ميونيخ: تجاذب حول الهدنة السورية ومخاوف من حرب عالمية
في الوقت الذي كان فيه الجيش السوري يواصل هجومه في ريف حلب، مقترباً أكثر من بلدة تل رفعت ومن الحدود التركية، كان وزراء خارجية مجموعة دعم سوريا يبحثون في ميونيخ عن طريقة لإعادة المفاوضات بين السلطات السورية والمعارضة إلى سكتها، وسط أجواء قاتمة بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار تطالب واشنطن بتطبيقه فوراً، فيما تضرب موسكو موعدا له في الأول من آذار المقبل.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إن «تقدم القوات السورية مستمر في ريف حلب الشمالي، بغطاء جوي روسي، وباتت على مشارف تل رفعت، حيث تخوض اشتباكات عنيفة ضد الفصائل الإسلامية في بلدة كفرنايا التي تبعد ثلاثة كيلومترات عنها». وتسيطر مجموعات مسلحة، منذ العام 2012، على تل رفعت التي تبعد مسافة 20 كيلومترا عن الحدود التركية. وتعد تل رفعت أبرز معاقلها في ريف حلب الشمالي إلى جانب مارع وإعزاز.
وفي سياق مواز، شن مقاتلون سوريون أكراد هجوماً أمس على إعزاز، وتقدموا في المحور الغربي للمدينة وسط اشتباكات ضارية مع عناصر «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام». وكان مقاتلون أكراد سيطروا على بلدة منغ ومطارها العسكري، بدعم من الطيران الروسي، وبذلك أصبح بإمكانهم قطع الطريق الذي يصل بين تل رفعت وإعزاز.
وتحاول الدول المؤثرة في الأزمة السورية في ميونيخ التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وبدا استئناف مفاوضات «جنيف 3»، المقرر في 25 شباط، مشكوكا فيه، حيث اشترطت «معارضة الرياض» رفع الحصار عن المناطق التي تسيطر عليها ووقف الغارات.
وأعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، لوكالة «إيتار تاس» الروسية، أن التوافق حول قائمة المجموعات الإرهابية لن يتم خلال لقاء مجموعة دعم سوريا في ميونيخ. وقال: «في ما يخص الإرهابيين، فإن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل. لن يتقرر الأمر اليوم (أمس)، وإنما سيتطلب ذلك فترة أطول من الوقت».
وعقدت المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 بلداً وثلاث منظمات دولية، اجتماعاً في ميونيخ هدف إلى إتاحة الفرصة أمامها لتنسيق الدعم لعودة السلطة السورية والمعارضة إلى جنيف، لكنه تحول بدلا من ذلك إلى محاولة يائسة لإنعاشها.
وقال ديبلوماسيون إن المحادثات في ميونيخ قد تستمر حتى فجر اليوم، وسط جدل بين وزراء الخارجية بشأن ثلاث قضايا رئيسية: الوقف التدريجي للعمليات القتالية مع تحديد موعد دقيق لوقفها، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة من جانب الطرفين، والتزام بعودة الأطراف السورية إلى جنيف.
وقال ديبلوماسي غربي: «قد نتوصل إلى شيء ما بخصوص القضايا الثلاث، وقد لا نتوصل إلى شيء». وقال ديبلوماسي غربي آخر إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يريد وقفاً فورياً لإطلاق النار في سوريا، لكن موسكو اقترحت هدنة لن تبدأ إلا بداية آذار المقبل مما يتيح للقوات السورية 18 يوماً أخرى للسيطرة على حلب وريفها.
ونقلت وكالة «رويترز» فجراً عن مصدر ديبلوماسي غربي قوله إن «القوى العالمية أعدت خطة من ثلاث نقاط لكسر الجمود بشأن أزمة سوريا»، موضحاً أن المسودة تشير إلى أن «القوى الكبرى اتفقت على السعي لتطبيق وقف للعمليات القتالية في الأيام المقبلة من خلال هدنة وليس وقفا لإطلاق النار»، وان «الوقف التدريجي للعمليات القتالية في سوريا يهدف إلى خلق أجواء مناسبة لإعادة إطلاق عملية السلام في جنيف عندما تتحسن الأوضاع على الأرض». وأشارت الى ان روسيا رفضت وقف غاراتها الجوية، لكنها ملتزمة بالخطة التي تهدف الى خفض العنف وإحياء عملية السلام.
وعبرت قوى غربية عن أملها في إمكانية الاتفاق على نص يسمح على الأقل بوصول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير: «نحتاج لانفراجة هنا بطريقة ما». وأضاف: «سنحاول تحقيق ما لم يتحقق حتى الآن، خاصة تحسين إيصال المساعدات للمحاصرين في سوريا، وربط ذلك بخطوات أولية لتقليل أعمال العنف بشكل ملموس». وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: «لن يكون اجتماعا سهلا. إن مستقبل سوريا والسوريين هو بين أيدينا».
لكن ديبلوماسياً غربياً رفيع المستوى أوجز التوقعات المتشائمة بقوله: «هذا الاجتماع مهدد بأن يكون من دون نهاية، وأخشى أن النتائج ستكون هزيلة للغاية».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي اجتمع مع كيري قبيل انطلاق المحادثات، إن موسكو قدمت اقتراحات لوقف إطلاق النار، وتنتظر ردا من القوى الأخرى. لكن مسؤولين غربيين لا يتوقعون أن تقبل روسيا وقفاً فورياً للقصف تطالب به واشنطن.
وقال كيري إنه يتوقع «محادثات جادة»، مضيفاً: «نحتاج بوضوح، في مرحلة ما، لتحقيق تقدم بشأن قضايا وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار».
وكان كيري أعلن أنه سيطلب في ميونيخ من الروس أعمالا ملموسة. وقال: «إذا كان الهدف من الكلام هو الكلام فقط للتمكن من استئناف القصف، فإن أحداً لن يقبل بذلك».
واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر روسيا بـ «تأجيج» النزاع في سوريا عبر الدعم العسكري للقوات السورية. وقال: «إنه الدعم الروسي لنظام (الرئيس بشار) الأسد في الأشهر الأخيرة، وفي الآونة الأخيرة خلال حصار حلب، الذي أجج النزاع وصعده».
واعتبر أن روسيا بغاراتها في شمال سوريا التي بدأتها في الأول من شباط «جعلت بصراحة العملية السياسية في خطر». وأضاف: «هذا مقلق بشكل كبير». وتابع إن «وزير الخارجية (كيري) كان أشار إلى أنه بالنظر إلى المجموعات المتنافسة على الميدان في سوريا والفصائل المختلفة والعناصر التي تتقاتل، فإن الأمر يمكن أن يتفاقم ويتحول إلى نزاع أوسع، لكن إذا كانت روسيا قلقة فعليها أن تنظر إلى ما تفعله من خلال دعم نظام الأسد».
وقال مسؤول أميركي، لوكالة «رويترز» إن واشنطن لا تستطيع الموافقة على الاقتراح الروسي بوقف إطلاق النار في الأول من آذار المقبل لأن «قوات المعارضة قد تتعرض إلى خسائر لا يمكن تعويضها في شمال وجنوب سوريا قبل وقف إطلاق النار».
ورأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي عقد اجتماعاً مع لافروف، أن على الغربيين أن يتخلوا عن سياستهم «الخاطئة وبعض شروطهم المسبقة»، في إشارة إلى المطالبة بتنحي الرئيس بشار الأسد.
وبحث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال اجتماع مع كيري ووفد «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن اجتماع الرياض مستجدات الأزمة في سوريا. كما عُقِد اجتماعٌ ضم الجبير وكيري ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.
من جهة أخرى، حذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف من خطر نشوب «حرب عالمية جديدة» في حال حصل هجوم بري خارجي في سوريا. وقال، في مقابلة تنشرها صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية اليوم، إن «الهجمات البرية عادة تؤدي إلى أن تصبح حربا دائمة».
وأضاف: «يجب أن يفكر الأميركيون وشركاؤنا العرب مليا، هل يريدون حربا دائمة؟»، مشدداً على أنه سيكون من المستحيل كسب حرب كهذه بسرعة «لا سيما في العالم العربي حيث يقاتل الجميع ضد الجميع». وتابع: «على جميع الأطراف الجلوس حول طاولة التفاوض بدلا من إطلاق حرب عالمية جديدة».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد