مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية غداً
بعد طول تأجيل، من المقرر أن تفتتح في القاهرة غداً جولة المفاوضات التي تقررت في اتفاق وقف النار الذي أنهى حرب الخمسين يوماً بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة. وقضى اتفاق وقف النار بأن تجري مفاوضات بين الطرفين برعاية مصرية خلال شهر لترسيخ وقف النار وبحث مواضيع إعادة إعمار القطاع، ومطلب إسرائيل بتجريده من السلاح.
وأكدت مصادر إسرائيل أن وفداً إسرائيلياً سيصل إلى القاهرة في غضون الساعات القريبة للمشاركة في المفاوضات. ومعروف أن الوفد الإسرائيلي كان على العموم برئاسة رئيس الشاباك يوسي كوهين، وعضوية رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد وأحياناً منسّق الشؤون الإسرائيلية في المناطق المحتلة أو رئيس شعبة التخطيط في الأركان العامة.
وأعلن مصدر رسمي إسرائيلي "أننا تلقينا دعوة لطواقم المفاوضات ليوم الأربعاء. وبسبب أن هذا يوم عشية رأس السنة العبرية طلبنا تقديم الموعد، لذلك يفترض أن يتواجد وفدنا هناك يوم الثلاثاء".
ومعروف أن الوفد الفلسطيني مشترك، وهو برئاسة عزام الأحمد ويضم مسؤولين من كل من حماس والجهاد الإسلامي وعدد من المنظمات الفلسطينية. غير أنه وبسبب عمق الخلافات التي ظهرت في الجانب الفلسطيني، من المقرر أن يكون وفدا فتح وحماس أكبر وذلك بهدف استكمال محادثات المصالحة بينهما. ولهذا فإن وفد فتح يضم، وفق ما أعلن، خمس شخصيات قيادية إضافة للأحمد، وبينها أيضاً جبريل الرجوب.
وكانت وزارة الخارجية المصرية نفت أنباء نشرتها وكالات أنباء فلسطينية أفادت باعتذار مصر عن استضافة محادثات المصالحة بين فتح وحماس.
ومن الواضح أن جولة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في القاهرة هي ليوم واحد، ما يجعلها أقرب إلى الإجرائية والشكلية منها إلى المفاوضات الفعلية. فإسرائيل تدخل ابتداء من يوم الخميس المقبل فترة الأعياد التي تنتهي تقريباً بـ"يوم الغفران"، ما يعني أنه لن تجري هناك مفاوضات طوال الأسبوع المقبل.
لكن استعداد الطرفين، وخصوصاً الإسرائيلي للذهاب إلى جولة المفاوضات هذه لا ينبع فقط من التزام ولو متأخر بالمهلة المقررة في اتفاق وقف النار، وإنما أيضاً بسبب الخشية من سوء الفهم. وقال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع "والا" الإخباري إن المفاوضات في القاهرة ستكون بالغة الصعوبة لأن "إسرائيل ستصر بشدة على مطالبها الأمنية. لن نحدد جدولاً زمنياً للمفاوضات عدا الجولة القصيرة التي ستجري هذا الأسبوع".
وكانت ترددت تفسيرات وتهديدات فلسطينية وتقديرات إسرائيلية بأن مهلة الشهر التي حددها اتفاق وقف النار والتي تنتهي في 27 أيلول الحالي، قد تشهد عودة إلى إطلاق النار.
وتحدثت أوساط فلسطينية وإسرائيلية عن أن هذا احتمال وارد، خصوصاً أن شيئا لم يتغير في واقع أهل غزة بعد الحرب حيث ظل الحصار ولم تتوفر بعد آلية لإعادة الإعمار. كما ازداد الخلاف الداخلي الفلسطيني والذي بات يعرقل، كما كان، مساعي إعادة الإعمار أو حتى تسييل هبات المانحين. ولهذا السبب فإن الأنظار تتجه إلى المفاوضات الداخلية الفلسطينية على أمل تجاوز الخلافات وتسهيل عمل حكومة الوفاق ومساعي إعادة إعمار القطاع.
والواقع أن هذه التفسيرات تثير قلقاً ليس فقط في أوساط السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، وإنما أيضاً في صفوف جمهور الطرفين. وربما لهذا السبب جرت أمس الأول، تظاهرة لسكان مستوطنات غلاف غزة طالبت في الحق بالهدوء بالقرب من سديروت، وبتسريع التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين. ورفع المتظاهرون شعارات بينها "لن نسكت تحت دوي الصواريخ" و"هذا الهدوء ليس الحل".
وأعلن رئيس المجلس الإقليمي "شاعر هنيغف" ألون شوستار أن "على حكومة إسرائيل أن تناضل من أجل حل دائم. وفي ودي التذكير أنه نشأ لدينا جيل من واجبنا أن نقول له إنه لا ينبغي أن يحمل أحدكم سيفاً على الآخر، وأن نخبره عن حياة بلا إنذارات ومن دون تهديدات دائمة. فكل فعل إنساني نهايته أن يتغير. موشي ديان قال إن مهمتنا هي أن نصارع. ولكن مهمة جيلنا الأكثر دقة وتعقيداً هي تنفيذ مهمتين: النضال المخلص من أجل وجود الدولة اليهودية والديموقراطية وضمان إسرائيل كدولة تعددية ومتطلعة إلى السلام".
وفي كل حال، تحاول القيادة الأمنية في إسرائيل التأكيد على تقديرها بأن إطلاق النار لن يستأنف في نهاية الأسبوع الحالي. وكان وزير الدفاع موشي يعلون قد أعلن تقديراً بهذا المحتوى بعدما تحدث ضباط عن عدم استبعادهم لجوء حماس والفصائل الفلسطينية في غزة إلى استئناف إطلاق الصواريخ واستغلال فترة الأعياد اليهودية القريبة.
ويحاول يعلون وأنصار فكرة استبعاد استئناف القتال القول إن حماس تلقت ضربة شديدة جداً وإنها مرتدعة، وبالتالي لا تفكر سريعاً في العودة لإطلاق النار. غير أن في إسرائيل مدرسة أخرى تقول إن كل التقديرات بشأن نوايا حماس التي كانت تشيعها السلطات العسكرية، لم تكن تستند إلى أساس. ويرى أصحاب المدرسة الأخيرة أن الوضع في القطاع قابل للانفجار في كل لحظة إن لم يكن بسبب مواقف إسرائيل فلسبب مواقف السلطة الفلسطينية تجاه إعادة الإعمار ومواقف مصر تجاه إعادة فتح معبر رفح.
ربما والحال هذه، لم يكن غريباً أن تحاول الأمم المتحدة، ببدء حثٍّ أميركي وإسرائيلي، لبلورة آلية لمراقبة إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة من دون انتظار نتائج المفاوضات الجارية برعاية مصرية، وقبل انعقاد مؤتمر الدول المانحة للقطاع في الشهر المقبل.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد