محاربة الإرهاب عبر الوسائل القانونية والاقتصادية
الجمل: تتناول وسائل الإعلام الأمريكية والغربية الحرب ضد الإرهاب من جانب التطورات السياسية والوقائع الميدانية الساخنة، في مسارح الحرب العراقية والأفغانية، والصومالية.. وغيرها. ولكن على الجانب الآخر تدور حرب نوعية، لم تجد الاهتمام الكافي في التغطية الإعلامية، وهي حرب تعتمد على الوسائل المؤسسية القانونية والاقتصادية، وتهدف إلى تعقب مصادر تمويل المنظمات الإرهابية، ومعرفة مصادر دعمها المالي، وآليات حركة انتقال الأموال والموارد إلى هذه التنظيمات.
أبرز المستندات التي تركز على هذا الجانب، الجزء 6302 من قانون إصلاح الاستخبارات ودرء الإرهاب لعام 2004م (ACT- BSA)، الذي أجازه مجلس النواب والشيوخ، وصادق عليه الكونغرس الأمريكي.
• الجانب المعلن: يطلب القانون من وزير الخزانة الأمريكي وصف وصياغة القواعد اللازمة لجعل المؤسسات المالية تقدم المعلومات والإفادات للأجهزة الرسمية عن حركة انتقال الأموال العابرة للحدود. الهدف من هذه المعلومات هو مساعدة وزارة الخزانة الأمريكية، بحيث تقوم استناداً إلى هذه المعلومات، بتقديم تقارير ومعلومات لأجهزة المخابرات والأمن والدفاع الأمريكية على النحو الذي يعزز قدرتها في تنفيذ الإجراءات اللازمة. وقد فصل القانون وحدد النقاط والمفاصل الأساسية التي يتوجب على وزارة الخزانة الأمريكية الإيفاء بها في تقاريرها إلى الكونغرس والأجهزة الأمريكية الأخرى، وذلك بما يتضمن الآتي:
- التعريف بالمعلومات الخاصة بالتحولات المالية العابرة للحدود.
- إعداد القوائم الدورية بأسماء المصادر، والمبالغ، والأطراف المتعاملة.. وغير ذلك.
- رصف التقنيات المستخدمة في تحريك ونقل الأموال العابرة للحدود.
- تحديد الإجراءات الحمائية والوقائية والعلاجية، التي يتوجب استخدامها.
كذلك أشار القانون إلى ضرورة الالتزام بالتعاون وتحقيق المساندة بين وزارة الخزانة الأمريكية، ووزارة الدفاع الأمريكية، وأجهزة المخابرات والأمن والدفاع، وغيرها من المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
• الجانب غير المعلن: التجسس وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية الخاصة بالأفراد والمؤسسات والشركات والمصارف وغيرها، ظلت حلماً يراود خيال كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبالذات إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
شكلت عملية الحرب ضد الإرهاب الفرصة الذهبية، التي قد لا تتكرر أمام إدارة بوش، من أجل تنفيذ مخطط جماعة المحافظين الجدد الهادف إلى القضاء على كل الخصوصيات التي تتمتع بالحماية القانونية، ليس في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بل وفي سائر أنحاء العالم.
التقارير والتحليلات التي نشرتها مراكز جماعة المحافظين الجدد، هدفت إلى تصميم مخطط عام، يحقق للأجهزة الأمريكية هدف الحصول على الوسائل المؤسسية القانونية التي تطلق لها حرية العمل والتصرف من أجل السيطرة على حركة الموارد المالية والاقتصادية.
أبرز التحليلات الخلفية الوصفية لمسرح الجبهة المالية والاقتصادية في الحرب ضد الإرهاب هو تحليل أعده إيبين كابلان المحرر المساعد بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية. وقد أشار إيبين كابلان إلى النقاط الآتية.
مصادر تمويل المنظمات: وحددها كابلان بالآتي:
• التبرعات والهبات: وتمثل المصدر الأكبر للتمويل، وهي تأتي من الأفراد والمؤسسات الوافرة الثراء.
• الأنشطة غير القانونية: وتعتبر أيضاً من المصادر الكبيرة الهامة، بدليل أن عمليات الاتجار بالمخدرات أفادت الفصائل المسلحة الأفغانية، وعمليات تهريب الماس أفادت الفصائل المسلحة في ليبريا وسيراليون وأنغولا وزائير. أما عمليات تهريب وتجارة الأسلحة فقد أفادت الفصائل المسلحة الموجودة في مناطق الجنوب الروسي مثل الشيشان وغيرها.
• شركات الواجهة وهي شركات تلعب دوراً عاماً في الجانب التكتيكي العملياتي المتعلق بنقل وتحريك الأموال والسلع والخدمات اللازمة للمنظمات الإرهابية والفصائل المسلحة. وتركز مهمة هذه الشركات لا على تحقيق الربح والكسب المادي وإنما على توفير الغطاء القانوني الذي يقدم الحماية الاقتصادية والسرية المطلوبة لأنشطة هذه المنظمات.. وقد لعبت الكثير من (نوع هذه الشركات) دوراً في نقل الأموال والبضائع بين أوروبا وأفغانستان في الفترات السابقة.
وعموماً نقول: إن التحديدات الوصفية النظرية، والتطبيقات العملية التي تحاول الإدارة المالية فرضها على المؤسسات المالية العامة والخاصة داخل وخارج أمريكا، وتطرح جميعها إشكالية الأداء السلوكي لحرب إدارة بوش ضد الإرهاب على صعيد جبهة الحرب المالية.
الإدارة المالية ترفض أن ينصّ القانون الدولي، أن ميثاق الأمم المتحدة، أو لوائح مجلس الأمن الدولي على أي تعريف أو صيغة محددة توضح بالتعريف المفصل ماهية الإرهاب. وتصرّ إدارة بوش على ضرورة أن يظل مفهوم الإرهاب (سائلاً) غير محدد، وذلك على النحو الذي يجعل تحديد الإرهاب حقاً محتكراً للإدارة الأمريكية.. وتأسيساً على ذلك، ففي غياب تعريف محدد متفق عليه بين الجميع لمفهوم الإرهاب، أصبح من الصعب، بل ومن غير الممكن تحديد الإرهابي الذي ينطبق عليه تعريف الإرهاب، وقد انتهزت إدارة بوش ومن ورائها جماعة المحافظين الجدد الفرصة، وأصبحت تصف كل ما لا يتماشى مع توجهاتها بأنه إرهابي.
وانتقلت تداعيات الأداء السلوكي الحربي في الجبهة المالية إلى خدمة المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة، منها:
- مطالبة الإدارة الأمريكية للبلدان الأوروبية، لا بقطع الدعم والمساعدات عن الفلسطينيين، بل وبإيقاف التبرعات والتحويلات المالية للأفراد والأسر الفلسطينية بواسطة ذويهم المقيمين في أوروبا، وذلك تحت مزاعم أن هذه التحولات تشكل مصدراً لدعم وتحويل الإرهاب.
- تحريض الإدارة الأمريكية على فرض العقوبات ضد المؤسسات المالية والشركات العالمية التي لا تمتثل لقيود وضوابط مكافحة الإرهاب.
وبالنسبة لسوريا فمن المتوقع إن لم يكن من المؤكد أن الإدارة الأمريكية سوف تلجأ لاستهداف الاقتصاد السوري وأنشطته المالية والتجارية، وبالذات المعاملات الخارجية العابرة للحدود التي تتمثل في:
- التحويلات المالية.
- الصادرات.
- الواردات.
- تدفقات رأس المال الأجنبي المباشرة وغير المباشرة.
وسوف تركز الإدارة الأمريكية على استخدام المعايير المزدوجة، وتضليل الرأي العام العالمي، بحيث تستند على إيهام الجميع بأن سوريا تقدم الدعم والمأوى والرعاية للحركات والأنشطة الإرهابية، وتطالب بفرض العقوبات وتطبيق القيود المشددة على معاملات سوريا الخارجية.. وحتى إذا فشل هذا المخطط فإن الإدارة الأمريكية سوف تلجأ إلى سن قانون بفرض العقوبات داخل أمريكا على الشركات العالمية والمؤسسات الدولية التي تتعامل مع سوريا، مثلما فعلت مع بعض دول العالم العربي الأخرى مثل ليبيا والسودان، حيث قامت الإدارة الأمريكية بسن وإجازة قانون يمنع شركات الدول الأخرى من التعامل وفتح فروعها أو توظيف استثماراتها داخل أمريكا.. كذلك يفرض القانون عقوبات ضد الشركات الأمريكية التي تتعامل مع الشركات والمؤسسات العالمية التي تتعامل مع هذه البلدان.
إن (حرب جماعة المحافظين الجدد ضد الإرهاب) تسعى إلى نقل الإرهاب الإسرائيلي من الجبهة العسكرية إلى الجبهة المالية والاقتصادية، وذلك على النحو الذي يعرقل ويعوق النمو والازدهار الاقتصادي لدول الشرق الأوسط الرافضة للمشروع الإسرائيلي..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد