حاتم علي: الدراما السورية تفتقر إلى القوانين و.. التقاليد
يجاهر المخرج السوري «حاتم علي» بقصب السبق، فهو إذ يحيل الصورة التلفزيونية إلى مناخات بصرية ثرية؛. لا يتنازل في الآن ذاته عن قوله الثقافي ودور هذا القول فيما يتصدى له من أعمال تلفزيونية وسينمائية، فها هو بصوته الواضح درامياً يأتي من تغريبته الفلسطينية عابراً من مصر إلى بر الشام حيث أنهى تصوير مسلسله الأخير «صراع على الرمال» ليعلن من جديد رغبته في إعادة ترميز المدن القديمة، في فيلم «موزاييك دمشق» عن رواية الكاتب السوري «فواز حداد» وليقول لنا إنه في أيلول القادم سيمضي بأشجار دائمة الخضرة نحو عمله الأحدث «سيلينا» وهو فيلم سوري لبناني مشترك، من تأليف الأخوين رحباني، وبطولة «دريد لحام» و«رفيق علي أحمد» و«أنطوان كرباج»، ومن إنتاج «نادر أتاسي».
التقينا المخرج المبدع «حاتم علي» وكان معه الحوار التالي:
ہ حاتم علي في مسلسلك الأخير «صراع على الرمال» نزوع نحو تقديم القبيلة كواقع افتراضي بعيد عن حياة المدينة، برأيك هل يمثل هذا العمل ردة اجتماعية نحو القبيلة؛ كنموذج للحياة العربية الأولى؟
ہہ أنا غير ميال حقيقةً لتحميل هذا العمل أكثر مما يحتمل، ومما لا شك فيه أن إقدام مخرج ليس مهتماً بنوعية من الأعمال كهذه قد يثير الأسئلة والتكهنات وراء التصدي لعمل من هذا النوع، لكن باختصار وببساطة العمل ينتمي إلى نوع معروف في الدراما العربية اصطلح على تسميته بالبدوي، وهو ذلك النوع الذي يناقش هذه الفئة من الناس، الذين عاشوا في زمن سابق، وما زالوا يعيشون حتى اليوم على هامش المدن وفي مناطق محددة، حتى في سورية نفسها.
ما استوقفني في سؤالك هو وصف العمل بواقع افتراضي، أنا شخصياً لا أوافق على هذا التوصيف، فالأحداث تجري في زمان ومكان معينين هما القرن الثامن عشر في بادية الشام السورية، وبالتالي هناك محاولة لتقديم مسلسل ينتمي إلى زمان ومكان محددين، وهذا يستدعي بالتالي انضباط العناصر الفنية، كالملابس والديكور ضمن نسق محدد وواضح، مشكلة هذه الأعمال أنها كانت على الدوام كما هي حال أصحابها، أقصد الناس الذين نتحدث عنهم، كانت على الهامش، وذلك نتيجة أنها بالمجمل أعمال تنتمي إلى نتاجات فقيرة أو متوسطة، وتدور في فلك موضوعات متشابهة، في هذا العمل توفرت إمكانات إنتاجية كبيرة وعناصر فنية جيدة، إضافة إلى أن النص نفسه خضع لمحاولات تطوير وتعديل وتأصيل، وهذه كلها مقدمات قد تشي بأن نتيجة جهدنا ستكون مختلفة، لكن مع التأكيد بطبيعة الحال أن كل هذه الاجتهادات مرهونة بقدرة هذه العناصر على الانسجام، وبالتالي قدرتها على تأسيس متعة للمشاهد، وبرأيي أن هذه الغاية هي طموح أي عمل فني.
ہ القبيلة لها ناموسها الخاص، قانونها، عاداتها، إن كنت لا تريد أن تقدم القبيلة بشكلها المتحفي السياحي، كيف تعاملت مع أعرافها، الثأر مثلاً في «صراع على الرمال»؟
ہہ الثأر واحد من الموضوعات الأساسية في أنواع كهذه، لكن الجديد في هذا المسلسل، أن نضع هذه القيمة مقابل قيمة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي الحب، وبالتالي يمكن القول إن «صراع على الرمال» يتحدث عن المسافة الفاصلة ما بين الحب والحرب، في هذا السياق، يحاول أن يتناول حياة شخصيات في بحثها عن الانسجام الذي عادةً ما تتخلله الحرب، وما يؤسس له فيما بعد الحب، الجديد في الموضوع أن الحكاية كلها تروى من وجهة نظر الشرير. وأنا برأيي أن النظر إلى الأحداث من هذه الزاوية ربما يكون صادماً ولكنه ضروري لفهم آلية الشر، فمفهوم الشر في الدراما برأيي الشخصي غالباً ما يكون محركاً للأحداث، ولا أدري بطبيعة الحال إذا كان كذلك في الحياة، لكن مشكلتنا في الدراما وربما أيضاً في الحياة، أننا ننظر إلى الشر عبر أحكام أخلاقية مسبقة، وهذا ربما ما يجعلنا عاجزين عن فهمه.
ہ ثمة أعمال بدوية مختلفة نشهد اليوم مراحل إنتاجها، برأيك هل فشلت المدينة العربية أخيراً في طمس ملامح التحت مدنية لسكانها، لتقوم اليوم الدراما بتقديم القبيلة كصيغة من صيغ الحياة؟
ہہ هذا استنتاج فيه الكثير من الاستعجال على طريقة استخلاص النتائج المتسرعة وتثبيتها فيما بعد على أنها حقائق، فكثيراً ما أقرأ اليوم مانشيتات في الصحافة من هذا النوع، أعتقد أن المسلسل البدوي كان موجوداً منذ اختراع فن الدراما التلفزيونية، ولا أجد أنه تحول إلى موضة، لذلك لا أوافقك أن ازدياد عدد المسلسلات يعني إفلاس أنواع أخرى، ربما يكون اليوم المسلسل البدوي تحت الضوء لأنني أخرجت «صراع على الرمال» بإمكانات إنتاجية ضخمة، ولأن مخرج آخر جيد كالليث حجو يحضر لمسلسل بدوي آخر هو «فنجان الدم» بإمكانات إنتاجية كبيرة.
ہ ولكن أنت تعلم أن مدناً عربية كثيرة كدبي والشارقة وأبو ظبي نشأت بفعل الحداثة العمرانية، ولم تعش تجربة المدينة كما عاشتها مدن أخرى كدمشق والقاهرة.
ہہ أظن أن هذا أيضاً ربط غير دقيق، لأن مخترعي هذا النوع الدرامي بالأصل، هم السوريون، وفيما بعد الأردنيون، وكان الخليج على الدوام هو جزء من مشاهدي هذا النوع من المسلسلات، و«رأس غليص» على سبيل المثال ذاك المسلسل الشهير الذي قدم أيام الأسود والأبيض كان له مشاهدون سوريون أكثر من مشاهديه العرب، وبرأيي أن هذا النوع يمتاز بخصوصية تختلف عن مثيلاتها فهناك مسلسلات بدوية رديئة لا يجد من يشاهدها، ومن حيث المبدأ لا أجد فرقاً بين الدراما البدوية وبين مسلسل يتحدث عن البيئة الدمشقية أو آخر تجري أحداثه في الصعيد المصري، في النهاية ما يميز عمل عن آخر ليس فقط البيئة التي يتحدث عنها أو الناس أو اللهجة التي تنطق بها الشخصيات، إنما الأفكار التي يطرحها العمل، وأيضاً الحامل الفني الذي من خلاله تُطرح هذه الأفكار.
ہ «موزاييك دمشق 1939» رواية الكاتب السوري «فواز حداد» ستصير فيلماً سينمائياً من تحقيقك، ماذا تحدثنا عن هذا العمل، ولاسيما أن الفترة التاريخية التي يتناولها تكاد تكون قريبة من الفترة التي تناولها مسلسل «الملك فاروق»؟
ہہ واضح من العنوان أن المسلسل يتحدث عن دمشق 1939 عندما كانت بالفعل تشبه الفسيفساء ولم تكن فقط مسرحاً لصراع سياسي بين الفرنسيين والسوريين، بل مسرحاً لصراع أفكار ومشروعات سياسية لأناس مختلفين في توجهاتهم الفكرية أيضاً.
التقاطعات الزمنية المتقاربة هي حضور السياسة التي ربما كانت أقل في الفيلم بسبب طبيعة الشخصيات التي تعالجها الرواية، فالفيلم يتحدث عن أناس عاديين، لم يكن بمقدورهم صناعة السياسة بشكل فاعل. وهذا تابع لطريقة فواز حداد في كتابة الرواية، التي تكاد تشبه عمل المنقبين عن الآثار، فالمكان حاضر بقوة دائماً وأظن أن إيجاد معادل بصري لهذا الحضور في الرواية، أمر في غاية الصعوبة، بسبب طبيعة الإنتاج السينمائي في بلدنا، وهذه أيضاً أحد المعضلات الأساسية في تحقيق الفيلم.
ہ حالياً يُعرض فيلمك «العشاق» في دمشق وحلب بإقبال جماهيري متوسط نسبياً، إلام تعزو ذلك؟
ہہ ما أعرفه أن عرض الفيلم تجاوز الشهر في صالات حلب ودمشق، ولايزال. وهذا بحد ذاته، مؤشر إيجابي نسبياً إذا ما تمت مقارنته بأفلام سورية أخرى، فواحدة من أهم مشكلات الفيلم السوري، أنه عادة لا يلقى إقبالاً مشجعاً، وهذا ليس عائداً إلى طبيعة الفيلم السوري نفسه، بل إلى مشكلات أكبر؛ منها عدم فاعلية الأفلام السورية على المستوى الجماهيري، وانتفاء وغياب عادة الذهاب إلى السينما، بكل الأحوال فيلم العشاق هو توأم مسلسل «أحلام كبيرة» الذي تم عرضه على شاشات تلفزيونية كثيرة، ولهذه التجربة ظرفها الخاص، فهي لم تكتب خصيصاً للسينما، وإنما كانت تجربة متواضعة لاكتشاف إمكانية صناعة فيلم سوري ينتجه القطاع الخاص، بتقنية الديجيتال، وبإمكانيات إنتاجية بسيطة، كي يتم التأسيس فيما بعد لأفلام ينتجها هذا القطاع بشرط سينمائي جيد.
ہ «أمير الأندلس» فيلم من بطولة «عمرو دياب» و«سلمى الحايك» قيل إنك ستتصدى لهذه التجربة، أين وصلت الحكاية؟
ہہ الفيلم غير مطروح الآن بشكل جدي، وهو فيلم كان يشتغل عليه المخرج المصري «خالد يوسف»، وما أعمل عليه الآن هو مشاريع أخرى منها فيلم «محمد علي باشا» الذي وصلت فيه التحضيرات إلى مراحل متقدمة، ومن المفروض أن نبدأ بتصويره نهاية هذا العام عن نص من تأليف الدكتورة «لميس جابر»، وهناك فيلم آخر اسمه «الولد» من تأليف الكاتب المصري «بلال فضل» كما أن هناك تجربة بغاية الأهمية هي فيلم سوري لبناني مشترك، بعنوان «سيلينا» من تأليف الأخوين رحباني وسيناريو منصور وغدي الرحباني، وإنتاج «نادر الأتاسي» حيث سيكون في البطولة من سورية الفنان الكبير دريد لحام، أيمن زيدان، نضال سيجري، أحمد الأحمد، ومن لبنان أنطوان كرباج، رفيق علي أحمد، ميريام فارس وسيتم تصويره في شهر أيلول القادم.
ہ «التغريبة الفلسطينية» وثيقة تاريخية عن فترة مهمة في الصراع العربي الإسرائيلي، هل تفكر اليوم بإخراج عمل مماثل عن النازحين السوريين من الجولان عام 1967؟
ہہ أنا برأيي إن أهمية مثل هذا العمل لا يستمد من أهمية الموضوع الذي يتناوله، وإنما أولاً من المعالجة الفكرية والدرامية، فهناك أعمال كثيرة قُدِّمت عن القضية الفلسطينية، لكن حجم القضية نفسه وأهميتها لم تشفع لتلك الأعمال، وبالتالي لا يمكن أن يكون لدي طموح بتقديم عمل فني عن نازحي الجولان السوري، ما لم يتوفر لدي نص جيد وقادر على صياغة هذه التجربة المريرة لجزء حبيب من الأرض السورية.
ہ في «عصي الدمع» و«أحلام كبيرة» تركز على مشاهد خاطفة من حياة دمشق اليومية، إلى أي حد برأيك يكون لشاعرية الصورة دورٌ هامٌ في الدراما التلفزيونية؟
ہہ أنا من المخرجين الذين يظنون أن الموضوع هو الذي يطرح شكل التعبير عنه، وبالتالي يقترح لغته الخاصة به، ومسألة الشاعرية هنا لا أظن أنها توصيف دقيق للطريقة التي أطرح بها أفكاري، لأنني أعتبر نفسي من المشتغلين ضمن المدرسة الواقعية، دون أن تكون في تضاد مع الجمال، لكنني دائماً أحاول استنباط أحاسيس ومشاعر الشخصيات والوصول بها إلى أقصى ما يمكن، والبحث عن التفاصيل الصغيرة بحساسية الكاميرا، ربما هذا ما يعطي الانطباع الشاعري الذي تتحدث عنه في سؤالك.
ہ ألا تشعر اليوم أن الدراما السورية ابتعدت نسبياً عن محليتها، نحو الشعبي والتاريخي والبدوي، فهل تم استهلاك الواقع السوري في الدراما؟
ہہ لا لأنه بحسبة صغيرة للأعمال الدرامية السورية لهذا العام، سنجد أن مجملها يناقش القضايا المعاصرة وجزءاً منها يعود إلى التاريخ سواء القريب أو البعيد، وهذا ما كان الحال عليه دائماً، وأعتقد أن هذه واحدة من مكامن القوة في الدراما السورية، وهو قدرتها على تقديم موضوعات وبيئات متنوعة.
ہ ما رأيك بظاهرة الممثل المنتج في آن معاً؟
ہہ أولاً؛ علينا الاعتراف أن الدراما السورية ما زالت في طور الشباب والتأسيس، وهي دراما تفتقر إلى قوانين تنظمها، وبنى تحتية وتقاليد تجعل منها صناعة حقيقية، ضمن هذا السياق لا يمكن أن ننظر إلى تجارب الممثلين الذين خاضوا مشاريع فنية إنتاجية إلا في إطار تطوير هذه الدراما، وبالتالي أظن أنه من الحماقة تعميم أحكام على هذه التجارب، لأن لكل واحدة منها خصوصيتها فبعضها كان أعمالاً مهمة، والآخر كان مشاريع شخصية، لكنها بالعموم أمر منطقي ومفهوم ضمن بحث هذه الدراما عن نفسها.
سامر محمد اسماعيل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد