واشنطن تحمل تركيا المسؤولية عن توسع القاعدة
الجمل- دمتري مينين- ترجمة: د. مالك سلمان:
لم يَعد من الممكن إخفاء الحقيقة الساطعة. فقد قام الغرب, في محاولاته لإزاحة بشار الأسد من السلطة خلال سنوات الحرب في سوريا, بتغذية قوة شيطانية وصلت مجساتها الأخطبوطية الآن إلى العواصم الغربية نفسها. فالقاعدة الآن في ذروة نفوذها في الشرق الأوسط. ففي الصومال, أعلنت المجموعة المسماة "الشباب" عن انصهارها الكامل في هذه المنظمة. وفي ليبيا, قام أعضاؤها باعتقال رئيس الوزراء بطريقة فظة, ثم أطلقوا سراحه. وفي اليمن تهيمن القاعدة, بشكل أساسي, على محافظات بأكملها. وفي سوريا نفسها, لم تبق أية قوى أخرى هامة تقاتل النظام. ففي أية لحظة يجب أن يبرز السؤال حول كيفية حصول هذا كله. وهذا هو الوقت المثالي لإلقاء اللوم على أحد ما. وهذا بالتحديد ما أخذت واشنطن تفعله الآن.
في هذا السياق تجدر الإشارة إلى مقالة نشرت مؤخراً في "وول ستريت جيرنل" تتهم تركيا – التي وضعَ "الأمريكيون السُذج" ثقتهم فيها – وخاصة رئيس وكالة الاستخبارات التركية هاكان فيدان, الذي تصفه بأنه القوة الرئيسة الفعلية وراء تنظيم التمرد ضد النظام السوري, على أنها المسؤولة الرئيسة عن تنامي القاعدة وتوسعها.
لم يتجاوز فيدان سنته الخامسة والأربعين, وهو ليس مولعاً بالشهرة والظهور. أصبح رئيساً للاستخبارات الوطنية في سنة 2010, وقد حوَلها منذ ذلك الوقت إلى أداة مطيعة لسياسة إيردوغان, وقد صار هو نفسُه المنفذ الرئيس لقرارات إيردوغان. في سنة 2012 أصبح مسؤولاً عن الاستخبارات العسكرية أيضاً؛ حيث تم إرسال معظم قادتها إلى السجن بذريعة التآمر ضد الحكومة. يسمونه "الرجل رقم 2 في تركيا", حتى أنهم ينظرون إليه على أنه أكثر أهمية من الرئيس غول. ويصف السفير الأمريكي السابق إلى تركيا, جيمز جيفري, هاكان فيدان بأنه "وجه الشرق الأوسط الجديد". وفي واشنطن, حيث اعتادوا منذ زمن بعيد على الهيمنة على المسؤولين الأمنيين الأتراك, يحترمون فيدان لقدراته الكبيرة لكنهم ينظرون إليه بعين الريبة. وبشكل خاص, يتهمونه بتمرير بعض المعلومات الاستخبارية الحساسة التي تلقتها تركيا من الأمريكيين إلى إيران بهدف تبادل المعلومات. وفي إسرائيل يعتقدون أن فيدان "تصالحي جداً" تجاه إيران ويجب عدم الوثوق فيه. كما أن إزاحة بعض الجنرالات الموالين للغرب لم تقربه من الغربيين أيضاً. وتوضح المقالة أن واشنطن تعتبر فيدان الرجلَ الذي يرسم السياسة الأمنية الوطنية التركية, وهي ليست مسرورة بأنها "متناقضة أحياناً مع [مصالح] الولايات المتحدة." من الواضح أن النقدَ الأمريكي لتركيا في الوقت الراهن ينطوي على هدفين: تبرئة البيت الأبيض من المسؤولية, وفي الوقت نفسه الإساءة إلى فيدان.
يقول الأمريكيون إن وكالة الاستخبارات التركية بقيادة فيدان تصرفت مثل "شرطي المرور" الذي سمح بمرور الأسلحة والتعزيزات عبر نقاط التفتيش الحدودية إلى المتمردين السوريين. لكن المعارضة المعتدلة زعمت أن الشحنات الرئيسة لم تذهب إليها, بل إلى الإسلامويين. وقد قيلَ إنه في شهر أيار/مايو أثناء زيارة إيردوغان لواشنطن, وفي اجتماع حضره فيدان, انتقدَ باراك أوباما الأتراك لإرسالهم الأسلحة "إلى المتمردين الخطأ, بما في ذلك الجهاديين المناوئين للغرب".
يعتقد المحللون الأتراك أن مقالة "وول ستريت جيرنل" لا تستهدف هاكان فيدان فقط بل إيردوغان نفسه بشكل غير مباشر؛ إذ يتم تقديم الاثنين بصفتهما المسؤولين عن تنامي القاعدة. لكن الأمريكيين أنفسهم, وحتى فترة قصيرة, كانوا يتغاضون عن أنشطة القاعدة في سوريا, حيث كانوا يقللون من أهمية تواجدها بشكل متعمد. ينطوي موقف واشنطن على الكثير من النفاق لأنها مستمرة في تقديم السلاح إلى مجموعات أعلنت مؤخراً عن اندماجها مع "جبهة النصرة" في "ائتلاف إسلامي" متوحد. وفي حقيقة الأمر كانت الاستخبارات الأمريكية تعرف طيلة الوقت عن الاتصالات بين الأتراك والقاعدة بصفتها قوة فعلية تحارب ضد بشار الأسد.
بعد أن زرعت القيادة التركية الريح, عليها الآن أن تحصدَ الإعصار, ولكن ليس لوحدها, ولكن مع الأمريكيين. ويقوم الإعلام التركي المعارض بالتركيز على هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال, يقولون إن إقامة إمارة إسلامية من قبل المجموعة المرتبطة بالقاعدة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش") على الحدود التركية هي نتيجة مباشرة لسياسة أنقرة. "إذا قمت بجعل تقديم الدعم إلى ‘قوة إسلاموية مسلحة’ نوعاً من المبدأ الخفي والهدف من سياستك السورية, بهدف الحؤول دون إمكانية نشوء ‘منطقة كردية مستقلة’, فإنك تقوم بلا شك بإرساء أساسات الجيرة مع القاعدة".
وكما يقول الخبير في الشؤون العامة جنكيز كاندار, لم يعد أحد يصدق إنكار الحكومة بأنها تقدم المساعدة للمجموعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا على أراضيها نفسها. فمن المعروف, مثلاً, أن جبهة النصرة – التي أعلنت ارتباطها بالقاعدة فيما بعد – قد تم تأسيسها بدعم من الاستخبارات التركية. حتى أن أنقرة وصفت قرارَ وزارة الخارجية الأمريكية بتصنيفها كمنظمة إرهابية في شهر كانون الأول/ديسمبر 2012 بأنه غير مبرَر و "غير ناضج". ولذلك فإن جميع محاولات إيردوغان الحالية لإنكار علاقته بجبهة النصرة لا معنى لها. كما أن أكثر من نصف أعضاء المجموعة القاعدية الأكثر تطرفاً الآن, "داعش", قد جاؤوا من بلدان أخرى. وهذا غير ممكن دون المساعدة التركية. وقد أظهر تقرير حديث أصدرته "هيومن رايتس ووتش" ("مرصد حقوق الإنسان") أن المساعدات التركية تقف وراء كافة المنظمات الإسلاموية المتطرفة في سوريا. وتبعاُ لجنكيز كاندار, يمكن تفسير موقف كهذا من خلال الرغبة بإضعاف الأكراد السوريين, ولكن نتيجة لذلك تقوم الحكومة التركية بتحويلهم إلى أعداء. إذ يكفي القول إن مقاتلي القاعدة قد قتلوا منذ عدة أيام شيرفان مسلم, ابنَ الزعيم الكردي السوري صالح مسلم, بمحاذاة الحدود التركية. كما أن الأخير اتهمَ أنقرة بتقديم المساعدات العسكرية لجبهة النصرة في حربها ضد الأكراد, بما في ذلك استهداف مواقعهم.
أثبتت الوقائع منذ وقت طويل أن تصريحات أنقرة بأنها تدعم المعارضة المعتدلة في سوريا, أو الإخوان الإسلامويين بشكل رئيس, لا أساس لها من الصحة. إذ يعتقد أوميت أوزدات, رئيس "مؤسسة القرن 21 التركية", أن هذه المجموعات لا تتمتع بقاعدة قوية في سوريا. فالمجموعات المرتبطة بالقاعدة هي التي تشن الحرب, "ولا يمكننا أن نتوقع أنها ستتعاون مع المعارضة السورية المدعومة من الغرب أو تخضع لإرادتها." كما يتهم قادة البلاد بجر البلاد إلى "المستنقع السوري".
يكتب الخبير بالشرق الأوسط المعروف روبرت فيسك في مقالة في "الإندبندنت" أن تركيا تحولت إلى معبر للسلاح ومركز للراحة والاستجمام للجهاديين السوريين, كما هي باكستان بالنسبة إلى طالبان والقاعدة في أفغانستان. فهل ينتظر تركيا مصير صعب كمصير باكستان في هذه الحالة؟
لم تفشل السياسة التي اتبعتها أنقرة في السنوات الأخيرة تجاه سوريا بشكل كامل فقط, بل أصبحت تشكل خطراً على تركيا نفسها. فعلى سبيل المثال, قامت المجموعة المرتبطة بالقاعدة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التي تعمل في سوريا بتهديد رئيس الوزراء التركي رجب تايب إيردوغان بسلسلة من الهجمات الإرهابية في اسطنبول وأنقرة إن لم تفتح الحكومة التركية نقاط التفتيش الحدودية على الحدود التركية- السورية التي تم إغلاقها بعد سيطرة الإسلامويين على مدينة إعزاز الحدودية. إذ سيطر المتمردون على المدينة بعد طرد فرقة تابعة ﻠ "الجيش السوري الحر" منها. ولا تزال المعارك الشرسة دائرة على مشارف المدينة حتى اليوم. إن نقطة تفتيش إعزاز هي أكبر نقاط نقل المساعدات المادية والتقنية إلى المتمردين. ومن اللحظة التي سيطر فيها المتطرفون على إعزاز, أصبح تزويد "الجيش السوري الحر" بالأسلحة والمساعدات الإنسانية أكثر صعوبة وتعقيداً.
لا تتمتع تركيا بالحصانة ضد انتشار التطرف. فتبعاً لبعض التقديرات, هناك سلفاً أكثر من 500 شاب تركي يقاتلون في تركيا. كما أن خلايا القاعدة على الأراضي التركية تقوم بتجنيد الأعضاء الشبان. فبالنسبة إليها, أنقرة مجرد حليف مؤقت؛ حيث إن نظام إيردوغان "معتدل جداً" بالنسبة إليها بحيث لا يمكنها الاعتراف بشرعيته. وفي النهاية سوف يأتي دوره. إن الأسلحة الكيماوية التي لجأت إليها المعارضة السورية ظهرت سلفاً في عدة مناسبات في تركيا. ولا يمكن استبعاد احتمال استخدام هذه الأسلحة الكيماوية ضد السلطات التركية نفسها في حالة قيام هذه السلطات بوضع حد لأنشطة خلايا القاعدة هذه.
إن الخط الذي تتبعه الحكومة التركية في سوريا سوف يؤدي في النهاية إلى ارتداد موجة الفوضى التي زرعتها هناك لتجتاح تركيا أيضاً. ولذلك لا يمكن وصف استراتيجية هاكان فيدال على أنها ناجحة.
ويمكن لهذا أن يكون درساً هاماً حول علاقات تركيا مع شركائها الاستراتيجيين في الناتو. فعندما تلعب لعبة شخص آخر, من السهل أن تتلقى اللومَ على كافة أخطاء المحرك الأساسي للعبة, الولايات المتحدة, التي اكتسبت خبرة كبيرة في التخلص من الأوراق غير المرغوبة في الوقت الذي تراه مناسباً.
http://www.strategic-culture.org/news/2013/10/19/washington-casts-blame-expansion-al-qaeda-on-turkey.html
تُرجم عن ("ستراتيجيك كلتشر فاونديشن", 19 تشرين أول/أكتوبر 2013)
الجمل
التعليقات
حرب عبثية للجميع والكل خاسر.
إضافة تعليق جديد