المختصر المفيد في حرب الشعب العنيد
إنها حرب السلفيين ضد طوائف المسلمين وغير المسلمين، صراع بين النقل والعقل، والمفارقة أن حكومات الغرب التي صدرت لنا الحداثة بالأمس تقف في صف الإخوان السلفيين اليوم !؟
البوادي والأرياف العربية ، هي الخزان الرئيسي للمجاهدين التكفيريين ، بينما المدن الكبيرة تحتضن نخب الحداثة الثقافية والعلمية والصناعية والتجارية والدينية.. وقد بدأت هذي المدن ترفع أسوارها بوجه أخطار الريف المهدد لها يوماً بعد آخر، لنفهم خلال ثلاث سنوات من التمرد والعنف خلفيات وأسباب عصبية الدمشقيين التاريخية تجاه من هم (خارج السور).. وهي عصبية ارستقراطية فريدة من نوعها، خصوصا أن عائلات داخل السور تنتمي إلى كل القوميات والطوائف المتراكمة عبر طبقات تاريخ هذه المدينة، وأعتقد أنها حافظت على استمرارية الحياة التوافقية فيها حتى غدت أقدم مدينة مأهولة في العالم: إنه سرّ دمشق وفرادتها بين المدن.. سرّ لا تدركه سوى عائلاتها التجارية العريقة.. غير أن هذي العصبية بدأت بالإنفراط مع بداية هذا القرن، بعد غزو المدينة القديمة بالمشاريع السياحية والتلوث وهجرة العائلات الدمشقية إلى خارج السور..
في التمرد السوري أيضا، كانت الأرياف حاضنة التيارات السلفية، وقد انتقمت من المدن المنعمة، ولازالت، بشكل وحشي ليس له مثيل في التاريخ العربي سوى في هجوم وهابيي بوادي وأرياف الجزيرة العربية ضد حواضرها قبل قرنين من الزمان بقيادة آل سعود، حيث تمكنوا بالدم والنار من تطويع مدن نجد والحجاز، فاستعمروها وسمو بلد الرسول الأكرم باسمهم (السعودية) ولكنهم فشلو في التمدد نحو الشام والعراق على الرغم من وصول غزوهم إليهما، بسبب تماسك البنية الإجتماعية والروحية فيهما.. وهم اليوم يكررون في سورية ما فعلوه بالجزيرة العربية بالأمس، إذ يدعمون التيارات الوهابية التي غذوها في البيئة الريفية السورية الفقيرة خلال ربع قرن الماضي، فتمكنو من التغلغل في فقرها نسبيا بتوفير العمالة للرجال والزواج من القاصرات، ووهبنة الأسر الريفية، لكنهم فشلو في التغلغل بالمناطق التي يستوي التعليم فيها بين الريف والمدينة كما في مدينة السويداء، ومدن الساحل التي تستقبل الآن مهجري المناطق الأخرى من غير السلفيين.. مع التذكير أن السعوديين عملو على غزو الساحل عقاريا عبر وكلائهم في إدلب وحلب ضمن خطة استعمارية ممنهجة لتمكين المد الوهابي بعد نجاحهم في إقامة مولات ومنتجعات وهابية في حلب وشمال ريف اللاذقية، وقد امتد غزوهم إلى قلب طرطوس، فبذلو مئات ملايين الريالات لتحقيق مبتغاهم حتى الآن.. ومع أول تمكن لمقاتليهم في شمال البلاد استبدلو الشرطة بالمطوعين والمناهج المدرسية السورية بالتعليم الوهابي السعودي..وحتى أنهم راحو يفرضون أزياءهم على النساء والرجال..
المشكلة القادمة، بالنسبة للأرياف المناهضة للدولة التوافقية ومؤسساتها ستكون كبيرة، إذ ستزداد عزلتها، ويتراجع مستواها التعليمي والاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم ستبدأ بتدمير ذاتها، إذا ما تمكن التكفيريون من بسط سيطرتهم عليها بشكل دائم، عندما يصطدم الفكر التكفيري مع الدائرة الأبعد عنه فالأضيق، إلى أن يبدأ بافتراس نفسه عندما ينشب الصراع بين الزعامات وينعكس على العلاقة بين المجموعات غير المنضبطة تنظيمياً وسياسياً، كما حصل في الصومال وأفغانستان من قبل، إذ دمّر الأصوليون كل ماحولهم بما فيه بيئاتهم الحاضنة (لأجل عودة الناس إلى الفطرة والبساطة التي بني عليها المجتمع الإسلامي أول مرة..) وفي سورية ابتدأت قبل أسبوع ميكانيكية التكفير الوهابي بانفصال الكتائب الإسلامية الأكثر تشدداً عن «ائتلاف المعارضة الديموقراطي الكافر» ، وافتتحت الحرب فيما بينها، كما حصل في أفغانستان بين المجموعات الجهادية قبل دخول «قوات التحالف» إليها، والمشاركة في تدمير بنية المجتمع وإحياء "نموذج تورا بورا الاجتماعي" من أفغانستان إلى شمال سورية ..
الأمل اليوم معقود بناصية حصان الجيش السوري، ودعم المدن التي وجدت مصالحها مع «النظام التوافقي» الأقل سوءاً من فوضى الميليشيات الإسلامية التي تتجمع شراذمها اليوم تحت لواء «جيش محمد».. محمد بن عبد الوهاب وليس محمداً بن عبد الله بالطبع.. لأن محمداً الرسول ما كان ليقتل «كتابياً» أو «ذمياً» أو شخصاً يشهد أن لا إله إلا الله، كما يفعل قتلة بني سعود اليوم في كل البلدان الإسلامية، من السند إلى الهند، حيث تنفجر السيارات المفخخة وتقتل الجميع بالتساوي لتستمر أعمال الاستخبارات الغربية ورواتبها في حربها ضد الإرهاب..
عن صاحبي الذي كان: د. صادق جلال العظم ومصطلحه الأخير «العلوية السياسية» الذي يختزل به مؤيدي الدولة من سائر القوميات والطوائف والأحزاب.. وهو مصطلح ينضوي تحت وصف «لغة كراهية» لم يستخدمها حتى متطرفو الإخوان المسلمين المعروفين بعنصريتهم الطائفية.. والعظم يعلم مثلنا أن العلوية في سورية، بعكس كل الملل والنحل، لم يكن لها يوماً مؤسسة دينية أو تجمعاً أو جماعة أو حزباً أو حركة تمثلها سوى انتماءها للعروبة والإسلام.. لذلك فإن «العلوية السياسية» اختراع مفبرك كقولنا «التركمانية السياسية» التي تنحو بولائها لتركية التي مازالت تقيم فيها أرومة آل العظم العثمانية، وبالطبع فإن هذا الكلام غير دقيق أو صحيح، ذلك أن د. العظم لا ينتمي لأحد، وهو ينكر حتى الله تعالي في كتاباته التي يتغنى فيها بإبليس الرجيم باعتباره أول ثائر في التاريخ على سلطة الربّ.. ولكن أنّى لمفكر لا يؤمن بوجود الله ثم يعلن إيمانه بوجود إبليس !؟ إنه تناقض واهتزاز الشيخوخة في فكره الذي كان ثاقباً في يوم ما، قبلما يصل إلى درك الطائفية السياسية، عندما قال على محطة الألبسة (LBC) أن (الأكثرية السنية) يجب أن تستلم السلطة في سورية على غرار (الأكثرية الشيعية) في العراق!! بخٍ لك يا صاحبي الديمقراطي، إنك تدعو بذلك إلى نظام المحاصصة الطائفية اللبناني، و كان الأجدر أن تقول أن الأكثرية الديمقراطية في صندوق الانتخابات هي من تحدد من هو الأفضل لقيادة هذي الأمة.. وهل تصدق أن أحداً غير أمريكا يحكم العراق ويستنزف موارده النفطية والبشرية؟! لقد مضيت بعيداً في محاولات لفت أنظار الأمريكان لعلك تكون كرزاي سوريا المسلم الذي لايؤمن بالله ويزدري الإسلام ويحب ماما أمريكا، ولكن هذا أمر دونه إزاحة صاحبنا الآخر المرتد ميشيل كيلو الذي يتقدمك في قائمة مرشحي الخارج .. لقد كان الأجدر أن تخلص لتاريخك الإلحادي على أقل تقدير، لأن من ينقلب على نفسه لن يكون مخلصاً لبلده..
ملاحظة أخيرة: «إبليس أول ثائر في التاريخ» هي فكرة الحلاج الشهيد أوردها في كتابه «الطواسين» ثم لطشها د. العظم وبنى عيها كتابه الشهير «نقد الفكر الديني» وطوبته «شيخاً للملحدين» كما سميته في كتابي «رواية اسمها سورية» وقدمت له ما لم يقدمه أحد من أصحابه.. و كان يستحق.. غير أن كان فعل ماضٍ ناقصٍ..
نبيل صالح
التعليقات
لا يستوي الذين يعلمون, والذين
غريب امركم ايها الدجالون
استاذ نبيل " بالنسبة لبكرا شو
على ما يبدو
أدوار و مصطلحات
سورية منتصرة :
لقلمك النبيل الصالح والنابض أولا..
قراءة سريعة
الورشة والدفشة
تتمة
كلام من ذهب
وما زالوا يشتمون؟؟؟
الوهابية السورية
اشتقنالك يا زلمة وينك
إضافة تعليق جديد