"داعش".. من العراق إلى سوريا: خلاف مع "النصرة" واتفاق على الولاء لـ"القاعدة"
تمكن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من فرض نفسه رقماً صعباً في المعادلة السورية المعقّدة، وفي زمنٍ قصير نسبياً، يراهُ البعض قياسياً، الأمر الذي يُمكن اعتباره صحيحاً فيما لو كان «داعش» تنظيماً جديداً، ولكنّ واقع الحال أنّ الجديد هنا لا يتجاوز التسمية، إذ لا يمكن البحث في أسباب تفوق «الدولة» على ما سبقه من تنظيمات مسلحة داخل سوريا بمعزلٍ عن أنه أسبقُ لا من بقية التنظيمات فحسب، بل من الأزمة السورية برمّتها.
الجذور.. «دولة العراق الإسلامية»
تعود جذور هذا التنظيم إلى العام 2006، حيثُ أعلن في 15 تشرين الأول عن تأسيس ما عُرف باسم «دولة العراق الإسلامية»، الذي تشكل عبر دمج مجموعة من التنظيمات، أبرزها «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» وكان يقوده أبو مصعب الزرقاوي، و«مجلس شورى المجاهدين في العراق»، و«جند الصحابة».
اتخذ تنظيم «الدولة» بعقوبة ـــ العراق، عاصمة له، وبايع أبو عمر البغدادي «أميراً»، وهو حامد داود محمد خليل الزاوي، من مواليد العام 1959. وكان يعمل في سلك الأمن العراقي، ثم تركه بعدما اعتنق الفكر السلفي في العام 1985، وكان من أبرز منظريه. بويع «أميراً لجيش الطائفة المنصورة»، ثم بايع تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي شكّل في ما بعد مع جماعات أخرى «مجلس شورى المجاهدين في العراق».
تم اختيار أبو عمر البغدادي أميراً لهذا المجلس خلفاً للزرقاوي، تحت اسم أبو عبد الله الراشد البغدادي، ثم بويع «أميراً لدولة العراق الإسلامية». وفي العام 2010، أعلنت «وزارة هيئات الشريعة في دولة العراق الإسلامية» نبأ مقتل أبو عمر البغدادي، ليعلن «مجلس شورى المجاهدين» لاحقاً مبايعة أبو بكر البغدادي «أميراً لدولة العراق الإسلامية».
«الدولة» يمتدّ إلى سوريا
كان للبغدادي دورٌ أساسي في تأسيس تنظيم «جبهة النصرة لأهل الشام». ولكنه اعتبر أبو محمد الجولاني تابعاً له، وعليه واجب الطاعة، فخوّل نفسه إعلانَ «حل جبهة النصرة، ودمجها في دولة العراق الإسلامية، تحت اسم جديد هو الدولة الاسلامية في العراق والشام / داعش».
ولم يحُل رفض الجولاني لهذه الخطوة دون ظهور «داعش» على المسرح الميداني بقوّة، فاتخذ التنظيم سريعاً مقار علنية، وأخضع مناطق واسعة من دون اقتتال فعلي، مستفيداً من وجود مقاتلين موالين له كانوا منضوين تحت لواء «النصرة»، وسارعوا إلى الانشقاق عنها. وتشير بعض التقديرات إلى أنّ قرابة 65 في المئة من عناصر «النصرة» سارعوا إلى إعلان الولاء لـ«داعش»، ومعظمهم من «المهاجرين أي الجهاديين غير السوريين». وانضمت إلى «داعش» فصائل كاملة، من بينها «مجلس شورى المجاهدين» بقيادة أبو الأثير الذي عينه التنظيم أميراً على حلب، و«جيش المهاجرين والأنصار» بقيادة عمر الشيشاني. وبفعل هذه «الانشقاقات» نجح «داعش» في الحلول محلّ «النصرة» في السيطرة على عدة مناطق ومقار، أبرزها في الرقة، وأجزاء من ريف حلب، وداخل مدينة حلب، وكان آخرها انسحاب «النصرة» من مقرها في مستشفى الأطفال باتجاه مبنى «المواصلات القديمة» في حلب. كما استولى «داعش» على مقار مجموعات أخرى في منبج، والباب، وأعزاز. واستبدلت النقاط الصغيرة التي كانت لـ«النصرة» بمقار ضخمة معززة.
ومن الملاحظ هنا أن «داعش» لم ينخرط حتى الآن في مواجهة فعلية مع الجيش السوري، بل خاض معارك مع الفصائل المسلحة «المعارضة». وتعزو مصادر «جهادية» هذا الأمر إلى أن «الدولة الإسلامية الآن في مرحلة التأسيس والتمركز، ليكون الجهاد ضد النظام قائماً على أسس متينة». وفتح «داعش» باب الانتساب إليه على مصراعيه، ومن دون التدقيق في نوعية المنتسبين، وبدأ يدفع راتباً قدره مئتا دولار شهرياً للمقاتل الواحد، فاستقطب آلاف المنتسبين في المناطق التي فرض سيطرته عليها.
الخلاف بين الجولاني والبغدادي
يؤكد مصدر «جهادي» أن أسباب الخلاف بين الرجلين «فكرية بحتة»، إذ «تبيّن أن نهج البغدادي يخالف نهج الجولاني مخالفة جذرية. فالبغدادي يؤمن بضرورة إعلان إمارة أو دولة اسلامية فوراً، وإعلان أمير قائد لها، بيده وحده الحل والربط، وباعتماد المجاهدين ولاةً لهذه الدولة على الأقاليم، سواء أكانوا سوريين أم غير سوريين، وعدم الاعتراف بالهيئة الشرعية التي يشارك فيها قضاة من بقية الفصائل الاسلامية، فلا شرع إلا شرع رجال الدولة الاسلامية، فضلاً عن وجوب إعلان البيعة لأمير الدولة من كل الفصائل الاسلامية تحت طائلة اعتبارها خارجة عن سلطان الله. ولا يقوم تعاون عسكري إلا مع الكتائب التي تعلن البيعة حصراً، ومن حق رجال الدعوة في الدولة الاسلامية (خطباء الجوامع) فرض أنفسهم في جميع الجوامع بدلاً من الخطباء ورجال الدين المحليين، كما تُعتبر جميع الغنائم والموارد المالية من حق بيت مال الدولة الاسلامية، ولا تُشارك بها بقية الفصائل، الاسلامية منها وغير الاسلامية».
ولكنّ مصدراً «جهاديّاً» آخر يقول إنّ «الاختلاف في النهج لا يعدو كونه سبباً غيرَ مباشر، فالجولاني والبغدادي كانا متفقين على الإستراتيجيات التي اتبعتها النصرة، وبرغم عدم اقتناع البغدادي الكامل بها، لكنّه وافق على اعتمادها بصورة مؤقتة، نزولاً عند تأكيد الجولاني أنها ستلقى قبولاً أكبر عند أهل الشام». وربطاً بهذا التأكيد يشرح المصدر أن «المُفجّر الأساسي للخلاف هو خلاف شخصيّ سابقٌ بين الجولاني، وبين أبو محمد العدناني، الذي عُرف بأنه المتحدث باسم الدولة، ثمّ تواردت أنباء عن تعيينه من قبل البغدادي أميراً لفرع الدولة في الشام».
ويشير المصدر في هذا السياق إلى عدد من التصريحات الصادرة عن العدناني، حيث «وصف الجبهة بالمنشقين عن الدولة، كما اتهم الجولاني وجماعته بأنهم عصاة شقوا عصا الطاعة، وخانوا البيعة التي في أعناقهم للبغدادي، وأكد في مناسبة أخرى أن جميع دواعي الاقتتال موجودة بين الجبهة وداعش».
«داعش» و«النصرة» و«القاعدة»
يمكن اعتبار الولاء لتنظيم «القاعدة» القاسم المشترك الأعظم بين «داعش» و«جبهة النصرة». فالتنظيم الأول منضو تحت لواء «القاعدة» منذ تأسيس «دولة العراق الإسلامية»، مستلهماً بالدرجة الأولى نهج أبو مصعب الزرقاوي، وانطلاقاً من «القاعدة الجهادية» التي تقول إن «ولاء الفرع من ولاء الأصل». وبالتالي، فإن ولاء «داعش» قائمٌ لـ«القاعدة»، ما دام أميرها البغدادي «لم ينقض البيعة» بشكل معلن، مع الإشــــارة إلى أن البغدادي قد رفــــض تنفـــيذ قرار زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بحلّ «الــــدولة الإسلامية في العـراق والشــام» مع بقاء «الجبـــهة» و«دولة العراق الإسلامية» على حالهما.
أمّا «النصرة» فقد جاهرت بمبايعة الظواهري ردّاً على إعلان البغدادي حلّها، حيث سارع الجولاني في اليوم التالي إلى استنكار القرار، معلناً أنّ «بيعته لن تكون إلا لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري باعتباره القائد الأعلى»، في خطوة يبدو أنها جاءت للاستقواء بالظواهري في الخلاف مع البغدادي.
صهيب عنجريني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد