رايس في 5 ساعات لبنانية: تهنئة ودعم و«تحرير» المزارع!

17-06-2008

رايس في 5 ساعات لبنانية: تهنئة ودعم و«تحرير» المزارع!

لم تكن كوندليسا رايس التي زارت بيروت، أمس، لأقل من خمس ساعات، هي وزيرة الخارجية الأميركية التي طالما عهدها اللبنانيون طيلة ثلاث سنوات مضت. اختفت «طاووسيتها» وبدت في مضمونها وشكلها بمثابةميشال سليمان يصافح القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون والوزيرة رايس في قصر بعبدا.. «كوندي» جديدة ومتواضعة على مسافة أقل من ستة أشهر من رحيلها وكل ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش، بينما كانت تفتقد لسياق متكامل في كل خطابها الممتد من الطائرة التي أقلتها خالية الوفاض من القدس المحتلة باتجاه إجباري نحو لارنكا ثم بيروت...
وخلافا للزيارات السابقة التي كانت تقوم بها الى لبنان منذ ثلاث سنوات، وخاصة خلال «حرب تموز»، كانت رايس «هادئة» بالمعنى السياسي، وتحدثت مراراً عن «نوايا بلادها الايجابية» واستعدادها لمساعدة لبنان سياسياً وعسكرياً، وشددت في الوقت نفسه على ضرورة ان تتشكل الحكومة اللبنانية «في أسرع وقت ممكن»، وأكدت دعم بلادها لاتفاق الدوحة، معتبرة أنه «فرصة مهمة جداً للبنان».
اذاً، هي زيارة مجاملات لفظية في الجزء الأكبر منها طالما أن لبنان صار له رأس ورئيس جمهورية، ولذلك كان لا بد من تهنئة العماد ميشال سليمان بوصفه «القائد الجديد» للبنان، و«الزعيم السياسي للمسيحيين»، وهو كلام معسل استبطن في طياته تحريضاً على الاشتباك مع زعيم الغالبية المسيحية العماد ميشال عون، قبل أن تنتقل الى قريطم حيث عقدت اجتماعا مقتضبا مع قيادات «الصف الأول» في الموالاة وهم سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وأمين الجميل، وألمحت أمامهم الى وجوب استعداد لبنان لاستئناف مساره التفاوضي مع اسرائيل بالتزامن مع المفاوضات الاسرائيلية السورية، وذلك كشرط لا بد منه قبل الحصول على «غنيمة» وضع مزارع شبعا المحتلة في عهـدة الأمم المتحدة!
وبينما كان البعض من أقطاب الموالاة يطالب رايس بسحب كل الذرائع التي تعطي «مشروعية» لسلاح «حزب الله» من وجهة نظره، وخاصة موضوع مزارع شبعا والأسرى في السجون الإسرائيلية، كانت رايس، حسب
بعض الصحافيين الذين رافقوها، قد سمعت في القدس المحتلة كلاماً من رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت يبدي فيه استعداده للبحث بموضوع التنازل عن «المزارع» لكن شرط توقيع معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل!
واذا كان المشاركون في لقاء قريطم، يريدون من رايس كلاماً واضحاً حول عدم وجود توجه لبلادها بعقد أية صفقة إقليمية على حساب لبنان، ذهبت رايس للحديث عن المفاوضات السورية الاسرائيلية الجارية في تركيا، والتي توقعت ان تصبح مباشرة في المرحلة المقبلة، وقالت لمضيفيها قادة الموالاة ما حرفيته: «Lebanon should not be left behind»، أي ان «لبنان يجب الا يترك خارج هذا المسار (السوري الإسرائيلي)»... ثم عادت وقالت إنه لا مجال لعقد صفقة على حساب لبنان والمحكمة الدولية!
في السرايا الكبيرة، أمضت رايس الجزء الأكبر من مدة زيارتها الخاطفة لبيروت، وتحديداً أكثر من مئة وخمس دقائق من أصل حوالى ثلاثمئة دقيقة، وكان اللافت للانتباه أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال فوزي صلوخ لم يدع الى حضور هذا اللقاء، الذي اقتصر على مستشاري رئيس الحكومة وعلى الفريق الأميركي المرافق لرايس والمؤلف من حوالى 18 عضواً أبرزهم نائب مستشار الأمن القومي اليوت أبرامز، المعروف بتشدده في زمن العودة الى الواقعية في السياسة الخارجية الأميركية على حساب بقايا «المحافظين الجدد»، ومنهم أبرامز الذي لطالما اعترض على الانفتاح الدولي على سوريا وكان أحد مهندسي مسار «حرب تموز» .2006
وبطبيعة الحال، كان لا بد من «السلام والكلام والتهنئة بالرئيس الجديد وقبله اتفاق الدوحة ومن ثم بالتكليف برئاسة الحكومة»، قبل أن يبدأ الجد بين الجانبين... حيث نالت قضية مزارع شبعا غالبية وقت اللقاء، خاصة في ظل شهية لبنانية مفتوحة على استعادتها من قبل صدور البيان الوزاري، بالتزامن مع صفقة تبادل الأسرى، حتى تسقط من البيان الوزاري للحكومة العتيدة المؤجلة عبارة «حق المقاومة بتحرير الأرض» ويستعاض عنها بما ينبغي أن يكونه عليه اندراج السلاح في خانة استراتيجية دفاعية سيدير رئيس الجمهورية الحوار حولها في المرحلة المقبلة.
وبينما تعهدت رايس في السرايا الكبيرة بأنها ستثير مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ضرورة حل قضية «المزارع»
وفق القرار ,1701 بعد أن يستكمل لبنان ملفه القانوني، فإن اجتماعها الختامي بالرئيس نبيه بري في عين التينة تخللته جولة افق واسعة انطلاقاً من الوضع اللبناني والمشكلة الحكومية، الى العراق وفلسطين من دون الإتيان على ذكر مزارع شبعا!
- في القصر الجمهوري، ركزت رايس في اللقاء مع الرئيس ميشال سليمان على ماهية رؤيته لمستقبل لبنان ومستقبل العلاقات اللبنانية السورية، ومسألة المساعدات العسكرية الاميركية للجيش وقوى الامن الداخلي.
واثناء اللقاء كررت رايس عبارة «نحن ندعم لبنان» اكثر من مرة، ونقلت تهاني الرئيس جورج بوش للرئيس سليمان ودعوته رسمياً لزيارة واشنطن، ودعمه لانطلاق عمل مؤسسات السلطات اللبنانية وبسط سلطة الدولة على كل اراضيها، واشادت بخطاب القسم ووصفته بأنه كان مميزاً، وتمنت للرئيس التوفيق في تطبيق ما ورد فيه... وأبلغت سليمان ان بوسعه الاتكال على الدعم الاميركي له. كما اشادت بدور الجيش في حفظ الامن على كل الاراضي اللبنانية.
وركزت على تنفيذ برنامج دعم الجيش الذي جرى التوافق عليه بين الجيشين. كما استطلعت رأي المسؤولين في موضوع الحوار الذي سيرأسه رئيس الجمهورية والخطوات التي يزمع القيام بها في هذا الصدد، كما استفسرت منه عن تصوره للعلاقة بين لبنان وسوريا ورد عليها أنه يريد إقامة أفضل علاقات ندية ومميزة بين البلدين وأن المدخل لذلك يكون بإقامة علاقات دبلوماسية أولاً وترسيم الحدود ثانياً، ونصح الأميركيين بالاستفادة من موقع سوريا ودورها وانفتاحها، مشدداً على أهمية إعادة فتح قنوات الحوار السياسي بين دمشق وواشنطن، معتبراً أن من شأن ذلك أن ينعكس ايجاباً على الوضع اللبناني.
وتبلغت رايس من سليمان موقفه لجهة العمل على انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من مزارع شبعا، وشدد على أن لبنان سيرسل محاضر الاجتماع اللبناني السوري المشترك الذي تم التوقيع عليها من الجانبين في العام 1954 والتي تؤكد لبنانية مزارع شبعا وشدد سليمان على حل ازمة المنطقة بما يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين وتنفيذ القرار .194
في السرايا الكبيرة، قالت مصادر السنيورة إن البحث في الاجتماع الذي دام ساعة وثلاثة ارباع الساعة تركز على خمس نقاط «لكن غالبيته تركزت على ضرورة العمل على انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا لوضعها تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد وعدت الوزيرة الأميركية بتسريع عمل لجنة المسح وتكثيف العمل مع الأمم المتحدة من أجل وضع «المزارع» تحت مفاعيل القرار الدولي الرقم 1701 (الوصاية الدولية)».
وتابعت المصادر أن الموضوع الثاني كان دعم لبنان سياسياً كنظام ديموقراطي ودعم استقلال وسيادة لبنان والصيغة اللبنانية الفريدة من نوعها.
أما الموضوع الثالث فكان التركيز على دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي عدة وعتاداً... والرابع هو تأمين الدعم الاقتصادي للبنان حسبما نص عليه اجتماع أصدقاء لبنان في الكويت.
وتطرق النقاش، أخيراً، إلى ضرورة تأمين الدعم للبنان من خلال مؤتمر الدول المانحة الذي سيعقد في 23 الجاري في فيينا لإعادة إعمار مخيم نهر البارد. وقد وعدت رايس بأن تشارك بلادها بفعالية في المؤتمر المذكور عبر حث الدول على المشاركة وتقديم المساعدات والقروض لمصلحة «الاونروا» من أجل إعادة إعمار «البارد».
في قريطم، ناقشت رايس مع الحاضرين مسار التطورات الإقليمية، وأجابت على أسئلتهم وتحدثت عن وجود فرصة لبنانية جديدة بعد اتفاق الدوحة، وشدّدت على انتظام عمل جميع المؤسسات وأكدت أن واشنطن ستواصل دعمها لـ«ثورة الأرز» وأنه لن يحصل أي شيء على حساب لبنان في المنطقة.
وبينما كانت رايس تعرض للجهود التي تقوم بها الادارة الأميركية لنقل مزارع شبعا الى الوصاية الدولية، استدرك النائب الحريري بالقول لها ان موضوع الأسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية يوازي في أهميته قضية «المزارع»، ولذلك المطلوب انجاز عملية التبادل بأسرع وقت ممكن وأن تكون للدولة اللبنانية كلمتها في ما يحصل.
ووافقت رايس الحريري على ما يقوله وقالت له «ملاحظتك في مكانها»، قبل أن تكمل حديثها، بأنه «الآن ستكون هناك مفاوضات مباشرة بين الاسرائيليين والسوريين»، وقالت ان لبنان لا يجب أن يترك في الصف الخلفي طالما تم فتح المسار السوري الاسرائيلي». وأكدت رايس ستمرار التزام اميركا «بلبنان سيد ومستقل بشكل حقيقي، حيث لا يسمح باي تدخل اجنبي او ترهيب من الخارج يرتكب بحقه».
أما أوساط الرئيس بري فقد اكتفت بالقول إن أجواء اللقاء مع رايس كانت جيدة وايجابية. واشارت الى أن الوزيرة الأميركية لم تكن تحـــمل شيئا استثنائيا في زيارتها لبيروت... وأنهـــا أعادت التأكيد على مواقف سابقة حـــول دعم لبنان والمؤسسة العسكرية.
وفي مجال آخر، اكدت مصادر عين التينة ان اللقاء الذي عقد، أمس، بعد فترة طويلة من الانقطاع بين الرئيس بري والسفير السعودي في لبنان د. عبد العزيز خوجة، «كان جيدا جدا ووديا. وعبر خلاله السفير خوجة عن دعم الرياض لاتفاق الدوحة، وتشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن».
وقد جاء هذا اللقاء بعد اتصال اجراه خوجة، ليل امس الاول، بعين التينة، ولم يكن قد مضى على عودته الى بيروت سوى ساعات قليلة.
وسُئل الرئيس بري عما اذا كانت الحكومة الجديدة ستبصر النور خلال هذا الاسبوع، فأجاب «كان من المفترض ان تتشكل قبل اسبوع ونصف».
واطلع الرئيس بري من معاونه النائب علي حسن خليل على أجواء اللقاء بين رئيس الجمهورية والعماد ميشال عون، وذلك بعد انتهاء زيارة رايس للقصر الجمهوري، حيث كان خليل قد زار الرابية واطلع من عون على نتائج اللقاء مع سليمان. 
وقالت مصادر أن سليمان وعون اتفقا على مواصلة الحوار السياسي بينهما من أجل ايجاد مخارج للعقدة الحكومية، على أن يجري اتصال ثنائي خلال الساعات المقبلة، من دون أن يقدم رئيس الجمهورية جواباً واضحاً ونهائياً في موضوع الاقتراح الذي تقدم به عون في موضوع تسمية رئيس الجمهورية وزيرين مسيحي ومسلم بدلاً من ثلاثة وزراء مسيحيين.
ولخصت أوساط مسيحية محايدة أجواء اللقاء الذي تخللته مأدبة غداء، بأنه «انتهى الى عدم الاتفاق وعدم الاختلاف بين الجانبـين»!

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...