تهجير الفلسطينيين من الضفة يدخل اليوم حيّز التنفيذ

13-04-2010

تهجير الفلسطينيين من الضفة يدخل اليوم حيّز التنفيذ

أثار القرار الإسرائيلي بتهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية موجة استنكارات عربية وفلسطينية واسعة، وصفته بأنه «تطهير عرقي» حسب تعبير الرئيس بشار الأسد وأجمعت السلطة الفلسطينية والتنظيمفلسطينيون خلال مواجهات مع قوات الاحتلال قرب السياج الأمني الإسرائيلي قرب خان يونس في قطاع غزة أمسات المعارضة لها على التحذير من مخاطره، داعية الجامعة العربية التي ستعقد اجتماعاً طارئاً لمناقشته الى تحرك عاجل لمنع تنفيذه المقرر اليوم، فيما كان موقف الأردن مفاجئاً بإعلانه أن إسرائيل نفت وجود مثل هذا القرار الذي نشرت نصه وصوره الصحف الإسرائيلية.
وقد أرسلت عشر منظمات إسرائيلية لحقوق الإنسان رسالة الى وزير الدفاع ايهود باراك طالبته فيها بالعمل على إلغاء أمرين عسكريين جديدين يسمحان بطرد جماعي وفوري من الضفة الغربية لعشرات آلاف الفلسطينيين والأجانب الذين باتوا يعرفون كـ«متسللين». ومن بين هذه المنظمات «جمعية حقوق المواطن»، «عدالة»، و«حراس القضاء ـ حاخامات من أجل حقوق الإنسان». وأعلنت هذه المنظمات أن الأمرين العسكريين غير قانونيين ويتيحان مساً متطرفاً وتعسفياً بعدد هائل من الناس.
وكانت «هآرتس» قد نشرت أمس الأول أن الجنرال غادي شماني، بوصفه قائد الجبهة الوسطى وقائد الجيش في الضفة الغربية، أصدر في 13 تشرين الأول الماضي أمرين عسكريين، يتناول الأول توسيع تعريف التسلل، فيما يتناول الثاني الإجراءات الأمنية في هذا الشأن. وأشارت الصحيفة إلى أن الأمرين يدخلان فعلياً حيز التنفيذ اليوم بعد مرور نصف عام على التوقيع عليهما.
وشددت المنظمات الحقوقية الإسرائيلية في رسالتها على أنه «مع دخول الأمرين حيز التنفيذ قد يجد كل فلسطيني في الضفة نفسه أمام خطر تقديمه للمحاكمة الجنائية وطرده عملياً من دون إجراء استئناف أو رقابة». وذكّر الخطاب باراك بأن قائد المنطقة الوسطى الجنرال آفي مزراحي تسلم في 15 آذار الماضي رسالة من جمعية «هموكيد» لحماية الفرد، وأطلعته على الآثار الخطيرة للأمرين، ولم يرد عليها.
وقد أثار كشف النقاب عن القرار الإسرائيلي تعاظم القلق في صفوف عشرات الآلاف من الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية، والذين يتهددهم هذا القرار الذي يعني طرد كل من لا تسمح له إسرائيل بالإقامة في الأراضي الفلسطينية، ما يعني تجاهل واقع وجود السلطة الفلسطينية. ومن المعلوم أنه سرى حتى اليوم نوع من «التقاسم الوظيفي» بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بهذا الشأن، يترك للدولة العبرية تقرير أمر السماح لمن يدخل أو يخرج من أراضي السلطة، في حين يتبقى للسلطة إدارة شؤون من يتواجد على أراضيها.
واكتفت السلطة الفلسطينية بعد نشر أمر القرار العسكري بالإشارة إلى أنه يتعارض مع الاتفاقات المعقودة. ولكن متحدثاً باسم الجيش الإسرائيلي شدد في أعقاب الضجة العربية والدولية على أن «القانون في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) سمح أيضا في الماضي بطرد مقيمين غير قانونيين. وهدف التعديل هو السماح برقابة قضائية على إجراء الطرد للماكثين غير القانونيين في يهودا والسامرة».
وأغفل توضيح الجيش الإسرائيلي عمداً أن القرار الجديد يوسع تعريف المقيم غير الشرعي، بحيث بات يطال الفلسطيني من قطاع غزة الذي يحمل هوية السلطة، بما ينفي المبدأ الأساس في اتفاقية أوسلو، وهو اعتبار الضفة والقطاع وحدة سياسية وجغرافية واحدة. كما أن توضيح الجيش الإسرائيلي تجاهل أيضاً حقيقة أن القرار يشدد من تجريم «المقيم غير الشرعي»، ويعتبره «متسللاً»، رغم أنه لم يجتز الحدود أصلاً من دون موافقة إسرائيلية. والأدهى أن القرار الإسرائيلي الجديد يعتبر الفلسطيني المولود في وطنه «متسللاً» إذا كان عنوان والده أو والدته في مكان آخر غير مكان ولادته في الضفة الغربية.
ونفى محامون تابعون لمنظمات حقوق الإنسان أن يكون المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي صادقاً في تقريره بأن الأمر شأن إجرائي قضائي. وشددوا على أن التعديل الذي أدخل على القرار الجديد «يسمح من الآن فصاعداً بشكل تعسفي تقريباً باعتبار كل شخص يوجد في الضفة كـ(متسلل) أو كـ(ماكث غير قانوني)، حكمه السجن والطرد. وللمرة الأولى يمكن تعريف الفلسطينيين كمتسللين في بلادهم».
غير أن ما لم يغفله الناطق العسكري الإسرائيلي هو تأكيده للقرار ووجوده وسريانه. ولكن الحكومة الأردنية نقلت عن مصادر إسرائيلية قولها إنه لا وجود لهذا القرار. ونشرت الصحف الأردنية تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف، التي قال فيها إن «وزارة الخارجية الأردنية أجرت اتصالات مكثفة مع وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر السفارة الأردنية في تل أبيب، التي أُبلغت من قبل الخارجية الإسرائيلية نفيها لوجود مثل هذا القرار».
ولوحظ في إسرائيل، ليس فقط التجاهل الرسمي للأمر، وإنما أيضاً التجاهل الإعلامي، باستثناء صحيفة «هآرتس». وقد خصصت الصحيفة للمسألة افتتاحيتها، وكتبت تحت عنوان «خطر الطرد»، إن «الحديث يدور عن تصعيد خطير وجسيم، لا يذكر مثيل له في عهد الاحتلال الإسرائيلي في المناطق. فعلى مدى السنين، أثقلت إسرائيل يدها في تسجيل السكان الفلسطينيين في ظل الدوس على حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في تغيير مكان السكن في المناطق الخاضعة للاحتلال. وعلق فلسطينيون كثيرون بسبب ذلك في واقع صعب انقطعوا فيه عن مكان سكنهم السابق، من دون أن يتمكنوا من العودة إليه أو تسجيل عنوانهم الجديد».
وأشارت إلى أن «حق الفلسطينيين بالعيش في كل مكان يشاؤون فيه في الضفة وفي قطاع غزة هو شرط أدنى لتعريف حقوق الإنسان. فإسرائيل، التي تمنعهم من العودة الى الأماكن التي عاشوا فيها قبل 1948، ولا تعرض عليهم تعويضاً نزيهاً على أملاكهم (في ظل سماحها لليهود باسترداد أملاكهم من تلك الفترة، مثلما يحصل في الشيخ جراح) لا يمكنها أن تطردهم أيضاً من الضفة الغربية بحجج بيروقراطية مشكوك فيها».
وخلصت إلى أن «تنفيذ الأمر العسكري الجديد من شأنه ليس فقط أن يشعل ناراً جديدة في المناطق بل أن يوفر للعالم دليلاً خالداً على أن هدف إسرائيل هو الطرد الجماعي للفلسطينيين من الضفة الغربية. وفيما يمكن لكل يهودي أن يسكن أينما يشاء في إسرائيل أو في المناطق الأخرى، تسعى إسرائيل الى منع الفلسطينيين حتى من الحق الأدنى للسكن في الضفة وفي قطاع غزة حسب اختياره. على رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يسحبا فوراً الأمر العسكري، قبل لحظة من أن يشعر الجيش الإسرائيلي بأنه حر في بدء عملية الطرد».
من جهته، حذر رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إن القرار العسكري الإسرائيلي «بسبب غموضه يفتح الباب أمام سلطات الاحتلال لتفريغ مناطق من سكانها وترحيلهم بصورة جماعية»، فيما طالبت الفصائل الفلسطينية في دمشق الدول العربية والإسلامية اليوم بالقيام بدورها من أجل منع الاحتلال من تنفيذ سياساته ومخططاته العدوانية التي تهدد استقرار المنطقة .
ورفض الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى هذا القرار، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في هذا الصدد.
وقال موسى انه بحث مع الاسد تطورات الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واصدار إسرائيل للوائح تتيح لها طردا جماعيا للفلسطينيين من الضفة الغربية، وقال: «نتابع هذا الأمر وهذه الاجراءات باهتمام، وهذه اجراءات مرفوضة من قبلنا، ويجب أن يقوم المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، نحن نقوم بإجراء اتصــالاتنا مع المســؤولين العرب والفلسطينيين، وسيكون هناك اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية، لبحث هذا الموضوع».
وأعربت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي عن استنكارها وإدانتها للقرار الإسرائيلي، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إسرائيل إلى «احترام حرية الفلسطينيين في الإقامة حيث شاؤوا في الضفة الغربية».
من جهة ثانية، ذكرت «هآرتس» أن إسرائيل جمدت منذ أكثر من شهر مخططات بناء تستوجب التصديق عليها في لجنة التنظيم والبناء في منطقة القدس المحتلة، بما في ذلك الشطر الغربي من المدينة، وذلك تحسباً من نشوء أزمة جديدة مع الولايات المتحدة.
وأضافت الصحيفة أنه منذ الأزمة بين حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية، تلقى موظفو لجنة التنظيم والبناء لمنطقة القدس تعليمات بوقف عملهم لمنع المزيد من الحرج لإسرائيل.
وعقبت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالقول إنه تم وقف عمل لجنة التنظيم والبناء لمنطقة القدس بناء على طلب لجنة المدراء العامين للوزارات التي عينها نتنياهو في أعقاب الأزمة مع الولايات المتحدة، فيما شدد مكتب نتنياهو على أنّ «سياسة البناء والتخطيط في القدس لم تتغير... ولكن يجري في هذه الأيام، وفي إطار عملية استخلاص العبر من الحدث الذي وقع خلال زيارة نائب رئيس الولايات المتحدة لإسرائيل، بلورة أنظمة تضمن منع تكرار حدث من هذا القبيل».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...