تحرير أمريكا من إسرائيل : بول فيندلي
الجمل : ما كان الحادي عشر من أيلول ليحدث، لو أن حكومة الولايات المتحدة قد رفضت وكفت عن مساعدة إسرائيل في التنكيل بالشعب الفلسطيني. ورغم أن القليلين يعبرون صراحة عن هذا الرأي، إلا أن الأغلبية العظمى تقتنع بأن هذا حقيقة. وأنا أعتقد بأن الكارثة كان من الممكن تجنبها لو تمتع أي رئيس أمريكي خلال الـ 35 عاماً الماضية، بالشجاعة والحكمة الكافية، وأوقف كل المساعدات والمعونات الأمريكية لإسرائيل، وذلك كي تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها في الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967.
يعتبر اللوبي الإسرائيلي في أمريكا قوياً ومرعباً، ورغم ذلك فإن أي رئيس يتمتع بالعزيمة – حتى لو كان الرئيس بوش في هذه الأيام الصعبة – يمكن أن يكسب تأييداً شعبياً عاماً لإيقاف الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذا قام بطرح الحقائق الآتية، أمام الشعب الأمريكي:
-إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وكسابقاتها، مصممة على ضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة)، بحيث تصبح إسرائيل بمثابة إسرائيل الكبرى.
-إن اليهود الأرثوذكس المتشددين، والذين يتمتعون بدور قوي في السياسة الإسرائيلية، يعتقدون بأن المسيح اليهودي سوف لن يأتي أو يظهر إلا بعد أن يتحقق قيام إسرائيل الكبرى.
-يقوم الإسرائيليون بالعدوان والعنف ضد الفلسطينيين، بناء على اعتقادهم العميق بضرورة منع الفلسطينيين من إقامة دولة على أي جزء من الضفة الغربية.
-تستخدم إسرائيل، في حملات اعتداءاتها ضد الفلسطينيين ، ذريعة مسبقة، تقوم على أساس اعتبارات استئصال الإرهاب، ولكن قواتها تقوم على وجه التحديد بتصعيد التوسع في ضم الأراضي.
-تحت ذريعة القضاء على الإرهاب، تقوم القوات الإسرائيلية بإذاقة الفلسطينيين أسوأ أنواع العذاب.
-العدوان الإسرائيلي، لا مثيل له الآن في أي مكان من العالم، فهو يعتقل المئات لفترات طويلة، إلى حد اغتيال البعض ومن ثم تدمير المنازل وتخريب البساتين، وأماكن العمل. إضافة إلى أن مدناً بأكملها قد وضعت تحت حظر التجول لفترات غير محدودة، وطبق عليها حصار لفترات امتدت لأسابيع.
-تقوم إسرائيل باحتجاز المرضى والجرحى الفلسطينيين الذين يحتاجون للعناية الطبية، تحت ذريعة الإجراءات الروتينية عند الحواجز الإسرائيلية لعدة ساعات، وربما أكثر، وعادة ما يكون بينهم عدد من الأطفال وصغار السن.
-أصبحت الضفة وقطاع غزة مكاناً لتمركز مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المتمردين.
ما كان لأي من هذه الأمور أن يحدث لولا دعم الولايات المتحدة، على خلفية أن كل المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون بأن الحياة غير ممكنة ولا تطاق إذا لم يغادر الفلسطينيون وطنهم وبلادهم.
أصبحت حكومة الولايات المتحدة مذمومة في كل بلدان العالم، وذلك لأنها تقدم دعماً غير مشروط لانتهاكات إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة، وللقانون الدولي، ولمبادئ كل المعتقدات الدينية في العالم.
إذاً، كيف يمكن للشعب الأمريكي أن يفهم هذا التحول؟
تمتد جذور الحادي عشر من أيلول إلى 35 عاماً مضت، وذلك عندما شرع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة بتحقيق نجاحاته الهائلة عن طريق الحوار الخادع حول الدور الصحيح للولايات المتحدة في الصراع العربي – الإسرائيلي، واستطاع بفعالية أن يحجب عن الوعي العام حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة تقدم دعماً هائلاً غير محدود لإسرائيل.
وبفضل النفوذ القوي، فقد استطاع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أن يخنق كل محاولة لفتح حوار حول الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى الحد الذي جعل هذا الحوار غير موجود في حكوماتنا طوال هذه الأعوام. ومعرفتي بهذا الأمر، هي من مصدره الأصلي، وذلك لأني كنت عضواً في لجنة الشؤون الخارجية، التابعة لمجلس النواب الأمريكي في حزيران 1967، عندما احتلت القوات الإسرائيلية مرتفعات الجولان السورية، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد بقيت عضواً لفترة 16 عاماً، وإلى الآن ما أزال أتابع بشكل وثيق ما يحدث في الكونغرس.
على مدى 35 عاماً، لم يحدث أن قيلت كلمة واحدة في تلك اللجنة ولا في لجان مجلس النواب والكونغرس، تستحق أن توصف بأنها تمثل مطالبة بحوار حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. كذلك، وعلى مدى عشرين عاماً، لم يتم طرح أي تعديلات محددة لتقديم المعونة لإسرائيل. وكل من حاول مجرد التلميح بذلك – رغم قلة عددهم خلال الفترة السابقة – قوبل بحزمة من الأصوات التي لم تكن تتعدى أصابع اليد الواحدة. وفي الكابيتول هيل (البيت الأبيض) يعتبر انتقاد إسرائيل أمراً محرماً وغير وطني بالمطلق، ومعادياً للسامية. وقد أصبح التغييب المستمر للحديث الحر مؤكداً، عندما تجرأ بعض رجال الكونغرس على التحدث صراحة وعلنية، منهم: أدلاي ستيفنسون، وتشارلز بيرسي، وبول ماكلوسكي، وسينزيا ماكيني، وإيرل هيليارد، إضافة إلى شخصي أنا. وهؤلاء تمت هزيمتهم جميعاً على يد نواب يتلقون تمويلاً هائلاً من القوى المؤيدة لإسرائيل.
وكنتيجة لذلك، وعاماً بعد عام، أصبحت الأمور التشريعية المتعلقة بالشرق الأوسط، أكثر تحيزاً لصالح إسرائيل، وضد الفلسطينيين والعرب. وبالتالي فقد تم تضليل الناخب الأمريكي بواسطة الأخبار التي تبث ما يدعم مصلحة إسرائيل، لدرجة أن الناخبين الأمريكيين لا يدركون بأن الكونغرس الأمريكي أصبح يتصرف كما لو أنه لجنة فرعية من البرلمان الإسرائيلي.
وعلى أي حال، فقد لوحظ التأييد الأمريكي، من خلال قيام وسائل الإعلام خارج الولايات المتحدة بالتغطية الواضحة والصريحة ودون تحيز لصالح الاحتلال والعدوان الإسرائيلي والتنديد علناً بمشاركة وتورط أمريكا. هذا، وعندما رحب الرئيس بوش برئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون – والذي يطلق عليه أحياناً جزار بيروت – قائلاً: «صديقي العزيز» و«رجل السلام»، كان ذلك، بعد أن قامت القوات الإسرائيلية، مستخدمة الأسلحة التي منحتها إياها الولايات المتحدة، بإكمال اجتياحها للضفة الغربية، على النحو الذي ولَّد غضباً عارماً في سائر أنحاء العالم ضد السياسة الأمريكية، وصل إلى حده الأقصى.
وهذا الغضب المتولد والمتفاقم، يجب ألا يدهش كل من يقوم بقراءة الصحف الأجنبية أو يستمع إلى هيئة الإذاعة البريطانية. وفي عدة تصريحات تلفزيونية، قبل الحادي عشر من أيلول، ما يشير إلى أن السلطات الأمريكية كانت تعتقد بأن أسامة بن لادن، يقوم بتدبير ما يمكن تشبيهه بالحادي عشر من أيلول، وذلك على خلفية استشهاده الدائم بتورط ومشاركة الولايات المتحدة في الاعتداءات الإسرائيلية الهادفة للقضاء على الفلسطينيين، معتبراً أن أمريكا هي مصدر العلة.
وقد عبرت الكثير من الشخصيات العالمية، داخل وخارج الحكومات، عن عدم رضاها ومعارضتها لسياسات الولايات المتحدة المتشددة على نحو غير مسبوق، وبالذات بدءاً من لحظة إعلان الرئيس بوش تصميمه في شن الحرب على العراق.
استمر تهديد اللوبي الإسرائيلي. وعلى ما يبدو فإنه استطاع الوصول إلى كل مرفق حكومي، وإلى بيوت العبادة، واخترق حرمة مؤسسات التعليم العالي، وأصبح فعالاً حتى في إسكات بعض يهود الولايات المتحدة الذين يعارضون تكتيكات هذا اللوبي ووحشية إسرائيل.
ليس هناك ما يبرر أو يسوغ الحادي عشر من أيلول، وبالتالي فالمذنبون يستحقون العقوبة القصوى، إلا أن ذلك بالضرورة يجب أن يدفع أمريكا إلى الاهتمام والتدقيق في الدوافع التي أدت إلى ذلك. فالإرهاب عادة يظهر جراء الإحساس والشعور العميقين بالمظالم، وإذا تمت إزالة المظالم، فإن مشاعر الغضب التي تخلق الرغبة بالإرهاب تهدأ وتخمد.
والآن، في فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول، لم يقم الرئيس بوش بأي محاولة من أجل إصلاح أو معالجة المظالم، بل إنه لم يشر على ذلك حتى. وفي الحقيقة، فقد تسبب في جعل المشهد أكثر سوءاً، وذلك بدعمه وتأييده للحرب الدينية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وأصبحت إسرائيل تمثل حليف الولايات المتحدة، الأمر الذي يتسبب في توليد أكثر أنواع الغضب المعادي لأمريكا. ويبدو أن الرئيس بوش قد تناسى حقيقة أن حوالي ملياري شخص في مختلف أنحاء العالم ينظرون باهتمام إلى ورطة الفلسطينيين، باعتبارها التحدي الأكثر أهمية للسياسة الخارجية الراهنة. ولا أحد في السلطة يريد أن يعترف بالواقع وبالحقيقة الفاجعة التي تم إخفاؤها بمهارة عن الشعب الأمريكي، رغم أنها جلية لمعظم العالم: لقد عانت أمريكا من الحادي عشر من أيلول وما ترتب عليه من دخول في الحرب ضد العراق، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى أن السياسة الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط، يتم إعدادها وصنعها في إسرائيل، وليس في واشنطن.
إسرائيل أمة تستخف بالقانون، ومن الواجب التعامل معها على هذا الأساس. وبدلاً من مساعدة شارون في تصعيد معاناة الفلسطينيين، فإنه يتوجب على رئيس الولايات المتحدة، أن يوقف كل المعونات حتى تنهي إسرائيل احتلالها للأراضي العربية التي احتلتها عام 1967. وإيقاف المعونات الأمريكية سوف يؤدي إلى رضوخ شارون، ويقود إلى الإطاحة به عن منصبه، طالما أن الناخبين الإسرائيليين لا يستطيعون تحمل رئيس وزراء يخالف البيت الأبيض. وإذا أراد الرئيس بوش سبباً إضافياً للقيام بما هو صحيح، فبإمكانه أن يبرر وقف المعونات باعتباره أمراً يتعلق بالاعتبارات العسكرية والضرورات القصوى، وهو ما يمثل خطوة جوهرية في كسب الدعم العالمي للحرب ضد الإرهاب. وبالتالي يكون قد أرسى خطوة لا سابق لها.
إذا استطاع بوش أن يوقف المساعدات والمعونات الأمريكية، فإنه سوف يكون قد حرر الأمريكيين من عبوديتهم لجرائم إسرائيل التي استمرت سنوات طويلة.
الكاتب:بول فيندلي
الجمل : قسم الترجمة
المصدر : سي. إن . آي
إضافة تعليق جديد