دلالات الكلمة المعربة في الأدب الفرنكفوني

15-07-2011

دلالات الكلمة المعربة في الأدب الفرنكفوني

أن نروي قصتنا باللغة الفرنسية، ذلك هوالتحدي. اللغة هي جزء من النفس، الهوية والمخيلة. لذلك، حين يكتب الأدباء الفرنكفونيون روايتهم بالفرنسية، فلا بد أن تتميز لغتهم بشيء من الخصوصية. في معظم الأعمال الأدبية الفرنكفونية، وخاصةً تلك التي تدور أحداثها في الشرق، يعرّب الكاتب بعض الكلمات. لماذا يختار الكاتب تلك الكلمات ليعرّبها؟ وهل لهذا الخيار دلالة اجتماعية وثقافية؟ قد يكون لتعريب الكلمات تفسير ما. إذ أن الكلمة المعربة تُكتب بهذا الشكل لتُسمع وتُفهم بالعربية، أي أنها تحمل في طياتها مدلولات الثقافة الشرقية التي تعجز أن تعبر عنها اللغة الفرنسية. فللعالم الشرقي جوه الخاص على المستويات الثقافية، الاجتماعية والدينية. وبالفعل، يلعب الدين دوراً هاماً في المجتمعات الشرقية، إذ أنه هوالذي ينظم حياة الناس ويؤثر على أفعالهم. أما في الغرب، وخاصةً في فرنسا، فلا تتمتع المصطلحات الدينية بنفس القوة والهيبة التي تكتسبها في المجتمعات الشرقية. إذ أن قانون الأحوال الشخصية منفصل بشكل كامل عن الدين الذي لا يتمتع سوى بسلطة رمزية. وهكذا، نلاحظ أن معظم الكلمات المعربة مرتبطة بالدين، بالبعد الروحاني، بالعادات والتقاليد، وبالواقع التاريخي. إذ أن الكاتب يحتاج الى أن يضفي طابعاً واقعياً على كتابته، كما أنه يسعى وراء التعبير عن هويته بشكل من الأشكال. كما أن الكلمة المعربة تسمح للقارئ الشرقي بأن يشعر أنه يمتلك هذه العناصر التي تشكل جزءا من ثقافته وتراثه. فتبرز الكلمات المعربة وكأنها تشير الى محيطه الاجتماعي وواقعه التاريخي الحقيقيين.
في المخيلة الأدبية العربية، يتمتع الدين بسلطة محورية في المجتمع. لذلك، نلاحظ أن الكاتبة الجزائرية ماليكا مقدّم، التي عاشت في مُنبولييه، استخدمت في روايتها La Nuit de La Lézarde «ليلة العظاءة» عبارات معرّبة على غرار «الله»، «إن شاء الله»، «مؤذن»، «طالب» وهو معلم في المدرسة القرآنية. وقد برزت هذه العبارات على الشكل التالي: «زوبيدا، هل علمك الله أخيراً أن تبتسمي؟»، «بإذن الله، أنت ضيفي حتى عيد اليوم السابع»، «أن أموت نائماً، ذلك هو الشر الذي أتمناه إنما... فقط بعد 50 سنة، إنشاء الله». وهكذا، تظهر السلطة الإلهية من وجهة نظر الشرق، ويبرز دور الدين المطمئن على المستوى الوجودي. تضفي الكلمات المعربة على عالم ماليكا مقدم الأدبي طابعاً شرقياً وتدرجه ضمن سياقه الإجتماعي الأصلي. تدور أحداث هذه الرواية في الصحراء الجزائرية حيث ولدت الكاتبة، وهي تعرض قصة نور، إمرأة تسعى وراء الحرية في حِصار. وقد قررت نور البقاء في هذا الحصار الذي أراد أهله أن يهجروه. وقد تعلّقت هذه المرأة بهذا المكان، كما يتعلّق الكاتب الفرنكفوني بلغته الأصلية. إذ أن استخدام الكلمات المعربة هو تعبير عن إرادة للتشبث بالأصول. الكلمة المعربة هي ذلك الجزء من الهوية الشرقية الذي ظل راسخاً في مخيلة وكيان الكاتب. إذاً، قد تعبّر الكلمات المعربة عن حنين، عن رغبة للعودة الى الهوية الأم كما توحي لنا كلمة «أزرق» المعربة في هذه الرواية: «أزرق، زرقاء. هكذا، تتم الإشارة الى السمراوات في الصحراء، وهي تسمية تعود لزمن كانت تُطلى البشرات فيه بلون القماش النيلي. كانت نور تحب هذه الكلمة. ذلك هو لون الحنين لماضيها البدوي، قوة الألم والخوف من الحاضر». إذاً، توحي الكلمات المعربة بتعلق وجداني بثقافة وهوية، بالرغبة للعودة الى اللغة الأصلية. كما نذكر هذا المقتطف من الرواية حيث تم تعريب كلمة «برغا»، تلة الرمل في الصحراء: «تمازج جسدي بالكثيب، البرغا. وهي سرير أحلامي ومقفزها. فمن هذا المجثم تنطلق أسفاري كمروبص جامد يمزج كلمات جدته بكلمات القراءة». وهكذا، وردت الكلمة المعربة في سياق تلاحم حميم مع الأرض الصحراوية. إنها الأرض-الأم التي ترتبط مجازياً باللغة-الأم، وهي تثبت في النفس وتتمازج مع اللغات الأخرى المُكتسبة. إنها كلمات الجدة الراسخة في الذاكرة والتي تعبّر عن الهوية الأصلية.
وكما للغة العربية خصوصياتها، كذلك للغة الفرنسية خصوصياتها أيضاً. بالفعل، لا يكتفي الكاتب الفرنكفوني باعتماد لغة الآخر، بل هو يعتمد مصطلحاته الثقافية ووجهة نظره كذلك اللذين يرتبطان باللغة بشكل وثيق. لذلك، هو يعود الى كلمته الأصلية ليعبّر من خلالها عن عالمه الخاص. فالكلمة التي تكتب باللغة الفرنسية تحمل في طياتها تراثا، ثقافة وتاريخا، ولا يمكن لأية كلمة كُتبت بلغة أخرى أن تعبّر عن نفس المعاني بنفس الطريقة. فهل يمكن للكلمات الفرنسية أن تحمل في طياتها روحية هذا البيت من ديوان ناديا تويني «أول حالم في الأرض»: «إنشاء الله/ هؤلاء هم مفكرونا آلهتنا المألوفون/ نساؤنا، شيوخنا وكهنتنا/ دقت ساعة الصلاة لفلسطين»؟ بفضل الكلمات المعربة «إنشاء الله» و«شيوخ» أضفت هذه الشاعرة اللبنانية العريقة بعداً مميزاً على أبياتها وربطتها بالهوية. ونذكر في هذا السياق بيتها الشعري من ديوان «الأرض المتوقفة»: «هواء الشوف المبسوط/ كالموصلي/ على خلفية من الصخور/ -منديل مُزرق-». إنها كلمة «منديل» المعربة التي تضفي هذا البيت شاعرية رقيقة. إنها مخيلة ناديا تويني التي كتبت شرقها الخاص، شرق الجمال والمزيج والانفتاح. إنها شاعرة خلاقة نجحت بتقديم هويتها الحقيقية باللغة الفرنسية.
المجتمع واللغة
بالاضافة الى الروحانيات، يلعب الواقع الاجتماعي دوراً هاماً في تعريب الكلمات في الأدب الفرنكفوني. وقد عبرت ماليكا مقدم عن انتمائها لهويتها من خلال اعتماد الكلمات المعربة لتبرز علاقة المرأة بالدين والمجتمع في رواية La Transe des Insoumis «روع المتمردين». تعرض هذه الرواية حالة القلق التي تعيشها فتاة تعاني من الأرق. إنها قصة فتاة تواجه المخاوف التي كانت تعاني منها في طفولتها. ويتم التشديد على دور الدين في المجتمع وفي التمييز بين الرجل والمرأة، إذ أن كلمة «هاييك» التي تشير الى الحجاب تبرز في المقتطف التالي: «غطى مد أبيض من الهاييك، وهو حجاب المرأة نصف الساحة. وغطت نصفها الآخر حشود الرجال». وهنا، تعبّر الكلمة المعربة عن زي ذات دلالة دينية واجتماعية. وفي هذه الرواية، تشير كلمة «رجلى»، التي تعني رجولة، الى القوة. وبالفعل، غالباً ما تعبر الكلمات المعربة عن المخيلة الشرقية التي يطغى فيها الرجل على المرأة.
في هذا السياق، نذكر كلمة «صبي» المعربة في رواية «صخرة طانيوس» لأمين معلوف. إذ أن لولادة الصبي في المجتمع الشرقي أهمية كبرى. وبالفعل، حين عرف أهل القرية أن صبياً قد ولد، قاموا بملء الكؤوس بالعرق للاحتفال. وفي نفس تلك الرواية، تظهر كلمات مثل «بونا»، «خورية»، وهي معربة لتعبر عن السلطة الدينية في تلك القرية اللبنانية في القرن التاسع عشر. وبالفعل، يلعب بونا بطرس دوراً هاماً في حياة القرويين. كما تتمتع الخورية بسلطة على شيخ القرية، يبرز ذلك من خلال المقتطف التالي: «كان ذلك الإنجيل. وضعت يد الشيخ عليه بشكل سلطوي. لو لم تكن هي الخورية لكان عصى أوامرها».
بالإضافة الى ذلك، ربطت مجموعة من العبارات المعربة الحركة القصصية بالواقع الإجتماعي؛ «عباية»، «تنطور»، كومباز، «أرغيلة»، «كشك»، «كبّة»، «صاج، «عرق»، «ثأر»، «عتابة» وغيرها من الكلمات التي تضفي على هذه الحبكة القصصية طابعاً شرقياً بامتياز. إذ أن الكلمة المعربة هي التي تسمح لنا بتذوق طعم الكبة، نكهة العرق ورائحة الأرغيلة. وهكذا، يعرّب أمين معلوف الكلمات المتعلقة بالطعام والثياب، إذ أنها العناصر التي تشكل الجو الثقافي لتلك الحقبة. وبالفعل، غالباً ما يتم تعريب أسماء الملابس مثل «العباية» و«كعك» في رواية «تحت العرزال» Sous La Tonnelle لهيام يارد، وكلمة «منوخية» في رواية «خان القوافل» Caravansérail لشريف مجدلاني، وعبارة «زجل» في رواية «قصة البيت الكبير» لشريف مجدلاني وكلمة «دجِلابا» المعربة في رواية «سويداء عربية» لعبد الله طايع، وكلمة «ناي» المعربة في رواية «خليل جبران» لألكسندر نجار الغنية بالروحانيات، بالاضافة الى عبارات مثل «جنان الفول» و«مائدة» في رواية «ليلة العظاءة» لماليكا مقدم: «جنان الفول! الحياة هي كالمطبخ. البعض يأكل لأنه يحتاج لذلك والبعض الآخر يتلذّذ»، «في هذه اللحظة شعر أنه أمير شرقي أو ملك عتيق يقدم وليمة، حتى لو لم يكن ضيوفه قادة فارسيين أو حكاما من ولايات بعيدة، إنما هم مزارعون ومربو دودة القز. ما لبث العرق أن أثر عليهم. فرفع مزارع من عين شير كأسه أولاً، شرب نخب كوريال وألف بيت زجل بهدف تفخيم بياض ذلك المشروب»، «وقد أصريتِ على التمسك بلبنان العبايات. شرقك الخاص. وجعلت منها تحفة فنية ترتدينها كلما زارك أحدهم. وهكذا، كنت تعبرين، دون أن تعرفي أو ربما كنت تعرفين، عن مقاومة رائدة لعولمة الحركة، الوجه، الحذاء». وهكذا، يظهر المعنى الوجودي للكلمات المعربة، إنها محاولة للمحافظة على هوية في مواجهة عولمة تجرّد الثقافات من خصوصيتها. وبالفعل، لا تشكل هذه الملابس والمأكولات جزءا من نمط الحياة الغربي، لذلك تُكتب بالعبارات المعربة. إنه التراث الشرقي المكوّن من كل تلك العناصر؛ الملابس، الطعام، الفن... كلها أجزاء من لوحة إجتماعية تتألق بواقعيتها. لا يستطيع الكاتب أن بصف هذا الواقع من دون أن يستخدم الكلمات المعربة، إذ أن اللغة الفرنسية قد لا تتضمن عبارات تشير الى هذه الأغراض بشكل دقيق. ونلاحظ أن الكاتب يعرض تفسيراً لهذه الكلمات في نصه بهدف تسهيل التواصل مع القارئ الغربي.
الارتباط العاطفي
وأجمل ما يلفتنا في هذا السياق في «صخرة طانيوس» هي العلاقة بين بطل الرواية وتَمر في قبرص، وهما لا يتبادلان الكلام، إذ أنهما لا يتكلمان لغة مشتركة ولا تجمعهما سوى لغة الجسد: «شعر برغبة أن يخبرها عن كل ذلك بلغة تفهمها». وهكذا، يعترف أمين معلوف بضرورة إيجاد لغة التواصل، لغة الهوية والآخر بنفس الوقت. وهكذا، يحافظ الكاتب الفرنكفوني من خلال الكلمات المعربة على شيءٍ من هويته، التي تبرز من خلال النص الفرنسي. فاللغة الفرنسية هي بالنسبة للفرنكفونيين لغة مُكتسبة. يعجز الكاتب أن يعبّر عن نفسه بالكامل من خلالها. فتأتي العبارات المعربة لتربطه بهويته الأم، وتسهّل التواصل بينه وبين القارئ العربي. فبلا شك، إن هذه الكلمات المعربة تدغدغ في وجدان القارئ الفرنكفوني حنينا ما. كما يندرج تعريب الكلمات ضمن سياق المزيج بين الثقافات، إذ أن الكلمات من مختلف اللغات في نفس الرواية تفتح أبواب الاختلاط بين المفاهيم والمخيلات. ونذكر في هذا السياق كلمة «يا تقبريني» المعربة في رواية «تحت العرزال» لهيام يارد: «قضيت قسماً من طفولتي وأنا أحاول أن أجد تفسيراً لهذه العبارة الغريبة. يا تقبرني، ويتم استخدام يا لمناداة الشخص. تقبرني تعني التعلق للمذكر. تقبريني للمؤنث. في الترجمة الحرفية، تعني تقبرني: أتمنى أن تضعني في القبر. إنما هذه العبارة يتم استخدامها بشكل يومي، وهي تشير الى التضحية من أجل الحب (...) فهل أنت تحبني الى درجة أن تموت من أجلي؟ لا أفهم إصرارك في أن تهبني غيابك». وهكذا، تطرح هذه الكاتبة من خلال أدبها مسألة العلاقة باللغة العربية وتعريب الكلمات في إطار تأثيرها على معنى النص ومغزاه. فأحياناً قد يختلف المعنى الحرفي عن المعنى المجازي، فيعجز الكاتب عن التعبير عن أمرٍ ما دون اللجوء الى التعريب. بالاضافة الى ذلك، تربط الكاتبة اللغة العربية بالمشاعر: «نفكر باللغة الفرنسية. نحب باللغة العربية».
وأكثر هذه الكلمات تعبيراً في «صخرة طانيوس» هي «بَيي» التي ينادي من خلالها بطل الرواية والده. فقد عرّب الكاتب هذه الكلمة ليعبّر عن شعور ذلك الشاب وعاطفته القوية في تلك اللحظة. ونذكر في «ليلة العظاءة» عبارة: «خالتي نور! ما بها؟ ما بها؟» حيث تم تعريب كلمة «خالتي». أما في رواية الأب منصور لبكي «ولد من لبنان» L’Enfant du Liban، التي تروي قصة طفل من الحرب، فيظهر الارتبط العاطفي في المقتطف التالي من خلال تعريب كلمتي «أجداد» و«جدات»: «أين هم أجدادي وجداتي؟ مدفونون هم أيضاً في صمت الموت؟ لماذا لا يجيبانني، هما اللذان يسمحان لي بلامسة الحنان من خلال صوتهما؟». كما نلاحظ في رواية Histoire de La Grande Maison «قصة البيت الكبير» لشريف مجدلاني عبارة «إبنك فريد» و«الوالدة، ست هيلاني». إنها الروابط العائلية الوثيقة والعميقة في الثقافة اللبنانية. يعرّب الكاتب هذه الكلمات ليصف الجو العائلي في مجتمعنا الشرقي حيث تلعب الأم دوراً هاماً في حياة إبنها. إنه التعلق الوطيد بالعائلة والمحيط الاجتماعي في الشرق. تدور أحداث هذه الرواية في لبنان في القرن التاسع عشر، وهي قصة واكيم نصار الذي قرر أن يعمل في زراعة البرتقال، ونجح في ذلك. فأسس عائلة كبيرة وبنى البيت الكبير. تعرض هذه القصة الواقع اللبناني في تلك الحقبة من خلال عبارات معربة مثل «زعيم»، «مجلس» و«الوالي» التي تضفي على الرواية طابعاً تاريخياً. وقد عبّرت كلمة «فدائيين» المعربة في رواية «تحت العرزال» عن الواقع السياسي في تلك الحقبة، إذ أن الكاتبة تروي قصة تدور أحداثها في زمن الحرب، ويبدوأنها تريدنا أن نشعر بالأجواء العنيفة في لبنان. بالاضافة الى ذلك، إن الواقع السياسي والتاريخي يرتبط بانتماء، فلا بد من أن يتم التعبير عنه باللغة الأصلية.
أما في رواية الكاتب المغربي عبد الله طايع، الذي عاش في باريس منذ كان في التاسعة من عمره، «سويداء عربية» Une Mélancolie Arabe فتبرز الكلمات المعربة على لسان يهودية: «كانت في مؤخرة الميترو، وقد قالت لي بلغة عربية خاصة، مرتعشة قليلاً: أنا يهودية! (...) إسمي سارة! صدمة. يهودية. لأول مرة في حياتي». وربما قد يكون الكاتب قد عرّب أقوالها ليقربها من القارئ العربي. وهو قد أجابها باللغة العربية: «أنا إسمي عبد الله!». وهكذا جعل الكاتب من لغته جسراً للتواصل مع الآخر. ونذكر في روايته العبارة: «أن أتكلم معه. باللغة العربية»، وكأنه يعتبر أن للكلام بهذه اللغة قيمة مختلفة. كما أنه يكتب كلمة القاهرة مرتين بالعربية، ومن ثم بالفرنسية ويصفها على الشكل التالي: «حمام من 20 مليون شخص. وحش بشري. زهرة زرقاء، جميلة، مغبّرة»، وكأن القاهرة هي مدينتان راسختان في خياله؛ إحداهما بالعربية، والأخرى بالفرنسية. ونلاحظ في هذا السياق أن معظم أسماء العلم في الأدب الفرنكفوني معربة، نذكر منها في رواية عبد الله طايع أسماء الفنانين: «عبد الحليم حافظ، صباح، مرفت أمين، أم كلثوم، أسمهان، محمد عبد الوهاب»، وكأنه بذلك يعرض تراثه الفني الخاص. إنها مخيلته التي فرضت نفسها في أدبه، وهي مؤلفة من أهم الوجوه الفنية من ثقافته الخاصة. وهكذا، نجح هذا الكاتب بالتفاعل مع كل قارئ عربي تأثرت مخيلته بلا شك بالأغاني المعروفة مثل «أنا لك على طول» و«يانا يانا».
الفرنكفونية هي بحد ذاتها مجال للإنتماءات المتعددة. إذ أنها تمكننا من التواصل مع التعددية على مستوى الفكر، الهوية واللغة. فالكاتب الفرنكفوني هو الذي يكتب ليروي قصة المزيج. فباتت رواياته وأشعاره فسحة لتبلور هوية جديدة، وهي هوية الجذور والانفتاح في آن. إذ أن معظم الاعمال الأدبية الفرنكفونية تعود من خلال مواضيعها الى الواقع الاجتماعي الشرقي. فهي إذاً توق للتواصل مع ذلك المكان، مع تلك اللغة، مع تلك «الأنا» التي تعيد انتاج نفسها بشكل متواصل فتتجلى بعدة أشكال، ومنها الكلمات المعربة. وفي بعض الروايات، تبرز الكلمات المعربة في سياق لعب على الألفاظ كما هي الحال في عمل ماليكا مقدم الأدبي «نزيد» N’Zid : «تذكرَت الكلمة العربية التي تشير الى العين. فهي نفس الكلمة التي تدل الى العين نبع الماء. رفعت نورا كتفيها: عين، هاجيتاك-ماجيتاك، العيون التي تبدل اتجاهها، الأنبع التي تجف تدفن الذاكرة والخيال».

منير أبي زيد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...