ثلاثة خيارات أمريكية مطروحة حيال العلاقة مع سوريا

15-10-2007

ثلاثة خيارات أمريكية مطروحة حيال العلاقة مع سوريا

الجمل:  تواجه العلاقات السورية – الأمريكية الكثير من العراقيل غير المبررة، وبرغم أن سوريا ظلت تعلن بوضوح تام أنها تتمسك بحقوقها العادلة، وبأنها ليست طرفاً لا في الصراع العراقي، ولا اللبناني، وبأنها ملتزمة بالحوار الواضح البنّاء المؤدي للسلام، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت تعتمد المواقف التي تتعمد التشدد غير المبرر وتوجيه الاتهامات المستعجلة التي لا تسندها الحقائق.
* خيارات السياسة الأمريكية إزاء سوريا:
ظلت الإدارة الأمريكية توجّه الانتقادات العنيفة لسوريا متهمة إياها بـ: قمع المعارضة، السماح للمسلحين الإسلاميين بعبور الحدود إلى داخل العراق، والتدخل في الشئون الداخلية اللبنانية، ودعم وإيواء المنظمات الفلسطينية، ودعم حزب الله اللبناني، وإيواء الإرهاب.
وبرغم كل ذلك، يرى خبراء الشئون الأمريكية، بأن موقع سوريا في منطقة الشرق الأوسط، يتميز بأهميته الحرجة الفائقة الحساسية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية، وبالذات أجندتها المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير، وعملية نشر الديمقراطية، ستقبل الوجود الأمريكي في لبنان، وعملية عزل إيران، وأمن إسرائيل، واستمرار الاحتلال الأمريكي للعراق، ومستقبل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واللبناني – الإسرائيلي، ومحاولة دمج إسرائيل في بيئتها الشرق أوسطية، إضافة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط، التي ترعاها الولايات المتحدة.
كذلك يقول خبراء الشئون الأمريكية، بأن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا ما تزال مفتوحة على ثلاثة خيارات هي: التعامل مع سوريا، عزل سوريا، أو استهداف النظام السوري...
* نوايا الإدارة الأمريكية حول تطبيق وتنفيذ خياراتها الثلاثة:
يجتهد بعض الخبراء الأمريكيين المختصين في شئون الشرق الوسط والشئون الدولية بمراكز الدراسات المعنية بالعلاقات الدولية الأمريكية وبمنطقة الشرق الأوسط، في تحديد الكيفية التي يمكن أن تنفذ بها الإدارة الأمريكية خيارتها إزاء سوريا:
 * خيار التعامل: ويرى فلاينيت ليفيت من مؤسسة بروكينغز، أن تعامل الإدارة الأمريكية مع سوريا يجب أن يعتمد على أسلوب التعامل الانتقائي، بحيث تقوم الإدارة الأمريكية مسبقاً بتحديد ما يترتب على كل حالة، بشكل واضح إلى دمشق، وبكلمات أخرى، أن يتم اعتماد سياسة العصا والجزرة وفقاً لثنائية الثواب والعقاب، بحيث تحصل دمشق على الثواب المتمثل في مساعدات الإصلاح الاقتصادي، واهتمام الإدارة الأمريكية بالمفاوضات حول مرتفعات الجولان في حالة تعاون دمشق مع الولايات المتحدة، أو تحصل دمشق على العقاب المتمثل في العقوبات إذا لم تتعاون مع الولايات المتحدة.
 * خيار العزل: ويعتبر دينيس روس مبعوث السلام السابق إلى الشرق الأوسط خلال فترة إدارة كلينتون من أبرز المدافعين عن هذا الاتجاه، ويزعم دينيس روس بأن النظام في سوريا قد أصبح ضعيفاً بسبب أخطاء وعدم صحة الحسابات السياسية الخارجية التي اضطرت سوريا إلى الخروج من لبنان. ومن ثم، فعلى السياسة الأمريكية أن تتجنب التعامل مع سوريا قبل أن يصبح المستقبل واضحاً، وطلب دينيس روس إلى أن تقوم الولايات المتحدة بالتعامل مع جيران سوريا فقط: تركيا، إسرائيل، الأردن، والعراق، إضافة إلى أن تقوم الإدارة الأمريكية بتحضير خطة للطوارئ في حالة انهيار الوضع الداخلي في سوريا!!
 * خيار تغيير النظام: ويدافع عن هذا الاتجاه بعض صقور الإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد الذين يقولون بأن الأخطار المترتبة على قيام الإدارة الأمريكية بالتعامل مع دمشق، تفوق المخاطر المترتبة على قيام الإدارة الأمريكية بالقضاء على النظام فيها.. هذا، وينقسم أصحاب هذا الاتجاه إلى مجموعتين:
* مجموعة تقول بضرورة قيام الإدارة الأمريكية بالتشجيع والتحريض على التمرد الداخلي في سوريا. 
* مجموعة تقول بضرورة قيام القوات الأمريكية بإنجاز مهمة القضاء على النظام في دمشق..
وتعليقاً على ذلك يقول إميل إلهوكايم الخبير المتخصص بشئون أمن الشرق الأوسط في مركز هنري ستيمبسون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، بأن ما حدث، وما يجري حالياً في العراق، يجعل من غير المؤكد أن تقوم الإدارة الأمريكية بإشعال مواجهة في هذا الوقت ضد النظام في دمشق..
وكذلك أشار ليفيرتيت خبير شئون الشرق الوسط قائلاً بأن القيام بعمل عسكري أمريكي ضد النظام في سوريا سوف يؤدي إلى إجهاد القوات الأمريكية، وإلى تصعيد مشاعر العداء لأمريكا في العالمين العربي والإسلامي..
* الإستراتيجية التي تستخدمها الولايات المتحدة حالياً مع سوريا:
يقول بعض الخبراء الأمريكيين بأن إدارة بوش تستخدم في الوقت الحالي التعامل الانتقائي المتشدد، وذلك عن طريق ممارسة الضغوط على دمشق، ويقول موشي ماعوز الخبير الزائر بمعهد السلام الأمريكي بأن إدارة بوش مستمرة في الضغط على دمشق بحيث إما أن تغير سلوكها، أو تواجه خطر تغيير النظام. وقد أطلق الخبراء على هذه الإستراتيجية تسمية: إستراتيجية الرغبة في القتال والحرب.
وكذلك يقول دينيس روس، بأنه على الرغم من قيام الولايات المتحدة بتوضيح وتفصيل مطالبها من سوريا، فإنه لم يتم النطق أو التلميح بما يخلف مجرد الانطباع لا بالمكاسب ولا بالخسائر التي تترتب على سوريا.
وكذلك يقول آخرون، بأن تردد إدارة بوش في عرض "الجزرات" (أي الحوافز) قد جعل الإستراتيجية بلا فعالية... وفي هذا الصدد يقول إدوارد غابرييل السفير الأمريكي السابق في سوريا، بأنه "على ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية تستخدم قدراً كبيراً من العصا، ولم تقدم أي خارطة طريق محددة حول الكيفية التي يمكن بها للسوريين أن يخرجوا من مأزق التصنيف المحدد مسبقاً بواسطة الإدارة الأمريكية".
ويشير بعض الخبراء بالكثير من عدم الاتفاق إزاء التساؤل حول مدى قدرة الولايات المتحدة قي ممارسة السيطرة على دمشق، وإذا ما كانت لدمشق القدرة الداخلية الكافية للقيام برد فعل إزاء تحرك الولايات المتحدة. ويضيف أحد الخبراء قائلاً بأن قدرة الولايات المتحدة في ممارسة الضغط على دمشق في هذا الوقت أمر لا يمكن البت فيه بشكل قاطع، لأنه مازال يتطلب المزيد من الحوار والنقاش...
* العقوبات الأمريكية ضد سوريا:
ظلت سوريا منذ العام 1979م تخضع للعقوبات الأمريكية، وهو التاريخ الذي بدأ فيه وضع سوريا ضمن قائمة الحكومة الأمريكية للدول الراعية والداعمة للإرهاب.
وبعد ذلك، تمثلت أبرز محطات العقوبات الأمريكية ضد سوريا في:
* توقيع الرئيس بوش في كانون الأول 2003م على قانون محاسبة سوريا والحفاظ على سيادة لبنان.
* في أيار 2004م قامت الإدارة الأمريكية بتجميد الأرصدة السورية في البنوك الأمريكية، وحظر الرحلات الجوية التجارية بين سوريا والولايات المتحدة. كما حددت وقيدت تحركات الدبلوماسيين السوريين داخل الولايات المتحدة.
* حصر الصادرات الأمريكية إلى سوريا في المواد الطبية والغذائية المتعلقة بالأغراض الإنسانية.
وتعليقاً على العقوبات الأمريكية ضد سوريا، علق دانيال بايمان البروفسور المشارك في جامعة جورج تاون قائلاً: "إن خطر هذه العقوبات يتمثل في أنه من الممكن أن يجعل سلوك سوريا أكثر تشدداً وسوءاً" في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
* ردود فعل دمشق إزاء ضغوط الولايات المتحدة:
تقول دمشق بأنها تقوم بإجراء عمليات إصلاح داخلية بشكل متدرج، وذلك تفادياً للاختلالات المجتمعية، وتقول دمشق بأنها قامت بإلقاء القبض على أكثر من 1500 متطرف خلال محاولة عبورهم الحدود إلى داخل العراق، وتقول المعلومات أيضاً بأن السوريين قد قالوا مراراً وتكراراً بأنهم على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة في القضايا والملفات الخلافية العالقة بينهما..
تشير المعلومات إلى أن الأداء والسلوك السوري إزاء الأداء والسلوك الأمريكي المتقلب والمضطرب والمتشدد، قد ظل أداءً يتسم بالعقلانية والرصانة والثبات على المواقف، وبالمقابل حتى الآن فإن إدارة بوش على ما يبدو ما تزال غير مدركة إلى أن بمقدور السوريين –لو أرادوا- إلحاق أفدح الأضرار والخسائر بالمخططات الأمريكية في المنطقة..
* مدى قوة دمشق..
يختلف الخبراء الأمريكيون في تقييم مدى قوة دمشق، فعلى سبيل المثال يقول روبرت ساتلوف (خبير اللوبي الإسرائيلي والمدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) بأن النظام السوري يتميز بالهشاشة الكبيرة.. ويقول دينيس روس بأن دمشق لم تكتسب حتى الآن القوة والقدرة.
وإزاء خبراء اللوبي الإسرائيلي، هناك عدد كبير من خبراء مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية، ومنهم أنطوني كورديسمان، يقول بأن دمشق أصبحت أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات.. وذلك لأنها أبطلت فاعلية تفوق إسرائيل النوعي، عن طريق تعزيز قدرتها وتفوقها الكمي.. والوصول إلى نقطة التعادل والتساوي في معادلة الردع المتعلقة بالصراع الإسرائيلي – السوري.. وبالتالي:
* إذا كانت إسرائيل قادرة على ردع سوريا بالقدرات النووية الإسرائيلية، فإن سوريا أصبحت اليوم قادرة على ردع إسرائيل بقدراتها الصاروخية.
* إذا كانت إسرائيل قادرة على استخدام التفوق النوعي وإلحاق الخسائر الجسيمة، فإن سوريا أصبحت اليوم قادرة على تحمل هذه الخسائر.. وإطالة أمد الحرب –إن وقعت- على النحو الذي لن تستطيع إسرائيل مطلقاً تحمل خسائره على المدى الطويل..
* دمشق والتعامل مع الأزمات الخارجية:
يروج خبراء اللوبي الإسرائيلي، مثل روبرت ساتلوف، إلى المزاعم القائلة بأن سوريا لن تتعامل مع الأوضاع الإقليمية بشكل صحيح، ويحاول التدليل على ذلك والبرهنة عليه بالاستناد على نقطتين.
 * ارتكاب سوريا للأخطاء في لبنان.
 * معارضة سوريا للحرب الأمريكية في العراق..
ولكن ما يبرز من ضعف وخطأ في مزاعم خبراء اللوبي الإسرائيلي، هو أنهم لم يشيروا إلى ما هي الأخطاء التي ارتكبتها سوريا في لبنان، وقد كشفت الحقائق التي أعقبت الانسحاب السوري من لبنان، أن الاغتيالات التي تمت كانت بفعل "أيادٍ خفية" لم يثبت بأي حال من الأحوال أن سوريا وراءها.. كذلك يعرف ويدرك اللبنانيون أنفسهم أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هي أزمة تقع مسئوليتها على اللبنانيين أنفسهم، ومن أبرزهم رئيس الوزراء اللبناني المغدور رفيق الحريري، ووزير المالية فؤاد السنيورة الذي أصبح حالياً في منصب رئاسة الوزراء.
أما معارضة سوريا لقيام الولايات المتحدة بغزو واحتلال العراق، فهي ليست موقفاً سورياً خالصاً، بل إن مجلس الأمن الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي ومعظم دول العالم، ودول الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا حليفة أمريكا قد عارضت هذه الحرب، وبالتالي فإن الموقف السوري المعارض للحرب ينسجم مع الموقف العالمي والدولي، ويشكل جزءاً لا يتجزأ منه.. هذا، بغض النظر عن حق سوريا السيادي وإرادتها الحرة الخيار في دعم المشروع الأمريكي أو رفضه..
إن الأزمات الإقليمية، هي بالأساس، وباعتراف كل العالم من صنع أمريكا وإسرائيل.. ولا أحد في العالم حالياً حتى أصدقاء أمريكا قادر على مجرد توجيه الاتهامات –حتى ولو كانت ملفقة- ضد سوريا واتهامها زوراً بأنها وراء أزمات المنطقة.. إلا اثنين لا ثالث لهما، هما: إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية..
العلاقات السورية - الأمريكية، سوف تظل متوترة، من جانب أمريكا، وأكثر التزاماً بالموضوعية والهدوء العقلاني من جانب سوريا، ولن يختفي التوتر من العلاقات السورية - الأمريكية، إلا إذا اختفت اللاعقلانية واللاموضوعية من الإدراك الأمريكي، الذي أصبح الجميع –بما في ذلك الأمريكيون أنفسهم- مقتنعين بأن عناصر اللوبي الإسرائيلي تتفرد دون سواها بتشكيل الإدراك الأمريكي غير المتوازن إزاء سوريا، إضافة إلى سيطرتها على عملية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية..

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...