ها قد بدأت حربنا لِلتو
الجمل ـ عبدالمتين حميد: مع إشراقة الولاية الدستورية الجديدة يأتي يومٌ جديد, بداية جديدة. يغمرنا الأمل في أن يكون "اليوم" أفضل من الأمس. في الماضي, كنا نقضي معظم أيّامنا في الكهوف, في العتمة. كنا قانعين ببرودتها, محتمين بها من العالم المحيط بنا. كان عالماً قاسياً و عدائياً. كنا نكابد لأجل البقاء على قيد الحياة, و في النهاية تمكنّا من النجاة. كنّا آخر الباقين, المصريون سحقتهم كامب ديفيد, الأردنيون ابتلعهم وادي عربة, عرفات سمّمته أوسلو, أما نحن السوريون فقد نجونا بفضل القائد حافظ الأسد. كان قويًّا غير مبالٍ بأرقام البنك الدولي و لا بشهادات حسن السلوك الأمريكية. لم يحد يوماً عن القواعد, تلك التي رسمها على جدران غرفتنا, تلك التي كانت تقول هذا الشعب هو مصدر قوّة سورية و الجيش هو السياج الحامي لهذا الوطن. كان أسد سورية العظيمة.
في الأمس, تغيّر هذا في غمضة عين. كنّا على وشك الفناء. "قوة سورية في انفتاحها" هي القاعدة المستحدثة. مَن جاء بها؟ مَن وضعها؟ مَن نشرها؟ كان هناك فيلٌ ضخمٌ في الغرفة. كنا نتعامى عنه جميعاً. أزال رسومات غرفتنا. خرق جدراننا. هدمها كلها. أصبحنا عرايا. عصفت الريح. قالوا إنه ربيع. هلّلوا له و صفقوا. لم يتساءلوا من أين جاء و كيف. من جديد نحن آخر الباقين. كانت الثقة مطلقة بأننا سننجو, فلا سفارة "اسرائيلية" في سورية... خلال وقت قصير كانت سورية تحتضر! إنها الحرب. أعلنتها صراحةً الولايات المتحدة. أرادتها حرباً ما بعدها حرب, حرب تُنهي بها جميع حروبها. أرادتها النهاية من صداع الشعب السوري. تتفاجأ إنه كابوسها المزعج. أعلنتها إنْ هي إلا أيامٌ معدودة, فتمضي السنون. يمر الوقت ثقيلاً عليها, تحاول كسب بعض الوقت, تعيد حساباتها. إنها تخسر. هي ليست بعيدة عن تحقيق أهدافها فحسب, بل إنّ النتائج عكسية. خسرت عواصم بأكملها, بيروت و بغداد و القاهرة و الآن دمشق. تتساءل كيف وصلت الأمور إلى هذه الحال؟ ما هو المسبب؟ إنها تعلم و لكنها تدعي الجهل, إنه صمود السوريين. لقد صمدنا و قاتلنا و ساعدنا الآخرين و ساعدونا. لم نسمح لدمشق أن تسقط. لقد خرجنا من جهنم جميعاً. قَطعاً هذه ليست النهاية التي أرادتها لنا, و لا حتى قريبة من ذلك, فالقاعدة الأزلية في واشنطن "من يدخل جهنم يخلد في جهنم"! تحتار, ما الذي بإمكانها فعله؟ هي لا تملك إلّا أن تتراجع, يجب عليها أن ترضخ للواقع, فتتراجع عسكرياً. تناور. تأبى أن تقرّ بالهزيمة, الخطة "صفر" تعود من جديد: الفيل. فيلٌ مسؤول عن تشكيل الهيكلية الاقتصادية الجديدة في سورية وفقاً للرؤية الأمريكية. تظن أننا سنتعامى عنه مجدداً. ها ها, لا يُلدغ السوريون من نفس الجحر مرتين, لا وجود للفيلة بعد اليوم, طال خرطومها أو قصر. المخاوف التي تملّكتنا يوماً, لن تعود, أبداً لن تعود. لقد عرفنا إمكانياتنا, و تجاوزنا حدودنا, لا قوانين تفرض علينا, نحن الآن أحرار, الشعب المؤدب أصبح من الماضي. اليوم انتخبنا رئيساً جديداً. اليوم غادرنا الكهوف. لا كهوف بعد اليوم, لقد اندثرت. لن نهاب العالم من حولنا. صحيح أنّه بات أشد قسوة و أكثر عدائيّة, إلا أننا صرنا نعلم أنّه بوسعنا الصمود.
لقد غيرنا القواعد إلى ما كانت عليه, رسمناها من جديد بدمائنا, أثبتنا أننا قادرون على صنع التغيير, فاحذروا منا. نحن من أبقى الرئيس بشار الأسد رئيساً طيلة ثلاث سنوات من الحرب, و نحن من انتخبه في السنة الرابعة للحرب. لذا قررنا من اليوم فصاعداً أننا سنبقى في الخارج, مصرّين على الوقوف في النور, ها هنا نقف, و هنا باقون, هنا في ضوء النهار, لن نقع بعد اليوم, سنواصل القتال, ليس لأن هذا قدَرنا, بل لأننا اخترنا ذلك, و سننتصر, لأنه لا يمكننا إلا أن ننتصر, لأننا نقاتل لأجل سورية... ها قد بدأت حربنا للتو.
الجمل
إضافة تعليق جديد