هل اضاعت أمريكا الشرق الأوسط؟

08-11-2006

هل اضاعت أمريكا الشرق الأوسط؟

الجمل:  ريشارد هاس أحد اختصاصيي السياسة الخارجية الأمريكية الكبار أعلن زاعماً بان (العصر الأمريكي في الشرق الأوسط... قد إنتهى).
إن الحكم المثير للجدل والذي بالتأكيد لن يتفق معه فيه الرئيس جورج دبليو بوش كان – هاس- قد كتبه في إصداره من مجلة السياسة الدولية العالية السمعة والتي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية القائم بمدينة نيويورك والذي يترأسه هاس.
يزعم هاس بأنه خلال التاريخ المعاصر للشرق الأوسط يمكن أن ينظر لتفوق أمريكا باعتباره يمثل المرحلة الرابعة للهيمنة والسيطرة بواسطة (الاطراف الخارجية والغرباء).
المرحلة الأولى تمثلت بدءاً من السيطرة العثمانية وحتى الحرب العالمية الأولى ثم أعقبتها المرحلة الثانية وتمثلت بالحكم الاستعماري الكولونيالي البريطاني والفرنسي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم أعقبتها المرحلة الثالثة وتمثلت في الحرب الباردة والتي كانت تتنافس موسكو وواشنطن خلالها من اجل النفوذ واقتسام المنطقة بينهما.
لقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي قبل نحو 16 عاماً مضت الى افتتاح مرحلة تبوأت فيها أمريكا – حكم اليد العليا- مستمتعة بما أطلق عليه هاس تسمية (نفوذ وحرية عمل غير مسبوقين). ولكنه – على حد قوله- فإن هذا العصر أيضاً قد وصل إلى نقطة مسدودة ومن الممكن أن يكون بالأساس قد انتهى وهو يتكهن مستنتجاً بأن المنطقة (تدخل مرحلة) "من النوع الذي يكون فيه للفاعلين الخارجيين – الغرباء- تأثيراً معتدلاً نسبياً – وفي الوقت نفسه- تتمتع القوى المحلية باليد العليا".
فهل يمكن اعتبار هاس صائباً؟ أم أنه كان منفعلا متعجلاً؟
وهل استنتاجاته القائمة كانت متأثرة على نحو مفرط وغير عادي بالاحكام الخاطئة والاهمالات والاغفالات والاخطاء الفادحة المربكة للسياسة الخارجية لرئاسة بوش؟ وهل بإمكان أمريكا إعادة إنعاش سلطتها، على يد، وتحت إدارة جديدة؟ ان هذا التساؤل يلخص المسائل الفائقة الاهمية للمنطقة – الشرق أوسطية- وعلى الارجح فإن اول ما يقال يتمثل أنه على أساس اعتبارات فشلها الحالي والراهن فإن الولايات المتحدة ماتزال حتى الآن لم تواجه تحدياً خطيراً في الشرق الأوسط بواسطة أي قوة أو مجموعة من القوى الخارجية.
قد يعود لحرب العراق إحداث كل صنائع الكارثة الرئيسية ويتضح ذلك إذا طرحنا السؤال القائل: لماذا تتحمل قوة أخرى انفاق 500 مليار دولار ونشر جيش قوامه 140 ألف عنصر لفترة غير محددة على بعد مسافة تعادل نصف الطريق حول الكرة الأرضية؟ فالاتحاد الأوروبي والذي كان يأمل الكثيرون في أن يقوم بالعمل كموازن ترجيح مقابل ومعادل للولايات المتحدة يمكن القول بأنه قد فشل بشكل واضح وجلي في صياغة سياسة مشتركة موحدة للخارجية والدفاع.
وبسبب النمو الاقتصادي الهائل فقد برزت الصين كقوة تحدي استراتيجي للولايات المتحدة وبالذات في شرق آسيا وبرغم ذلك فإن شراكات الصين وتحالفاتها الاقتصادية لم يتم ترجمتها حتى الآن بحيث تمثل وتشكل نوعاً من القوة الواضحة للعيان على النحو الذي تمثله أمريكا عن طريق غواصات المياه العميقة التي تملكها وشبكة قواعدها العسكرية العالمية وتقدمها التكنولوجي.
اقتصاد روسيا من الناحية الأخرى قد تحسن على أساس اعتبارات عائدات النفط والغاز ولكن – روسيا- ما تزال بعيدة عن اعادة إنعاش نفوذها الكبير الذي تعودت أن يكون لها في منطقة الشرق الأوسط وذلك باعتبارها مصدراً لتزويد السلاح وقوة كبرى حامية لبلدان عربية متعددة.
بالنسبة للفاعلين المحليين والذين استنبط واستنتج هاس بأنهم سوف "يتمتعون على وجه السرعة باليد العليا" فإنه من الصعب أن نحدد من من بينهم كان حاضراً في ذهنه-أي ذهن هاس عندما كتب المقال- فالجميع على خلاف مع بعضهم البعض وبحسب ما هو واضح فإن العرب أكثر انقساماً وخلافاً من الأوربيين.
إيران تفرض تحدياً أكثر خطورة لقوة ونفوذ الولايات المتحدة ولكن طموحاتها على ما يبدو محلية بشكل خالص ودفاعية..
أما بالنسبة للفاعلين من غير الدول – يقصد الأطراف غير الحكومية- مثل حزب الله وحماس فإنهم يفرضون تحدياً كبيراً ومعتبراً بكافة المقاييس للولايات المتحدة.
وحيث أن الولايات المتحدة لا تواجه-طرفاً- متحدياً خطيراً في المستقبل الراهن القريب (لامن داخل ولا من خارج المنطقة) فهل من الممكن ان تستعيد إنعاش سلطتها؟
 لا يوجد شك بأن الولايات المتحدة قد أصبحت الآن فاقدة بقدر كبير لأي شعبية في العالمين العربي والإسلامي إضافة إلى أنها أصبحت مجرد موضوع وهدف للكراهية والبغضاء في اماكن عديدة، وسوف تفضل الجماعات المسلحة مهاجمة أمريكا والاعتداء عليها كلما كان ذلك ممكناً وسانحاً لها.
ينظر العديد من العرب بنوع من الحنين النوستالجي إلى عصر الرئيس إيزنهاور الماضي والذي وضع حداً للعدوان الانجلو – فرنسي – إسرائيلي على السويس في عام 1956، وإيضاً إلى فترة رئاسة جيمي كارتر والذي برغم أنه قد قام بتدبير واكمال نصف المهمة بإنجاز السلام المصري – الإسرائيلي فقد بذل جهداً كبيراً من أجل حل الصراع العربي الإسرائيلي بشكله الكامل.
فما الذي يتوجب على الولايات المتحدة القيام به من أجل إعادة كسب الثقة والمصداقية والموثوقية؟ على الارجح يتوجب عليها الاعتراف بأخطائها المتعددة وعلى الأرجح الغلطة الكبرى الفادحة خلال الـ25 سنة الماضية والتي سمحت فيها لإسرائيل بتوسيع مستعمراتها على الأرض الفلسطينية المحتلة.
لا يوجد عائقاً أكبر أمام الحل السلمي للصراع العربي – الإسرائيلي ولتكامل واندماج إسرائيل ضمن المنطقة سوى أولئك المستوطنين البالغ عددهم ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة.
إن التآكل والانجراف المتواصل الشدة وغير المتقطع للنصف الأخر من فلسطين العربية أدى لخلق حركة حماس المسلحة وأثار وهج العداء والبغضاء للولايات المتحدة في سائر انحاء العالمين العربي والإسلامي.
غلطة أخرى –ثانية- إرتكبتها أمريكا خلال فترة رئاسة رونالد ريغان عندما سمحت لإسرائيل بغزو لبنان في عام 1982 وقتل اكثر من 17 ألف لبناني وفلسطيني وقد أدى الغزو والاحتلال إلى خلق حركة مليشيا حزب الله.
الغلطة الثالثة – التي ارتكبتها أمريكا- تمثلت في فشلها في اعادة إنشاء وبناء علاقات صداقة مع إيران خلال الـ27 عاماً التي أعقبت ثورة اية الله الخميني الإسلامية والآن تدفع ثمن تلك الغلطة عن طريق عصيان إيران في مسألة الملف النووي.
الغلطة الرابعة- التي ارتكبتها أمريكا- هي تقزيم الاخرين والذي تمثل في رد الفعل الأمريكي الطائش والمفرط لهجمات الحادي عشر من أيلول وذلك على النحو الذي كانت فيه أمريكا مدفوعة بالرغبة – الكامنة ضمن كراهية اللحظة من أجل وبهدف تلقين العرب درساً حول قوة أمريكا العسكرية.
ما الذي يتوجب على الولايات المتحدة القيام به الآن؟ يتوجب عليها أن تستعيد استقلالية سياستها الخارجية عن طريق تحرير نفسها من ضغط اللوبيات وجماعات المصالح الخاصة ويتوجب عليها أيضاً ان تعاقب المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب مثلاً.
ويجب أن تعلن – أمريكا- تاريخاً نهائياً وحازماً لانسحابها من العراق ويتوجب عليها أن تبذل كل جهد وتوظف كافة الموارد من أجل حل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس المساواة والعدالة.
تبقى لبوش سنتين في المنصب فهل لديه الرغبة لكي يعمل؟ أم أن إستنتاج وتكهن واستنباط هاس بانتهاء عصر أمريكا سوف يكون صحيحاً.


الجمل: قسم الترجمة
الكاتب: باتريك سيل
المصدر: زانيوز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...