روحاني في بغداد: رسائل في اتجاهات عدة
مع وصول الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى العاصمة العراقية بغداد أمس، استُحضرت سريعاً الزيارة التي أجراها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لقاعدة عين الأسد الجوية غرب البلاد، أواخر العام الماضي، وذلك على سبيل المقارنة. حضر الأول علناً. أما الثاني، فقد فضّل تحاشي الأضواء لـ«دواعٍ أمنية»، كما برّر حينها. في شكل الزيارة وتوقيتها، أرادت طهران التأكيد أنها الأكثر حضوراً وتأثيراً في الساحة العراقية، وإيصال رسالة مفادها «أننا شركاء لبغداد في الانتصار على تنظيم داعش»، بتعبير مصدر حكومي مطلع، في ردّ على واشنطن التي تدعي أنها «صاحبة إنجاز القضاء على التنظيم».
وفي رسالة ثانية، أريد التشديد على أن العراق خارج معسكر العقوبات الأميركية المفروضة على إيران. وفي هذا الإطار، جاء الردّ ثقيلاً على الولايات المتحدة، من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، وإعلان طهران عزمها على رفع مستوى التبادل التجاري السنوي من 12 مليار دولار، إلى 20 مليار دولار، وهو أمرٌ رحّبت به بغداد، ولم تبدِ أي اعتراض عليه.
كذلك، حملت الزيارة رسالة إلى المحيط العربي، وتحديداً إلى السعودية التي لم تصحُ بعد من «صفعة» نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (أيار/ مايو 2018). أرادت طهران تثبيت رؤيتها للعراق بوصفه «بوابتها للعالم العربي، شرط ألّا يكون ساحة لاستهدافها»، كما يصف المصدر عينه. وهي رؤية لا تستسيغها الرياض، الساعية باستمرار إلى تصفية حساباتها مع إيران على الساحة العراقية. في هذا السياق، تبرز زيارة روحاني لمدينة النجف جنوبي بغداد، ولقاؤه الاستثنائي بالمرجع الديني علي السيستاني، الذي يحمل رسالة أخرى قرأتها صحيفة «ابتكار» الإصلاحية الإيرانية على أنها «يمكن أن تمنع السعودية وحلفاءها من زرع الفتنة في العلاقات الإيرانية ـــ العراقية»، مشيرة إلى أن «السيستاني يحاول منع تسلل الساعين إلى التفرقة بين السنّة والشيعة»مجموع تلك الرسائل وغيرها، وفي هذا التوقيت (أواخر العام الماضي، مدّدت الولايات المتحدة مهلة السماح للعراق باستيراد الطاقة الكهربائية من إيران والتبادل التجاري معها 90 يوماً، على أن تنتهي في 20 آذار/ مارس الجاري) حسم موقف بغداد.
انحياز واضح إلى طهران في ما يتصل بملف العقوبات، كانت الرئاسات الثلاث قد أبلغته جميع المعنيين. وهو موقف تراه بعض القوى السياسية، المقرّبة من واشنطن وعواصم الخليج، خطراً على العراق الذي «سيدفع الثمن مقابل لا شيء». وفي أول تعليق أميركي على زيارة روحاني، وصف القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في بغداد، جوي هود، الزيارة بـ«البناءة أكثر بكثير من الزيارات السرية لقائد قوة القدس قاسم سليماني»، معرباً عن دعم بلاده للعراق «من خلال بناء علاقات صحية وطبيعية مع جميع دول المنطقة، بما فيها إيران».
الجانب العراقي، ممثلاً برئيسَي الجمهورية برهم صالح والحكومة عادل عبد المهدي، أعرب عن شكره لدعم طهران في الحرب على الإرهاب، مشدداً على ضرورة تطوير العلاقات الثنائية على الصعد كافة، فيما أعرب الجانب الإيراني عن التصميم على «تعزيز العلاقات»، «خاصة في مجال النقل»، كما عبّر روحاني، الذي لم يغفل التصويب على واشنطن، مديناً تدخلها العسكري في الشرق الأوسط، ليعود إلى أصل زيارته، والتأكيد أن طهران وبغداد تمتلكان «الظروف المواتية للتعاون في كل المجالات، بما يشمل التجارة والاستثمار... والعلاقات في مجالات الطاقة، والكهرباء، والغاز، والبنوك، والتعاون في مجال الطرق والسكك الحديدية، وإقامة المناطق الحرة والأسواق المشتركة».
ووصفت مصادر رئاسة الجمهورية، في حديث إلى ، اللقاءات بـ«الممتازة»، فيما رأت مصادر رئاسة الحكومة أن الاتفاقات الموقعة تحمل «اندفاعة في العلاقة بين بغداد وطهران»، متحفظة في الوقت عينه من بعض النقاط المثارة حول إمكانية دفع بغداد لديونها للجانب الإيراني، خصوصاً تلك المتعلقة بالتغذية الكهربائية. ومن شأن الاتفاقات الموقّعة أن توفر فرصاً للاقتصاد الإيراني، كما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول إيراني بارز، إذ إنها تشمل مجالات الطاقة، والنقل، والزراعة، والصناعة، والصحة، إضافة إلى إنشاء سكك حديدية بين البصرة العراقية وشلامجة الإيرانية، إلى جانب منح تأشيرات دخول وتسهيلات لمواطني البلدين. بدوره، أعلن رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي»، همام حمودي، أن زيارة روحاني ستتمخض عن إنشاء أربع مدن صناعية، وخط سكك حديد دولي.
الأخبار
إضافة تعليق جديد