الطبعة الجديدة لخطط التدخل الغربي في سورية
الجمل: برزت بعض الأحداث الخافتة التي تتحدث عن ضرورة ما أطلقت عليه تسمية التدخل العسكري الدولي من أجل حماية المدنيين في سوريا، وذلك في بادرة غير مسبوقة، لأنه طوال التاريخ السياسي السوري لم يحدث أن طالب سوري بذلك: فما هي حقيقة هذه الأصوات الخافتة، وما هي طبيعة الخلفيات والمحفزات التي دفعت إلى صعود مثل هذه النبرة، وهل تتعلق هذه المطالبة بمجرد حس وطني مشوش مرتبك، أم بمعطيات نظرية مؤامرة دولية لم يتسنى بعد إدراكها بالشكل الصحيح؟
* التحريض على التدخل الأجنبي في سوريا: توصيف المعلومات الجارية
استمرت فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري بشكلها المحدود المنحصر، وهي برغم الضجة الإعلامية ـ الدبلوماسية المرتفعة الشدة، فقد ظلت احتجاجات منخفضة الشدة، لم تصل حتى الآن إلى ربع مستوى الاحتجاجات السياسية التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن أو حتى البحرين، وبرغم ذلك، فقد ظلت هناك دائماً أطراف تسعى لجهة الهروب إلى الأمام والمضي قدماً في عملية البناء التصعيدي الافتراضي، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط المتعلقة بمعطيات التدخل الدولي الافتراضي، وذلك على النحو الآتي:
• تحدث بعض رموز المعارضة السورية الخارجية مطالبين بالتدخل الدولي زاعمين بأنه أصبح ضروري لحماية المدنيين السوريين.
• بدأت تظهر بشكل خافت بعض اللافتات التي تطالب بالتدخل الدولي، ضمن بعض المظاهرات الاحتجاجية الصغيرة المحدودة.
• بدأت بعض القنوات الفضائية التلفزيونية المتورطة في معاداة سوريا لجهة القيام ببث اتصالات تلفونية مع بعض الأشخاص الذين يزعمون بأنهم سوريين ويطالبون بالتدخل الدولي في سوريا.
• بدأت بعض الصحف والمواقع الالكترونية ومراكز الدراسات المرتبطة بجماعات اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد بنشر المزيد من المقالات والمواد الصحفية التي تطالب بالتدخل الدولي في سوريا.
إذاً، كل الشواهد والمعطيات تقول بوجود حملة بناء ذرائع تهدف إلى الضغط على أطراف المجتمع الدولي من أجل القيام بعملية تدخل دولي ضد سوريا، وعلى ما يبدو سوف تستمر هذه الحملة في التصاعد، وذلك ضمن أربعة محاور، هي:
• محور دولي: وسوف يتركز في أمريكا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي.
• محور عربي: وسوف يتركز في دول ما يسمى بتجمع المعتدلين العرب، وبالذات قطر، والسعودية وبعض البلدان الخليجية الأخرى إضافة إلى ليبيا.
• محور سوري: وينقسم إلى مكون خارجي ويتمثل في جماعات المعارضة الخارجية، ومحور ومكون داخلي، ويتمثل في عناصر التنسيقيات الذين درجوا على تحريك الفعاليات الاحتجاجية المتقطعة والاتصال بالقنوات الفضائية الداعمة لموقف دول المعتدلين العرب، وبدرجة أقل للمعارضة السورية.
• محور شرق أوسطي: ويتمثل في الدول غير العربية، وبالذات تركيا والتي برغم انخفاض وتائر الاستهداف السافر، فإنه ما زالت أكثر اهتماماً بالتواطؤ مع خصوم دمشق، وبدرجة أقل إسرائيل، والتي وإن كانت تمثل العدو الأساسي، وعراب الاضطرابات في سوريا وبقية مناطق الشرق الأوسط، فإن الخطاب السياسي العلني الإسرائيلي ما زال أكثر اهتماماً بالحديث عن تأثير الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية وبالذات السورية على أمن واستقرار إسرائيل.
هذا، ومن الواضح أن الأسابيع القادمة سوف تشهد نشاطاً متزايداً في فعاليات هذه المحاور، إضافة إلى تفاعلات المساندة المتبادلة بين بعضها البعض طالما أنها تمثل في النهاية شيئاً واحداً يسعى لتحقيق هدف واحد: يعرفه الجميع.
* جماعات اللوبي الإسرائيلي: بؤرة المؤامرة الجديدة
شهدنا قبل فترة قيام اليهودي الأمريكي روبرت ساتلوف (المدير التنفيذي لمعد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) وهو يقدم إفادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي والتي طالب فيها بضرورة قيام الإدارة الأمريكية بفرض العقوبات على قطاع النفط السوري، ولاحقاً بعد بضعة أيام تحدث أحد رموز المعارضة السورية المقيمين بالعاصمة الأمريكية وتحديداً الدكتور رضوان زيادة (يعمل بمؤسسة الدفاع عن الديموقراطية التابعة لجماعات اللوبي الإسرائيلي، وكانت هذه المؤسسة أنشئت بالأساس كمنظمة يهودية من أجل تحسين صورة إسرائيل بسبب ما تعرضت له من تشويه في أوساط الرأي العام العالمي بفعل الانتفاضة الفلسطينية، وخلال فترة أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر قرر زعماء اللوبي الإسرائيلي تحويلها لتحمل اسم مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية والتي لعبت دوراً كبيراً في الثورات الملونة البرتقالية الأوكرانية والزهرية الجورجية، إضافة إلى ما عرف بـ"ثورة الأرز") والذي تحدث مطالباً بنفس ما طالب به روبرت ساتلوف، ثم بعد ذلك أصدرت واشنطن عقوباتها وتبعها بعد ذلك الاتحاد الأوروبي.
الآن بدأنا نشهد سيناريو شبيها بذلك، ويمكن الإشارة إلى خطوات مشاهده الأولى على النحو الآتي:
• تحدث بعض رموز المعارضة السورية مطالبين بالتدخل الخارجي الأجنبي تحت مزاعم حماية المدنيين السوريين.
• رفع بعض المتظاهرين لافتات تطالب بالتدخل الدولي لحماية المدنيين.
• بدأت الفضائيات المعادية لسوريا تجري اتصالات مع بعض عناصر التنسيقيات المطالبين بالتدخل الدولي في سوريا.
ولكن أسلوب رموز جماعات اللوبي الإسرائيلي جاء يتضمن الآتي:
• منظور تماثلي: يطالب بالتدخل الدولي من أجل حماية المدنيين في سوريا.
• منظور لا تماثلي: يطالب بأن لا يكون التدخل الدولي المطلوب في سوريا على غرار التدخل الذي حدث في ليبيا.
ولتوضيح الفرق بين المنظورين نشير إلى ورقة الرصد السياسي التي أعدها اليهودي الأمريكي جيفري وايت خبير الشؤون العسكرية والأمنية بمراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي، والتي تحدث فيها بشكل واضح مطالباً بالآتي:
• يتوجب على واشنطن وحلفاءها السعي من أجل التدخل العسكري الدولي في سوريا وإيجاد الصيغة الملائمة للقيام بذلك، وإذا رفضت روسيا والصين دعم التدخل، فمن الممكن البحث عن المسارات البديلة.
• يتوجب على واشنطن أن تسعى لإعداد وإنفاذ سيناريو التدخل العسكري الدولي في سوريا، ضمن صيغة تتفادى السلبيات التي حدثت في الحالة الليبية.
وتأسيساً على ذلك، أشار الخبير جيفري وايت صراحة إلى أن التدخل العسكري الدولي في ليبيا كان ناقصاً، لأنه لم يصل إلى مرحلة الاحتلال الكامل لليبيا، ووضعها تحت سيطرة الأطراف الدولية لفترة احتلال انتقالية على غرار ما حدث في العراق. وبالتالي، فإن نموذج التدخل العسكري الدولي ـ بحسب ما أوردته ورقة جيفري وايت ـ يجب أن يسعى إلى أن يكون نموذجاً تدخلياً كامل الدسم، أي احتلال.
والآن، وعلى خلفية التحليل المقارن للتماثلات واللاتماثلات الواردة في تصريحات رموز المعارضة السورية، وتوجهات رموز اللوبي الإسرائيلي نلاحظ، أن اندفاع رموز المعارضة السورية لجهة المطالبة بالتدخل العسكري الدولي يقابله من الناحية الموازية اندفاع رموز جماعات اللوبي الإسرائيلي لجهة المطالبة بالتدخل العسكري الدولي الهادف لاحتلال سوريا ووضعها لفترة طويلة تحت الاحتلال، تحت مبررات حماية المدنيين.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
تعليق 1
إضافة تعليق جديد