قمة أميركية – فرنسية في واشنطن: قلق من "خطر" سوريا.. وحذر بشأن ايران
لم يكن المشهد جديداً في واشنطن أمس، بل منهجية خطاب يميّز القمم الرئاسية لـ"القوى الكبرى" ويوزع الأدوار والمهمات الواجب تنفيذها بشأن القضايا الأساسية المطروحة على الساحة الدولية، من الشرق الأوسط وصولاً إلى القارة الأفريقية.
وضمن هذه المقاربة، طغى ملف الأزمة السورية ومفاوضات الملف النووي مع إيران على لقاء القمة الأميركي – الفرنسي في واشنطن، حيث أكد الرئيسان الأميركي باراك اوباما والفرنسي فرنسوا هولاند في الشأن السوري على ضرورة إيجاد حل سياسي، بينما أبقيا على التهديد بالعقوبات مرفوعة في وجه طهران في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص برنامجها النووي.
وفي مؤتمر صحافي مشترك عقداه في البيت الأبيض بعد نحو ساعتين من المحادثات، قال الرئيس الأميركي إنّ "الأزمة السورية على سلم أولويات أمننا القومي، حيث ان نفوذ المتشددين يزداد بقوة في هذه التداعيات التي تمر بها سوريا،" والتي وصفها بـ"المريعة".
وتابع "لا نعتقد في الوقت الراهن بوجود حل عسكري في حد ذاته لهذه المشكلة إلا انّ الموقف مائع ونحن نواصل استكشاف كل سبيل ممكن لحل هذه المشكلة، لأن الوضع لن يكون مفجعاً بالنسبة للشعب السوري فقط، بل هو خطير جداً للمنطقة بأكملها".
وأشار أوباما إلى أنّ واشنطن ستواصل الضغط "على نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وعلى الدول مثل روسيا وإيران من أجل إقناعها بأن استمرار سفك الدماء والانهيار لا يستجيب لمصالح أي طرف".
وأعرب أوباما كذلك عن اعتقاده أن المعارضة السورية "أبدت مسؤولية" خلال الجولة الحالية من المفاوضات في جنيف، متهما في الوقت ذاته الوفد السوري بالقيام بـ"تصرف غير مسؤول" وبـ"استخدام لغة القوة". واعتبر أنّ "مسار جنيف يؤكد على الحل السياسي في سوريا وعلى المحافظة على الدولة".
وفي السياق ذاته، حذر اوباما من انه إذا حالت روسيا دون صدور قرار من الأمم المتحدة في شأن تسهيل المساعدات الإنسانية في سوريا، فإنها تتحمل مسؤولية منع هذه المساعدات عن المدنيين السوريين المحتاجين إليها.
وقال "يوجد إجماع كبير بين معظم دول مجلس الأمن حول هذا القرار"، مضيفاً أنّ وزير خارجيته جون كيري ابلغ الروس أنهم "لا يستطيعون أن يقولوا إنهم قلقون على وضع الشعب السوري في الوقت الذي يجوعون فيه المدنيين".
وأضاف في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الفرنسي "ليس السوريين فقط هم المسؤولون، بل الروس كذلك إذا ما حالوا دون مرور هذا النوع من القرارات".
من جهته، أشار هولاند إلى أنّ التهديد بالقيام بعملية عسكرية ضد سوريا من قبل البلدين أدى إلى دفع النظام السوري نحو التفاوض لتسليم السلاح الكيميائي الذي يمتلكه، لافتاً إلى أنّ ما جرى حتى اليوم هو "تدمير جزئي لهذه الأسلحة".
وأعاد الرئيس الفرنسي كذلك التأكيد أنّ "الغرض الأوحد للمؤتمر (جنيف) هو إتاحة فرصة التحول السياسي"، مضيفاً "لقد شجعنا المعارضة الديموقراطية على الذهاب إلى جنيف .. في وقت كان طرف ما يقوم بتعطيل الجهود، وهو النظام". وتابع "نحن اخترنا أن ندعم المعارضة الديموقراطية وهي تمثل بديلا حقيقيا".
وفي الشأن الإيراني، أعلن الرئيس الأميركي أنّ الشركات الأجنبية التي تدرس احتمالات إجراء تعاملات تجارية مع إيران تقوم بذلك على مسؤوليتها الخاصة، متوعدا باتخاذ إجراءات قاسية ضد أي شركة تنتهك العقوبات.
وجاءت تصريحات اوباما بعد نحو أسبوع من توجه وفد فرنسي تجاري كبير إلى طهران لدراسة الفرص بعد تخفيف الدول الغربية عقوباتها على إيران. وقال اوباما إنّ "الشركات ربما تستكشف الفرص"، مستدركاً "لكن استطيع أن أقول لكم إنهم يفعلون ذلك على مسؤوليتهم الخاصة حالياً، لأننا سنتخذ إجراءات قاسية بحقهم" في حال انتهكوا العقوبات.
كما قال الرئيس الأميركي في كلمته "نحن سنواصل تطبيق كل العقوبات القائمة"، مضيفاً أنه "حالياً، فإنّ أي تجاوز يقوم به الإيرانيون لن يخدم مصلحتهم".
بدوره، قال هولاند انه لا يسيطر على الشركات الفرنسية، إلا انه أوضح أنّ العقوبات على إيران لن ترفع إلا بعد التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن برنامجها النووي.
وكان اوباما قد ألمح في حديثه إلى رفض فرنسا المشاركة بالتدخل في العراق العام 2003، معتبراً في الوقت ذاته ان التعاون الفرنسي الأميركي الحالي حول ملفات السياسة الخارجية "كان من الصعب تخيله قبل عشر سنوات فقط".
وأضاف اوباما "أوجه التحية إلى الرئيس هولاند لقيامه بدفع هذا التعاون قدما"، مضيفا وهو يوجه كلامه مباشرة الى الرئيس الفرنسي "فرنسوا، لم تتكلم فحسب ببلاغة عن تصميم فرنسا على تحمل مسؤولياتها كدولة اساسية، بل تحركت ايضا من مالي الى سوريا الى ايران وبرهنت شجاعة وتصميما، وانأ أريد أن أشكرك على قيادتك وشراكتك الوثيقة مع الولايات المتحدة".
وردا على سؤال حول ما اذا كانت فرنسا ستحل محل بريطانيا كشريك يتمتع بعلاقة مميزة مع الولايات المتحدة، قال الرئيس الأميركي "لدي ابنتان وهما رائعتان ولن أقوم أبدا بالاختيار بينهما. وهكذا هي الحال مع شركائي الأوروبيين العظام. كلهم مميزون وكل على طريقته".
كما دعا الرئيس الفرنسي إلى التحرك سريعا نحو توقيع اتفاق للتجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي قد خص نظيره الفرنسي باستقبال حافل في البيت الأبيض، أمس، وأعرب الاثنان عن عزمهما رفع التحديات الكبيرة التي تواجه العالم "معا"، بدءا من "الإرهاب" وانتهاء بمسألة الاحتباس الحراري.
وكان اوباما اصطحب أيضاً نظيره الفرنسي في جولة على مزرعة توماس جيفرسون، وهو ثالث الرؤساء الأميركيين الذي عرف بحبه الشديد لفرنسا، وكان شاهدا على "الثورة الفرنسية" وفاعلا ناشطا من اجل استقلال الولايات المتحدة. وقد عبر الرئيسان مسافة المئتي كيلومتر الفاصلة بين الموقع التاريخي وواشنطن على متن طائرة "اير فورس وان".
وكان من المفترض أن يلتقي هولاند، أمس، رؤساء المجموعات الأميركية "ماستركارد" و"بيسيكو" و"يو بي اس" و"جنرال موترز"، قبل أن يختتم زيارته اليوم بمحطة في مدينة سان فرنسيسكو في ولاية كاليفورنيا للقاء عمالقة الانترنت، "غوغل" و"فايسبوك" و"تويتر"، والترويج أيضا للشركات الفرنسية الناشئة.
وكالات
إضافة تعليق جديد