صنع في الخارج : الخبير الأجنبي للبريستيج أم للتطوير؟

10-11-2007

صنع في الخارج : الخبير الأجنبي للبريستيج أم للتطوير؟

لا يبدو الحديث عن الخبرات الأجنبية العاملة في سورية يدخل في خانة السرية إلا أن شحّ المعلومات والإحصائيات عن هذا الملف المهم يجعل الحديث أو فتح مثل هكذا ملف أمراً عسيراً نظراً لقلة المعلومات المتوفرة ولتضارب الآراء وكثرة الانتقادات الموجهة للسياسات المتبعة في هذا المجال, ولكن رغم ذلك آثرنا الحديث عن هذا الملف نظراً لارتباطه بكل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية والصحية وحتى الرياضية سواء الحكومية منها أو الخاصة، فلا تكاد دائرة أو مؤسسة أو منشأة تخلو من خبير يعمل تحت اسم خبير أجنبي، وخصوصاً في القطاع الخاص أو المنظمات الدولية أو بعض المؤسسات والشركات الحيوية، سواء في قطاع النفط أو الطاقة الكهربائية أو الري .
فهل حقق الخبير الأجنبي لدينا المراد منه؟.. وبالتالي هل ساهم في بناء مؤسساتنا واقتصادنا وفق منظور صحيح أم أنه مجرد شعار مفرغ من محتواه؟.. وبالتالي بقي عالة على مؤسساتنا أم أنه مفروض علينا من قبل الشركات العالمية تسديداً لقيم التعاون معها؟ أسئلة سنحاول الإحاطة بها في تحقيقنا التالي...
                         مطلوب خبير
سنبدأ من حيث قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالموافقة على زيادة نسبة العمالة الخارجية (العربية والأجنبية) في المؤسسات الاقتصادية السورية الخاصة إلى 20 % بدعوى مساعدة هذه المؤسسات على تطوير إنتاجها ورفع كفاءة العاملين فيها تحت مسمى "خبير أجنبي" أو "عربي" واشترطت الوزارة وجود حاجة فعلية لهذه الخبرات, وطلبت "تدريب يد عاملة وطنية بديلة" تحلُّ محلَّ الخبرات التي يتم استقدامها بعد أن تصبح كفاءتها بالحد المطلوب حسب حاجة المؤسسة باتجاه الاستغناء على أي خبير غير محلي.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هل هذا القرار في محله أم أنه خطوة نحو الاستغناء عن الخبرات المحلية؟... يقول المحلل الاقتصادي عدنان غانم: إن هذا الإجراء غير ضروري على اعتبار أن سوقنا المحلية لا تخلو من الكفاءات البشرية، وبالتالي فإن الخبير سواء أكان عربياً أم أجنبياً لن يكون في أقصى درجات كفاءته أفضل من الخبير المحلي الذي سيكون معطاء حريصاً على المصلحة العامة والوطنية أكثر من الخبير الأجنبي الذي لن يستطيع برأيي تقديم أي جديد للمؤسسة، سواء أكانت خاصة أم عامة، سوى توجيهات عامة وآراء طنانة لا يمكن تطبيقها في سوقنا المحلية لاعتبارات لا تخفى على أحد، وبالتالي فإن الخبير المحلي أدرى بشعاب الأمور لدينا أكثر من غيره.
                           تجربة
تبدو تجارب المؤسسات لدينا غنية لجهة تقييم الخبير، وهذا يسمح لها بتحديد احتياجاتها بدقة من الكفاءات والخبرات الأجنبية المطلوبة لعمل أي مؤسسة يقول الدكتور المهندس  عبد الله عبد الرحمن _ رئيس مجلس إدارة شركة الفرات للنفط سابقا _ حول تجربة عمله في هذا المجال في الشركة: إن الشركة تعتمد تقييم الكفاءات وفق معايير قياسية بدءاً من انتقاء وتشكيل الكوادر وصولاً إلى وضع الخطط التدريبية المناسبة لتطوير خبرة ومهارة هذه الكوادر وخلق كفاءات متميزة من خلال دعم أنظمة تطوير العناصر الوطنية عبر الدورات التدريبية الداخلية والخارجية المستمرة في كافة المجالات, وقد يستغرق التدريب لهذه العناصر من 7-8 سنوات حتى يحصل المتدرب على لقب خبير.
وأشار الدكتور عبد الرحمن إلى أنه بين عامي 2004 -2005 حلّت كوادرنا المدربة محلَّ 75-80 خبيراً أجنبياً، مشيراً إلى أن خطة هذا العام تقضي بحلول60 خبيراً وطنياً.           
                                  هجرة الخبراء
ولكن المشكلة القائمة الآن أمام مؤسساتنا في هذا المجال تكمن في هجرة الخبرات الوطنية الكفوءة والمدربة جراء مغريات العمل خارج الوطن، وهذا الأمر أثر على تنفيذ الخطط الإنتاجية لبعض الشركات والمؤسسات وخصوصاً في قطاع النفط والطاقة .
وتشير الإحصائية في مجال النفط إلى أنه حتى نهاية عام 2006 بلغ عدد المهاجرين الخبراء 100 خبير وطني مقارنة بعام 2005 والذي هاجر فيه على مدى العام 52 خبيراً فقط, ولمعالجة هذه المشكلة, وقال د. عبد الرحمن: إن شركة الفرات كانت تمنح الخبراء حوافز ومكافآت، ولكن على ما يبدو أن حلّ هذه المشكلة صعب أمام الاغراءات التي تمنح للعاملين من قبل شركات الخارج.
تقوم شركة الفرات للنفط وشركة دير الزور للنفط الشركتان اللتان تستحوذان على قسم كبير من الخبراء الأجانب العاملين في قطاعاتنا الإنتاجية بمحاولات منذ سنوات باستبدال الكادر الأجنبي بكادر وطني وأنفقت الملايين على هذا الكادر، وقد نجحت خطط التدريب في هذه الشركات واستطاعت استبدال عدد كبير من هذه الخبرات الأجنبية، ولكن قلة التعويضات المقدمة لهذه الكوادر ووجود مغريات كبيرة من خارج القطر ساهم بهجرة هذه الخبرات المحلية وفي السنوات القادمة ستعود هذه الشركات إلى استيراد الخبرات الأجنبية من جديد لفشل هذه الشركات في تعويض عامليها مادياً ما يشجعهم على الهجرة.
                                      الخبير الملك
هناك تصنيف آخر للخبراء بين خبير جيد ووسط وخبير ملك وهذا التصنيف معتمد بين الشركات والقطاعات الإنتاجية والخدمية في اقتصادنا المحلي وهذا التصنيف يقودنا إلى حقيقة وجود الخبير الأجنبي أصلاً في شركاتنا وبالتالي ما الأهداف الحقيقية لوجوده, يقول الاقتصادي أحمد كيال خبير مواصفات ومقاييس معتمدة دولياً يجب أن يتمتع بها سجله المهني والشخصي وبالتالي بموجب هذه المواصفات نستطيع تحديد مدى فائدته بالنسبة لمؤسساتنا وشركاتنا وتقييمه، فهناك خبراء لا تستفيد مؤسساتنا منهم، وهؤلاء خبراء يأتون من القطع المستوردة وكأنهم مجرد جهاز مسبق الصنع، وكما يقال في عالم الاقتصاد خبير مفروض من الشركات العالمية جراء التعاملات الدولية فأي شركة محلية تريد أن تستورد جهازاً جديداً أو مادة جديدة يكون شرط توريدها وجود خبير من الشركة، وهذا الخبير لا تتعدى خبرته تركيب الأجهزة أو استخدام المادة، ويفرض على الجهة المستوردة على عدة شهور إن لم نقل سنين دون فائدة تذكر، مع الذكر بأن راتبه لن يكون أقل من 4000 دولار ضريبة وجوده في المؤسسة, وهناك 99 % من الخبراء لدينا هم من هذا النوع البريستيجي .
ويضيف الاقتصادي كيال: أما الخبير الجيد أو كما يقال الملك فهو قليل الوجود في أسواقنا المحلية، هذا الخبير الدولي المعروف عالميا يكون بالفعل شخصاً قادراً على تطوير العمل وأداء المؤسسة إيجاباً وبأقل التكاليف، وهذا الخبير غير موجود لدينا لأنه بالطبع سيتعاقد مع شركات عملاقة في الأسواق العالمية أو الأسواق الخليجية مثلاً التي تستطيع أن تؤمن له كل متطلباته المادية والمعنوية.
                                     توفير
يكلف الخبير الأجنبي الاقتصاد الوطني ملايين الدولارات سنوياً، وهذا الخبير الذي لم نقرأ يوماً أنه حقق معجزة أو قفزة نوعية في اقتصادنا المحلي، وهذا دليل على ما قاله الاقتصادي كيال لجهة فقر اقتصادنا المحلي للخبير الملك، وهذا يقودنا للحديث عن الخبير الوطني الذي استطاع ويستطيع أن يكون أكثر كفاءة من الأجنبي لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها الآن إضافة إلى أن الوطني بالطبع سيكون أجره أقل بكثير من الخبير الأجنبي إن لم نقل إنه لا ينال واحداً بالمئة من أجره!.. فيكون الخبير الوطني قد وفّر على الدولة رواتب خبرات أجنبية طائلة فلنأخذ مثلاً راتب (الخبير الأوروبي ) الذي يتقاضى مالا يقل عن /4000/ دولار شهرياً عدا الإقامة والسفر وباقي التعويضات، بينما خبيرنا الوطني لا يتعدى راتبه الشهري الـ(25) ألف ليرة سورية، فيكون الخبير الوطني أجدى اقتصادياً من أي خبير أجنبي من النوع الثاني.
                                    خبير رياضي
يقول الخبير في القوى العاملة الدكتور زياد أباظة: إن الخبير الأجنبي يمكن أن يكون ذا فائدة عملية في مجالات التدريب والتأهيل والتطوير الإداري وفي مجالات الرياضة والإعلام والثقافة والصحة وبعض جوانب الاقتصاد، ولكن وفق محددات مهمة يجب ان يتمتع بها هذا الخبير أو ذاك وهنا نذكر بأن الخبير الرياضي الأجنبي العريق يمكن أن يؤسس لرياضة محلية قوية تنافس الرياضات العربية والأجنبية في المحافل الدولية والعكس صحيح، أي الخبير الرياضي الأجنبي الأقل كفاءة يمكن أن يكون عاملاً هدّاماً للرياضة المحلية، وهنا نجري مقارنة مع خبير رياضي محلي حقق بطولات مهمة محلياً وعربياً ودولياً، وهذا يقودنا إلى أن الخبير هو عبارة عن مجموعة مواصفات متى توافرت في شخص معين استطاع الإفادة منها سواء أكان محلياً أو عربياً أو أجنبياً، فبرأيي لا فرق بين الخبير الوطني أو المحلي وبين الخبير الأجنبي إلّا بمواصفات كليهما.
وأضاف: نحن مع الخبير المتخصص القادر على إدارة العمل بكفاءة عالية وبدقة متناهية ولسنا مع الخبير المعلب المصدر لنا خصيصاً من الخارج .

                                  وظيفة مهمة
كثيراً ما نسمع بين عامة الشعب وخصوصاً المهتمين منهم بالشأن الإداري عن وصول خبير أجنبي إلى مؤسسة ما أو قطاع ما أو لرئاسة إدارة شركة أو منشأة خاصة أو وسيلة إعلامية جديدة، ولكن القليلين منهم يعرفون حقيقة راتب هذا الخبير ويكتفون بالقول إن راتبه بالدولار, وفعلاً راتبه بالدولار بل بالعملة الصعبة وأحياناً أصعب من إمكانات بعض المؤسسات الحكومية، ففي القطاع الخاص نرى مديراً مسمى خبيراً أجنبياً براتب لا يقل عن 5000 دولار شهرياً إن لم نقل أكثر بكثير كما نلاحظ ذلك في المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة لدينا، وهذا أمر طبيعي أن يتواجد الخبراء في المؤسسات الدولية, أما أن يكون الخبير هو كل شيء في المؤسسة، فهذا مالا يجب أن يتعمم على حالاتنا الاقتصادية, فنحن مع الخبير الأجنبي العارف بكل شؤون عمله والمتخصص بمجال رائد والقادر على تطوير اقتصادنا وإداراتنا ونحن مع الخبير الطبي أو الصحي أو الخبير الإعلامي أو الإداري والرياضي المتخصص ذي العقلية المهنية الرائدة، ولكننا لسنا مع الخبير البريستيج الذي تصدّره لنا المؤسسات الأجنبية وعلينا أن نقبله شئنا أم أبينا.. فاقتصادنا لا يحتمل مثل هذه المسميات المُعسلة تحت اسم (خبير أجنبي) بل المطلوب خبير وطني محب للمصلحة العامة أولاً وأخيراً قبل أن يكون حاملاً لشهادة دولية .
                                          خبراء فعلاً
خبراء أجانب كثر يعملون في مجال الري ومجال بناء السدود، وهؤلاء فعلاً من الطراز الرفيع وقد خبرت بعضهم خلال تحقيقات سابقة لي في سدود قيد الإنجاز ومنها سد الثورة وسد /16/ تشرين وغيرها من السدود السطحية, ومن خلال لقاءاتي السابقة مع بعض المسؤولين عن هذا القطاع أكدوا أن معظم الخبراء هم من الطراز الرفيع الذين يعملون دون كلل أو ملل بل يحاولون تدريب كوادر سورية لتحل مكانهم بعد عودتهم إلى وطنهم الأم، وهؤلاء استطاعوا خلال فترة قصيرة من تطوير أداء عمل السدود السطحية لدينا بمساعدة الكوادر المحلية, يقول المهندس بسام محمد أحد المشرفين على سد الثورة في اللاذقية: إن معظم الخبراء الأجانب الذين يعملون في سدود محافظة اللاذقية هم خبراء صينيون مشهود لهم بالخبرة العالمية والكفاءة المتميزة ولم يكونوا خبراء بالتوجيه والتخطيط فقط، بل إنهم يشاركون عمال الإنشاء في أعمال البناء والترميم والإنشاء وهم يعملون كعائلة ضمن فريق العمل المحلي، وكثير منهم استطاع أن ينجز عمله بفترة أقل من الفترة المقررة له وذلك بمواظبتهم على العمل ليل نهار، وهؤلاء يستحقون فعلا لقب خبير عالمي لأنهم استطاعوا أن يطوروا أداء معظم سدودنا السطحية المحلية كما أفادوا الكوادر المحلية بخبرتهم العالمية.
                                      تناقص
لا توجد إحصائية دقيقة لدينا حول عدد الخبراء الأجانب العاملين لدينا، إلا أن مصادر هيئة تخطيط الدولة تشير إلى أن أكثر من 2000 خبير أجنبي يعملون في مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية والخاصة، وهؤلاء يكلفون الدولة أكثر من 200مليون ليرة سورية كرواتب وخدمات مقدمة لهم, وتشير المصادر إلى أن عدد الخبراء الأجانب بدأ يتناقص عاماً بعد عام بسبب تدريب الكوادر المحلية ووضعها في الخدمة مكان الخبراء الأجانب ويعمل معظم الخبراء الأجانب في مجال النفط والطاقة والسدود إضافة إلى خبراء القطاع الخاص.
رغم أن الخطة الخمسية العاشرة لم تأتِ على ذكر استقدام الخبراء الأجانب إلى القطاعات الحيوية إلا أن الشركات الحكومية التي تحتاج إلى هؤلاء فإنها تستطيع طلبهم إلى حين تأمين كادر محلي قادر على أن يحلّ مكان الأجانب, أما القطاع الخاص فإن آفاقه مفتوحة في هذا المجال ومعظم الشركات الخاصة يعمل فيها عدد لا باس به من الخبراء الأجانب وخصوصاً في قطاع الاتصالات والإعلام والصناعة إضافة إلى مجال البحوث والتأهيل والتدريب والاختبارات الصناعية والطب والرياضة وغيرها .
                                             انتحار
سأسرد لكم قصة واقعية حدثني عنها أحد العارفين بها، مفادها أن خبيراً يابانياً في مجال الطاقة الكهربائية وصل مع وفد ياباني إلى محطة توليد الطاقة الكهربائية في مدينة بانياس لتطوير عمل هذه المحطة ومعالجة نفاياتها السامة التي تضر بكل سكان المنطقة, ومكث الوفد الياباني في المحطة حوالي العام تقريباً، وقد استطاعت المحطة أن تعالج خلال هذا العام الكثير من معوقات العمل لديها بعد عمل الخبراء فيها بجهد حقيقي.
وبالعودة إلى قصة الخبير الياباني هذا الخبير الذي عرف عنه مواظبته الدائمة على العمل ليلاً ونهاراً وكأن محطة التوليد له أو لبلده حتى إن موظفي المحطة أحسوا بالخجل من عمل الخبير وتمنوا أن يرحل عن المحطة لأنه وضعهم في موقف حرج, المهم أن هذا الخبير وفي يوم من أيام عمله في المستودعات الرئيسية حدثت عملية سرقة لإحدى هذه المستودعات فما كان من الخبير الياباني إلا أن قام بإعدام نفسه بنفسه، حيث كتب على ورقة صغيرة " لقد عاقبت نفسي بنفسي لأن السرقة تمت في فترة عملي" وهذا ناجم عن إحساسه العميق بالمسؤولية، فكم هذا الخبير عظيماً بأخلاقه وبعمله الرائد؟.. فهل يتعظ عمالنا ومسؤولونا من تصرف هذا الخبير المجد؟!.


 أديب محسن رضوان

بالاتفاق مع مجلة المال

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...