليمه لقوات «اليونيفيل» بمشاركة ضابط ارتباط لبناني يتولى مراقبة كيفية تنفيذ الجانب الاسرائيلي للقرار .1701 وقالت مصادر أن «اليونيفيل» باشرت في الأيام الأخيرة إدخال دوريات تقوم بأعمال استطلاع في المنطقة غير المأهولة بالسكان في الجانب الشمالي من الغـجر من دون تسجيل أية إشكالات حتى الآن (راجع القصة الكاملة للمفاوضات وصولا الى قرار الانسحاب من الغجر.

المصدر: السفير

إقرأ أيضاً:

هل أصبحت قوات «اليونيفيل» طرفاً في الصراع اللبناني


  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...