لبنان على خلفية الصراع في سوريه
الجمل ـ * ستانيسلاف ايفانوف ـ ترجمة رنده القاسم:
رغم أن الوضع السياسي الداخلي في لبنان مستقر نسبيا، و لكن هناك احتمال بأن يسوء في المستقبل القريب إذا لم يتم تفادي هذا الأمر. فتدخل قوى خارجية و الانقسام المستمر للمجتمع اللبناني حول الأحداث في الجارة سوريه ، حيث لا تزال تدور حرب أهلية مع تدخل خارجي قوي ( من قبل الولايات المتحدة و فرنسا و السعودية و قطر و الأردن و تركيا..الخ)، ربما يكون سببا في سوء الأوضاع.
و مع تأثرهم بحلفائهم الخارجيين، يزداد تورط اللبنانيين، رغما عن إرادتهم، في المواجهة المسلحة في سوريه، فمجموعة حزب الله المقاتلة و السياسية تعمل مع الرئيس بشار الأسد (ما بين 3000 إلى 5000 مقاتل مسلح و مدرب جيدا) ، و المجموعات السنية اللبنانية تدعم الجيش السوري الحر المعارض. و يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن هناك الكثير من المجموعات الإسلامية المتطرفة في سوريه، و أكثرها قوة جبهة النصرة و الدولة الإسلامية في العراق و المشرق ، و قد أعلنت الأخيرة مرارا و تكرارا خطتها غزو لبنان، بل و إنها ذكرت هذا البلد ضمن اسم مجموعتها. و في صيف 2014، و من المناطق المحتلة في سورية و العراق، أعلن قادة الدولة الإسلامية نواياهم توسيع حدود خلافتهم الإسلامية عن طريق ضم لبنان، حيث يلاحظ اليوم ازدياد نشاطات ممثلي داعش في تجنيد مقاتلين من أجل داعش و جبهة النصرة.
ما هو الوضع السياسي الداخلي في لبنان اليوم؟
البلد ذو تعداد سكاني قليل، و لكنه يملك موقعا استراتيجيا و جغرافيا هاما في الشرق الأوسط، و هو مشهور بوجود عدد كبير من المجموعات الاجتماعية و العرقية و التي تملك عادة آراء سياسية متعارضة و متأثرة جدا بقوى خارجية (إيران، سوريه، السعودية، فرنسا..). و حتى الآن، تمكن اللبنانيون، و إن بصعوبة، من الاحتفاظ بالحالة الداخلية الموضوعة و موازنة القوى السياسية، و كل هذا أصبح ممكنا بناء على المبادئ الشرعية للمحاصصة الطائفية المتبعة خلال تعيين أشخاص لمواقع رئيسية في الجمهورية البرلمانية، حيث يرأس البرلمان مسلم شيعي (حاليا نبيه البري)، و رئيس الوزراء مسلم سني (تمام سلام). و للأسف منذ أيار 2014 و البرلمان غير قادر على اختيار رئيس جديد للدولة من المسيحيين المارونيين ، و حاليا تقوم الحكومة مؤقتا بمهامه.و تحدد المواقع في الحكومة بشكل أو بآخر وفقا لنفس النموذج. و المرشحون، الذين تمت تسميتهم خلال هذه الفترة من قبل أعضاء البرلمان، فشلوا في الحصول على الأغلبية المطلوبة خلال التصويت البرلماني.
و من الجدير ذكره، أنه مر وقت طويل لم تقم خلاله المجموعات الدينية الرئيسية في الدولة بتسمية مرشح واحد لمناصب أساسية في الدولة. فكل الطوائف الدينية مقسمة إلى أحزاب و مجموعات و حركات أصغر. و الأخيرة بدورها تنتمي إلى تكتلات سياسية متنافسة. يوجد تحالفان سياسيان رئيسيان باسمين متشابهين، تحالف 8 آذار و تحالف 14 آذار، و هما مستمران في الحوار بحثا عن مرشح مناسب للرئاسة.
تحالف 8 آذار يدعم السلطات السورية الحالية، و يرأسه فعليا قائد حزب الله السيد حسن نصر الله. و يشكل حزب أمل الشيعي برئاسة نبيه بري و مسيحيون من التيار الوطني الحر التابع لميشيل عون جزءا من هذا التحالف.
تحالف 14 آذار، يساعد المعارضة السورية، و يرأسه قائد حركة المستقبل السني سعد الحريري المدعوم من السعودية و فرنسا. و إلى جانب حزبه يوجد في التحالف أيضا عدد من المنظمات المسيحية، و معظمها موجهة من باريس.
و إضافة إلى التحالفين الذين يتقاتلان من أجل السلطة و النفوذ في الدولة، يوجد في الوسط الحزب الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط (درزي) و نجيب ميقاتي (سني).
يعتبر الجنرال ميشيل عون البالغ من العمر تسعة و سبعين عاما، و هو قائد التيار الوطني الحر و الحليف السياسي لمجموعة حزب الله الشيعية، المرشح الأساسي للرئاسة في لبنان، و ربما يصبح مرشح التسوية بالنسبة للقوى السياسية الرئيسية في الدولة.
كان لوجود 1,5 مليون لاجئ سوري في مخيمات شمال لبنان و في وادي البقاع، بعضهم وصل إلى بيروت و مدن أخرى، أثر كبير في زعزعة الوضع بشكل عام في لبنان، إذ ازدادت معدلات جرائم الطرقات و البطالة، و تفاقمت الحالات الوبائية، و نشأ الاضطراب الاجتماعي. و بنفس الوقت ، لا تزال هناك ستة مخيمات لاجئين فلسطينيين في لبنان تضم نصف مليون، و تشهد هذه المخيمات نشاطات التطوع من أجل العديد من المجموعات الإسلامية المتطرفة.
و بالنسبة للسياسة الخارجية الرسمية للحكومة اللبنانية، تحاول بيروت التزام الحياد في الشؤون الإقليمية و الدولية. و بنفس الوقت، شجب مسؤولون لبنانيون محاولات السعودية و حلفائها التدخل في شؤون اليمن المحلية و حل الأزمة اليمنية الداخلية عن طريق التدخل العسكري. و علاوة على ذلك، تتخذ كل القوى السياسة اللبنانية موقفا جماعيا معاديا لإسرائيل. و أعلن الطرف اللبناني أن مزارع شبعا، المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967، ملك لبنان و لهذا ينبغي على الجنود الإسرائيليين الانسحاب منها.
و صعود تأثير القوى الإسلامية المتطرفة في المنطقة و ما تشكله من تهديد، شجع القوى السياسية في لبنان على تخطي الخلافات الداخلية ، و البحث عن تسوية و تفاهم مشترك حول الشؤون السياسية الداخلية الأكثر إلحاحا ( مثل نزع سلاح حزب الله) . و اليوم، تضم الوحدات المقاتلة في الحزب أربعين ألف مقاتلا، و يوجد أربعون آخرون على استعداد للتعبئة في حال أضحت الأمور أسوأ أو تصاعدت حدة الصراع. و حزب الله ، كحال كل المجموعات اللبنانية، لديه خدمات أمنية خاصة به.
و بناء على ما ذكر أعلاه، تنوي المؤسسة المحلية تعزيز القوة المركزية للدولة عن طريق خلق مجلس أمن قومي و التركيز أكثر على تحديث و تقوية الجيش اللبناني. و يفترض القسم ذو التفكير الوطني من المجتمع اللبناني أن صعود الأمن القومي المركزي، و وكالات لتعزيز الدفاع و القانون، و تحسين نشاطات التعاون فيما بينهم، بما فيها تعاون أوثق بين القوى الأمنية للأحزاب، ستكون بمثابة إجراءات وقائية يعول عليها في حال ازدياد سوء الأوضاع في لبنان و الدول المجاورة.
و بشكل عام، يمكن القول بأن لبنان اليوم يلعب دورا متناميا في إعاقة خطر المد الإسلامي الراديكالي و استقرار كل الوضع في الشرق الأوسط. و تدرك بيروت أن أي إسقاط عنيف لنظام الرئيس بشار الأسد في سورية لن يرمي في الفوضى و التخلف بلده، الذي كان سابقا مزدهرا، فحسب، بل سيؤثر أيضا في الوضع اللبناني. و بنفس الوقت لا تزال القوى السياسية اللبنانية الرئيسية تواجه ضغوطات خارجية من دول تهدف لتحقيق أهدافها الخاصة في لبنان و المنطقة. هذه الضغوط هي ما سيثير شرارة أزمة سياسية داخلية و يرمي البلد في حرب أهلية جديدة.
*باحث من "معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية روسيا للعلوم"
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد