مصر: التوسع في الاستدانة ينذر بالانفجار
في تحول واضح، توقع مسؤولون مصريون حصول القاهرة خلال أسابيع على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية المزمنة في مصر، التي وصل رصيد احتياطي العملة الاجنبية فيها إلى نحو 13.4 مليار دولار في شهر آذار الماضي، أي أقل مما يغطي تكلفة واردات ثلاثة أشهر.
وجاء في بيان مشترك صادر عن صندوق النقد الدولي ووفد وزاري مصري رفيع المستوى يزور واشنطن، أن المباحثات بينهما أسفرت عن «مزيد من التقدم» على صعيد «ترتيب مبدئي من جانب الصندوق لدعم البرنامج الاقتصادي الوطني المصري» خلال الأسابيع المقبلة.
محافظ المصرف المركزي توقع إبرام الاتفاق مع صندوق النقد خلال شهر نيسان الحالي، أو خلال شهر أيار المقبل، مشيراً إلى انه لم يتبق من المفاوضات سوى تقديم مصر لبعض البيانات ومراجعتها من قبل مسؤولي الصندوق.
ويقول مسؤولون مصريون - فضلا عن قيادات بارزة في جماعة «الإخوان المسلمين» - إن القرض يعني ببساطة شهادة ثقة دولية للوضع الاقتصادي في البلاد الأمر الذي سيشجع زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي.
وخلال شهر نيسان، حصلت مصر على جملة من القروض من ليبيا وقطر، كما طلبت، وبشكل مفاجئ قرضاً من روسيا بقيمة ملياري دولار.
المسؤولون الروس طلبوا مزيدا من الوقت لدراسة الطلب الذي قدمه الرئيس محمد مرسي خلال زيارته إلى روسيا الأسبوع الماضي، والتي تخللها لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي.
لكن ثمة في روسيا من يرى ضرورة في توفير القرض لمصر لأهداف استراتيجية، وهو ما عكسه تصريح رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما الروسي أليكسي بوشكوف لوكالة «بلومبرغ»، والذي قال فيه إن «الأميركيين يساعدون مصر بحوالى ملياري دولار سنوياً، وهم يدركون الأهمية الاستراتيجية لهذه الدولة في العالم العربي»، مشيراً إلى ان على روسيا أن «تدفع لتمويل سياستنا الخارجية أيضاً».
ملخص وجهة النظر هذه انه ما دامت مصر تحتاج الى «المساعدة»، فإن على موسكو استخدام اهميتها في ادارة دور جديد لروسيا في المنطقة، ما يعني احتمال أن يخرج الحكم الجديد («الاخوان») من المجال الاميركي، أو أن يلعب حراً، لتحقيق مصالح اللاعب الذي يدفع اكثر.
وبغض النظر عن وجهة التفكير الروسية في القرض الذي طلبته القاهرة، فإن حقائق الوضع في القاهرة مشغولة أكثر بالنتائج المحتملة للتصاعد الكبير في إجمالي الدين الخارجي، الذي ارتفع خلال الأشهر الستة الماضية من نحو ٣٨ مليار دولار إلى نحو 43.8 مليار دولار حالياً.
هذا الرقم يستدعي، في ذاكرة الاقتصاديين المصريين، رقم معدل الدين الخارجي قبل أكثر من ثلاثين عاماُ حين وصل إلى نحو 47 مليار دولار إبان حرب الخليج الثانية.
في هذا الوقت، وبالتحديد في العام 1989، كان العجز في الحساب الجاري قد بلغ ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم أفقد الحكومة القدرة على الوفاء بالتزامات الدين الخارجي التي قاربت بحلول العام 1991 نحو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي كان ينمو بمعدل 1.1 في المئة.
وقتها كان الإفلاس يهدد البلاد، فقد عجزت الحكومة عن الوفاء بالتزامات الدين الخارجي في ظل عجز كبير في الحساب الجاري بلغ ثمانية في المئة في العام 1989.
الباحث الاميركي في الشؤون المصرية روبرت سبرنغبورغ رأى وقتها أن أمام نظام حسني مبارك ثلاثة سيناريوهات هي: مزيد من القمع في إطار تحالف بين رأسمالية الانفتاح الاقتصادي التي خلقها سلفه أنور السادات والمؤسسة العسكرية، أو سيناريو آخر بديل يتحالف فيه النظام مع القوى الإسلامية ليتلون الاستبداد السياسي هذه المرة بصبغة دينية. أما السيناريو الثالث فهو ببساطة انتظار معجزة من السماء من شأنها أن تضخ موارد مالية جديدة في الشرايين المنهكة للاقتصاد المصري.
لم يكن سبرنغبورغ مخطئاً، فقد حدثت المعجزة بغزو العراق للكويت، وكافأت الولايات المتحدة مصر على قبولها المشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت - عن طريق نادي باريس - بإلغاء نحو 24 مليار دولار من هذه الديون.
وضع الديون المصرية حاليا يتشابه مع الأزمة المالية المصرية في نهاية الثمانينيات، لكنه يختلف أيضا في نقطة أساسية، وهي أن جوهر الأزمة سياسي لا اقتصادي، حسبما يقول عمرو إسماعيل، وهو باحث اقتصادي في جامعة «ستانفورد» الأميركية.
ويرى اسماعيل أنه «الآن الدين الخارجي المصري الموروث من مبارك (والذي كان ٣٣ مليارا تقريبا في شباط ٢٠١١) في الحدود الآمنة كنسبة من الناتج المحلي وخدمته ضئيلة (حوالى ٦٪) كنسبة من الصادرات»، وهو المعيار الذي يقاس به مدى خطورة تأثير الدين الخارجي.
غادر الرئيس السابق حسني مبارك سدة الحكم في شباط العام 2011، ومعدل الدين الخارجي عند حدود ٣٣ مليار دولار، لكن وبعد عامين من رحيله ارتفع الدين ليصل إلى ٤٣ مليارا في آذار العام ٢٠١٣، بزيادة قدرها 10 مليارات دولار. وهذا الارتفاع أدى بدوره إلى ارتفاع المبالغ التي تدفعها البلاد بفعل خدمة الدين الخارجي الذي بلغ في العام المالي 2012 - 2013 نحو 1.6 مليار دولار.
المشكلة التي تواجه إدارة الرئيس محمد مرسي تكمن في السرعة البالغة في معدلات الاستدانة وهو ما يثير، بحسب كلام إسماعيل لـ«السفير»، سؤالا بديهيا «حول قدرة الحكومة على خدمة هذا الدين مستقبلا خاصة أن المخطط للتعافي الاقتصادي هو المزيد من الاقتراض عن طريق قرض صندوق النقد الدولي» (4.8 مليارات دولار).
وسبق لمصر أن حصلت على جملة من القروض من قطر، التي قدمت حتى الآن 8 مليارات دولار، وليبيا التي قدمت ملياري دولار، فضلا عن قرض بمليار دولار من تركيا. أما السعودية فقد قدمت نحو 4 مليارات دولار، من بينها نصف مليار دولار على شكل منحة لا ترد، كما قدم مبلغا مشابها وضعته وديعة في المصرف المركزي، ومليار دولار على شكل سندات مشتراة علاوة على 1750 مليون دولار تسهيلات لاستيراد مواد بترولية.
وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المال في نشرتها الشهرية لشهر آذار الماضي، فقد بلغ إجمالي الدين الخارجي في نهاية كانون الأول العام 2012 نحو 38.8 مليار دولار يضاف إلى هذه المبالغ 5 مليارات دولار قدمتها قطر وليبيا خلال الشهر الحالي (نيسان) ليصبح إجمالي الدين نحو 43.8 مليار دولار.
هذه الأرقام تشي بوضع صعب ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما أيضا على صعيد السياسة الداخلية والخارجية.
من ناحية أولى، فإن معظم هذه القروض يستخدم كمسكن للحيلولة دون حدوث تفاقم بعيد المدى في الوضع الاقتصادي. فكما يقول إسماعيل، هذه القروض تستخدم «لتمويل النفقات الجارية من واردات ولدعم الجنيه في مواجهة الدولار حتى لا يرتفع التضخم». ويضيف اسماعيل شارحا «النفقات الجارية لا تولد دخلا بأي حال ناهيك عن توليد عملة صعبة يتم بها سداد أقساط وفوائد الدين في ما بعد».
وهنا لا مفر من المقارنة بأزمة نهاية الثمانينيات، ذلك أن الحكومة تلجأ إلى علاج العجز بالاستدانة قبل أن تتحول القروض المتحصلة إلى عبء في حد ذاتها، ناهيك عن حقائق أكثر سوادا تواجه الحكومة، فوديعة قطر البالغة خمسة مليارات دولار، والتي حصلت عليها مصر في كانون الثاني العام ٢٠١٣، لم تمنع الاحتياطي من الانخفاض 15.5 مليارا إلى 13.5 مليارا.
هنا تقف الحكومة مشلولة تماما وتعجز عن المضي قدما سواء على صعيد «اتخاذ أية إجراءات تقشفية لاحتواء العجز أو المضي في تسوية سياسية تؤدي إلى عودة النمو وبناء احتياطيات دولارية جديدة من خلال تنشيط السياحة والاستثمار الأجنبي»، كما يقول إسماعيل.
والخلاصة هنا، أن مصر التي تستورد قرابة 40 في المئة من غذائها، فضلا عن دفعها مبلغ ١٠ مليارات دولار سنويا (نحو خمس الواردات) لتمويل استيراد الوقود، تقف على أعتاب أزمة سياسية عنيفة.
يقول إسماعيل: «تصوري أن عقب أخيل الذي سيؤدي إلى ارتطام السياسة مع الاقتصاد هو الاحتياطي وغياب قدرة الدولة عن توفير السلع الأساسية، وهو ما يحدث بالفعل ويتزايد يوما بعد يوم... عندها إما سيواجه النظام الإفلاس أو سيقدم على خطوات تقشفية، ووقتها قد تحدث أحداث عنف تعيد دمج الاحتجاج السياسي ضد الإخوان مع الاحتجاج الاقتصادي والاجتماعي».
أحمد زكي عثمان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد