من دمار غزة يبزغ الاعتدال اليهودي

16-02-2009

من دمار غزة يبزغ الاعتدال اليهودي

أنطوني ليرمان - ترجمة رندة القاسم: كل يهودي عارض كيهودي  الحرب على  غزة يحمل  أسبابه اليهودية الشخصية  لعمل ذلك . بعضهم يعبر ببساطة عن الرعب ، و الأغلبية تطالب بعمل لإنهاء هذه المذبحة . و القول  بأننا قد فشلنا ليس تعبيرا عن الإحباط و لا هو تصريح بأن المعارضة ليست ذات شأن . فالواقعية تفترض بأن هذا كان أمرا محتوما.
و لنكن واضحين و نقول بأن دعم اليهود خارج و داخل إسرائيل للحرب  كان واسعا و مثبطا للهمة بشكل كبير ,و هذا يطرح السؤال التالي: هل تقدر الأصوات اليهودية المنتقدة المتزايدة على إثارة  تغيير حاسم في تيار الرأي اليهودي الرئيسي ؟ان نظرة عقلانية على التطورات قد تمنح سببا للأمل.
أولا: هناك نشاطات في دول كثيرة وتزايد لدعم جماعات السلام اليهودية .
ف" يهود أوربيون لأجل سلام عادل" ، و هي فيدرالية مؤلفة من عشر دول تضم هكذا منظمات،  تحدثت في تقاريرها عن الكثير من المبادرات في أوروبا.و بالمقابل قامت مجموعة " أصوات يهودية مستقلة " و " يهود لأجل العدالة للفلسطينيين " وجماعات أخرى في المملكة المتحدة بالاحتجاجات و الاجتماعات و نشر الإعلانات في الصحف و المشاركة في المظاهرات .و في كندا و استراليا نشرت مجموعة"أصوات يهودية مستقلة"تصريحات . و احتل المتظاهرون اليهود  و الإسرائيليون في تورنتو و مونتريال و بوسطن القنصليات الإسرائيلية, كما و كانت جماعات السلام في الولايات المتحدة تعمل بنشاط متزايد.
و هذه المجموعات إلى جانب تلك الإسرائيلية تشكل تيارا تحتيا من الاحتجاج القادر على إحداث قعقعة في القيادة اليهودية.
ثانيا:اتخذت بعض المجموعات اليهودية موقفا هاما . ففي الحادي عشر من كانون الثاني حملت الصفحة الأولى في "أوبسيرفير" رسالة من حاخامات و أكاديميين و شخصيات اجتماعية هامة في الحياة اليهودية في المملكة المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار. وفي ألمانيا كتبت  رسالة بقلم خمسة و ثلاثين مؤيدا لمجموعة " صوت يهودي لسلام عادل" تطالب بوضع نهاية للقتل في غزة و قد نشرت في 17 كانون الثاني في صحيفة "جنوب ألمانيا" التي تعتبر من الصحف الرئيسية في الدولة حيث الانتقاد العلني لإسرائيل أمرا صعبا على أي  شخص ناهيك عن الجماعات اليهودية.
و لكن الأكثر تأثيرا هو ذاك الموقف المعادي للحرب الذي اتخذه "ج ستريت" اللوبي الليبرالي الأميركي الجديد الداعم للسلام و الداعم لإسرائيل،الذي يتحدى بقوة اللوبي اليميني الإسرائيلي "آيباك".و قد جمع "ج ستريت " الكثير من الدعم و رحب بتعيين باراك اوباما ل "جورج ميتشل " كمبعوث للشرق الأوسط . و النتائج الايجابية للتشريع اللاحق للمعارضة اليهودية في الولايات المتحدة ستكون هامة .
ثالثا: هناك مؤشرات على بلبلة ضمنية وسط الرأي اليهودي الداعم لإسرائيل و الذي يكون عادة متماسكا. ففي 2 كانون الثاني كتب " آنشيل بفيفير" في صحيفة هآرتس:( مع اضطرابهم و ألمهم الكبيرين لحجم الدمار و موت المدنيين  ...يقولون (أي هؤلاء اليهود) بأنه يجب أن تكون هناك طريقة أخرى لعمل ذلك .و هم يعيشون مع هذه الشكوك, التي غالبا لا يفصح عنها, حتى ضمن العائلات والأصدقاء المقربين ,لأن أسوأ ما اكتشفوه هو أن الآخرين حولهم لا يبدون مدركين للفوارق الدقيقة المختلفة  , و لا يجدون في أنفسهم الشفقة  على الموتى و الجرحى في الجانب الآخر) و "بفيفير" ليس وحيد في إحساسه  بهذا المزاج الذي يفترض بأن إسرائيل أضحت قريبة من خط الخطر الذي لا يمكن حتى لأشد مؤيديها المضي لما وراءه.
و يمكن الوصول إلى استنتاجين مشجعين :أولا ,على الرغم من أن معظم اليهود يبدون جفلين من الحقيقة و معتنقين للبروبوغاندا الأورويلية "الحرب هي السلام" فان الشكوك تتزايد. والمنشقون   اليهود الساعون للغة ملائمة لإقناع الرأي العام الرئيسي اليهودي بأن إسرائيل تسير في الاتجاه الخاطئ  يرون بأن هذه الجهود قد تثمر.
ثانيا، جماعات السلام المعارضة قد تكون مستقلة بعناد و فعالة . و لكن التعاون خلال حرب غزة أثبت قوتهن لذا من الجدير بالاهتمام محاولة خلق جماهير منتقدة تتوحد حول أهداف رئيسية و تعبر عن ذاتها بلغة تمكنها من الاتصال مع تيار الرأي الرئيسي اليهودي.فإسرائيل معتمدة بقوة على ما يفكر به اليهود، و قادتها يسألونهم الدعم حين يواجهون أزمة داخلية أو يحتاجون غطاء لمغامرة عسكرية جديدة . و ليس من المغالاة التفكير بأن الرأي اليهودي قد ينقلب بشكل حاسم ضد  المسار الإسرائيلي الحالي. و هذا قد يهز الحكومة و يساعد على تغيير حقائق الشرق الأوسط.
إذن من دمار غزة و الفشل الإسرائيلي الذي مثله ، قد تبرز المعارضة اليهودية كقوة أكثر فاعلية .
ملاحظة تحذيرية أخيرة:المعارضة اليهودية لحرب غزة لم تكن مختلفة من الناحية النوعية عن غيرها من المعارضات و لم تكن أكثر أهمية من التجربة الرهيبة لشعب غزة . و لكن عندما تترجم هذه المعارضة إلى تغيير للرأي اليهودي سيكون لها التأثير المعدل لإسرائيل و هذا سيفيد الفلسطينيين الذين يستحقون إنهاء فوريا للحصار و الاحتلال و لليهود الذين يستحقون إنهاء فوريا للعداء ضد السامية بعدما أثارته حرب إسرائيل , و في النهاية سيؤدي الأمر إلى إسرائيل تعيش بسلام مع جيرانها.


• الكاتب هو أنطوني ليرمان المدير السابق لمعهد أبحاث السياسة اليهودية .


ترجمة رنده القاسم
عن The Guardian

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...