هل تؤثر حزمة الحوافز الغربية الجديدة في حلحلة الأزمة الإيرانية
الجمل: أخذت التوجهات الغربية الأمريكية – الأوروبية طابعاً أكثر تعقيداً في التعامل مع إيران ومحاولة إدارة أزمة البرنامج النووي الإيراني، وتقول المعلومات الصادرة اليوم بأن لجنة الستة أطراف أو اللجنة السداسية (تتكون من الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة لألمانيا) قد أقر اجتماعها تقديم المزيد من الحوافز التي تغري إيران بالتخلي عن برنامجها النووي.
* الإدراك الإيراني – الغربي المتعاكس:
تنظر أمريكا وإسرائيل وحلفائهما الغربيون إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره وسيلة حصول وتزويد إيران بالقدرات النووية التي تتضمن الرؤوس الحربية غير التقليدية النووية والصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية. أما إيران فتقول بأن برنامجها النووي هو وسيلة تهدف إلى تعزيز قدرة إيران في الحصول على الطاقة الكهربائية الرخيصة والوفيرة بما يؤدي إلى حل أزمة الطاقة ويساعد إيران في إنتاج وتصدير المزيد من النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
* الرهانات الإيرانية – الغربية المتعاكسة:
يراهن الإيرانيون على حقهم المشروع في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية والمدنية، ويستند هذا الرهان على بنود القانون الدولي وعلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية اللتان تعطيان إيران هذا الحق كاملاً، أما الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما فيراهنون على ضرورة التدخل باستخدام كافة الوسائل المتاحة من أجل منع إيران من المضي قدماً في برنامجها النووي الحالي الذي هو بالأساس غطاء للحصول على القدرات النووية العسكرية.
* أزمة الرهانات الغربية:
تنقسم –على الأقل ظاهرياً- التوجهات الغربية في اتجاهين يمكن استعراضهما على النحو الآتي:
• معسكر الخيار العسكري: ويرى بضرورة تنفيذ إجراء عسكري أمريكي أو إسرائيلي أو أمريكي – إسرائيلي ضد إيران، وذلك بما يترتب عليه توجيه ضربة استباقية تقضي على البرنامج النووي الإيراني قبل تطوره ووصوله إلى نقطة اللاعودة.
• معسكر الخيار الدبلوماسي: ويرى ضرورة تشديد العقوبات الدبلوماسية من جهة ضد إيران بحيث يصحب ذلك من الجهة الأخرى تعظيم الحوافز والمزايا المتاحة أمام إيران إذا تخلت عن برنامجها النووي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن احتدام الخلافات والصراع حول هذين الخيارين قد أدى إلى عملية اصطفاف واسعة داخل دوائر صنع واتخاذ القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ولم تعد هناك دول غربية تؤيد الخيار العسكري وأخرى لا تؤيده وإنما أصبحت هناك قوى داخل كل واحدة من هذه الدول بعضها رافض وبعضها الآخر مؤيد للخيار العسكري، ومن أبرز الأمثلة على ذلك عملية الاصطفاف والاستقطاب التي جرت داخل الإدارة الأمريكية التي أدت إلى نشوء معسكر رايس – غيتز المؤيد للخيار الدبلوماسي، ومعسكر ديك تشيني – المحافظون الجدد المؤيد للخيار العسكري.
* لعبة السهل الممتنع على خط طهران – واشنطن:
تحول صراع طهران – واشنطن ليأخذ شكل الصراع على رقعة الشطرنج الإقليمية المتعددة التي تشمل مناطق الشرق الأوسط، الشرق الأدنى، القفقاس، آسيا الوسطى، جنوب آسيا، وفي هذه المنطقة تراهن إيران على قدرتها على القضاء على الوجود الأمريكي وبالذات في العراق وأفغانستان، وأيضاً إضعاف حلفاء أمريكا المسيطرين على معظم بلدان هذه المنطقة، أما الولايات المتحدة فهي تراهن على تفوقها العسكري المطلق، باعتباره الوسيلة التي تتيح لها القضاء على إيران دفعة واحدة خلال فترة وجيزة، إن تطلب الأمر ذلك.
* محور تل أبيب – واشنطن: أزمة إدارة الأزمة النووية الإيرانية:
من المعروف أن ترتيبات الضربة العسكرية الأمريكية – الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران قد اكتملت من حيث التخطيط ومن حيث حشد وتعبئة القدرات العسكرية اللازمة لتنفيذها، ولكن الأزمة الحقيقية التي تواجه محور واشنطن – تل أبيب تتمثل في جانبين هما:
• ضعف المعلومات الاستخبارية حول إيران.
• رد الفعل الكارثي الذي سينشأ لاحقاً.
وقد ترتب على هذين الجانبين إدراك محور واشنطن – تل أبيب مدى خطورة انكشاف تل أبيب وواشنطن أمام رد الفعل الإيراني خاصة أن إزالة إسرائيل من الوجود هو أحد خيارات الانتقام والقصاص الإيراني المتوقع الحدوث إذا تعرضت إيران لأي ضربة عسكرية، وحتى الآن لم تستطع لا أجهزة المخابرات الأمريكية ولا نظيرتها الإسرائيلية، من القيام بإعداد تخمين استخباري واحد واضح وصحيح في التصدي بمصداقية يمكن الاعتماد عليها في القيام بتنفيذ الضربة العسكرية ضد إيران.
* إدارة الأزمة: حزمة الحوافز الجديدة – القديمة:
تقول التقارير الغربية بأن حزمة الحوافز الغربية الجديدة المعدة لإيران لن يتم الإفصاح عنها إلا للحكومة الإيرانية وبرغم ذلك فمن الممكن التخمين كما حاولت التحليلات والتقارير الغربية أن تتكهن بمحتوى حزمة الحوافز الجديدة، ومضمونها:
• تأمين مصادر بديلة تؤمن لإيران الحصول على الطاقة النووية واستخدامها للأغراض المدنية والسلمية.
• تزويد إيران بالتكنولوجيا المتطورة.
• التعاون مع إيران في المجالات التجارية والزراعية.
أشارت التحليلات إلى أن حزمة الحوافز الجديدة الغربية لإيران لم تقدم شيئاً لأن كل ما هو متوقع تقديمه ضمن حزمة الحوافز السابقة لن تكون سوى محاولة إنعاشية لإعادة إنتاج نفس حزمة الحوافز ولكن ضمن صيغة جديدة يقوم مضمونها على الترهيب والترغيب ويرى البعض بأن إرسال واشنطن لإحدى القطع البحرية إلى الخليج العربي في وقت يتزامن مع صدور حزمة الحوافز الجديدة – القديمة، هو بالأساس عملية هدفت لإضفاء القوة على هذه الحزمة الجديدة.
وبين دبلوماسية الترغيب عن طريق الحوافز والترهيب عن طريق العقوبات المصحوبة بالحشود والتعبئة العسكرية الهائلة يبرز تساؤل: لماذا لم تحشد أمريكا وإسرائيل وحلفائهما القدرات العسكرية لمنع الهند أو باكستان أو كوريا الشمالية من الحصول على القدرات النووية علماً بأن هذه الدول الثلاث موقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية؟ وهل السبب فعلاً يكمن في منع إيران من خرق اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية أم لأنها تدعم الحقوق العربية المشروعة وحزب الله وحركة حماس؟ وبالتالي أصبح مطلوباً من إيران قطع روابطها وإلغاء مواقفها الداعمة للحق العربي ودعم أمريكا في السيطرة على العراق لكي يتم القبول والتعايش مع برنامجها النووي على غرار النموذجين الهندي والباكستاني.
عموماً، لو استطاعت أمريكا وإسرائيل النجاح في عمليات الجمع الاستخباري للمعلومات المتعلقة بإيران بما يؤدى إلى نجاح الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية من إعداد تخمين صحيح واحد عن القدرات الإيرانية وردود الأفعال المتوقعة والتأكد من أن قدرة أمريكا وإسرائيل تستطيع احتواء كل ذلك فإن الضربة العسكرية الأمريكية – الإسرائيلية ضد إيران لن تتأخر ثانية واحدة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد