لجنة من اتحاد الكتّاب للتحقيق في الجوائز العربية التي نالها سوريون
أول جائزة حصل عليها نجيب محفوظ في حياته كما جاء في مقابلة معه ضمن عدد أغسطس/ آب من مجلة العربي 1959 هي ألف جنيه منحته إياها الحكومة المصرية عام 1957 كجائزة للدولة في الأدب، غير أن محفوظ الذي امتدت به الحياة حتى نال جائزة نوبل للآداب فيما بعد؛ لم يكن راضياً عن أوضاعه المالية التي لم تسعفها الجوائز، فكتب في مجلة الآداب يقول شاكياً: «إن أغلى أمانيّ في الحياة أن تتاح لي فرصة الاستقرار والتفرغ للعمل الأدبي، لكنني لا أريد مع ذلك أن يأتي شهر أضطر فيه إلى اقتراض النقود، لذا، فأنا الآن موظف وكاتب سينمائي ثم أديب بعد ذلك، أي أن الأدب هو مهنتي الثالثة، ولو ضمنت لي الدولة مئة جنيه في الشهر لكان هذا تقديراً أفضل من جائزة الدولة، ولقدّمت لها كل إنتاجي الأدبي لنشره وإعداده للمسرح والسينما دون مقابل، وأعتقد أنها لن تكون خاسرة».
نجيب محفوظ الذي نال نوبل للآداب عام 1988 سيعيدنا إلى ذكريات غير سارة من العام نفسه بالنسبة لكاتب مثل «جبرا إبراهيم جبرا»، حيث كشف الراحل «سعد الله ونوس» في مذكراته المنشورة في «أخبار الأدب» المصرية عن فداحة قبول «جبرا» بجائزة «صدام» للآداب، خاصة أن هذا الأخير كان قد ارتكب مجزرته الكيماوية في «حلبجة» كردستان العراق، وقتل ما يزيد على خمسة آلاف شخص. فإذا كانت الجوائز العربية اليوم تقدم فرصها الباهظة للاحتفاء بإبداعات الكتاب، فإن هناك ما يثار في الوسط الثقافي السوري عن جوائز مشبوهة من جهة نزاهة لجان التحكيم أو مصادر التمويل، هذا الواقع يأتي في ظل غياب جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، وخفوت واضح في دور اتحاد الكتاب العرب الذي يفكر اليوم في الدورة الثالثة لجائزة «نبيل طعمة» في أن يغير اسم الجائزة التي يشرف عليها رجل الأعمال السوري المعروف، فالاتحاد مؤسسة ثقافية مستقلة، تعتمد على مواردها الذاتية، وقد أعلنت عن عدد من الجوائز الأدبية للمخضرمين والشباب، لكن هذه الجوائز اقتصرت على الهيكلية التنظيمية القديمة التي تسير أعمال هذه المؤسسة، فظلت عبارة عن جائزة تقديرية سنوية لأعضائها وفق آليات معروفة..، ولم يصل مقدارها إلى (3000$)، أوما سمي بجائزة (كتاب ما زالوا في بداية العمل الاتحادي) كما وصفهم رئيس الاتحاد «حسين جمعة»، إضافة إلى جوائز الدوريات التي يصدرها الاتحاد كمجلة الأسبوع الأدبي والآداب العالمية والموقف الأدبي والأدباء الشباب وجميعها لم يصل في حدها الأقصى إلى الألف دولار.
أما عن جائزة «نبيل طعمة» والتي تخرج من عباءة الاتحاد، يقول «جمعة»: «إنها ليست جائزة نبيل طعمة بل هي جائزة اتحاد الكتاب العرب، و«نبيل طعمة» عضو في الاتحاد لكن نحن من رعينا هذه الجائزة، وأعلنا عنها منذ ثلاث سنوات، ولا علاقة لطعمة بها على الإطلاق، فهو لا يتدخل لا بعملها ولا بلجان التحكيم، بل يحضر في النهاية عند تسليم الجوائز».
هذا الواقع الذي يتعامل به اتحاد الكتاب ليس وليد اللحظة، بل يمكن ملاحظة خطوات كثيرة قامت بها هذه المؤسسة عندما قامت بفصل الشاعر أدونيس عام 1995 بتهمة التطبيع، مما حدا بانسحاب «سعد الله ونوس» و«حنا مينا» من عضوية الاتحاد احتجاجاً على هذا الإجراء، موال يعود اليوم لتكرار نغمته تحت لافتة الأدب الوطني أو ضده، فمع اقتراب انتخابات رئاسة الاتحاد تمّ توجيه أصابع الاتهام نحو الروائي «نبيل سليمان» لنصه في كتاب «مدن متوسطية» الذي نشرته دار «كوما بريس» والذي أثار الكثير من الجدل والاتهامات في حينها بسبب احتوائه على نص لكاتب إسرائيلي، وبرر وقتذاك «سليمان» موقفه بأنه لم يكن على علم بتلك المشاركة إطلاقاً.
عندما يتحوّل الحبر إلى دماء
يعود اليوم اتحاد الكتاب إلى وضع عدد من الكتاب السوريين في دائرة الشك، وخاصة من حاز منهم على جوائز أدبية، إذ شكلت لجنة في الاتحاد لمناقشة أوضاع هؤلاء وفي مقدمتهم «خالد خليفة» و«هيفاء بيطار»، ورغم أن «حسين جمعة» قال بأنه يتمنى ألا يتم الاغتيال على الشبهة وأن تفرد مساحات للنقاش العلني والموضوعي إلا أن مقالات عديدة كتبت في الصحافة العربية والسورية بعد نيل الروائي «خليل صويلح» لجائزة نجيب محفوظ عن روايته «وراق الحب»، مشككةً بالجهات التي تقف وراء هذه الجائزة وأولها وكالة الاستخبارات الأميركية، متهمةً «صويلح» بالتطبيع والانسلاخ عن القيم، والمؤامرة على التراث، واللاوطنية والعمالة. يقول «خليل صويلح»: «إن حصولي على جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية وضعني في موقع الاتهام إلى درجة أن كاتبة منتهية الصلاحية خونتني وطالبت الجهات الرسمية بمعاقبتي، فالجائزة حسب وصفها مشبوهة، لأنها تصدر عن الجامعة الأميركية في القاهرة، كنت أتوقع أن تشكّل هذه الجائزة حصانة لي في الدفاع عن نصي الذي يعتبر إلى اليوم ابناً لا شرعياً في المشهد الثقافي السوري، أو نصاً مارقاً، لكن الاتهامات أمطرتني من كل جانب، ولم يبق أمامي سوى أن اعتذر عن حصولي عليها كي يستتب الأمن الثقافي..، وأنا لا أحبذ أن يتولى اتحاد الكتاب العرب الإشراف على جائزة أدبية مرموقة، لأنها ستوزع كغنائم حرب، نحن نحتاج إلى إطلاق جائزة الدولة التقديرية، وأخرى تشجيعية لأنها ستكون أكثر نزاهة وجدية، على أن تديرها لجنة مستقلة، تضع نصب عينها النص وليس صاحبه، كي لا تذهب هذه الجائزة إلى أحد الموتى الأحياء «اما عن نزاهة لجان التحكيم في اتحاد الكتاب العرب فيردّ رئيس الاتحاد: «من يتكلم عن عدم نزاهة لجان التحكيم عليه أن يثبت عكس ذلك، فهناك من يريد ألا يعترف بما يقدّمه الاتحاد، ويعمد لإخفاء الحقيقة وتشويهها».
بدوره نبيل سليمان الحائز على جائزة «غالب هلسة» للإبداع الثقافي عام 1995 وعلى جائزة «عبد الله بشراحيل» للإبداع الروائي يلوم بعض أصدقائه الذين قبلوا اتهامه: «حقيقة حز بنفسي وآلمني أن هناك من قبل من أصدقائي في مجلس الاتحاد أن أكون متهماً من حيث المبدأ، إذ طالبوا بتشكيل لجنة للبحث في شأني، في حين كان حرياً بهم محاسبة من أثار هذه البلبلة ومن شهر بوطنيتي»، أما الكاتبة «هيفاء بيطار» فتقول: «لا يهمني ما يقال في الاتحاد، فهم مجموعة من السفلة والفاشلين، رغم أنني لا أعرف ما يمكن أن يفعلوه، لكنني أتوقع منهم كل رداءة، لأنهم يريدون تحطيم المبدعين.
فكرة الجوائز الأدبية فكرة نبيلة من حيث المبدأ، لكنها في سورية كما يقول الأديب «حسن م يوسف» تُهان بطرق مختلفة، فالمبالغ التي تخصص لها هي أقل من متواضعة، جوائزنا ليست لها تلك الهيبة».
نظرية المؤامرة التي لا تهدأ...
تشهد الجوائز العربية في السنوات الأخيرة فوراناً ملتبساً، فمن ناحية يبدو ذلك استجابة لأدنى حقوق المبدعين والمفكرين والفنانين، ومن ناحية أخرى تفتح هذه الجوائز برحابة لمواهب جديدة وأصوات شابة، في الوقت نفسه يبدو أن معايير التحكيم والعصبيات تلعب دوراً بائساً، كما أن هناك شيئاً من الطرافة يبدو في هذه الجوائز، وهو أن «أدسمها» لا يأتي إلا عندما يكون المرشح الجديد على حافة قبره، يقول الروائي والناقد «نبيل سليمان»: «من المؤسف جداً ألا يكون في سورية أدنى حضور مهم للجوائز الرسمية وغير الرسمية، ولا تعزينا جائزة ما في وزارة الثقافة، ولا أخرى لنبيل طعمة، أو لمهرجان المزرعة، فمن المعلوم أنه كان في سورية قبل نصف قرن مجلس أعلى للفنون والآداب، بما يعادل حالياً المجلس الأعلى للثقافة في مصر، والهيئات المماثلة في أكثر من بلد عربي، لكن هذه المؤسسة ولدت كسيحة، ثم ماتت خلال العقود الأخيرة دون تأبين..، هل يستطيع أحد أن يحيي هذه المؤسسة لتنهض بواحدة من أهم أدوارها وهو الجوائز الرسمية؟، كما كان هناك جائزة تقديرية في اتحاد الكتاب، وكان لها شرف أن تفتح عهدها بالمبدع الراحل «هاني الراهب» عن روايته «الوباء» 1983 ثم ماتت هذه الجائزة بلا تأبين أيضاً ومثلها الجائزة التشجيعية. استبشرت خيراً بأن وزارة الثقافة أعلنت عن جوائز بأسماء مبدعين سوريين على نحو «حنا مينة، بديع حقي، محمد الماغوط، عبد السلام العجيلي، محي الدين صبحي، وسواهم»، عادت اليوم تترنح من جهة عدم انتظامها على الأقل، لكأن هناك قدراً بيروقراطياً رسمياً ضد هذه الجوائز، وأظن أن هذا واحد من أسباب اندفاع عدد كبير من المبدعين في سورية، وبخاصة من الأصوات الجديدة إلى حمى الجوائز العربية».
الثقافة آخر الأولويات في سورية، فنحن دولة طاردة للمواهب، يقول خليفة: «هذا مؤسف جداً لكنها الحقيقة، آخر هم اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة هو تكريم المبدعين وهذا لا يعنيهم بشيء، المهم العشاءات السخيفة للوزير الذي لا يعرف ثلاثة أرباع الروائيين السوريين، بل ويباهي بذلك الجهل، أنا شخصياً شعرت بالمرارة الشديدة أيام مشاركتي في جائزة البوكر العربية، لأن السوريين هم أول من فرحوا لأنني لم آخذ الجائزة الكبرى».
مدير المكتب الصحفي في وزارة الثقافة «نجم الدين السمان» له رأي آخر: «رغم انتقادنا للجوائز الوطنية إلا أنها كثيرة، فالمراكز الثقافية تعلن عن جوائز كجائزة البتاني في مديرية الثقافة بالرقة التي وصلت إلى ثلاثين ألف ليرة سورية (ما يعادل 600$). لا يمكننا أن نقارن الجوائز الأدبية في سورية بالتي تقدمها الدول النفطية، التي تصل أحياناً إلى ملايين الدولارات، وزارة الثقافة طرحت أكثر من مرة مقترحاً لجائزة دولة تشجيعية وتقديرية، إلا أن هذه الفكرة طرحت في نهاية العام المالي، وفي هذا العام سوف تعلن الوزارة عن جائزة خاصة بها هي ذات شقين: تقديرية للكتاب المخضرمين بقيمة مليون ليرة سورية، وتشجيعية لأحد الكتاب الشباب الذين سجلوا حضوراً في الوسط الثقافي بقيمة نصف مليون ليرة سورية، وستعطى بدون مناصفة، إضافة إلى جائزة سامي الدروبي للترجمة التي وصلت إلى 6000$ مع طبع الكتاب الفائز وضمان حقوق النشر للمترجم، وسنطور هذه الجائزة من محلية إلى عربية، أما بالنسبة لجائزة حنا مينه فلم تتوقف، لكن اسمها هو الذي تبدل، لأنها جائزة تأخذ اسم مبدع سوري كل سنة، كما أن هناك جائزة محي الدين صبحي للنقد الأدبي وصلت قيمتها إلى 1500$، ومثلها للمسرح باسم جائزة أبو خليل القباني».
يضيف «السمان»: «الجوائز التي تعطى في الخارج يكون لها وهج أكثر من جوائزنا لأن الصحافة السورية لم تُعر الموضوع اهتماماً، مع أنها تهلل للجوائز الخارجية. في حين تصدرت الصحافة المصرية جائزة نجيب محفوظ مع أنها جائزة بسيطة لم تصل قيمها لألف دولار، والدولة لا تقصر بحق أحد، فسعد الله ونوس كان يُعالج على حسابها قبل حصوله على جائزة العويس، وأدونيس حصل منذ سنوات طويلة على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لكنه لم يتسلّمه، وذلك لأن عيني أدونيس لائبتان للحصول على جائزة نوبل للآداب، ومن يتكلم عن عدم مصداقية جوائزنا المحلية عليه أن يثبت أولاً مصداقية جائزة مثل البوكر العربية، وجميعنا يتذكر انسحاب /رياض الريس/ من الدورة الأولى لها، يتساءل «السمان»: لماذا نعتقد بحصانة الجوائز الخارجية فيما لا نقر بأي حصانة لجوائزنا المحلية ونتهم لجانها بعدم النزاهة؟ ولكن كيف يجيب السمان عن عدم طباعة رواية /أبنوس/ لروزا ياسين حسن كاملةً بعد فوزها بجائزة حنا مينه، يقول السمان بأن الرواية تضمنت مقطعاً جنسياً فاضحاً وطلبت مديرية التأليف والترجمة آنذاك برئاسة «محمد كامل الخطيب» من الكاتبة أن تعيد النظر في هذا المقطع، فالوزارة لا تنشر هذا النوع من الكتابة، ليذهب الكُتّاب لنشر رواياتهم «السكسية» في دور النشر الخاصة، أما وزارة الثقافة فلن تفعل ذلك لأنها جهة حكومية».
الجوائز الزكاة..
يقول الشاعر والروائي «عادل محمود»: «لا بد من صدر يتسع للثقافة الحرة والجميلة, التي لا يمنعها أحد من المساهمة في تكوين وعي الرأي العام, الذي بدوره يسهم في تطور وتطوير القرار والمشروع والمستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد، وعن الجائزة التشجيعية يقول «محمود»: «ينبغي أن تكون قيمتها المادية مبلغاً يساعد المبدعين الصغار, المبتدئين على القيام بخطوات صحيحة على الطريق الطويل، الأمر الذي يجعل الإبداع هدفاً, والوصول إليه مكافأةً.
من الملاحظ أن في سورية كل شيء يرتفع ثمنه يومياً، ما عدا الكتابة التي لا يرتفع ثمنها إلا بالسنين والعقود، ويشبه «محمود» الجوائز الوطنية بأنها تشبه الزكاة الرمضانية يجود بها هذا الثري أو ذاك، دافعاً عن نفسه التهمة الافتراضية بأنه أمي تقريباً، ذات صدفة نام فقيراً واستيقظ غنياً، شيء مضحك أن يعطى زكريا تامر جائزة من 15 ألف دولار بمعدل 200 دولار عن كل سنة كتابة، فالجوائز تأتي دائماً بعد فوات الأوان، الماغوط مات ولم يقبضها».
في سورية كان هناك جوائز مهمة كان يعطيها المجلس الأعلى للثقافة في ستينيات القرن الماضي، فمن الطبيعي أن يكون لكل دولة جوائزها التقديرية والتشجيعية، لكن أين اليوم هذا المجلس وجوائزه وماذا حل به؟ يجيب مدير المكتب الصحفي في وزارة الثقافة: «المجلس الأعلى للثقافة والعلوم هو من مخلفات الوحدة مع مصر، وقد كان مجمداً لعقود، ثم تم إلحاقه بوزارة التعليم العالي، ولم يعد يختص بالجوائز الأدبية بل يعطي جوائز للإبداعات العلمية .
نحن بحاجة إلى أدباء جيدين، ربما وفرتهم الجوائز، على أن تكون ضمن معايير مكفول نزاهتها، يقول الروائي فواز حداد: «المؤسف أن سورية هي البلد الأكثر فقراً من هذه الناحية، وتعتبر جائزة المزرعة السنوية التي حافظت على سويتها وغطت عدة فنون أدبية ودرامية، وبالتالي لا عجب أن السوريين ضيوف دائمون على موائد أشقائهم العرب وعن جدارة، ومع أن هذه الجوائز تخضع لمعايير عالية الجودة، وتحاول أن تكون منصفة كي تشمل مختلف البلدان العربية كل حسب وزنها الأدبي، لكن أحياناً تقع في مطب الترضية، أو الواسطة بالامتثال لنصائح غير موثوقة... وقد كان الاهتمام بها من الناحية المادية ملحوظاً، فنشأ ما يُدعى بصيادي الجوائز».
جوائز تبييض الأموال
يخشى أن تصاب الجوائز بأمراض الفساد، ما دام المال بدأ يصبح عنصراً جوهرياً فيها، هل نحرم المتسابقين منه كي نحافظ على عفتها؟ بالطبع لا، علينا القبول مرغمين بهذه المخاطرة، يقول «حداد»: «لا تعنيني الجوائز التقديرية التي يهتم بها اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة، وهي جوائز تعتمد آلية الأقدمية، ورضا الجهات الرسمية، بالإضافة إلى توفر الحضور والانجاز والنشاط الثقافي، سواء أكان حقيقياً أم دعائياً. تعنيني في هذا المجال الجوائز التشجيعية للكُتاب الشباب، ربما لأنها تورطهم في الأدب، دون مغريات جدية سوى هذا الاندفاع المحموم نحو شيء مجهول، يشوهه دائماً طلب الشهرة ومحاولة الإساءة إلى غيرهم من الأدباء، لا سيما إشهار دعوى قتل الآباء، وكأنها تبرر الوقاحة، يظنون أنهم لن يصعدوا إلا على أشلاء من سبقهم، فيسبغون على هذا النكران طابعاً فرويدياً درامياً، في حين يشير إلى أمراض الغرور وقصر النظر لا غير».
الجوائز الأدبية، شأنها شأن كل شكل آخر من أشكال التقدير، حق للمبدعين على مجتمعاتهم أو على المؤسسات القيمة على الثقافة فيها، سواء أكانت مؤسسات حكومية أم مدنية، وتكتسب تلك الجوائز في مجتمعاتنا أهمية استثنائية لأسباب عديدة، يعزوها الناقد «حسان عباس» إلى تراجع المكانة الاجتماعية للمثقف بشكل عام، وللأديب بشكل خاص، وحلول الشيخ الداعية من جهة والمطرب «الدبيك» من جهة أخرى كرموز ثقافية، وبالتالي تأتي الجوائز الأدبية لتمنح الأديب شيئاً من الاعتبار الذي فقده المثقفون والأدباء، وأيضاً إلى تراجع الناس عن عادة القراءة.
كَتَبْنا النوافذ فانفتحت على الحياة..
«للأسف الدارج ألا يتم الاعتراف بالمبدع إلا إذا كان هذا الاعتراف صدى اعتراف خارجي، وكأن الخارج هو معيار الصحة».
وتضيف «محمد»: لو لم يكن المبدع السوري على قدر عالٍ من الجرأة والطاقة على التمرد الجمالي والاستقلالية والإيمان الجامح العقلاني والعاطفي بمسؤولية الكلمة الحرة، وبجمال هذه الكلمة وما تضفيه من بهجة ومتعة، لكنا اختنقنا منذ زمن طويل، لكننا نصحو كل صباح ونحن نحلم بنوافذ وأكسيجين، ونزعم أننا نرى حياةً تشبهنا عبر تلك النوافذ، ولذلك حين يمنح روائي أو شاعر أو مفكر سوري فرصة أن يكون بين الفائزين بجائزة عربية هو بالتأكيد اعتراف بأهمية المنتج الإبداعي.
الجائزة الحقيقية هي القارئ كما يراها الشاعر «حازم العظمة» يقول «العظمة» الذي شارك في تحكيم جوائز الشعراء الشباب في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008: «هناك من يكتب خصيصاً للجوائز بما هو منسجم مع ذائقة اللجان ومعاييرها، أعني المعايير الحقيقية غير المعلنة ولا تصلح لأن تعلن، وفي بعض هذه اللجان نجد من لا يكترث إلا لمعايير الأدب، والكتاب أيضاً يكتبون للقراء، أعني يكتبون بالطريقة والمضمون الذي حدسوا بأنه الرائج أو المطلوب بمعنى ما، فأنا أجد أن الكتابة التي لها قيمة حقاً هي بالأصل كتابة لا تكترث للجوائز».
وضع الجوائز العربية هزيل كما يقول العظمة، ما أتاح لجائزة حديثة الظهور من مثل «البوكر» أن تغدو في زمن قياسي أهم الجوائز إطلاقاً في الرواية، هذه الشهرة وتلك الأهمية لم تأت إلا من أنها فرع من البوكر الإنجليزية، فهي تتضمن اعترافاً عالمياً هو مظهر آخر، ربما الأسوأ لعقدة الخواجة الذائعة الصيت، ثمة أيضاً قدرة الميديا العالمية على ترويج أي شيء في العالم، بما في ذلك القدرة على تسويق الكتاب أينما كان والسيطرة على اتجاهات الثقافة، هذا الاعتراف العالمي بالكاتب والكتاب كان سبباً للكثير من الكوارث في الثقافة العربية، فأكداس من الكتب ألفت حسب معايير عالمية ـ تبقى دائماً غير معلنة ـ منها بالنسبة لكتاب العالم «الثالث» ما هو فولكلوري ومنها الصوفي ومنها ما ينحو باتجاه جلد الذات.
الكونكورد تقضي على الكتّاب الشباب
لا تصنع الجوائز كتّاباً، لكنها حافز جيد أحياناً، بطاقة تشجيع لمن يلزمه تشجيع. من جهة أخرى قد تدمر الجوائز كتّاباً كما يرى الشاعر والناقد «خضر الآغا..» نعرف في سوريا عدداّ من الكتاب الذين ظهروا بوصفهم موهوبين حقاً، لكن حصولهم على جائزة مهمة أنهاهم، جعلهم ينزوون في بيوتهم، وفي الأماكن الثقافية، يجترّون مجد الجائزة الضائع، ولا يفعلون شيئاً آخر. إحدى مقررات جائزة الكونكورد كانت تعلق على كيفية منح الجائزة الشهيرة وشروطها وعراقتها وصدقيتها... في هذه الأثناء كان معظم الداخلين إلى مقر منح الجائزة من الشباب، فعلقت أنهم في لجنة الجائزة يدعون كتاباً شباباً لحضور توزيعها، ولكنهم لم يمنحوها سابقاً، وربما لن يمنحوها مستقبلاً لكاتب شاب، لأن الكونكورد، حسب رأي اللجنة المقررة، كافية لأن تقضي على كاتب شاب. الجوائز العربية تمنح إما لكتاب شباب لتقضي عليهم، أو لكتاب فقدوا، بحكم التقدم بالعمر، إمكانية التمتع بها، أو لراحلين لتعلق إلى جانب صورهم».
الآغا ليس من هواة التشكيك بالجوائز واعتبارها مشبوهة، لكنه يشكك، غالباً، في قدرة لجان الجوائز على التقويم ومنح الأفضلية ونزع الألقاب، ويتساءل الآغا «عن منجز عضو الجائزة الثقافي والكتابي ليحق له تقويم كاتب مهم ومعروف بأهميته؟».
لا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاد الميل والذائقة الشخصية عن نتائج لجان التحكيم في أية جائزة مهما كانت، ثمة هذا الهوى الذي ينحاز إلى عمل دون غيره، أوإلى كاتب دون سواه، هنا يبدو سؤال الموضوعية والمعايير الواحدة والصارمة غير مجد، الموضوعية تتطلب الحياد المطلق، وفي الإبداع لا وجود للحياد، غالباً المحكمون مبدعون لا مجرد نقاد، هذا إذا اعتبرنا أن ثمة نقاداً موضوعيين!! أما المعايير الصارمة فتدحضها الاختلافات والخلافات التي تحدث دائماً بين أعضاء لجنة تحكيم جائزة ما!! فلو أن نظرية المعايير الواحدة والصارمة صحيحة لاستخدمها المحكمون وطبقوها على ما بين أيديهم ولانتفى الاختلاف، وهذا ما يجب أن يكون جلياً وواضحاً لدى المشاركين في الجوائز، تعلق الشاعرة رشا عمران: «إن مجرد إرسال العمل أو الموافقة على مشاركته في الجائزة يعني الخضوع التلقائي لشروط لجان التحكيم والقبول بأمزجتهم وذوائقهم»، وتستغرب عمران الهياج الذي يصيب بعض المشاركين في الجوائز حين يتم استبعادهم، الهياج والثورة وسيل الاتهامات التي تطال الجائزة ولجانها».
اللافت أن معظم الجوائز العربية والأجنبية، بفرعها العربي، مخصصة للرواية، وتمنح لروائيين مكرسين وغير مكرسين، وهذه ميزة يجب الاعتراف بها، بينما جوائز الشعر إما للشباب دون الثلاثين أو الخامسة والثلاثين ، أو للشعراء ما فوق السبعين من أعمارهم!! تبيّن الشاعرة عمران «كأن ثمة تواطؤاً ما مشتركاً بين الجميع على استبعاد الشعر وإحلال الرواية مكانه، تواطؤ يحاول سحب الشعر العربي إلى منطقة التفاهة الاعلامية، عبر برامج كأمير الشعراء وشاعر المليون وغبرها».
المشكلة الكبيرة التي تخرج بها هذه الجوائز، سواء أكانت تعاني من نزاهة مطلقة، أم نقص في النزاهة والتقييم، أنها صارت فرصة للبدء في حالة جديدة من السجال البعيد عن أي قيمة ثقافية وجمالية، من شأنها أن ترفد الواقع الثقافي العربي بأي مشهد جديد، إنها تعكس روحاً قبلية وذاتية عصبية متضخمة، ورؤية مبتورة لعملية الإبداع والفن، فإذا كانت الكتابة من أجل الإشهار والشهرة والأموال، وحتى الانتشار على الصعيد الإعلامي فهل يمكننا اعتبارها إبداعاً؟ تتساءل الروائية «سمر يزبك»: «رغم أن الإشهار هو أهم شرط للإبداع ليتوفر للقارئ الاطلاع عليه، إلا أن الكاتب يحصر همه في هذه السجالات السخيفة وما ينشأ عنها، فكيف يمكن له أن يكون مبدعاً وفق هذا الشرط؟ وتضيف صاحبة رائحة القرفة: «إن شرط الإبداع هو الخفة في الحياة، الخفة بمعناها الروحي والجمالي والفني، وما يستوجبه من براويز زائفة هي مقتله، فإن جاءت جائزة وكرّمته كان به، وإن لم تأت فعليها السلام ومنها السلام. السلام الذي يبدو بعيداً عن عيون الكتاب هذه الأيام وسط حرب الجوائز، أم هل نقول حرب داحس والغبراء؟».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
التعليقات
أنتولوجيا الجوائز
لجنة تحقيق!!!!
لماذا الدجل
إضافة تعليق جديد