البيان في رصد فلسفة العدوان
رغبة العض هي ما يحرك عجلة التاريخ، والسياسة هي فن إعادة توجيه طاقة العدوان لدى الشعوب، لهذا ستبقى العدالة حمامة مهيضة الجناح ما بقيت رغبتنا بالعض قائمة.. فالافتراس يجدد دورة الحياة في الطبيعة، والتوازن في القتل وتوجيه غريزة الافتراس هو سر استمرار الحضارات أو انقراضها: لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.. الوصايا الأخلاقية بيضة قبان التوازن والأديان تتوكأ عليها دونما قناعة صادقة، كما يتوكأ الأعرج على عكاز يعرف أنه ليس ساقه، فقد استثمرت الوصايا لتجميع قطعانها ونشر ماتيسر من السلام بينها قبلما تعيد استخدام طاقتها العدوانية ضد الأمم الأخرى لصالح الإكليروس الديني ـ السياسي: الذئب والثعلب يتقاسمان لحم الخروف وجلده، والخرفان تعض على العشب بسعادة.. هنتنغتون : لقد أخطأنا عندما رفضنا نظريتك حول صراع الحضارات!؟
سؤال: ما السر في ذكر الشيطان الرجيم قبل الرحمن الرحيم بداية كل سورة، وما سرّ التوازن في ذلك؟ الرب يعلم، ونحن نخمن..
كانت العرب شعوباً وقبائل رعوية تمارس رياضة الغزو، ثم جاء الإسلام وأعاد توجيه طاقة عدوانها، وكلما تحقق له النصر في مكان أوقف استخدام آيات الجهاد وفعَّل آيات الرحمة وحُسن الجوار، إلى أن تحققت رؤيا الإمبراطورية تحت راية مصالح قريش وأنيابها «ألف لام ميم.. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون» .. ثم دخلت الأقوام المغلوبة في الإسلام وشاركت العرب في إسلامهم، فنشأت ممالك وولايات إسلامية أخرى غير عربية، مملوكية وسلجوقية عثمانية و"وهابية بريطانية"، عرفت كيف تنقّل جمرة العدوان بين يديها عبر توازن سياسة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم».. إلى أن يقفز ذئب أرعن أو خروف مسالم إلى سدة الملك فيختل التوازن وتنهار الدولة لتنهض على بقاياها أمة أخرى..
في العصر الحديث، برزت شوكة الإسلام السياسي بعد مقتل أنور السادات الذي زار القدس لينجز سلاماً في الوقت الخاطئ، فتحولت طاقة العدوان ضده وضد ورثته من بعده، بمن فيهم الإخونجيين، بينما حمت واشنطن مملكتها السعودية وخليجها بإعادة توجيه طاقة الإسلام السياسي الصاعد باتجاه آخر غير إسرائيل، إلى الهند وأفغانستان، حيث تحولت طاقة "الجهاديين" من شعار التحرير إلى التكفير.. وأعيد مجددا تصدير طاقة الإسلام التكفيري نحو بلدانه وداره، في اليمن والجزائر وتونس ومصر، بينما عمد الأسد الرئيس إلى توجيه طاقة الإسلام السياسي نحو القوات الأمريكية الغازية في العراق والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.. ولكن إلى حين..
واليوم تعمد واشنطن وكلابها الأوروبية إلى اصطناع حرب شيعية ـ سنية على غرار (الحرب العربية ـ المجوسية الصفوية) أيام صدام حسين الذي أنهك العراق في حروب عبثية لم يحسن خلالها استخدام وتوجيه طاقة العدوان والسلام بتوازن وحكمة، فانتقلت زعامة السنة إلى السعودية بعد انهيار العراق، وانحصرت طاقتها بعد ذلك داخل بوتقة "الإخونجو وهابية" بعدما كانت زعامتها في القومية العربية، فأخذ الإيرانيون هذا الدور، دور مقاومة إسرائيل، بينما حول السعوديون ـ بتوجيه أمريكي- طاقة عدوان الإسلام السياسي ضد الجمهوريات العربية لحماية الممالك والمشيخات النفطية، ولكنها عجزت عن كسر إيران الفارسية التي أثبتت أنها أذكى من العرب، وأكثر وطنية وإسلاماً (مقارنة بالسعودية).. فمنذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عمل قادتها على توجيه طاقة العدوان ضد (الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر) أمريكا وإسرائيل، فدعموا حزب الله وحماس، بغض النظر عن اختلاف مذهبيهما.. بينما وجهت السعودية طاقة العدوان الوهابية نحو العرب والمسلمين من أفغانستان حتى برّ الشام وصولاً إلى أفريقيا والصين، وعممت نموذج طالبان وبوكوحرام عبر معاهدها الشرعية المنتشرة في سائر البلدان الإسلامية بفتاوى تقول أن تدريس المدارس للمناهج الغربية حرام لأنها تعلم الكفر، في الوقت الذي طور فيه الفرس علومهم وحدثوا تعليمهم وصنعوا سلاحهم وطعامهم وثيابهم دون أن يخضعوا لهيمنة الغرب..
واليوم نرى كيف أن شراذم المعارضة السورية التي تدعي الوطنية، قد رهنت نفسها ـ إن لم تكن باعتها ـ للسعودية، فسمحت لها بإعادة توجيه طاقة العدوان السلفية نحو تهديم نظام الدولة وحياة الشعب السوري، مؤيدين ومعارضين، فدخلوا في حرب داخل الحرب" داعش والنصرة"، لأنهم لم يدركوا لعبة التوازن في استخدام طاقة العدوان ورفضهم كل محاولات الهدنة والسلام، في الوقت الذي حملت فيه الدولة السورية بقيادة الأسد الرئيس، السيف بيد وغصن السلام بالأخرى، فقتلت من استمر في عناده وغبائه وسامحت كل من تخلى عن غيّه وتناحته، فانتصرت توافقية الدولة السورية الواقعية على حكومة المعارضة العنصرية، بعدما هدروا ثلاث سنوات من طاقة العدوان الغربي الذي وضِع في خدمتهم بالتكافل والتضامن مع الإخونج الوهابيين، فلا هم قادرون على الانتصار ولا خطة لهم لتأمين خط التراجع الآمن، بينما تفاقمت الاستقالات والإستسلامات والانسحابات من مجموعاتهم غير المؤلفة قلوبهم.. ذلك أن التمرد السوري كان يحتاج إلى عينين تريان.. بنصف ما أرى، وربع ما توفر لهم من دعم دولي وكراهية داخلية.. إذاً لاستطعت إسقاط الإمبراطورية الأمريكية بها.. فالحمد لله الذي وضعني على صراط التوازن المستقيم وجعلني جندياً في خدمة الدولة ونظامها المدني المكين.. آمين..
نبيل صالح
التعليقات
آآآآمين !رائع..رائع..رائع!
البيان في رصد فلسفة العدوان
من ينظر إلى البشر بعين واحدة
ما يؤذي أن كتّابنا و أدباؤنا يحمدون الله على صراط التوازن
فلسفة الايمان في تبرير العدوان
ما يؤذي أن كتّابنا و أدباؤنا يحمدون الله على صراط التوازن
إلى الأخ الذي قال أن نصف
الأستاذ نبيل المحترم:تعليق
براءة
تعليق
أنا أؤيد الأخت المحكومة
لم ولن أكون متعصبة أو طائفية
الاسلام واحد ليس شامي وليس وهابي
إضافة تعليق جديد