هل تحتل الولايات المتحدة سوريه ؟
الجمل ـ *بقلم طوني كارتالوتشي ـ ترجمة رنده القاسم:
لا يعلم الرأي العام بأن سياسييهم المنتخبين لا يقومون على إنشاء سياسات تهدف لربط مصيرهم القومي محليا أو ضمن منطقة السياسة الطبيعية، بل عوضا عن ذلك تتولى الأمر مؤسسات الأبحاث (Think tanks ) الممولة من قبل رؤوس الأموال المشتركة ، و هي مجموعات من صناع سياسة غير منتخبين تجاوزوا الانتخابات و يصدرون أوراقا تصبح أساس التشريعات التي يوقع عليها "المشرعون" و كذلك وجهات النظر التي تكررها شركات وسائل الإعلام أو التيار الرئيسي لوسائل الإعلام.
إحدى هذه الأوراق كتبت مؤخرا من قبل مؤسسة الأبحاث سيئة الصيت Brookings Institution تحت عنوان : "تفكيك سوريه: نحو إستراتيجية تقسيم من أجل دولة فيدرالية". هذه المؤامرة العلنية، الموقعة و المؤرخة من أجل تقسيم و تدمير و من ثم احتلال أمة ذات سيادة تبعد آلاف الأميال عن شواطئ أميركا، ما هي إلا مثال على مدى خطورة و استمرار الامبريالية الحديثة حتى في القرن الواحد و العشرين.
و علنا تقر الوثيقة بأن الولايات المتحدة قامت بتزويد المليارات من أجل تسليح و تدريب ميليشيات تغذي الصراع الإقليمي المدمر و المتزايد، و تعترف بأن الولايات المتحدة تملك ( و يجب أن توسع) عمليات في الأردن و في تركيا،العضو في الناتو، بهدف توفير المزيد من الأسلحة و المال و المقاتلين من أجل الصراع الكارثي.
و من ثم تتحدث الوثيقة عن صعود ما يسمى الدولة الإسلامية (داعش) ، و لكنها تحجم عن ذكر مصادر أموالها و أسلحتها. و يجب أن يكون واضحا أمام القراء أنه في حال كانت الولايات المتحدة قد دفعت المليارات نقدا و أسلحة و تدريبا على جبهات متعددة من أجل ما تزعم بأنهم "معتدلون"، و هم واقعيا غير موجودين في أرض المعركة، فان الأمر يتطلب وجود دولة راعية ذات شأن أكبر من أجل خلق و دعم داعش و جبهة النصرة، التابعة للقاعدة، و التي تقر وثيقة Brookings بأنها تسيطر على "المعارضة" بلا منازع.
و في الواقع خطوط إمداد داعش تعود إلى مناطق العمليات الأميركية في تركيا و الأردن، لأن داعش و القاعدة هما من خطط الغرب لاستخدامهما قبل بدء الصراع في 2011، و منذ ذلك الوقت قام ببناء إستراتيجيته عليهما ، و التي تتضمن المرحلة الحديثة من الحملة.
و بعد تسليح و تمويل جيش إرهابيي القاعدة، الذي يمتد على اتساع المنطقة بكل معنى الكلمة، تخطط الولايات المتحدة الآن لاستغلال الفوضى الناجمة من أجل تبرير ما كانت تسعى إليه منذ بداية الصراع، عندما أضحى جليا أن الحكومة السورية لن تستسلم أو تسقط، و هو إنشاء مناطق عازلة تطلق عليها Brookings الآن وصف "مناطق آمنه".
هذه المناطق في حال إنشائها ستضم قوات الولايات المتحدة المسلحة على الأرض، و التي تحتل حرفيا أراض سوريه على يد وكلائها بما فيهم مجموعات كردية و عصابات من مقاتلي القاعدة في الشمال و ميليشيات أجنبية إرهابية تعمل على طول الحدود الأردنية السورية في الجنوب. بل و تعترف Brookings بأن الكثير من هذه المناطق سيخلقها المتطرفون، و لكن لن يطول علاج "الجرح الإيديولوجي" .
و تفترض الولايات المتحدة أنه مع السيطرة على هذه الأراضي و تمركز جنود الولايات المتحدة هناك، لن يجرؤ الجيش العربي السوري على المهاجمة خشية إثارة رد أميركي عسكري مباشر ضد دمشق، و ورد في الوثيقة:
"تقوم الفكرة على مساعدة العناصر المعتدلة من أجل إنشاء مناطق آمنه موثوقة ضمن سوريه عندما يتمكنون من ذلك. و القوات الأميركية و السعودية و التركية و البريطانية و الأردنية و قوات عربية أخرى ستقدم الدعم، ليس فقط جوا و لكن على الأرض عبر وجود قوات خاصة. هذه الخطوة ستستفيد من الصحراء السورية المفتوحة و التي تستطيع السماح بخلق مناطق آمنه يمكن مراقبتها لرصد إشارات محتملة لهجوم العدو عبر اتحاد التقنيات و دوريات الحراسة و الطرق الأخرى التي يمكن أن تقوم قوات خارجية خاصة بمساعدة المقاتلين المحليين السوريين على إنشائها........و إذا فكر الأسد بتحدي هذه المناطق، و حتى لو قام بشكل أو بآخر بفرض انسحاب القوات الخاصة الخارجية، فانه على الأرجح سيخسر قوته الجوية في ضربات انتقامية من قبل القوات الخارجية ستحرم جيشه من إحدى نقاط تفوقه على داعش، و لهذا فمن غير المحتمل قيامه بذلك"...
و في تصريح واحد تقر Brookings أن الحكومة السورية ليست متورطة في حرب ضد شعبها، و لكن ضد داعش. و من الواضح أن المؤسسة و السياسيين و بقية الاستراتيجيين عبر الغرب يستخدمون تهديد داعش إلى جانب التهديد بتدخل عسكري مباشر كوسائل من أجل القيام في النهاية باجتياح سورية و احتلالها بشكل كامل.
الخطة بأكملها قائمة على قدرة أميركا على الحصول أولا على هذه "المناطق" و من ثم دمجها مع مناطق حكم ذاتي. و تظهر الآن محاولات مماثلة من قبل الولايات المتحدة من أجل "بناء أمة" في دولة باهتة خربة كانت يوما دولة ليبيا في شمال إفريقيا، و في العراق جار سوريه الشمال شرقي ، و في أفغانستان و الصومال، و القائمة لا تنتهي.
حماقة هذه الخطة تكمن في محاولة استخدام مصداقية و إرادة عسكرية غير موجودتين من أجل تنفيذها، في حال فكرنا بوجود أغبياء بشكل كاف لوضع ثقتهم في دولة خلفت دمارا عالميا و دولا فاشلة في أعقاب تمددها من جنوب فيتنام إلى ليبيا .... و لهذا فان الخطة لا تعدو كونها نصبا تذكاريا.
هذه الإستراتيجية ستستخدم لتدمير سوريه في نهاية المطاف، و لكنها لن تستطيع الإيفاء بأي من الوعود التي ستقدمها الولايات المتحدة للحصول على اللاعبين اللازمين للنجاح و التعاون.و بشكل شبه مؤكد هناك إجراءات ستتخذها سوريه و حلفاؤها إيران و حزب الله و كذلك روسيا و الصين و دول أخرى لمواجهة تهديد هيمنه الغرب و لضمان أن قوات الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الاستيلاء و السيطرة على أراض سوريه أو النجاح في النهاية في غزو بطيء الحركة. لقد قامت الولايات المتحدة فعليا باستخدام جماعاتها من داعش كذريعة للعمل عسكريا ضمن الأراضي السورية الأمر الذي أدى ، كما كان متوقعا ، إلى هذه المرحلة التالية من الغزو المتزايد.
نمو قوات حفظ السلام غير التابعة للناتو في سوريه سيشوش الخطط الغربية، فوجود قوات إيرانية و لبنانية و يمنية و أفغانيه و قوات أخرى عبر سوريه، و بشكل خاص متاخمة للمناطق التي تحاول الولايات المتحدة خلقها، قد يجعل الولايات المتحدة أمام مواجهة متعددة القوميات لا تملك الإرادة السياسية و لا المصادر لخوضها.
إن قدرة سوريه و حلفاءها على خلق عائق كاف أمام الاعتداء الأميركي على سوريه ، مع قطع الخطوط اللوجستية الأساسية التي تستخدمها الولايات المتحدة لإمداد داعش و المجموعات الإرهابية الأخرى العاملة في سوريه و العراق، هو ما سيحدد في نهاية المطاف بقاء سوريه.
*باحث جيوسياسي و كاتب أميركي مقيم في بانكوك
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد