ماذا يريد أوباما وبوتين من الحوار في سوريا وعليها؟
ليس من قبيل المصادفة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يدعم عودة باراك أوباما إلى الرئاسة الأميركية. فخيار سيد البيت الأبيض في التخلي عن "خيار القوة" الذي اعتمده سلفه جورج بوش إلى خيار "الدبلوماسية الناعمة" يناسب حسابات موسكو في تعددية قطبية تعيد لها الإعتبار وتوسّع من شبكة مصالحها وتحمي حلفاءها.
لا شك أنه في اللقاء الذي جمع الرئيسين بوتين وأوباما في المكسيك بتاريخ 18 حزيران الفائت، تمّ التوافق على التعاون بين الإثنين بعد انتخابات الرئاسة الأميركية على مقاربة المواضيع الشائكة في الشرق الأوسط بما فيها الموضوع السوري. ففي هذا اللقاء تمّ الوصول إلى رسم خريطة أميركية – روسية مرتبطة بموازين القوى وبالحاجة إلى أن لا تكون الأزمة السورية مدخلا إلى فوضى عامة إقليمية وإلى حروب أهلية ومشاكل في الجوار اللبناني والأردني والعراقي والتركي وحتى في الدائرة الخليجية.
في هذا اللقاء حاول الرئيس بوتين إقناع الرئيس أوباما بخطورة أن تكون الأزمة السورية عنوانا تنفذ من خلاله "القاعدة" والتنظيمات السلفية إلى السلطة في سوريا، كما لفت نظره إلى خطورة تبني "الاخوان المسلمين" لتغيير النظام بالقوة. وقد تمّ التعرض إلى علاقة "الإرهاب" بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة من زاوية أن الرئيس أوباما يعتبر أن "مكافحة الإرهاب هي جزء من سياسته في الشرق الأوسط على أن لا تكون المحرِّك الأساسي". وهذه المقاربة الأميركية الجديدة تعني في ما تعنيه أن الإدارة الأميركية تحمل شيئا من الإستعداد للقبول بـ"الاخوان المسلمين" كواحد من مكوّنات التنوع كما لا تستبعد اعتماد المعارضة السورية للعمل المسلح كعنصر من عناصر الضغط للوصول إلى التسوية السياسية خصوصا وأن واشنطن تعتبر أن التدخل التركي والسعودي والقطري في الأزمة السورية يندرج في "سياق الوقت الضائع" الذي يخدم الإستراتيجية الأميركية على المدى الزمني المتوسط من دون أن يكلفها ذلك جهدا أو تدخلا مباشرا.
لكن العنصر البارز أن واشنطن التي "غابت" عن المسرح السوري خلال الحقبة الفائتة وآثرت المتابعة من بعيد أضعفت عمليا كل اللاعبين: تركيا وإيران والسعودية وقطر وفرنسا وإسرائيل والنظام السوري والمعارضة السورية بحيث أن لا أحد يستطيع الحسم عسكريا كما أن حدود التدخل الخارجي لا تصل إلى مستوى العمل العسكري المباشر للأطراف الخارجية. فالأزمة السورية التي أصبحت أزمة إقليمية دولية عززت من مكانة الجانبين الأميركي والروسي تحديدا اللذين التقيا على مقاربة "الحل السياسي" للأزمة.
كيف يمكن ترجمة "الحل السياسي" أميركيا وروسيا؟ الجانبان الأميركي والروسي يحاولان ترتيب "الأوراق التفاوضية" على الأرض على قاعدة استحالة "الحل العسكري". وواشنطن التي اعتبرت "جبهة النصرة" فصيلا في تنظيم "القاعدة" اقتربت من الموقف الروسي الذي ينظر بارتياب إلى التنظيمات الإسلامية المقاتلة في سوريا على اختلافها... وهكذا من مصلحة الجانبين بأن إزاحة العقيد معمر القذافي عززت من مكانة "القاعدة" التي تعتبر أن "العدو الخارجي" المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية هو الأولوية بالنسبة لها. ولا شيء يحول دون ذلك في سوريا فيما لو نجحت المعارضة في إسقاط النظام سيَّما وأن "جبهة النصرة" هي وغيرها من التنظيمات الإسلامية المسلحة في الواجهة من حيث القدرة وامتلاك السلاح النوعي والعمليات الإنتحارية، كما أنها تسيطر على عدد غير قليل من المحاور القتالية.
لا شك أن توصيف واشنطن لـ"جبهة النصرة" بالإرهاب مسألة محرجة للمعارضة السورية التي تتعاون معها خصوصا وأن هذه المعارضة تنظر بعين الشك للسياسة الأميركية في الموضوع السوري، ومن هنا فإن هذه المعارضة التي تعاني الكثير من الإنقسامات والتنوع لا تستطيع عمليا مجاراة الموقف الأميركي من "جبهة النصرة" بالكامل لأن ذلك يفسح المجال أمام مواجهات عسكرية داخلية، فالمطلوب أميركيا من المعارضة والجيش الحر والاخوان المسلمين والتنظيمات السلفية اتخاذ إجراءات عسكرية وسياسية إزاء "جبهة النصرة". وهذا أمر يقارب الإستحالة بالنسبة لبعض مكونات هذه المعارضة وتحديدا الإسلاميين منهم وما يشكل إحراجا للاخوان المسلمين القوة الرئيسية في المجلس الوطني السوري.
وبالفعل فإن اقتراب واشنطن من المعارضة السورية والإعتراف بالإئتلاف المعارض أمر له أثمانه. فالمعارضة مضطرة منذ الآن أن "تستمع" لواشنطن وما تريده في الموضوع السوري، وأول ما تريده هو قبول المعارضة بالحوار وصولا للحل السياسي. لكن الحوار مع من؟ الجواب هو الحوار مع النظام السوري والذي تشترط موسكو أن لا تنحية لرئيسه بشار الأسد الذي يتقرر ما إذا كان يبقى أو يغادر السلطة السياسية عبر انتخابات رئاسية حرة تشرف عليها الأمم المتحدة.
أما عندما تتكلم واشنطن عن "سقوط النظام السوري"، فالمقصود في ذلك أن أية تسوية سياسية هي نتاج للحوار والرعاية الأميركية – الروسية تنجب نظاما سياسيا جديدا من مكونات مختلفة بما فيها حزب البعث ومختلف الأطياف السياسية والدينية وفي ظل مؤسسة عسكرية أثبتت وحدتها وفعاليتها ودورها المرتقب مستقبليا والمرحب به أميركيا وروسيا، كما أن الحوار الذي تدعو إليه واشنطن وموسكو ستكون "المعارضة السلمية" جزءا منه وهي التي اعترضت في الأساس على حمل السلاح، وحسابات هذه "المعارضة" تختلف عن حسابات "المجلس الوطني" و"الإئتلاف" و"الجيش الحر" والتنظيمات السلفية، وأحد رموزها هيثم المنّـاع وهو من دعاة إقامة الدولة المدنية.
يتحكم بالموقفين الأميركي والروسي معرفة الجواب على سؤال ما هو مستقبل سوريا؟ موسكو تخشى من حرب أهلية وفوضى عامة إذا استـُبعدت التسوية السياسية، وواشنطن تخشى من سلاح "القاعدة" ومن التداعيات السلبية على الدول الحليفة لها وعلى عملية السلام.
نظريا وضعت واشنطن وموسكو مقاربتها في التسوية السياسية وإن كانت هناك نقاط خلافية يحسمها تطور الوضع العسكري، إنما بالطبع التسوية ليست "غدا" وليست خلال "أيام معدودة"، لكن بدأ الإقتراب الفعلي من "المرحلة الانتقالية" التي عنوانها الإستقرار وفتح الحوار، وأما الطريق إليها فمحفوف بالأخطار والمواجهات والإنقسامات بحيث تبقى عمليا المعارضة معارضات، وأما الحل السياسي فيرتكز إلى ضمانة مشاركة كل المكونات الطائفية والأتنية والسياسية في إطار دولة جامعة واحدة مع ضمان حرية التعبير. والمخرج للتسوية السياسية يكون في مؤتمر دولي تشارك فيه كل من واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة والأمم المتحدة ممثلة بالأخضر الإبراهيمي، وأما الحكومة المرتقبة فتتمثل فيها كل الأطياف التي تتبنى الحل وتقوم هذه الحكومة بالتحضير لانتخابات نيابية ورئاسية.
والمؤتمر الدولي المرجو حول سوريا يمكن أن يكون نافذة لإرساء التصوُّر الدولي حول قيام الدولتين: إسرائيل وفلسطين.
عبد الهادي محفوظ
رئيس المجلس الوطني للاعلام اللبناني
إضافة تعليق جديد