ولادة جديدة للمحافظين الجدد

29-07-2006

ولادة جديدة للمحافظين الجدد

الهوس الأميركي الذي جعل حرب العراق كارثة، عاد لينبثق من لبنان.
ها هي النشوة تطفو من جديد على سطح إدارة بوش. وها هو الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان يحرر معزوفة اليوتوبيا للمحافظين الجدد التي انتهكت بالحرب الطائفية الأهلية في العراق.
وها هي وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس تسوّق لنفسها على أنها رئيسة المشجّعين عندما قالت ما نشهده هنا (في المنطقة) هو ولادة شرق أوسط جديد. عبارة تكررها في كل لقاء صحافي كما لو أن هذا الشرق الأوسط الجديد هو تعويذة سحرية.
وقد أرادت (رايس) أن تظهر خلال نزهتها إلى المنطقة بمظهر الدبلوماسية. وقد شرح لي العديد من كبار المسؤولين أن رايس مفتونة ب نظرية الدومينو الجديدة التي تتمحور حول التكتيك التالي: تدمّر الهجمات الإسرائيلية حزب الله، ويلقي اللبنانيون باللوم على حزب الله ويقضون على نفوذه، ثم يمتدّ الارتداد إلى حركة حماس التي ستنهار.
وهذه النظرية، من وجهة نظر الإدارة الأميركية، هي حرب بالوكالة على إيران (وسوريا) التي ستساعد حتماً في الانعطاف حول العراق. وقد عبّرت رايس عن ذلك بالقول نحن سوف ننتصر.
وقد درجت الإدارة الأميركية على دمج الأخطار التي تتربّص بها: القاعدة وصدام حسين، كوريا الشمالية وإيران في محور الشر، والآن تحاول ضمناً الربط بين حزب الله الشيعي والمقاتلين العراقيين السنة. وبتقديمها للضمير المنفصل نحن قبل عبارة سوف ننتصر، تؤكّد رايس مرة جديدة على دمج قراءتين أو بعدين من أجل المصلحة الوطنية.
وبناء على عقيدة رايس، فإن الولايات المتحدة تخلّت عن دورها التاريخي المطلق في ضمان أمن إسرائيل عندما تصرّفت كوسيط نزيه بين جميع الأطراف المتنازعة. فعوضاً عن التأكيد على أهمية سيادة لبنان، وهي مسألة يفترض أن تكون مصدر اهتمام لإدارة جعلتها العرض الاول في نشر الديموقراطية في شرق اوسط جديد، فإن رايس تجاهلت ذلك لمصلحة التأييد المتناهي للهجوم الإسرائيلي.
وكانت رحلة رايس إلى المنطقة محسوبة وتهدف إلى ترسيخ التأثير الأميركي، ومنع وقف إطلاق النار، ومنح إسرائيل أسبوعاً إضافياً على الأقل لمواصلة عملها العسكري في لبنان.
بالنسبة لإدارة بوش، إن اشتعال المنطقة كان بمثابة الإله الخارق الذي سينقذها من المستنقع العراقي. ويبدو جلياً ومنافياً للعقل، أن يبقى بوش مستعبداً لفكرة جعلته يتخيّل أن اجتياح العراق سيكون مرحّباً به وسيستقبل بنثر الزهور في شوارع بغداد. ويبدو أن الإنكار لا يزال أساس التكرار.
في وقت سابق من هذا الأسبوع نشرت مطبوعة فياسكو مقالاً للمراسل العسكري لصحيفة واشنطن بوست توماس ريكس، مقالاً يقلب كافة الحقائق المحرّفة. ويقول ريكس لقد استند الغزو الأميركي على العراق على أسوأ خطة حربية في تاريخ أميركا، مشبّهاً سياسة البنتاغون ب الثقب الأسود. ويتابع ريكس لقد تمّ صرف النظر عن الحقائق المضللة التي ربطت بين أحداث 11 أيلول والعراق. فمع غياب خطة ما بعد الحرب في العراق، ولّدت الأخطاء المتلاحقة حركات التمرد.
في واحدة من أكثر المفارقات إثارةً للسخرية، أنشأ البيت الأبيض مكتب الدروس المستفادة، ولم تشمل مهام هذا المكتب دراسة الأسباب التي جعلت الوضع في العراق كارثةً حقيقية. لا بل ذهب التفكير المهووس بعيداً، تحت الأرض لينبت من جديد عبر صدع ما في الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط.
فما من دروس مستفادة من الوضع المتفجّر في العراق، ولا من تعاطف العراق مع حزب الله وإدانته لإسرائيل. وما من دروس تعلّمتها (الولايات المتحدة) من عدم رغبتها في التعامل مع السلطة الفلسطينية، الأمر الذي جعل صعود حركة حماس حتمياً، وكذلك الأمر مع عدم التعامل المباشر مع سوريا وإيران، لا بل العكس تماماً لا تزال إدارة بوش تمتنع عن الأخذ بهذه الدروس.
في الواقع إن رايس ترشد الطريق نحو الشرق الأوسط الجديد في منطقة لا تثق بالولايات المتحدة، لا بل إن الدول العربية التقليدية الحليفة تكرهها. وفيما تواصل مفاوضاتها لضمان أمن إسرائيل، فإن قدرة أميركا على كبح إسرائيل، تتقلّص وتتراجع.

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...