باي باي لبنان : فيلم سوري قصير
باي باي لبنان... هو عنوان فيلم وثائقي يحكي عن المخيم الفلسطيني في لبنان، بتوقيع الصحفي السوري نبيل الملحم.. الفيلم في استخلاصه النهائي يقول، وعلى لسان واحد من الاطفال الفلسطينيين:
-باي باي لبنان
ولكن الى أين سيمضي فلسطينيو لبنان اذا ما تركوا مخيمهم، ونحو أي شتات جديد سيذهبون؟
في الفيلم يظهر مجموعة من الشخصيات اللبنانية البارزة مثالهم هاني فحص .. كريم بقرادوني
-شخصيات وقيادات فلسطينية من داخل المخيمات.. من الجبهة الشعبية.. من الديمقراطية.. من فتح بشقيها، وكذلك من جماعة أبو العباس.
الكل متوافق على التالي:
- 73 مهنة محرم على الفلسطيني ممارستها في لبنان، وبطبيعة الحال فالقطاع الحكومي بكافة وظائفه ممنوع على الفلسطيني.. وباختصار:
- كل مهنة تتطلب مهارة أو علم أو موقع متقدم في الاعمال.
مسموح للفلسطيني أن يعمل سائق تاكسي عمومي.. مسموح له أن يعمل فران أو في الصرف الصحي، ومسموح له أن يعمل في كل المهن الهابطة.
السادة المتحدثون في الفلم، متوافقون على ضرورة تحسين الوضع المعيشي للفلسطيني، ومتفقون على ضرورة أن التوطين خيانة عظمى بحق الشعب الفلسطيني واللبناني على السواء، بالاضافة الى ما يشكل من اختلال بالمعادلة الطائفية اللبنانية وبتوازن الصيغة القائمة على الطائفة.
ما المتاح للفلسطيني في لبنان،وما المتاح مابعد لبنان ان كان ثمة (بعد)؟
عين الحلوة هو المخيم الابرز من بين المخيمات الفلسطينية.. ربما يعود لمعان الاسم الى اختلاطين معا:
- دم المخيمات وقد شهدته أحداث لم تنقطع منذ 1976 وصولا الى 1985ومابعدها.
- رسومات ناجي العلي التي كرست عين الحلوة في الذاكرة الشعبية، وقد وقع رسوماته الكاريكاتيرية (بصبي/حنظلة) يدير ظهره للناس.
عين الحلوة:
تشير التقديرات الى أن ساكنا واحدا في كل متر مربع من المخيم، فهو من أشد المناطق في العالم كثافة سكانية، محروس ببابين.. باب من الجهة الشمالية وباب من الجهة الجنوبية، وأمام كل باب فريق من العسكر اللبنانيين يتلوهم فريق من قوات عسكرية فلسطينية، بهدف حراسة المخيم والتدقيق بهوية الداخل والخارج منه.. واحد من عناصر الجبهة الشعبية يطلق على المخيم اسم:" المعزل" وكان بوسعه أن يسميه السجن ان أراد ولن يختلف الامر مابين التسميتين..
في هذا المعزل مساكن عشوائية بنيت بالمتاح من مواد البناء.. اسمنت مع خلائط من الزنك والخشب التالف..
-الصرف الصحي معدوم والماء المالح يختلط بماء الشرب
الأزقة مليئة بالاطفال فمدارس الاونروا لن تتسع لكل هذا الكم الهائل من الاطفال، والفلسطينيون يتكاثرون بنسب عالية.
د. دلال السلطي، تحيل هذا التكاثر الى عاملين، أولهما أن الثقافة الفلسطينية، قامت في جزء كبير منها على عنصر البقاء والبقاء يتطلب تكاثرا ولولاه لانقرض الفلسطينيون لاسباب وظروف العيش والتهجير المستمر وكذلك المجازر التي تعرضوا منذ النكبة ..
سيؤيد (المكوجي) أحمد الراميني كلام دلال ويضيف عليه القول المأثور : الارزاق بيد الله، وستؤكد عجوز عاجزة ما يقوله الاثنان بتأكيد أن عدد أحفادها يبلغ الآن 62 حفيدا وأنها لو استطاعت الاستمرار بالانجاب لما توقفت.
ثمة من يعترض.. المعارض الابرز من بين المعترضين شاب صغير،اسمه جهاد شديد، جهاد يقول أن والده متزوج من سيدتين، كل منهما أنجبت ستة أطفال، وأنهم يعانون الكثير من الجوع.. الحرمان .. وأنه مضطر أن يعمل في كل الاعمال الموسمية:
-قطف الليمون، أعمال البناء، وحتى في خدمة المنازل وتعزيل الاسيقة، وأنه لم ير في حياته يوما واحدا يقول أن شهد الطفولة :
-مرة واحدة جلب لي أبي هدية.. فرد فلين .. كان ذلك لمناسبة عيد الاضحى.. فيما بعد عرفت أنه عثر على هذا الفرد مرميا في الطريق، وحين أعطاني اياه رفعه وقال لي:
- ثورة حتى النصر.
جهاد يعترض على اسمه ، كان يود لو حمل اسما آخر ليس من مشتقات الكفاح والجهاد والنضال، وحين طلبنا منه اختيار اسم بديل ضحك وقال:
- ليت اسمي نانسي عجرم.
جهاد، ربما كان شديد الجرأة حين تمنى اسما ساخنا كاسم نانسي عجرم، فقوات العقيد (مقدح) كانت تتجول بمحاذاتنا.. قوات العقيد مقدح سلطة أمر واقع على سكان المخيم، وهذه القوات تريد فلسطين من الماء الى الماء، خصوصا وأن العقيد (مقدح) يعتقد أنه مستهدف من الاسرائيليين بعد أن أطلق لحيته وصار قارئا للقرآن دون أي حساب للارتكابات اللغوية الحادة التي يقع فيها عند تلاوته.. العقيد يقول لمخرج الفيلم نبيل الملحم أن الطيران الاسرائيلي يطارده والموساد كذلك، ومخرج الفيلم الذي تعامل بكثير من السخرية مع مقدح، يوضح لنا صلته بمقدح.. مخرج الفيلم يجيبنا بـ:
- عرفته خلال حرب المخيمات عام 1985 ، كنت صحفيا مع الصحفيين المحاصرين في المخيم، يومها كنت قد جئت من ليماسول أحمل مبلغا أرسله معي صلاح خلف (ابو اياد) الى المخيم كمعونة للمخيم أثناء حصاره.. الذي أخذ المبلغ مني كان مقدح.. ما حصل أنه لم يعط المال الى المقاتلين.. يومها كان مجرد صبي.. صبي لصبي عند صلاح خلف، وكان واحدا من الذين قاموا بتصفيات لعناصر من تيار ابو جهاد خليل الوزير.. فجأة لمع اسمه وصار :"القائد مقدح".
قوات (القائد) تنتشر اليوم في كل زاوية من زوايا المخيم، أفراد مدججون بالاسلحة .. كلاشينكوفات.. قنابل يدوية.. مسدسات على الخصرين، وهم في معظمهم من الفارين من جرائم مدنية، هؤلاء الفارون يشكلون رعبا حقيقيا لسكان المخيم، فيما سيظهر تيار آخر، تيار لا يقل سلاحا عن سلاح مقدح، بفارق أن لحى مجموعة مقدح لحى طبيعية، الاسود فيها أسود والمشوب منها بالبياض مشوب بالبياض، أما اللحى الاخرى فهي لحى مصبوغة بالحناء الحمراء في اشارة صريحة لتيار اسلامي يمتد الى بن لادن والزرقاوي ومدرستهما، وهؤلاء يقتلون بدم بارد ويسيطرون على الجوامع والمصلين.
بين التيارين يقف سلطان أبو العينين، العقيد في السلطة الفلسطينية خارج أرض السلطة الفلسطينية، وقد كان محكوما بالاعدام أيضا ، ولأسباب جنائية، غير أن الصيغة الاقليمية لم تسمح بمطاردته واحضاره الى القضاء، فيما محطات التلفزة تجري معه الكثير من اللقاءات، لقاءات يظهر فيها بربطة عنق وبذلة رسمية، متعمدا الحديث باللغة الفصحى المشوبة بالكثير من الالفاظ العامية المتداولة في السوق السياسي العربي.
كل هؤلاء، كان بمقدورهم الحيلولة دون أن يكمل جهاد حلمه في أن يصبح نانسي عجرم.. كل هؤلاء كان بمقدورهم اغلاق فم جهاد وحلمه أيضا، ولكن جهاد سيتابع متلفتا حوله:
- بدفع عمري ثمن فيزا الى كندا أو أمريكا أو استراليا أو حتى السعودية ، وحين نسأله عن العودة الى فلسطين يتذكر مفتاح جدته ويقول:
- جدتي حملت مفتاح بيتها في جنين وهربت بالمفتاح على أساس رح ترجع.. رجعت؟؟ لا ما رجعت..
دون شك فان هذا الكلام سيثير المكوجي، سيكسر حلما منكسرا سلفا فيضاعف الانكسار.. المكوجي يعقب على كلام الصبي يحزن:
-هاي اخوانا عملوا سلطة بفلسطين، قولتك رحمونا كتير؟ الله يخزيهم خزونا نازلين ببعضن طخطخة.
كرة القدم ستقاطع المكوجي، فقد خبطت زجاج دكانه.. الرجل سيضحك للاطفال ويقول:
-ولاد بدن يلعبوا.
في حقيقة الامر ليس متاحا لابن المخيم أن يلعب كرة قدم، فالمتاح العاب أخرى.. كرة القدم تتطلب ملعبا ومساحات، وأعرض زقاق في المخيم لا يتسع لقدم طفل ينطط الطابة ويلقيها الى : زجاج دكان المكوجي
أطفال عين الحلوة يلعبون: بوليس وحرامي.. يلعبون العاب :" ثورة حتى النصر"، يلعبون ملاكمة ومصارعة وجودو وكاراتية ولكن بالتأكيد لن يلعبوا كرة القدم والدليل أن لا فريق وطني فلسطيني حتى اليوم.
أسباب كثيرة ستقطع على المكوجي كلامه، فثمة مجموعة تلفزيونية تصور ريبورتاجا .. منسق المجموعة يطلب الهدوء.. منسق المجموعة يعطي أوامره للعابرين تماما وكأنه يصور في استوديو أو دراما تلفزيونية..
سأجد نفسي مضطرا أن أقول له:
- هذا خطأ تقني وانتاجي، فالوثائقي هو الاحوج الى جو عام.. الضجيج جزء من الجو العام .. بشرفك لا تحرم الفيلم من الضجيج
منسق أعمال الفيلم الذي يتطلع الي بالكثير من الازدراء، يبعدني براحة يده فأضطر أن أقول له:
- باي باي باي عين الحلوة .. باي باي لبنان .
المصدر: البوابة
إضافة تعليق جديد