داعش صنيعة سورية أم سعودية ؟

29-12-2014

داعش صنيعة سورية أم سعودية ؟

الجمل- *فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:
إذا كان علينا تصديق تقرير حديث نشرته الغارديان البريطانية، عندها يمكن القول أن الغرب يبحث عن ذريعة جديدة للتقدم في حربه السريه من أجل تغيير النظام في سوريه. و الحجة الجديدة تقول أن حكومة الرئيس بشار الأسد في دمشق كانت القوة الأساسية في خلق شبكة الدولة الإسلامية الارهابيه.
كان التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان في الحادي عشر من كانون الأول ،بقلم مراسلها في الشرق الأوسط مارتين تشولوف، مليئا بالتناقضات و الغرابة، و قد طرح أسئلة أكثر من الإجابات التي بدا الكاتب غير مستعد للتنقيب عنها.
و لكن جوهر التقرير يكمن في الاستنتاج بأن حكومة الرئيس الأسد السورية تتحمل مسؤولية صعود الدولة الاسلامية، أو الدولة الاسلامية في العراق و الشام (داعش) . و لكن مع كون الجيش السوري القوة المقاتلة الوحيدة على الأرض التي هزمت الدولة الاسلامية في حملتها لاسقاط حكومة الأسد، فان  علامة استفهام كبيرة تحوم حول مصداقية تقرير الغارديان.و مع ذلك، اذا اتبعنا المنطق الملتبس لهذه الرواية، عندها يبدو أنها تهدف إلى منح "سبب صحيح" لعدوانية الغرب تجاه الأسد و هدف تغيير النظام.
الدولة الاسلامية فرع عن شبكة القاعدة تصور في الإعلام الغربي على أنها "أخطر مجموعة إرهابية في العالم". و قد اكتسبت سمعتها السيئة من أفلام الفيديو التي تظهر إعدام رهائن غربيين. و قد نصبت حكومة الولايات المتحدة نفسها كقائد لائتلاف دولي من أجل القضاء على داعش بالضربات الجوية على قواعدها في مناطق نائية في العراق و سوريه.فاعلية و شرعية هذه الضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة موضع شك، و كما ذكر سابقا، قوات الدولة السورية هي من  يخوض عمليات أرضية توقع أقسى الخسائر بشبكة داعش، كان آخرها في مدينة دير الزور.
لذا أقل ما يمكن قوله ، أنه من التناقض اعتبار الغارديان السلطات السورية الراعي الأساسي للشبكة ذاتها التي تخوض معها حربا مميتة.
التقرير حمل عنوان : "داعش  : القصة السرية" ، و يخبر القراء أنه  مع بداية 2009 منحت الحكومة السورية المجموعة الارهابية مساعدة هامة لزيادة تمردها في العراق. و وفقا للغارديان فان التمرد "فاض" على سورية في 2011، و كأن الأمر بالصدفة. و بذلك يمكننا شجب "السوريين الخسيسين" على نتائج عملهم الأخرق.
قيل بأن المصدر الرئيسي للتقرير هو واحد من قادة الدولة الاسلامية و اسمه الحركي أبو أحمد. و كتب مراسل الغارديان: " كثيرا ما تم التطرق إلى ارتباطات سورية بالتمرد السني في العراق من قبل مسؤولين أميركيين في بغداد و الحكومة العراقية. و كلاهما كان قانعا بأن الرئيس بشار الأسد سمح للجهاديين بالهبوط في مطار دمشق و من هناك يقودهم مسؤولون عسكريون الى الحدود مع العراق".
هذا "التقييم" يعتمد بشكل كبير على "استجوابات" جهاديين أسرى، و بكلمة أخرى، بتقنيات تعذيب وصفها تقرير لجنة الاستخبار التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بأنها "غير جديرة بالثقة".
و حسب الغارديان برزت الخطة السورية من أجل زعزعة العراق بالمتطرفين السنه خلال لقائين سريين للغاية قرب دمشق بداية 2009، و كانا بين أعضاء بارزين من الاستخبارات العسكرية السورية و حزب البعث و بين جهاديي القاعدة في العراق، و الأخيرين سلف شبكة الدولة الإسلامية. و زعم أن الهدف السوري "زعزعة الأميركيين و خططهم من أجل العراق". و كان هذا حوالي ثلاث سنوات قبل إنهاء الأميركيين احتلالهم العسكري للعراق نهاية 2011.و علم العراقيون بالتورط السوري السري المزعوم ما أدى الى تسميم العلاقات بين رئيس الوزراء العرقي آنذاك نوري المالكي و الرئيس الأسد.
و لكن، السؤال الذي  لم يطرحه التقرير هو لماذا تقوم حكومة الرئيس السوري العلوي بالنوم في سرير واحد مع متطرفين سنة يشعلون حربا طائفية في العراق؟ و لماذا يسبب نظام الأسد الأذى في دولة شيعية مجاورة و يثير العداء مع حليفيه الاقليميين بغداد و طهران؟ و ليس هذا فحسب ، بل أيضا يشجع العصيان من قبل متطرفين سنه يضمرون أمنية الموت للشيعة و العلويين و السنة الآخرين الذين شكلوا على امتداد قرون نظاما اجتماعيا مستقرا في سوريه؟ مغامرة كهذه من قبل السوريين أشبه بالانتحار، انها منافية للعقل تماما.
هذه فقط بعض من الأسئلة التي تطرح ريبة حقيقية حول الرواية التي وضعتها الغارديان الرامية الى القاء اللوم على سورية في صعود داعش "أخطر مجموعة ارهابية في العالم".
و في الحديث عن أصول داعش في العراق، لم ترد أية اشارة الى الدور الموثق الذي لعبته السعودية حليفة الغرب، و ما زالت تلعبه، في دعم الشبكة و إيديولوجيتها الوهابية المتشددة. و علاوة على ذلك، يبدو أن التقرير ذهب للتفاصيل حول كيفية ظهور داعش و سلفها القاعدة في سجن أميركي كبير جنوب العراق يعرف بمعسكر بوكا ، و مركز الاعتقال هذا افتتح عام 2004 و جمع حوالي 24 ألف عضو مشتبه بهم من ميليشيات سنية متنوعة. و وفقا لمصادر عدة ، كان الأميركيون يسمحون للنزلاء بحرية التعارف فيما بينهم.
و حتى مصدر الغارديان الداعشي، أبو أحمد، أشار الى شروط السجن المتراخية تحت القيادة الأميركية اذ قال :"لم يكن بامكاننا أبدا الاقتراب من بعضنا هكذا في بغداد أو أي مكان آخر حيث الأمر خطير جد، أما في معسكر بوكا فلم نكن  آمنين فحسب، بل أيضا على بعد مئات أمتار فقط من كل قيادة القاعدة".
أحد نزلاء المعسكر الذين تلقوا عناية خاصة من السجانين الأميركيين كان أبو بكر البغدادي، قائد داعش الذي أعلن نفسه خليفة الشرق الأوسط. و كان الأميركيون يرون البغدادي "مصلحا" و شخصية قادرة على تهدئة الخلافات و حل الصراعات بين النزلاء.و من الواضح أن "الأمير" كان يهيئ من قبل الأميركيين ليغدو القائد المستقبلي. و وفقا لعدة مصادر، فان البغدادي مرتبط بالاستخبارات الأميركية ، و قد أطلق سراحه من معسكر بوكا نهاية 2004 ، بعد مضي أقل من سنه على اعتقاله  و رغم حقيقة نشاطاته الإرهابية الماضية.
و بشكل لا يصدق تدعي الغارديان السذاجة و تحوك رواية مفادها أن مجموعة داعش الارهابية شكلت تحت أعين السجانين الأميركيين و لكن دون علم الولايات المتحدة أو قصدها.
و أوردت الصحيفة على لسان مصدرها الداعشي : "عندما أصبحت الحرب الأهلية في سورية خطيرة لم يكن من الصعب نقل كل خبراتنا الى منطقة قتال مختلفة . و العراقيون أهم الشخصيات في مجلسي الشورى و العسكري في داعش الآن، و هذا بسبب كل تلك السنوات من التحضير لهذا الحدث. لقد بخست قدر البغدادي و كذلك استخفت أميركا بالدور الذي لعبته لكي يصبح ما هو عليه الآن".
و خلافا لهذا الكلام، فان المعدون الأميركيون لم يستخفوا بأي شي. فالبغدادي و دوره المستقبلي في داعش قد خطط لهما.
و العديد من المراقبين وصفوا معسكر بوكا ب "أكاديمية الارهاب" التي تخرجت منها الدولة الاسلامية، و يعتقد بأن حوالي 70% من قادة داعش الحاليين عبروا معسكر بوكا و مراكز اعتقال أميركية أخرى قبل اغلاقها نهاية الاحتلال الأميركي للعراق. و حقيقة أن مجموعة داعش نمت و ترعرعت من قبل الاستخبارات الأميركية بقيت دون تساؤل. و الاعلام الغربي الذي يموه الأصول الأميركية الحقيقية لداعش تكسوه الآن طبقة جديدة من المعلومات المضللة الرامية الى القاء اللوم في صعود ارهاب داعش على الحكومة السورية ، انها الحالة الكلاسيكية المتمثلة بقيام الإرهابيين و راعيهم بلوم الضحية.
و السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يقوم الأميركيون الآن بحملة قصف ضد الكائن الذي خلقوه، و لكن الجواب لا علاقة له بمواجهة الارهاب، كما ادعت الحملة غير الفعاله. و مع تطور الرواية الغربية، يبدو أن الأمر مرتبط أكثر بتمديد مهمة داعش المتعلقة بتغيير النظام في سوريه.


*بقلم الكاتب الايرلندي فينيان كانينغهام
عن The 4th Media

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...