هل تستخدم دول الخليج كمنصة لضرب إيران؟
تكاد لا تخلو وسيلة إعلام في العالم من التطرق للتوتر القائم بين الولايات المتحدة وإيران، لاسيما التهديدات المتبادلة بين كبار المسؤولين، الأمر الذي تتفاوت فيه التوقعات من ترجمة الكلمات إلى واقع، أم إبقاء الحال على ما هو عليه الآن!!
فعقب زيارة نائب الرئيس الأمريكي، ديك تشيني، لعدد من دول المنطقة في مايو/ أيار 2007، بهدف "تعزيز الجبهة ضد إيران، لمنعها من امتلاك السلاح النووي والهيمنة على المنطقة،" وتهديده إيران من على متن إحدى حاملات الطائرات الأمريكية في مياه الخليج، صدرت تصريحات متزامنة لمسؤولين إيرانيين تلوح بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وأهداف إستراتيجية لدول الخليج العربية، في حال قامت الولايات المتحدة بأي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
تقارير نقلت عن الأدميرال علي شمخاني، وزير الدفاع الإيراني الأسبق وكبير المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى علي خامنئي، تهديداته بضرب المنشآت النفطية لدول الخليج، إذا ما هاجمت الولايات المتحدة بلاده، بحسب ما ذكرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في 10 يونيو/حزيران الماضي.
ورغم أن شمخاني أنكر ذلك التصريح في لقاء مع قناة "العربية" الفضائية في اليوم التالي، فإن كثيراً من المحللين والمراقبين لا ينفون احتمال لجوء إيران إلى هذا الخيار.
وثمة تصريحات أخرى لمسؤولين إيرانيين تسند هذا التوجه. فرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، غلام حداد عادل، كان قد أشار خلال زيارة لدولة الكويت، إلى أنه "في حال استخدام أمريكا قواعد دول المنطقة لضرب إيران، من الطبيعي أن نقوم بالدفاع عن أنفسنا والرد على مصدر الهجوم." (كما أوردت صحيفة "القبس" الكويتية، 11/6/2007).
وفي المقابل، حرص كثير من القادة والمسؤولين الخليجيين على تأكيد موقف بلادهم المعارض للحل العسكري لأزمة الملف النووي الإيراني، والرافض لاستخدام أراضيها للقيام بأي عمل عسكري ضد إيران.
فالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح، صرح في الحادي عشر من يونيو/حزيران، رداً على سؤال للصحفيين عما إذا كانت الولايات المتحدة طلبت من الكويت استخدام أراضيها لضرب إيران، قائلاً إن "أمريكا لم تطلب مثل هذا الطلب... وحتى لو طلبت فإننا لن نسمح به أبداً." (نقلاً عن صحيفة "السياسة" الكويتية، 12/6/2007).
كما أن وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبدالعزيز، صرح في السابع عشر من الشهر نفسه أن "دول الخليج العربية لن تكون منصة لأي هجوم عسكري على إيران." (وفقاً لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، 18/6/2007).
وقبل ذلك، كان الشيخ خليفة بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، قد أوضح في حديث مع صحيفة "الحياة" اللندنية في 26 إبريل/نيسان، أن بلاده "ليست طرفاً في النزاع بين إيران والولايات المتحدة، و(أننا) لن نسمح باستخدام أراضينا لأي أعمال عسكرية أو أمنية أو تجسسية ضدها (إيران)."
فهل حقاً لن تدعم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أي ضربة عسكرية ضد إيران، وأنها لن تسمح للولايات المتحدة استخدام القواعد العسكرية، والتسهيلات الممنوحة لها على أراضيها وفي أجوائها، من أجل توجيه مثل هذه الضربة؟!
قبل الإجابة عن هذا السؤال، واستشراف السيناريو الأمريكي في حال اللجوء إلى الخيار العسكري، ينبغي التعرف على طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج العربية الست.
يعود التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية إلى القرن الماضي، والمملكة العربية السعودية هي التي دشنت الروابط الدفاعية المشتركة.
ففي العام 1945 أبرمت السعودية اتفاقية تسمح للولايات المتحدة ببناء قاعدة جوية في الظهران، واستخدامها وتشغيلها، واستهلت بذلك عصراً بارزاً من التعاون العسكري الأمريكي- السعودي.
ولحقت البحرين بالسعودية في هذا الشأن، فوقعت - بعد الانسحاب البريطاني منها في العام 1971 - اتفاقية مع الولايات المتحدة تقوم بموجبها بتوفير تسهيلات للبحرية الأمريكية.
وفي العام 1991 وقع البلدان اتفاقية أشمل للتعاون الدفاعي لمدة عشر سنوات، تنص على تقديم تسهيلات للقوات الأمريكية، ومنحها الحق في التموضع المسبق لمعداتها وعتادها، فضلاً عن إجراء تدريبات ومناورات مشتركة بين قوات البلدين.
وتعد البحرين مقراً للأسطول البحري الخامس الأمريكي، الذي تشمل منطقة عملياته منطقة الخليج وخليج عُمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي.
أما سلطنة عُمان فقدمت للقوات الأمريكية تسهيلات عسكرية، باستخدام المرافئ والمطارات العُمانية، حسب الاتفاقية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة عام 1980.
كما أن الاتفاقية أتاحت إقامة منشآت في جزيرة مصيرة والثمريات والسيب لاستخدام سلاح الجو الأمريكي، فضلاً عن منشآت أخرى لقوات البحرية الأمريكية.
وعقدت الكويت اتفاقاً مع الولايات المتحدة في العام 1987 تقوم بموجبه الثانية بحماية إحدى عشرة ناقلة نفط كويتية تعرضت للتهديد من طرف قوات البحرية الإيرانية إبان ما سمي بـ"حرب الناقلات"، خلال الحرب العراقية - الإيرانية، في الفترة 1986-1988.
وفي العام 1991 وقع البلدان اتفاقية للتعاون الدفاعي، تقدم الكويت بمقتضاها تسهيلات واسعة للقوات الأمريكية، كما توفر لها قواعد تمركز جوية وبرية، ومستودعات تخزين للمعدات والعتاد، فضلاً عن استضافة الآلاف من القوات (الأمريكية) بغرض حماية الأراضي الكويتية من أي تهديدات عراقية.
وأبرمت قطر اتفاقية في العام 1992 وفرت تسهيلات للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، وتخزين المعدات والعتاد للجيش والقوات الجوية على أراضيها. وفي نهاية العام 1996 بدأت الولايات المتحدة تشييد "معسكر السيلية"، وفي 2001 منحت قطر للولايات المتحدة حق استغلال "قاعدة العديد الجوية"، التي تعد من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، إذ يذكر "تقرير مجلة جينز الدفاعي" لعام 2006 أن تكلفة بناء هذه القاعدة بلغت نحو 1.4 مليار دولار.
ووقعت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً اتفاقية للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة عام 1994، تسمح لها استخدام منشآتها الجوية، وكذلك موانيها لرسو القطع البحرية الأمريكية، وتزويدها بالخدمات اللوجستية.
وواقع الأمر أن الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست، كانت تتركز في توفير التسهيلات العسكرية المحدودة والمؤقتة، إلا أن الغزو العراقي للكويت، واندلاع حرب الخليج الأولى 1990-1991 شكل تحولاً نوعياً في هذه الروابط، فتخلى الطرفان عن مفهوم الوجود العسكري "المستتر"، وتم نشر القوات الأمريكية على أراضي دول الخليج على نطاق واسع، وإقامة قواعد عسكرية وتجهيزات شبه دائمة.
وحدث تحول آخر في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، إذ غدا ذلك الوجود أكثر عدداً وأوسع انتشاراً.
ولما شرعت الولايات المتحدة في الحرب ضد نظام طالبان في أفغانستان عام 2001، ضمن ما يسمى بـ "عملية الحرية الدائمة"، قدمت كل دول الخليج التسهيلات اللازمة للعمليات الأمريكية، وخصوصاً سلطنة عُُمان وقطر والبحرين. كما كان مركز العمليات الجوية المشتركة في "قاعدة الأمير سلطان الجوية" بالسعودية هو الذي يقوم بتنسيق الحرب الجوية في سماء أفغانستان.
وفي سياق الاستعدادات الأمريكية لشن الحرب على العراق عام 2003، ضمن عملية "حرية العراق"، لعبت الكويت دوراً رئيسياً في خطة الحرب، إذ تمركز فيها نحو 150 ألفاً من جنود التحالف، وانطلقت منها هذه القوات في الهجوم على العراق.
وحالياً، تعد الكويت المحطة الرئيسية لتناوب القوات الأمريكية في العراق، كما أنها (إلى جانب قطر) تعد أهم مستودع للمعدات والأسلحة الأمريكية في المنطقة.
ونظراً إلى أن البحرين مقر الأسطول البحري الخامس، فقد كانت مركز العمليات البحرية الرئيسية، بينما كانت قطر مقراً للقيادة الوسطى الأمريكية، التي تولت القيادة المباشرة للحرب ضد العراق، في حين كانت طائرات القصف الأمريكية "بي" و"بي 1" تنطلق من القواعد الجوية العُمانية.
أما الإمارات العربية المتحدة فقد سمحت لطائرات الاستطلاع الأمريكية من طراز "يو 2"، وطائرات تزويد الوقود من طراز "كي سي 10" بالعمل انطلاقاً من "قاعدة الظفرة الجوية".
ومع أن المملكة العربية السعودية رفضت استخدام أراضيها أو أجوائها لضرب العراق، إلا أن مركز العمليات الجوية المشتركة في "قاعدة الأمير سلطان الجوية" هو الذي كان ينسق الحرب الجوية ضد العراق، كما كان الحال في الحرب على أفغانستان.
لا تخلو دولة خليجية من القوات الأمريكية، إذ تضم دول الخليج الست مجتمعة نحو 40 ألف عسكري أمريكي.
فحسب تقرير "التوازن العسكري 2005-2006"، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية IISS، يوجد في الكويت نحو 25 ألف عسكري أمريكي من فروع الأسلحة الأربعة (الجيش والقوات البحرية وسلاح الجو ومشاة البحرية "مارينز")، وإن كان تقرير مجلة "جينز" الدفاعي" لعام 2006، يشير إلى أن عدد الجنود الأمريكيين يقارب 18 ألفاً.
وهؤلاء يتوزعون على "قاعدة علي السالم الجوية"، التي تتمركز فيها قوة جوية رئيسية، و"قاعدة عبدالله المبارك الجوية" قرب مطار الكويت الدولي، و"معسكر عرفجان" (الجنوب) الذي تتمركز فيه قوة برية رئيسية، ويضم قيادة قوات التحالف البرية التي انتقلت إليه من معسكر الدوحة، وجزيرة فيلكا، وميناء الأحمدي.
أما في البحرين فيتمركز نحو 3000 عسكري أمريكي ما بين قوات بحرية ومشاة بحرية وجيش، في "قاعدة الجفير العسكرية" القريبة من المنامة، والتي تضم مركز قيادة الأسطول الخامس، وميناء سلمان، و"قاعدة الشيخ عيسى الجوية"، ومطار المحرق. علماً أن الأسطول الخامس يضم بالوضع العادي نحو 15 قطعة بحرية، تشمل حاملة طائرات.
وفي دولة قطر يبلغ عدد العسكريين الأمريكيين نحو 6540 عسكري، ما بين جيش وقوات بحرية وجوية ومشاة بحرية، يتوزعون على "قاعدة العديد الجوية"، التي تضم مركز العمليات الجوية المشتركة، و"معسكر السيلية" الذي يعد مقر القيادة الوسطى الأمريكية.
ولاشك في أن انتقال القوات الأمريكية من السعودية إلى قطر، عقب الحرب على العراق، قد عزز أهمية الدوحة في الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، كما يقول "تقرير جينز الدفاعي."
وفي المملكة العربية السعودية يوجد حالياً ما بين 300 و500 عسكري أمريكي فقط، يقومون بمهام التدريب. وكان عدد القوات الأمريكية المنتشرة في السعودية حتى انتهاء العمليات الرئيسية للحرب على العراق نحو 8500 عسكري.
أما في الإمارات العربية المتحدة، فيصل عدد الأفراد الأمريكيين إلى 1300 تابعين للقوات الجوية، ويتمركز هؤلاء الجنود وعدد من طائرات الاستطلاع الأمريكية في "قاعدة الظفرة الجوية" بأبوظبي. فضلاً عن استخدام القطع البحرية الأمريكية لميناء الفجيرة، وميناء جبل علي بدبي، الذي يعد أكثر الموانئ خارج الولايات المتحدة زيارة من طرف السفن الأمريكية، للتزود بالوقود والمؤن، واستجمام الجنود، وغيرها.
بينما يصل العدد في سلطنة عُمان إلى أكثر من 270 جندياً ما بين قوات بحرية وجوية، وهؤلاء يتمركزون بشكل دائم في "قاعدة الثمريات الجوية"، و"قاعدة مصيرة الجوية"، ومطار السيب الدولي، بهدف تنسيق النشاطات وصيانة التسهيلات. وقد يرتفع في الأزمات عدد هذه القوات، إذ تعد عُمان إحدى أهم المحطات لاستقبال القوات والمعدات الأمريكية.
أشرنا إلى أن هناك سابقة تاريخية في مشاركة دول الخليج في عمليات عسكرية تم شنها ضد إحدى الدول الجارة لها. فمنذ العام 1991 شاركت كل دول الخليج، بصورة متفاوتة، في العمليات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد العراق.
إلا أن هذا الأمر يختلف في حالة إيران، لعدة أسباب:
- الأول، أن كل دول الخليج أعلنت صراحة عن موقفها الرافض لخيار الحسم العسكري للملف النووي الإيراني، وما فتئت تشدد على تفضيلها التسوية السياسية للأزمة.
- والسبب الثاني، أن دول الخليج أعلنت صراحة أيضاً أنها لن تكون منطلقاً لأي عملية عسكرية تستهدف إيران.
ويمكن إحالة الموقف الموحد لدول الخليج إزاء هذه المسألة، إلى أنها تخشى من أن يؤدي أي هجوم عسكري على إيران إلى تعرضها لهجمات انتقامية إيرانية، بحسب ما يراه بعض المراقبين.
فدول الخليج تخشى أولا من أن يقوم الإيرانيون بضرب المنشآت النفطية والحيوية، مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه المنتشرة على الساحل العربي من الخليج. كما أنها تخشى من أن تحرك إيران "عملائها" في داخل الدول الخليجية، بهدف نشر الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار، أو على الأقل أن تثير أي مشاركة لدول الخليج في ضرب إيران التجمعات الشيعية فيها.
ومما يؤكد هذه المخاوف ما نقلته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، في التقرير الذي نشرته في 10 يونيو/حزيران الماضي، عن مسؤول إيراني قوله إن الصواريخ البالستية التي ستطلقها إيران على أهداف استراتيجية في منطقة الخليج في الساعة الأولى من الهجوم الأمريكي "ستترافق مع دعم لجماعات موالية لإيران."
والراجح أن هذه الجماعات ستتحرك في أعمالها العدائية والتخريبية داخل دول الخليج، وهو ما يؤيد ما كان صرح به القنصل الإيراني الأسبق في دبي، عادل السعدانية، لصحيفة "ديلي تلغراف" الإنجليزية في الرابع من مارس/آذار، من أن إيران جندت "خلايا نائمة" في دول الخليج لشن هجمات ضد المصالح الغربية، ونشر الفوضى في حال تعرضت لضربة عسكرية.
وأكد المنشق الإيراني أيضاً أن المخابرات الإيرانية تعمل على تجنيد الشيعة في هذه الدول.
يستبعد المحللون والخبراء قيام الولايات المتحدة بغزو بري لإيران، ويرجحون أن تعتمد بشكل رئيسي على القصف الجوي المكثف (بواسطة الطائرات وصواريخ "توما هوك") للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
ونظراً لوجود قواعد عسكرية أمريكية رئيسية في دول الخليج، فضلاً عن تسهيلات الدعم والإسناد بمختلف أنواعها في هذه الدول، يرى مراقبون أن الأنسب انطلاق أي ضربة جوية باتجاه إيران من هذه الدول.
وهذا ما يضع دول الخليج في حرج شديد، لأن كل دولة ملتزمة باتفاقية دفاعية ثنائية مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه ترتبط مع إيران بعلاقات حسن جوار.
ولكن كيف يمكن لدول الخليج العربي أن توفق بين هذين المتطلبين المتناقضين؟
رغم تصريحات المسؤولين الخليجيين، من أنها لن تسمح للطائرات والصواريخ الأمريكية بالانطلاق من أراضيها، إلا أن لا غنى للولايات المتحدة عن استخدام المعدات المتقدمة والتسهيلات المختلفة القائمة في منطقة الخليج، لتنفيذ مثل هذه العملية، إن تطلب الأمر.
ومن ثم، فقد ترفض دول الخليج السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها وأجوائها منطلقاً لأي أعمال "عدائية" ضد إيران، ولكنها في الوقت نفسه قد تتيح لهذه القوات استخدام التسهيلات المختلفة في تنفيذ مثل هذه الأعمال.
ويذكر أن هذا التصرف كانت له أمثلة سابقة عدة.. فالبحرين لم تسمح للطائرات الأمريكية بالانطلاق من الأراضي البحرينية لضرب العراق في أثناء عملية "ثعلب الصحراء" عام 1998، وإن كانت لم تمانع من استخدام الولايات المتحدة التسهيلات الأخرى في هذه العملية.
وكذلك السعودية، التي لم تأذن للطائرات الأمريكية المرابطة في "قاعدة الأمير سلطان الجوية" بالمشاركة في ضرب العراق عام 2003، لكنها لم تعارض قيام مركز العمليات الجوية المشتركة في القاعدة، بتنسيق الحرب الجوية.
والأمر نفسه ينطبق على الإمارات العربية المتحدة، التي رفضت استخدام قواعدها أو أجوائها لتوجيه ضربات لأفغانستان خلال الحرب عام 2001، لكنها لم تمانع من أن تستخدم الولايات المتحدة طائرات الاستطلاع والتزود بالوقود المرابطة في "قاعدة الطفرة" في تنفيذ العمليات.
ولكن يبقى السؤال المطروح هو: إذا ما رفضت دول الخليج استخدام أراضيها منطلقاً لأي أعمال عدائية ضد إيران، وسمحت للقوات الأمريكية باستخدام التسهيلات المساندة واللوجستية، فهل سينظر الإيرانيون إلى هذا الفعل على أنه مشاركة في استهدافه، ومن ثم يكون لهذه الدول نصيب من ردود "الثأر" الإيرانية؟
وفي هذا السياق، كان لافتاً قيام الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، بالبدء في نشر فوج من الدفاع الجوي، مجهز بمنظومة "باتريوت" المضادة للصواريخ، في مختلف أنحاء الخليج "لطمأنة أصدقائنا وحلفائنا"، على حد قول الرئيس جورج بوش.
ولرفع الحرج عن "حلفائها" في منطقة الخليج، قد تستند الولايات المتحدة في توجيه الضربات الجوية إلى الأسطول الخامس، المنتشر في مياه الخليج وبحر العرب، فضلاً عن "قاعدة دييغو غارسيا" الإستراتيجية في المحيط الهندي، ولاسيما أنها تحتوي على القدرات العسكرية اللازمة لتوجيه الضربات الجوية.
ومن هنا قامت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة بتعزيز مجموعاتها الحربية في مياه الخليج، فأرسلت في مايو/أيار الماضي حاملة الطائرات "يو إس إس نيميتز" ومجموعتها القتالية، لتنضم إلى نظيرتها "يو إس إس جون سي ستينيس"، وتضم حاملتا الطائرات معاً أكثر من 20 قطعة بحرية، ونحو 140 طائرة.
كما أعلن متحدث باسم الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين في العاشر من يوليو/تموز، بأن حاملة الطائرات النووية "يو إس إس إنتربرايز" تحركت من قاعدتها في نورفلك، بولاية فرجينيا، في طريقها إلى منطقة الخليج، وأن مجموعتها المقاتلة ستنضم إلى القيادة المركزية الوسطى، من دون أن يشير إلى ما إذا كانت ستتولى مهام أي من حاملتي الطائرات "ستينيس" و"نيميتز".
ويأتي نشر الولايات المتحدة الحاملة الثالثة في منطقة الخليج بهدف تعزيز قدرة البحرية الأمريكية على "مواجهة التصرفات المثيرة للاضطراب والفوضى التي تقوم بها بعض الدول (أي إيران)،" وفق البيان الصادر عن قائد الأسطول الخامس، الأميرال كيفن كوسغريف في اليوم نفسه.
ويعد إرسال الحاملة الثالثة إلى مياه الخليج عملية الانتشار الأكبر في الأسطول الخامس منذ غزو العراق عام 2003.
ومن جهة أخرى، قد تستعين القوات الأمريكية بالقواعد العسكرية في كل من أوروبا وفي أراضيها، وربما تستخدم الأراضي العراقية التي ينتشر فيها نحو 160 ألف جندي أمريكي، إضافة إلى الأراضي الأفغانية التي ينتشر فيها نحو 25 ألف جندي.
مراقبون شددوا على ضرورة أن عدم إغفال دور إسرائيل في مثل هذه العملية، إذ تشير التحليلات إلى أن الضربة قد تكون أمريكية- إسرائيلية مشتركة، ولاسيما أن سلاحي الجو الإسرائيلي والأمريكي باشرا في العاشر من يونيو/حزيران الماضي مناورات ضخمة جنوب إسرائيل، تحسباً لاحتمال شن عملية عسكرية مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية، كما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي (نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"، 11/6/2007).
وعلى أي حال، فإن المحللين والمراقبين مازالوا يستبعدون أن تلجأ الولايات المتحدة إلى خيار الحسم العسكري لأزمة الملف النووي الإيراني، في الوقت الحالي، حتى استنفاد خيار التسوية السياسية الذي قد تدفع إليه العقوبات الدولية، ولاسيما أن تقارير الخبراء الدوليين (مثل تقرير الباحثين ديفيد أولبرايت وكوري هندرشتاين، المنشور في نهاية مارس/آذار 2006) تميل إلى أن إيران لن تمتلك - مهما كانت الطرق التي ستسلكها - قنبلة نووية قبل العام 2009.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد