الأخوان المسلمون يطالبون تركيا بالتدخل العسكري وروسيا تحذر من حرب أهلية في سورية
تتعامل الحكومة السورية مع الجهد العربي المخصص للأزمة السورية كمن يسير على «حافة الهاوية»، إذ على الرغم من إعلان دمشق رغبتها التعاون مع الجامعة العربية وموافقتها على المبادرة، وفي مقدمتها شرط الموافقة على إرسال مراقبين، فإن شكوكاً كبيرة وانطباعات مسيّسة تكتنف هذا التوجه، فيما تتعمّق الأزمة الأمنية والاجتماعية في البلاد، بتعمّق الأزمة السياسية والاقتصادية فيها.
في هذا الوقت، تحاول دول غربية مدعومة من دول عربية الالتفاف على إمكانية استخدام روسيا والصين حق النقض مجدداً ضد أي قرار يستهدف سوريا في مجلس الأمن الدولي عبر طرح مشروع قرار لإدانتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حين دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون الرئيس السوري بشار الأسد إلى «التنحّي»، سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تأكيد رفض موسكو لهذا الأمر، محذراً من أن هجمات المسلحين على مراكز الجيش والاستخبارات والمباني الحكومية «أشبه بحرب أهلية حقيقية»، مؤكداً أن «الأسلحة المهرّبة الآتية من الدول المجاورة تزداد» وصولاً إلى سوريا. وأكد ان خطة الجامعة العربية حول سوريا يجب ان تكون واضحة حول دعوة المعارضة ايضاً الى وقف العنف، فيما رفضت واشنطن الحديث الروسي عن وجود «حرب أهلية» في سوريا، وذلك في الوقت الذي كان المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين رياض الشقفة يعلن من اسطنبول ان الشعب السوري يريد من تركيا ان تتدخل عسكرياً لتوفير الحماية له!
إلى ذلك قال دبلوماسيون عرب في الرباط، إن الجامعة العربية لا تزال على اتصال مع سوريا رغم تعليق عضويتها. وأوضح دبلوماسي أن «تعليق عضوية سوريا بدأ أمس (الأول) ولكن ذلك لا يعني أن الجامعة ستقطع جميع اتصالاتها مع الحكومة السورية».
ويبدو لافتاً وجود مزاج شعبي مؤيد للجهد العربي، ولكنه مشكك في نوايا الدول الخليجية، خصوصا في إطار التوجه المذهبي الذي اتسمت به سياسة مجلس التعاون الخليجي عموماً في السنوات الأخيرة. وقد أبدت معظم تيارات الوسط والمعارضة الداخلية، كما المعارضة الخارجية، ترحيبها بقرار إرسال مراقبين، وإن اختلفت تبريراتهم بين «تعزيز حماية المدنيين» أو «منع تفاقم الأزمة وتأمين فضاء لتحقيق فرز حقيقي بين المحتجين والمسلحين»، إلى استخدامه ذريعة لزيادة زخم الاحتجاج السلمي وصولاً لأهدافه الأساسية باحتلال ساحات والاعتصام والضغط الداخلي على الحكومة، وفق تصريحات أعضاء في «المجلس الوطني السوري»، ولا سيما اسامة المنجد الذي قال لقناة «بي بي سي» أمس الأول إن أعضاء من الأمانة العامة للمجلس اتفقوا مع أمانة الجامعة لتكون ممثلة في وفد المراقبين، مشيراً الى أن «ملايين المحتجين سيملأون الساحات» في حال تنفيذ السلطة للمبادرة.
وقد تحدثت مصادر رفيعة المستوى عن أن سوريا مستمرة في قبولها للمبادرة العربية وتنفيذ بنودها، مشيرة الى أن بروتوكول التعاون بشأن المراقبين يخضع لدراسة من قبل الجهات المختصة لكونه يحتاج لتعاون جهات عدة. إلا أن أحداً لا يكشف بعد كيف سيتم التعامل مع قضايا أمنية بالغة الجدية متعلقة بالاستنفار الطائفي في كل من حماه وحمص، حيث سجل في الأيام الأخيرة حصاد دموي لم يلتئم جرحه، خصوصاً في ضوء الحديث على شبكات اجتماعية محلية أن ما يزيد عن 280 مخطوفاً، من حي واحد فقط، لا زالت أخبارهم منقطعة، إضافة لتقارير ناشطي المعارضة التي تسجل ضحايا من جهتها.
أما المشكلة الثانية فهي في التعامل مع المسلحين سواء أكانوا منشقين أم ممن حملوا السلاح ضد السلطة في هذه الفترة، علماً أن الجامعة العربية، ولا سيما رئيس اللجنة الوزارية رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، تتفادى تماماً أية إشارة للعنف المضاد الموجه اتجاه الجيش أو قوى السلطة الأخرى، رغم أنه حصد ما يزيد عن 1300 شخص. وهو ما سيضع هذه القوى في موقع دفاعي، ولا سيما في مناطق التوتر الشديد في حمص وريف حماه كما في ريف درعا وإدلب، ويرشح ضحاياها للارتفاع، ما يحفز شارع الموالاة، وهو متحفز أساساً، من دون الإشارة إلى ما يسمى بـ«الطرف الثالث» الذي يرغب في إفشال جهود المبادرة بهدف تصعيد الموقف، وهو طرف تعترف كل من السلطة وجزء كبير من المعارضة بوجوده.
ولا تقتصر المخاوف على الشق الأمني فقط، وإنما لجهة الشكوك المشروعة بنوايا اللجنة الوزارية عبر قيادتها القطرية، وهي شكوك لم تعبر عنها دمشق فقط بل معها جانب من المعارضة الداخلية كما دول رئيسة في الأزمة السورية كروسيا. وقد انطلقت الموافقة المترددة على المبادرة من هذه الشكوك بسبب إحساس القيادة السورية أن المبادرة «وضعت لكي تفشل تمهيداً للتدويل» الذي سيحرج روسيا في مجلس الأمن، أو حتى يتجاوزها خارجه، وبالتالي يقود إلى «الهاوية العسكرية» في مسار الضغط عسكرياً على النظام.
وفي سلسلة المواقف هذه، جرى أن وافقت دمشق على «اختبار» المبادرة فاتهمتها رئاسة اللجنة بعدم التنفيذ بعد أيام من إقرارها، لتبادر سوريا حينها لطلب مراقبين وآليات تطبيق، الأمر الذي تجاوزته الجامعة في البداية، ولكن عادت لتوافق عليه بناء على ضغوط مصرية وجزائرية وتفاهم إقليمي ودولي ضم إيران وروسيا. واشترطت الجامعة على دمشق توقيع بروتوكول تعاون، تجهد دمشق على تفنيده هذه اللحظة، خصوصاً في ضوء الشكوك بالنوايا الخليجية.
كما ترغب دمشق في تأمين شبكة أمان تمنع ما هو «مبيّت» من التحول إلى «أمر واقع وعمليات»، الأمر الذي يرجح احتمال دعوة مراقبين من جهتها من دول صديقة تثق بنواياها كروسيا والهند خصوصاً، مع تأكيد الجانب الروسي على موقفه «حتى النهاية» وفق ما أكدت مصادر دبلوماسية من حيث «رفض التدخل الدولي في الشأن السوري».
لذا يشكل تنفيذ المبادرة التحدي الأكبر حتى اللحظة بالنسبة لدمشق، لكونه مرتبطاً بمستويين، داخلي وخارجي، وإن كانا متداخلين من ناحية تهديدهما باستضعاف الدور القومي لسوريا وتحويل أنظار الحكم فيها نحو مشاكل بلاده لا مشاكل الآخرين، إضافة إلى تهشيم حلقة أساسية في معسكر التحالف مع إيران، وهو ما أشار إليه السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى بالقول أمس إنه «لطالما كان المطلوب هو فصل العلاقة بين سوريا والمقاومة وإيران، وهذا لم يحصل ولن نضحّي بعلاقتنا مع الأطراف الشريفة في المنطقة»، مضيفاً، في حديث لقناة «المنار»، إن «قطر ليست إلا أداة، وهي رأس الحربة في المخطط، ولا نريد أن نعطيها أكثر من حجمها».
وأكد مصطفى أن «اقتراح المنتدى العربي – التركي الذي انعقد في الرباط هو قيد الدراسة في دمشق». وقال إن «سوريا تنظر إلى الأمور بتجرد، فما فيه مصلحة لسوريا ننظر إليه بعين ايجابية وننظر لعمليات الاستفزاز على أنها استكمال للهجوم الأميركي - الإسرائيلي علينا»، مضيفاً «إننا نعيش في الزمن العربي الرديء، وأنا شخصياً مؤمن أنها فترة انتكاسة لن تطول والأمور ستعود إلى نصابها الصحيح».
نيويورك
وقال مسؤولون ألمان إن دبلوماسيين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا سيتقدمون، بدعم من دول عربية، بمشروع قرار في اجتماع جمعية حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت عليه الثلاثاء المقبل. وكانت الصين وروسيا استخدمتا في 4 تشرين الأول الماضي حق النقض ضد مشروع قرار أوروبي في مجلس الأمن الدولي يهدد بعقوبات، فيما امتنعت كل من البرازيل والهند وجنوب أفريقيا ولبنان عن التصويت.
وقال متحدث باسم البعثة الألمانية في الأمم المتحدة إن سفراء كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا التقوا بالسفراء العرب في مقر الأمم المتحدة أمس الأول بعد أن أمهلت الجامعة العربية دمشق ثلاثة أيام لإنهاء حملة «القمع». وأضاف إن السفراء تلقوا «دعماً قوياً لطرح مشروع قرار، حتى أن بعض الوفود العربية أعربت عن نيتها المشاركة في تقديم مشروع القرار».
ولم يكشف المسؤول الألماني عن أسماء تلك الدول، إلا أن دبلوماسيين آخرين قالوا إن الأردن والكويت وليبيا وقطر والمغرب والسعودية من أقوى المرشحين للمشاركة في تبني مشروع القرار غير الملزم. وقال الدبلوماسيون إن لجنة حقوق الإنسان التي تضم كل أعضاء الأمم المتحدة ستوافق على مشروع القرار، وسيعرض بعد ذلك للتصويت الرسمي في الجلسة الموسعة للجمعية العامة.
من جهته، قال لافروف في موسكو «اليوم .. عرضت يورو نيوز -- قناتنا التلفزيونية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي- صوراً أظهرت هجوماً للجيش السوري الحر المشكل حديثاً .. على مبان رسمية. بالطبع إذا كانت المعارضة ستستخدم مثل هذه الوسائل فإن ذلك سيقود الى حرب اهلية شاملة»، في اشارة الى الهجوم الذي شنه ما يسمى بـ«الجيش السوري الحر» على مقر للامن السوري على مشارف دمشق امس الاول.
واتهم لافروف دولاً خارجية بالسعي لإذكاء العنف في سوريا، مشدداً على ان روسيا لا تريد ان يتكرر في سوريا ما حدث في ليبيا. وقال «نحن نشهد السرعة التي تحاول فيها اطراف خارجية الدفع لتصعيد المواجهات في سوريا، ربما بدافع من الرغبة في تقديم صورة مأساوية للوضع عبر وسائل الإعلام والحصول على مزيد من التبرير للتدخل في الشؤون السورية»، مؤكداً أن «الأسلحة المهربة الآتية من الدول المجاورة تزداد» وصولا إلى سوريا.
ودعا لافروف المجتمع الدولي الى حث المعارضة على انهاء العنف، مشيراً الى ان خطة الجامعة العربية حول سوريا يجب ان تكون «واضحة» حول هذه النقطة. واضاف ان «مبادرة الجامعة العربية في 2 تشرين الثاني التي دعمناها تتضمن نقاطاً عدة اولها وقف العنف اياً كان مصدره». واوضح انها «ملاحظة مهمة لان العنف في سوريا لا يأتي فقط من المؤسسات الحكومية»، مؤكداً ان «موقف الجامعة العربية يجب ان يكون واضحاً ومفصلاً اكثر».
وتابع لافروف قائلا «من اجل تطبيق مبادرة الجامعة العربية نقترح الا تدعو كل الدول المعنية بالتوصل الى حل سلمي للاحداث في سوريا، السلطات السورية وحدها الى وقف العنف وانما ايضا مجموعات المعارضة بدون استثناء». وقال «هذا يجب ان يتم من جانب الجامعة العربية والدول التي تعمل المعارضة انطلاقاً من اراضيها».
ورحّب بنية الجامعة العربية إرسال ممثلين عنها إلى سوريا، مشيراً إلى «أننا نريد أن يعمل مراقبون (مراقبو الجامعة العربية) هناك. وعلى قدر علمي، أبدت القيادة السورية قبل أيام استعدادها لاستقبال مراقبي الجامعة العربية وتمكينهم من الوصول إلى أي بقعة على أراضي البلاد وأي نقطة سكنية ليروا بأعينهم ما يجري هناك».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد