مؤسسة السكك الحديدية لا تمشي على سكتها
لنقل أولاً: إن بداية المشوار انطلقت من أحلام أتمنى فيها أن تكون لدينا في سورية، في مسيرة التحديث والتطوير، التي يقودها ويرعاها الرئيس بشارالأسد.
أفضل وأغنى سكك حديدية في الشرق الأوسط. وقد رافقني هذا الحلم منذ أن كنت طفلاً، وركبت أول قطار في حياتي، شعرت بأنه سيطير بي إلى عالم النجوم والأحلام. فكما يقال: تسير الحضارة والتطور والثقافة حيث يسير القطار.. ثم قادني هذا الحلم إلى سماع استغاثات أطلقها بعض العاملين في المؤسسة المعنية بتحسين طرق السكك الحديدية، والارتقاء بها إلى ما نتمناه ونحلم به. وجاءتني هذه الاستغاثات من مصادر مختلفة، فرحت أتصفحها بفضول صحفي، يريد أن يعرف كل شيء عن مؤسسة حيوية من مؤسسات قطاعنا العام، تشكل مشاريعها حلماً كبيراً وعميقاً في خاطري. ومع أن هذا الصنف من التحقيقات الصحفية لم يكن مجال اهتمامي واختصاصي طيلة العقود الماضية، إلا أن الواقع غير المريح الذي تلمست معالمه من شكاوى ونداءات متكررة سمعتها، دفعني لمتابعة هذا الموضوع باهتمام بالغ، نظراً للحاجة الملحة لوجود شبكة خطوط حديدية متطورة تناسب الطموحات المعلنة في دفع عجلة الاقتصاد السوري.
كانت البداية من حلب، أواخر شهر حزيران الفائت. قلت لنبدأ من لقاء مع المدير العام للمؤسسة، المهندس جورج المقعبري، الذي عهد إليه بإدارتها منذ 23آب 2006، لأبحث معه مدى صحة الاتهامات التي يكيلها له البعض، فدونت مشروع أسئلة الحوار، تتعلق بنشر معلومات غير صحيحة عن الخطة الاستثمارية والإنتاجية،
المقفلة بتاريخ 31 أيار 2007، وكذلك عن مدى صحة الشائعات المتعلقة بعزل نسبة كبيرة من كوادر المؤسسة المدربة، من مديرين مركزيين، ومديري فروع، ومعاونين، ومهندسين، وفنيين خضعوا لدورات في سورية وخارجها، لمجرد أنهم كانوا يشكلون فريق عمل الإدارتين السابقتين، وتكليف آخرين معظمهم من شركة الإنشاء، لا يملكون شيئاً من مؤهلات من تم عزلهم. أردت أن أبحث مع السيد المدير العام، كل ذلك بصراحة وشفافية لكن طلبي لم يثمر، وتمت إحالتي إلى مدير التخطيط، الذي استلم مني مشروع الأسئلة، مع وجبة دسمة من الاعتذارات، لا تسمن ولا تغني من جوع. ولم أصل إلى إجابة شافية عن أسئلتي من قبل السيد المدير العام، حتى كتابة هذه السطور!
خرجت من مكتب سكرتير المدير العام محبطاً، يائساً من إمكانية إحراز خطوة إلى الأمام، أفكر في وسيلة أخرى تساعدني على المضي في هذا الموضوع الذي بدا لي، للوهلة الأولى محوطاً بأبواب موصدة، فنزلت على السلم لأتقاطع في بدايته مع شخص كان ينتظرني، فبادرني هامساً بصوت خافت: كنت أعرف أنه لن يستقبلك. هو على العموم لا يخفي كرهه للإعلام وازدراءه للصحفيين، مذ كان مديراً لشركة الإنشاء. وعندما تبين لي أنك لم تطأبقدميك مديرية العلاقات العامة لتأخذ ملفاً جاهزاً، كما جرت العادة، معداً سلفاً لرجال الإعلام المعتمدين، يتحدث عن المنجزات العظيمة للإدارة الحالية، لهذا وقفت انتظرك لأنصحك.
فالمدير العام، يعلن في كل اجتماع أمام الحضور بأنه مدعوم ومكلف شخصياً من قبل السيد رئيس الوزراء، والسيد الوزير، بكشف ملفات فساد الإدارات السابقة، وأنه يملك الصلاحيات المطلقة في هذا الخصوص وأن ذلك من أولى أولويات عمله. إن جميع من أقصاهم، بمجرد استلامه لمهامه، بذريعة مكافحة الفساد، هم من خيرة كوادر المؤسسة، دون أي دليل لضلوع واحد منهم في قضية فساد. هؤلاء الذين كلفوا المؤسسة ملايين الليرات حتى حصلوا على الخبرة المطلوبة. ولا ذنب لهؤلاء الذين أقصاهم المدير العام، إلا أنهم من فريق عمل الإدارات السابقة، أو من محافظة أحدهم، أو من المحسوبين على أحدهم. أنا فلان.. واحد من هؤلاء الكوادر المبعدة، بلا عمل محدد.مطلوب مني الدوام السلبي فقط، كأي موظف. هل تريد المزيد؟
.. أجبته بنبرة لا تخلو من التحدي أريد وثائق تدعم ادعاءاتك. لا يمكن اتهام رجل، وضعت الحكومة ثقتها فيه، هكذا من دون أدلة دامغة.. فأردف: تفضل معي خارج المؤسسة. سوف اتصل لك بالعديد من العاملين الذين لديهم معلومات وافية عن المؤسسة.
وعلى طاولة في مكان هادئ، التقيت في اليوم التالي مع مجموعة من العاملين في المؤسسة. كان لقاء تعارف على واقع العمل الحالي في المؤسسة، لم يخف فيه المجتمعون، الذين نتحفظ عن ذكر أسمائهم هنا، لأنه كما قالوا (لا نريد أن نتعرض للمزيد من التنكيل، فيزيدنا ذلك بمشاعر المرارة، واليأس والإحباط) بعد كل الجهود التي بذلوها خلال خدماتهم في المؤسسة، لرفع سرعات قطارات الركاب من 80 إلى 120كم/سا على محور حلب ـ دمشق، بما تطلبه ذلك من أعمال جبارة في إعادة تأهيل الشبكة والأدوات المحركة والمتحركة المتلازمة معها، من خلال كوادر وفنيي المؤسسة، والتي تزامنت مع عقد لقاءات مع جميع الفعاليات الاقتصادية والصناعية في المحافظات ، بهدف جذب القطاع الخاص، عبر العديد من التسهيلات التي صدرت في حينها، لاعتماد النقل السككي.
وتساءل أحدهم: ما الجديد الذي أتت به الإدارة الجديدة حتى الآن، غير هدم كل ما بناه السابقون دون الإتيان بأفضل منه، أو حتى مثيل له؟
.. قلت: دعونا نتحدث بلغة الأرقام والأدلة. هل لديكم مايشير بالوثائق الدامغة إلى تجاوزات لا يرقى إليها الشك، تثبت ضلوع الإدارة بالفساد. قلت ذلك حسماً لنقاشات قد لا تفضي إلى نتائج تمكننا من تبنيها ونشرها.
هنا فتح مدير التخطيط السابق المهندس خالد جنيد، الذي لم ير حرجاً في نشر اسمه، محفظته وأخرج إضبارة معدة بعناية، تتضمن تحليلاً لفبركة غير نزيهة للخطتين الاستثمارية والانتاجية، الغرض منها تضليل الجهات الوصائية، واللعب على عنصر الزمن. قلت له كيف ذلك. هل لك أن توضح؟ فأردف:
لقد أعلنت الإدارة الحالية أن نسبة تنفيذ الخطة الاستثمارية بلغت 85% لغاية 31/5/2007 حيث بلغ الإنفاق لفترة 1.6 مليار، والمخطط1.9 مليار من أصل 6.25 مليار ل.س هي كامل ميزانية المؤسسة الاستثمارية لعام 2007.
فهل يعقل أن يكون المخطط للنصف الأول من العام أقل من ثلث الموازنة الاستثمارية، خاصة أن تعليمات رئاسة الوزراء توجب البدء بتحضير الأضابير التنفيذية ونشر الإعلانات للسنة القادمة اعتباراً من الشهر العاشر، وهل ستتمكن هذه الإدارة من تنفيذ خطتها السنوية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن معظم توريدات المؤسسة من أوروبا التي تعطل خلال شهر آب ونصف شهر كانون الأول، بسبب عيدي الميلاد ورأس السنة؟
هذا من الناحية التخطيطية.
أما من ناحية التنفيذ الفعلي فإن ما انفق وفق التقرير المسلم من إدارة المؤسسة لغاية 31/5/2007 هو 1.6 مليار ل.س، موضحة على الشكل التالي:
لقد تم صرف مبلغ 600 مليون ل.س فعلاً لعقود مبرمةقبل العام الجاري. أما المليار المنفق فله قصة أخرى، إذ أنه تم شراء قطع أجنبي بسعر الصرف الحر بقيمة 500 مليون ل.س، لعقد نظام الإشارات رقم 27 لعام 2003.
كما تم شراء قطع أجنبي بسعر الصرف الحر بقيمة 500 مليون ل.س، لعقد نظام الإشارات رقم 28لعام 2003.. الغريب في الأمر أن هذا العقد لم يباشر به فعلاً، ولم تتسلم الشركة المنفذة مواقع العمل، ولم يتم صرف السلفة التي ينص عليها هذا العقد. وهنا تكمن المشكلة، حيث إن موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء على شراء القطع الأجنبي لهذين العقدين بسعر الصرف الحر، كانت تقتضي أن يتم الصرف على دفعات وفقاً لتقدم تنفيذ الأعمال فكيف تم الصرف إن لم يكن هناك أعمال أصلا، إلا إذا كانت الغاية من هذا الصرف تضليل الجهات الوصائية بنسب تنفيذ عالية؟!
ويضيف الأستاذ جنيد: نلمس استهتارا فاضحا في الأرقام ونسب التنفيذ.
يقول تقرير الخطة الانتاجية للفترة المعلنة نفسها بأنه تحققت زيادة في نقل الركاب بنسبة 11.7% عن الفترة نفسها من العام السابق وكأن الإدارة الحالية قد تناست انه خلال بداية هذا العام تم وضع 10 مجموعات /ترين سيت/ في الخدمة بعدد مقاعد 2830 مقعدا، تمثل 35% من عدد المقاعد الاجمالي لدى المؤسسة وبالتالي فإن نسبة الزيادة في نقل الركاب يجب أن تكون على الأقل 35% خاصة أن هذه القطارات حديثة ومتطورة وموثوقة وتحتوي على أساليب الراحة والرفاه كلها الغريب في الأمر أنه تم نقل أكثر من 36000 راكب خلال يومي 30 ـ 31/5/ 2007 ويتساءل:
من أين أتوا بهذا الرقم بحق السماء ؟..إن مجموع عدد المقاعد في جميع قطارات الركاب العاملة على كامل محاور الشبكة هو 10830 مقعدا ومعدل الامتلاء لايزيد عن الثلاثين بالمئة، ويصل الى نسبة 66% في أوقات الذروة، خلال موسم الاصطياف والأعياد.
هذا غيض من فيض من أرقام أخرى وهمية لاأساس لها من الصحة، ولست أدري كيف تم السكوت عنها حتى الآن من قبل الوزارة على الأقل رغم فجاجة التجاوزات،
ويستأنف المهندس جنيد: هناك ماهو أخطر من ذلك بكثير:
تلاعب بالمناقصات، تنصل من إبرام عقود لمناقصات أجرتها الإدارة السابقة ومحاولة إعادة الإعلان عنها خلافاً للأنظمة والقوانين بهدف منحها لآخرين من المقربين هكذا في وضح النهار دون وجل أو خوف من مساءلة، تخبط في جميع مفاصل العمل الأساسية لعدم وجود خطة استثمارية حقيقية مبنية على دراسات جدية ومثيلتها الإنتاجية، ارتباك في صنع القرار وتتالي القرارات المتناقضة. سوف أروي لك بعضاً من هذه النماذج الفاضحة وأزودك بنسخ من الوثائق التي تدعم كل ماسيرد لاحقاً.
تقول الحكاية الأولى :إن المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية كانت قد أعلنت عن طلب عروض أسعار لشراء تجهيزات لزوم مركز إصلاح العربات في جبرين بموجب الإعلان 47/2006 بقيمة تقديرية (مليار وسبعمئة وخمسون مليون ل.س وقد تم تحديد تاريخ وساعة إغلاق استلام العروض عند الساعة 15 من يوم 6/11/2006
تلقت المؤسسة عبر ديوانها عرضين ضمن المهلة القانونية حيث تقدم احد العارضين باعتراض على تسجيل العرض المتأخر وأحيل الاعتراض الى مديرية الرقابة الداخلية التي اقترح مديرها فرض عقوبة إنذار مسجل بحق أمين سر اللجنة وإعادة نشر الإعلان (لدى المحرر نسخة عن كتاب مدير الرقابة بهذا الخصوص).
هنا بدأت الضغوط تنهال على المديرين المعنيين لرفع مذكرة مشتركة يقترحون فيها تجزئة الإعلان بهدف إضفاء شرعية قانونية على قرار الإلغاء السابق.
وهذا ماحصل فعلا (لدينا نسخة عن مذكرة المديرين المعنيين) وبناء على ذلك أصدر المدير العام قراره ذا الرقم 16/م تاريخ 21/2/2007 القاضي بإعادة الإعلان عن طلب العروض مجزأ. الأمر الذي أثار سخط وغضب وكلاء الشركتين اللتين تقدمتا بعرضيهما النظاميين وبعد مجادلات طويلة اضطرت الإدارة الى التراجع عن قرارها وتوجيه المديرين المعنيين لرفع مذكرة مغايرة تماشيا مع المعطيات الجديدة يقترحون فيها العودة الى مضمون الإعلان الأول والعمل بشروطه.. وبناء على المقترح الجديد صدرت موافقة المديرية العامة بتاريخ 11/3/2007 لكن المسألة لم تقف عند هذه النقطة فقد عادت الشركة التي تم رفض استلام عرضها في البداية الى ممارسة ضغوطها وإغراءاتها بحدة أقوى من ذي قبل فتمكنت من إزاحة العرضين النظاميين من طريقها مجددا نتج عنه دعوة المديرين للمرة الثالثة لإعادة النظر في دراستهم وتقديم مقترح نهائي هذه المرة يقضي بوجوب إعادة نشر الإعلان من جديد.
وبناء على مذكرتهم المطلوبة صدر قرار المديرية العامة رقم 3486 تاريخ 12/4/ 2007 (لدى المحرر نسخ عن كل المذكرات والمطالعات وقرارات المديرية العامة المتضاربة بهذا الشأن).
ويضيف المهندس خالد جنيد:
إليك بحكاية أكثر طرافة من سابقتها.
أعلنت المؤسسة عن طلب عروض أسعار للإشراف على أعمال الإصلاح والصيانة وتقديم التجهيزات والقطع التبديلية لـ 300 سرير Bogie (هو الحامل للعربة والعجلات والألجمة) لعربات الركاب، وذلك بموجب الإعلان رقم 17/2006 الذي تم تحديد موعد إغلاقه بتاريخ 6/5/2006 بقيمة 273 مليون ل.س الذي رسا على شركة الخدمات الهندسية الأردنية، وبموجب ذلك صدرت توصية بالتعاقد بتاريخ 24/8/2006 الذي تزامن مع تكليف مدير عام جديد للمؤسسة.
أتى وكيل الشركة بعد أيام من استلام المدير العام الجديد لتوقيع العقد أصولاً، ليفاجأ بمماطلات انتهت برفض الإدارة الجديدة توقيع العقد بسبب دخول سمسار حلبي (ج.م) لدى الوكيل الاقليمي لشركة ترانستيك الألمانية على الخط واقتراحه على المؤسسة ضرورة التنصل من التزامات الإدارة السابقة والشروع في التعاقد المباشر مع الشركة الألمانية أفكار السمسار الحلبي وجدت أذنا صاغية لها لدى المدير العام لتبدأ المراسلات عبر البريد الالكتروني بهذا الخصوص حصل بموجبها على نسخة من عرض الشركة الأردنية التي رست عليها المناقصة أصولاً، فأرسلها الى الشركة الألمانية بتاريخ 17 ـ 11 ـ 2007 طالبا منهم تقديم عرض مالي وفني وفقاً للعرض الأردني بشكل عاجل وسري ليتمكن من جعل الإدارة الجديدة تطيح بمشروع العقد 33/2006 وإعادة نشر الإعلان بالسرعة القصوى.
ثم أتبعها برسالة عاجلة للشركة بتاريخ 24/12/2006 يبشرهم فيها بأنه تمكن من إقناع صاحب القرار في المؤسسة بمخاطبتهم عن طريق الفاكس مباشرة وأن المدير العام الجديد سوف يرسل إليهم فاكسا يتضمن ملاحق العقد المبرم مع الشركة الأردنية منوط بفعالية عرضهم وأنه أي السمسار الحلبي قد حصل على وعد جدي بهذا الخصوص وأنه قادر على جعل الإدارة توجه لهم دعوة رسمية لزيارتهم في مقر المؤسسة في حلب، بهدف إجراء المباحثات اللازمة منوها الى أن الأوضاع قد تغيرت تماما في المؤسسة في عهد المدير الجديد الذي وعد بتقديم الدعم والرعاية الخاصة للشركة الألمانية مشددا على ضرورة انتهاز هذه الفرصة والشروع ببناء علاقات طويلة الأمد مع الإدارة الجديدة (كل هذه المراسلات محفوظة لدى المحرر مع ترجمتها).
فوجئت الإدارة والسمسار بتسريب كل هذه المراسلات السرية الى الشركة الأردنية، صاحبة العقد، فأخطر الشركة الألمانية بوجوب تقديم عرضها فورا قبل فوات الأوان فأرسلت عرضها رسميا المؤرخ في 14/1/2007 عن طريق وكيلها العام الذي سلمه للمدير العام للمؤسسة دون أن يمر على الديوان العام حسب الأصول المتبعة.
حينذاك هرع السيد رامي فاخوري، مدير الشركة الأردنية الى حلب بتاريخ 19/2/2007 حاملاً صوراً عن تلك المراسلات مع الشركة الألمانية وخلص بعد التهديد والترغيب الى إيقاف المهزلة الجارية واستصدار قرار بإحالة عرض الشركة الألمانية مجددا على المديريات المعنية للدراسة والبيان، في هروب واضح الى الأمام الهدف منه المماطلة أكثر لإتاحة أكبر فرصة من الوقت أمام السماسرة المحتشدين كي ينجزوا عملهم.
وأخيراً صدرت مذكرة المديريات المعنية التي أوصت برفض العرض الألماني لعدم استيفائه للشروط المطلوبة وضرورة متابعة إجراءات التعاقد مع شركة الخدمات الهندسية الأردنية صاحبة العرض الأفضل وهذا ماكان يجب عمله قبل 7 أشهر.
وهنا تنتهي فصول مهزلة لم يكن لها أية موجبات قانونية حسب رأي المهندس جنيد، الذي أوضح بأنها انعكست سلبا على مجمل أداء المؤسسة وألحقت ضررا فادحا على مستوى تأخر أعمال الصيانة لأهم جزء من العربات يتعلق بأمان سيرها على الشبكة.
القضبان الحديدية 60 UIC:
صرح المدير العام لجريدة الجماهير الحلبية بتاريخ 27/9/2006 تحت عنوان: قضبان ثم قضبان... بأن المؤسسة اشترت بموجب العقد 21/2000 أربعاً وعشرين ألف قضيب حديدي تكفي لتمديد 600 كم أي تكفي لتمديد خط دير الزور ـ البوكمال وخط دمشق ـ درعا ويزيد. وخلص الى أن الكمية الموجودة في مخازن المؤسسة تكفي حاجتها حتى العام 2013 ثم أثار زوبعة تشكيك حول مواصفات هذه القضبان مدعيا أنها لاتتناسب مع مواصفات الدواليب المستخدمة في الأدوات المحركة والمتحركة لكن المفارقة تكمن بأنه أصدر موافقته رقم 2656 بتاريخ 25/4/ 2007 على نشر إعلان لشراء 24000 قضيب حديدي بالمواصفات المخزونة ذاتها في مستودعات المؤسسة على الرغم من توضيحات مديرية الشؤون الفنية بكتابها رقم 752/ج تاريخ 15 /4/2007 بأن الكميات الموجودة من القضبان تكفي حاجتها حتى بداية عام 2009 وأن القضبان 60 UIC ملائمة لشبكة الخطوط الحديدية السورية والأدوات المحركة والمتحركة العاملة عليها وفقا للتقرير المعد من قبل لجنة الأمر الإداري رقم 71 لعام 2007.
وفي تصريح آخر لجريدة الجماهير بتاريخ 27/9/2006 أفاد بأن المؤسسة قد وقعت عقداً بكلفة 123445500 دولار، مشددا على عدم وجود أية أسباب موجبة أو جدوى اقتصادية لشراء هذه القاطرات. ومع ذلك فقد أصدر موافقته على الإعلان لشراء هذه القاطرات وفعلاً تم نشر الإعلان رقم 13 لعام 2007 والذي حدد موعد إغلاقه في 25/6/2007 .
نظام الإشارات والاتصالات العقدين 27 ـ 28/ 2003 المبرمين مع شركة سيمنس
وفي سياق آخر عبر اللقاء الصحفي مع جريدة الجماهير نقرأ حكاية طريفة القصد منها الغمز على فساد الإدارات السابقة مفادها أن المؤسسة سبق لها أن قامت بشراء العربة وأدوات صيانتها وعلف الحصان والتعاقد مع طبيب بيطري واصطبل وسائس، ونسيت أن تشتري الحصان في إشارة واضحة الى مضمون العقدين: 27/2003 الخاصين بتوريد نظام إشارات واتصالات لمحوري اللاذقية ـ طرطوس، ودير الزور ـ البوكمال، والتي بوشر بتوريدها لتركيبها في المحطات «غير الموجودة» على حد قوله إذ إن الدراسات التنفيذية لهذه المحطات لم تنته بعد وهنا يتضح عدم صحة ذلك من جانبين يوضح المهندس خالد جنيد قائلاً:
ـ المحطات على محور طرطوس ـ اللاذقية موجودة ، ومستثمرة منذ أكثر من 15 عاماً.
ـ أما المحطات على محور دير الزور ـ البوكمال، فإن الدراسات التنفيذية، المتعلقة بها جاهزة وقد تم الإعلان عنها بموجب الإعلانات من 151 حتى 155 تاريخ إغلاقها 27/8/2006 وبموجب كتاب الشؤون الفنية رقم 10632 تاريخ 28/8/2006 تم تفشيل الإعلانات المذكورة لوجود خطأ في الكميات والكلفة التقديرية على أن تتم إعادة النظر فيها والإعلان مجدداً لكن حتى تاريخه لم يتم الإعلان وهذا يعتبر تأخيراً متعمداً في تجهيز المحطات.
وفي مقام آخر من المقابلة الصحفية مع جريدة الجماهير راح يشن حملة تشهير لاتستند الى أي رأي علمي أو فني على خط طرطوس ـ اللاذقية مدعيا بأنه متهالك ويحتاج الي إعادة تأهيل وتطوير فيما الواقع الحالي يشير الى أن السرعات على هذا المحور هي 100 كم/سا ويتم تخفيضها الى 80 كم /سا بسبب وجود ممرات سطحية وبسبب تأخر الشركة العامة لإنشاء الخطوط الحديدية التي كان يديرها في تنفيذ السياج المعدني لهذا المحور ويؤكد مدير التخطيط السابق بأن هذا المحور من أفضل المحاور لجهة بنية الخط الحديدي ونوع تثبيته مقارنة بباقي المحاور بدليل بدء العمل بتركيب نظام الإشارات والاتصالات على هذا المحور منذ أكثر من ثلاثة أشهر ويضيف واضعاً النقاط على الحروف بالقول:
على فرض أن الإدارة السابقة اشترت العربة قبل الحصان فقد كان على الإدارة الحالية أن تشتري الحصان فوراً وذلك باتخاذ إجراءات فورية لصيانة وتأهيل هذا الخط.
لكن ماحدث هو أن الشركة الموردة تعمل على تنفيذ المشروع أصولاً وكأن المدير العام قد اكتفى بحصان من نوع مرسيدس عندما قدمت له شركة سيمنس سيارة مرسيدس حقلية بدلاً عن الحصان الذي كان يقصده في حكايته الطريفة، والتي أدخلت أصلاً الى القطر بناء على موافقة رئيس الوزراء لاستخدامها من قبل الخبراء القادمين من شركة سمينس.
كما اتهم سابقيه بشراء قطع أجنبي من الأسواق المحلية بسعر الصرف الحر وتكبيد المؤسسة مبلغاً قدره 58 مليون يورو يمثل فارق السعر بين الرسمي والحر، وهذا ما روج له المدير العام علماً أن المؤسسة قامت بشراء القطع الأجنبي بالسعر الحر من مصرف سورية المركزي، وليس من الأسواق المحلية، بناء على موافقة رئيس الوزراء رقم 9082 بتاريخ 5/12/2005 المتضمنة حرفياً:
«نوافق على بيع المؤسسة العامة للخطوط الحديدية بسعر الصرف الحر وعلى عدة دفعات». (الوثيقة لدى المحرر)، مانحاً كل الحق لنفسه بتصدير كتاب بتاريخ 22/12/2006 الى الإدارة العامة للمصرف التجاري السوري يطلب شراء قطع أجنبي للعقد ذاته وبسعر الصرف الحر، بما يعادل 500 مليون ليرة سورية ولكن لماذا؟؟
لكي يرفع من نسبة إنجاز خطته الاستثمارية قبل نهاية العام بثمانية أيام فقط.
ويستأنف مدير التخطيط السابق:
أما فيما يخص العقد 28/2003 (حلب ـ القامشلي) فقد تم فتح الاعتماد في 2/1/2006 وأصبح نافذاً في 29/8/2006 بعد رفع مبلغ التسهيلات الائتمانية. وتبعاً لشروط العقد فعلى الشركة أن تصدر كفالة بنسبة 15% من قيمة العقد وفور قبولها، تطلب المؤسسة من المصرف تحرير مبلغ 15% من الاعتماد لمصلحة الشركة.
أصدرت الشركة الكافلة أرقاماً: بمبلغ 6.762.724 يورو بتاريخ 24/9/2006 وتم إعداد كتاب الى المصرف لتحرير 15% من الاعتماد إلا أن السيد المدير العام لم يوافق على إرساله. (الوثيقة محفوظة لدينا)
وقد أرسل المصرف الكتب أرقام:
24216 بتاريخ 31/10/2006.
2954 بتاريخ 14/11/2006.
25963 بتاريخ 20/10/2006.
يطالب فيها بتفويضه بدفع السلفة، لكنه لم يتلق أي رد بهذا الشأن.
إن هذا الإجراء يضر بمصلحة المؤسسة ضرراً جسيما. فلو تم دفع السلفة الآن أي بتأخير قدره 6 أشهر، فلن تتمكن شركة سمينس من تنفيذ المشروع ضمن المدة العقدية، وستطلب تبرير هذا التأخير وهو من حقها قانوناً. فإذا كانت غرامة التأخير 001،0% من قيمة العقد يكون ما سببه السيد المدير العام من ضرر للمؤسسة يساوي:
(قيمة الاعتماد) 45084830 يوروھ 1ھ 180 يوماً/1000½ 8.115.269 يورو.
وبما أن شركة سيمنس غير جاهزة في ذاك الوقت للبدء بالمشروع فإن السيد المدير العام قد قدّم لها خدمة تساوي 8 ملايين يورو مقابل سيارة مرسيدس حقلية.
ہہ التقارير والوثائق المحفوظة لدى المحررأكبر من أن يتسع لها المقال في صفحة واحدة في صحيفة يومية.
ہہ لقد عرضنا في هذا المقال وجهة نظر مهندس خَبِر المؤسسة طويلاً، وعرف خفاياها وأسرارها، وشغل فيها منصب مدير التخطيط لمرحلة زمنية طويلة... وصحيفتنا تفتح صدرها الرحب لكل من يساهم في كشف أهم الحقائق المرتبطة بتقدّم وتطوّر مسيرتنا الحضارية، التي يجب أن نعمل بإخلاص، من أجل حمايتها من سموم الأخطاء والتجاوزات المقصودة، وغير المقصودة. وها نحن ننتظر دائماً كل مساهمة مخلصة، تنبع من حبنا وغيرتنا الوطنية على مقدراتنا وثرواتنا، التي تضمن لنا المستقبل الذي نحلم به جميعاً.
صبحي سعيد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد