ختام «أيام سينما الواقع، دوكس بوكس» في دمشق
اختارت لجنة تحكيم مسابقة «أصوات من سوريا»، في ختام «أيام سينما الواقع، دوكس بوكس»، فيلم «في انتظار أبو زيد» لمحمد علي أتاسي، فائزاً من بين ستة أفلام سورية مشاركة: «سقف دمشق وحكايات الجنة» لسؤدد كعدان» و»الشعراني» لحازم الحموي و»المدينة والفراغ» لعلي الشيخ خضر و»صفقة مع السرطان» لأديب الصفدي و»راقصون وجدران» لإياس المقداد. أما اللجنة فمؤلَّفة من ثلاثة أعضاء، هم الدانمركي توه ستين موللر والفنان التشكيلي أحمد معلا والمخرجة التسجيلية البريطانية كيم لونجينوتو، ضيفة تظاهرة «لقاء مع مخرج»، التي ضمّت أربعة أفلام لها.
قد يكون مفهوماً لو حاز فيلم أتاسي جائزة الجمهور، لأنه يثير قضية ساخنة، وينسجم مع اعتراض جمهور النخبة على التطرّف الديني، ويتناغم مع الحاجة إلى رمز فكري أو ثقافي يعطيهم شيئاً من الأمل بأن «الأغاني ما زالت ممكنة». فالحشد الكبير لمشاهدته عبّر عن ذلك كلّه. لكنه فيلم مليء بالارتجال، ويبدو كأنه لم يخضع لمونتاج، على الرغم من أن مخرجه نوّه أن الفيلم (82 د.) قد اختير من أكثر من سبعين ساعة تصوير. صحيح أن مستوى الأفلام المشاركة لا يستحق الشدّ والجذب إلى هذا الحد، إذ يمكن القول إن الفيلم تفوّق على أفلام هاوية. لكن المرء يعتقد أن فيلماً واحداً على الأقلّ أفضل من فيلم أتاسي، هو «سقف دمشق وحكايات الجنّة» لسؤدد كعدان (حاز على الجائزة الثانية للفيلم التسجيلي العربي في «مهرجان دبي السينمائي» 2010)، ويكفيه أنه قدّم قضية حارّة ويومية تخصّ الدمشقيين، ببناء ولغة بصرية محترفة، من دون أي ادّعاء ثقافي أو سياسي.
لكن جائزة الجمهور الأولى ذهبت للّبناني محمود قعبور عن فيلمه «تيتة ألف مرة»، وفيه صوّر المخرج جدّته البيروتية المشاكسة، متابعاً رحلتها مع الذكريات قبل أن يمحوها الزمن بالرحيل. أما جائزة الجمهور الثانية فذهبت لـ»أبي من حيفا» لعمر الشرقاوي: محاولة شاب فلسطيني مغترب يُجَاهد لفهم أبيه، فيجد نفسه مضطرّاً إلى رحلة معاكسة في حياة الأب، يعود أولاً إلى دمشق، حيث هجرت العائلة أول مرة، وحيث قبر الجد، ثم يمضي مع الأب في رحلة إلى حيفا، حيث منزل العائلة الأول. جائزة الجمهور الثالثة حازتها دانة أبو رحمة عن «مملكة النساء، عين الحلوة»، وفيه تعود المخرجة الفلسطينية إلى المخيم الفلسطيني الأشهر، بين عامي 1982- 1984 بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حين أُسِر رجال المخيم، وبقيت النساء في مواجهة متطلبات العيش. يحكي الفيلم قصّة سبع نساء من المخيم، واجهن الحياة بشجاعة وصبر، وتسلّمن زمام حماية عائلاتهن، وأعدن بناء المخيم.
ضمّت لائحة الأفلام المتنافسة على جائزة الجمهور أربعة عشر عملاً من العالم، عُرضت في إطار تظاهرة «المختارات الدولية»، ومنها «الآربر» للبريطانية كليو بارنارد و»صداع» للفلسطيني رائد أنضوني و»ظلال» لماريان خوري و»هذه صورتي وأنا ميت» لمحمود المساد، الذي بدا، على الرغم من حرفيته على المستوى التقني، كأنه فيديو كليب طويل أراد تصوير بطل الفيلم كما لو كان نجماً سينمائياً. نسي المخرج قضيته، وراح يعرض البطل: زواجه وحياته الخاصة ومنزله ورياضته، على نحو لا يشبه اليوميات المألوفة للفلسطينيين. هذا في الوقت الذي يُفترض بالفيلم أن يتحدّث عن الولد الذي اغتيل أبوه، وهو أحد قيادات منظمة التحرير، وينبغي أن يكون الولد (الذي نراه في الفيلم شاباً رسّاماً للكاريكاتير) ذريعة لرواية مأساة الفلسطينيين، بينما يثير الفيلم شهية المرء كي يكون ولداً لأب قد اغتيل.
إلى جانب جوائز المهرجان، حاز مشروع السوري الشاب باسل شحادة «مكابح» منحة «تمكين» لأفضل فيلم سوري، التي تُمنح لأفضل مشروع فيلم من بين مشاريع تناقش في ورشة عمل بعنوان «مخيم التدريب». وحصل مشروع «امرأة تحمل كاميرا» للمغربية كريمة زبير على منحة «تمكين» لأفضل مشروع عربي. وتبلغ القيمة المالية للمنحة لأفضل مشروع عربي أو سوري 6000 دولار أميركي، يأتي نصفها على شكل خدمات (معدّات، مونتاج، إلخ.).
تبقى الإشارة إلى ان الاختيارات الممتازة التي قدّمها المهرجان للمتفرّجين من أفلام تعبّر فعلاً عن أهمية ودور وجماليات السينما التسجيلية. ولعلّ أفلام المخرجة التسجيلية البريطانية كيم لونجينوتو، التي جاءت في إطار تظاهرة «لقاء مع مخرج»، خير مثال على ذلك. فقد عُرضت أربعة أفلام لها، هي: «كبرياء المكان» و»الساري الوردي» و»ضمّني، أفلتني» و»أخوات بالقانون». لكن تلك الاختيارات من شأنها أيضاً أن تُظهر الفرق الشاسع والحالة البدائية لأفلامنا، عرباً وسوريين. الأمر الذي يُذكّر بأن السينما التسجيلية تحتاج، إلى جانب جمهور شغوف طبعاً، إلى معاهد ومخرجين وتقنيات وتمويل، وقبل كل شيء إلى مناخ حرّ. اليوم، مع وصول دورته الرابعة إلى ختامها، يُمكن القول: لقد صنع المهرجان جمهوراً بالفعل. لكن، متّى السينما؟
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد