داعش تهبط عند آل سعود
الجمل- *بقلم فيكتور تيتوف- ترجمة: رندة القاسم:
تشهد السعودية حاليا هجوما كان يجب ان يحدث عاجلا أم آجلا نتيجة لسياستها قصيرة النظر في سوريه و العراق و ايران. و كما يقول المثل: "من حفر حفرة لأخيه سقط فيها ".
فقبل عدة أيام شهدت بلدة الدلوه السعودية، في المنطقة الشرقية الغنيه بالنفط، هجوم مجموعة مسلحة من الإرهابيين السنة، ما أسفر عن موت سبعة مدنيين. معظم المهاجمين من مواطني المملكة. و الرد الفوري لقوى الأمن المحلية تمثل بالسماح للجنود باعتقال عشرين عضوا من مجموعة إرهابيه سريه، تضم بشكل رئيسي أولئك الذين قاتلوا سابقا تحت راية داعش في العراق و سوريه.
تمكنت الهيئات الداعمة للقانون في المملكة العربية السعودية من أسر رأس المجموعة المسلحة ، و بقي اسمه طي الكتمان. و المعلومات الوحيدة المتوفرة للصحافة هي أن هذا القائد قد عاد مؤخرا من سوريه حيث كان يقاتل ضد القوات المؤيدة للرئيس الأسد.
تواجه الرياض اليوم معضلة صعبة ، فمن جهة يعمل آل سعود فعليا على اضطهاد المواطنين الشيعة، بحجة عدم ولائهم و محاولاتهم المزعومه تقويض أمن المملكة بسبب "التأثير الايراني الشيطاني". و من جهة أخرى ، الارهابيون السنه، الذين تحاربهم السعودية اليوم الى جانب حليفها الأقرب الولايات المتحده، قد هاجموا مدنيين شيعة على التراب السعودي، و الأخيرون يتمتعون فعليا بنفس حقوق بقية الشعب، بما فيها حق الحمايه. فالوضع الرسمي الآن هو أن المواطنين السعوديين المثارين بالكره الديني يرتكبون جرائم بحق مواطنيهم .
و السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه ، هو كيف سترد الرياض عندما يقوم الارهابيون السنه الذين دربتهم و مولتهم باطلاق موجة عنف ضد السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية؟ وقعت أحداث مشابهة في الجارة البحرين عام 2011 ، غير أن جنودا نظاميين سعوديين كانوا سريعين في اجتياز الحدود في محاولة لمنع انتشار العنف.
و ليست مصادفة أن أحداث مدينة الدلوه تم تجاهلها تماما من قبل الاعلام الدولي. و لو أن تلك الحقيقة أضحت معروفه عندها ستجبر السلطات السعودية على الاعتراف بالتهديد الذي تشكله داعش على السعودية، الى جانب الاعتراف بحالة عدم الاستقرار الضمنية في المجتمع السعودي و التي تشكل خطرا على النظام الوهابي.
و الآن يغمغم السكان الشيعة في المقاطعة الشرقية ساخطين، و آل سعود محشورين في زاوية ضيقه، فان فشلت السلطات في محاسبة الإرهابيين ، ستندلع اضطرابات عنيفة وسط السكان الشيعة، مشابهة لتلك التي صدمت السعودية في 2011 -2012 على أعقاب أحداث البحرين المذكورة أعلاه. و بالمقابل اذا تلقى الارهابيون اقصى عقاب وفقا لقانون الشريعه، سيتهم الوهابيون و السلفيون الأسره المالكة بخيانة السنه، و مجريات الأحداث لن تنتهي بأقل من موجة هجمات ارهابية عنيفة، تقوم بها ميليشيات داعش عبر السعوديه. و سفاحو داعش ،الذين واجهوا مقاومة عنيفة في سوريه و العراق، سيتوقون الى التوجه جنوبا لبدء "جهاد مقدس" ضد مملكة آل سعود الموالية لأميركا. و بالنسبة للسكان الشيعة العراقيين، فانهم سيرحبون بهذا الانعطاف في نضالهم ضد الاسلاميين. و الأكثر من ذلك، من الممكن أن يلقى سخط السكان الشيعة في الاقليم الشرقي بعض أشكال الدعم من طهران و بغداد. و هذا يعني أن وحده أراضي المملكة ستكون على المحك. و كوابيس الأسرة السعودية الحاكمة ستغدو حقيقة، اذا يمكن أن تقسم السعودية الى عدة أجزاء ، و هي التي انضمت معا لخلق المملكة عام 1929.و هذه النزعة ستتزايد مع حقيقة أنه قبل أسبوعين تمكن المتمردون الحوثيون الشيعة من السيطره على اليمن، على الحدود الجنوبية الغربية من السعوديه.
في تشرين الأول ،عندما انضمت السعودية الى التحالف ضد الارهاب بقيادة الولايات المتحده، الى جانب أعضاء من الناتو و مجلس التعاون الخليجي، توقع المحللون السياسيون انتقام داعش الوشيك.
و احداث الرابع من تشرين الثاني ما هي سوى الخطوات الأولى. و علاوة على ذلك، خضعت السلطات السعودية لطلب الولايات المتحدة القاضي باغراق أسعار النفط في محاولة لتقويض الاقتصاد الروسي. و هذا أدى الى تضييق مجال المبادرات الاجتماعية المنجزه في المملكه، اذ أضحى المال فجأة نادرا في الخزانه الملكيه.
و بالموافقة على دعم طموحات الولايات المتحدة العالميه، أطلق آل سعود النيران على أرجلهم، و خاصة الآن مع تعبير واشنطن عن نيتها توقيع اتفاقيه تتعلق ببرنامج ايران النووي. و هذه الخطوة قد تجبر السعودية على وداع احتكارها للبترول إلى جانب دورها كشريك استراتيجي أساسي للولايات المتحدة في المنطقة.و عند هذه النقطة لا تملك السعودية سوى الاهتمام بمغامرات الولايات المتحدة العسكرية في العراق و سوريه لحفظ ماء وجهها.
و من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون اختبارا لقدرة سلالة آل سعود على البقاء. فان فشلت السلطات السعودية في ابقاء وضع الاقليم الشرقي تحت السيطره فان المملكة هالكة. و مع مرور الأيام يغدو الهلال الشيعي أكثر وضوحا في الأفق السياسي للشرق الأوسط، تماما كسوء التقدير الأميركي.
في كل مره تحاول واشنطن بسط نفوذها على المنطقة، تبدأ أنظمة عربية بالتقوض و السقوط. و يمكن للمرء تذكر ثورات مصر و ليبيا و اليمن الى جانب الحروب الأهلية في سورية و العراق لتوضيح هذه الفكره.
و يمكن بقوة القول أن أوباما أخطأ ثانيه بتعريض حليفه الاستراتيجي للخطر، و يبدو أن هزيمة انتخابات نصف الفتره كانت اخفاقا بكل معنى الكلمه، و مع ذلك لا يتوقف عن مفاجأة أتباعه. و من غير المرجح أن يروق للجمهوريين مشهد المملكة العربية السعودية و هي داخل اللهب...
*صحفي روسي حائز على دكتوراه في العلوم التاريخية .
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد