بيئة الأمن السياسي في الشرق الأوسط
الجمل: تتميز بيئة الأمن السياسي الشرق أوسطي بالتغير والتبدل الدائم، وذلك بسبب التغيرات والوقائع الدراماتيكية التي ظلت متسلسلة الحدوث.
أبرز المعطيات الجديدة التي برزت إلى السطح تتمثل في الآتي:
- الضعف السيادي اللبناني.
- إخراج حركة فتح من قطاع غزة.
- فشل خطة أمن بغداد.
- التهديد التركي باقتحام شمال العراق عسكرياً.
- استمرار الصراع المسلح اليمني الداخلي.
- تزايد المعارك في الصومال.
- تزايد الصراع الدولي والداخلي حول دارفور.
- تزايد حدة المعارك في أفغانستان.
• البعد الهيكلي:
على الصعيد الهيكلي البنائي، تزايدت حدة الاستقطابات بين كيانات الشرق الأوسط السياسية، الممثلة في معسكر المعتدلين العرب (مصر، الأردن، السعودية، حكومة السنيورة، حركة فتح)، ومعسكر الرافضين لمشروع الهيمنة والنفوذ الإسرائيلي- الأمريكي المكون من (سورية، إيران، ليبيا، السودان، المقاومة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، والمقاومة العراقية..).
وبين هذين المعسكرين برز في هذه الفترة معسكر ثالث يتمثل في الدول والحكومة العربية والشرق أوسطية التي قررت أن تقف حالياً موقف المحايد غير المبالي بالصراع الدائر حالياً. مثل (دول المغرب الغربي، وبعض دول الخليج) بسبب الضغوط المزدوجة التي يواجهها أطراف هذا المعسكر، فهي من جهة تواجه ضغوطاً داخل البنية الداخلية، (فتح تواجه ضغطاً من حماس)، (الحكومة المصرية تواجه ضغطاً من المعارضة الإسلامية والعلمانية)، (الأردن تواجه ضغطاً من المعارضة الإسلامية)، (السعودية خوفاً من مواجهة الضغوط الإسلامية الداخلية والخارجية أصبحت لا تظهر على المسرح السياسي، وفقط تقوم بدور الممول الذي يقدم المال تفادياً لغضب إدارة بوش)، (وحكومة السنيورة أصبحت عاجزة تماماً عن القيام بأي دور إقليمي، وفقط سينحصر دورها في المعسكر على الاستقواء بالغرب في عميلة التغلب على المعارضة الداخلية، وذلك عن طريق تقديم المزيد من التنازلات لأمريكا وإسرائيل عن القضايا والمسائل الخاصة بالسيادة اللبنانية).
ارتفع مؤشر الترابط العضوي بين دول وكيانات معسكر الرافضين للنفوذ الإسرائيلي- الأمريكي، وذلك لأن دول وكيانات هذا المعسكر تتمتع بالتأييد الشعبي الواسع ولا تواجهها أي مشكلة معارضة داخلية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز التماسك الداخلي في هذا المعسكر.
• البعد القيمي:
تطور النسق القيمي السياسي خلال الفترة الماضية، ولم يعد الرأي العام العربي يهتم بقضايا العولمة والخصخصة والانفتاح على أمريكا والاتحاد الأوروبي، وبالمقابل فقد زاد الاهتمام بجملة من القضايا، أبرزها:
- القضية الفلسطينية وتطوراتها الراهنة والمحتملة: وبرغم عدم تأييد الرأي العام العربي لإقامة الدولة الدينية في قطاع غزة، إلا أنه كان غير آسف على هزيمة وإخراج حركة فتح من قطاع غزة.
- العلاقات الأمريكية- العربية: الأداء السلوكي لإدارة بوش في المنطقة، وما ترتب عليه من جرائم وكوارث أحرقت كل الرصيد الإيجابي القيمي الذي تبثه أمريكا في الشارع العربي خلال الحقب الماضية سواء عن طريق تقديم المعونات لمصر والأردن، والسلطة الفلسطينية، أو عملية تحرير الكويت، وحماية أمن الخليج، ولم يعد لأمريكا من شيء في العالم العربي سوى الحكومات العربية التي يتوقف بقاؤها في السلطة على التمسك بأمريكا وبإدارة بوش، ولم يحترق رصيد أمريكا في البلدان العربية فقط، بل وفي تركيا التي أصبحت تشهد حراكاً شعبياً واسعاً يحمل في أحشائه بذور العداء للولايات المتحدة والغرب. ومن الدلائل المؤكدة لهذا التحول القيمي في الرأي العام التركي أن نتائج آخر الاستطلاعات تقول بأن 70% من الأتراك لم يعودوا يؤيدون الانضمام للاتحاد الأوروبي. وذلك بعكس الاستطلاعات السابقة التي كانت فيها نسبة المؤيدين 70%!!
- الخلافات العربية: السياق القيمي للخلافات العربية- العربية كان يقوم على القضايا العربية الداخلية مثل التعاون الاقتصادي والحدود، والتنافس على الزعامة بين القادة العرب، وكانت جميعها قيماً مشروعة.. وكانت هناك قيم ثابتة مثل مقاطعة إسرائيل، وعدم استقبال القواعد الأمريكية، ودعم ا لنضال الفلسطيني.. أما الآن فقد تغير هذا السياق القيمي، ودخلت الكثير من القيم المعاكسة، والشديدة، الضرر، ولم يعد الأمر مقتصراً على استقبال القواعد الأمريكية، بل على استقبال محطات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتنسيق الاستخباري مع جهاز الموساد الإسرائيلي، وتمويل العمليات العسكرية والاستخبارية السرية التي تشنها أمريكا وإسرائيل ضد الدول العربية نفسها!!
• البعد التفاعلي:
اجتماع العقبة الذي هدف للتنسيق الاستخباري بين الموساد وأجهزة أمن مصر، الأردن، والسعودية، والسلطة الفلسطينية، هو اجتماع يشكل نقطة تحوّل بارزة في التفاعلات الجارية في المنطقة، وذلك لأنه شكّل نقطة الانطلاق الأولي لتفشي وسيادة مبدأ (إن لم تستح فافعل ما تشاء)، وحالياً تتورط بعض الحكومات العربية في القيام بدور الوكيل الإسرائيلي- الأمريكي، وتعمل من أجل دعم إسرائيل وأمريكا أكثر من دعمها لشعوبها.
أبرز التفاعلات المتوقعة يتمثل في ظهور وبروز لبنان كدولة فاشلة في المنطقة تعمل على استضافة القواعد العسكرية الأمريكية، وإسناد أنشطة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية ضد سورية والفلسطينيين وأيضاً ضد القوى الوطنية اللبنانية، وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني.. وسوف يؤدي هذا الدور إلى انهيار ما تبقى من سيادة لبنان، وعندها سوف تصل الدولة اللبنانية إلى حالة الانكشاف الكامل، وسوف تحاول الاستقواء بالقوات الدولية وأمريكا وإسرائيل، بشكل يترتب عليه اندلاع صراع داخلي لبناني، تتورط فيه الكثير من الأطراف الدولية بما فيها قوات اليونيفيل الموجودة حالياً، والتي تقوم حكومة السنيورة بالتعاون مع أمريكا وإسرائيل من أجل تعديل اختصاصات قوات اليونيفيل بما يعطيها حق وصلاحية الانتشار على طول الحدود اللبنانية- السورية، وأيضاً صلاحية التفتيش والمداهمة وإقامة الحواجز (لمحاربة الإرهاب) داخل لبنان.
الأردن أصبح واضحاً أنها سوف تتورط في الضفة الغربية، ومصر في قطاع غزة، وإن كانت مصر تحاول تفادي ذلك عن طريق إقناع الولايات المتحدة بأن تورطها في قطاع غزة سوف يؤدي إلى توريطها في مشاكل داخلية مع الحركات الإسلامية المصرية التي أصبحت أكثر نشاطاً وتحفزاً من ذي قبل.
صراع فتح- حماس سوف لن يتوقف، وسوف تكون فرصة فتح ضئيلة في البقاء بالضفة الغربية، وسوف تؤدي أي هزيمة لفتح في الضفة إلى خروج السلطة الفلسطينية إلى خارج الاراضي الفلسطيني لتصبح (سلطة في المنفى)..
بالنسبة للعراق، سوف يتأثر العراق كثيراً بالوجود الأمريكي الذي سوف يستمر لفترة قد تمتد على الأقل إلى نهاية عام 2008م، (التاريخ المحدد لانتهاء إدارة بوش)، إلا إذا استطاع الديمقراطيون النجاح في دفع الكونغرس الأمريكي لإصدار قرار يلزم الإدارة الأمريكية بالانسحاب.. وهو أمر يتطلب الحصول على تأييد أكثر من ثلثي الأعضاء، وهو أمر لا يتوفر للديمقراطيين في هذا الوقت، خاصة وأن بعضاً منهم يؤيد بطريقة أو بأخرى وجود القوات الأمريكية في العراق.
كذلك سوف تنخفض موجة الصراعات العراقية- العراقية، وسوف تبدأ حركة نهوض عميقة لمقاومة عراقية، وإن تعددت فصائلها، فإن هدفها سوف يكون موحداً، وهو إنهاء الاحتلال الأمريكي، وإذا حدث وانسحبت القوات الأمريكية فإن الصراع الأقرب للاندلاع سوف يكون هو الصراع الكردي- العربي، والكردي- الكردي، على النحو الذي سوف يدفع تركيا للتدخل إلى الجانب العربي.
وعموماً، فإن الفوضى الخلاقة التي تسعى أمريكا وإسرائيل إلى إثارتها وتأجيج نيرانها في المنطقة سوف تضر أولاً وأخيراً بإسرائيل وحلفائها في المنطقة، وأيضاً بالمصالح الأمريكية، وذلك لسبب واضح يتمثل في أن الرأي العام العربي أصبح أكثر معارضة لإسرائيل وأمريكا وحلفائهما في المنطقة، وفي حالة اندلاع الصراع فإن الطرف الذي سوف ينتصر هو بالضرورة الطرف الذي يتمتع بدعم السكان المحليين، وهو الجانب الذي لم يحسب له منظّرو الفوضى الخلاقة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد