الإخوان: تنظيم عالمي أم «تنسيق دولي»؟
شهدت العلاقة بين السلطات المصرية وجماعة الإخوان المسلمين تصعيدا في الفترة الأخيرة، حيث قال الرئيس المصري حسني مبارك، إن الجماعة خطر على أمن مصر، كما احيل العديد من قياداتها وأعضائها، من بينهم النائب الثاني خيرت الشاطر إلى المحاكمة العسكرية. يأتي ذلك بعد أحداث عنف وقعت في جامعة الأزهر، تخللها استعراض شبه عسكري أجراه عشرات من طلاب الجماعة، لكن الجماعة قالت إن التصعيد يأتي للتأثير على نتائج انتخابات مجلس الشورى المقرَّرة في شهر أبريل (نيسان) المقبل. ويأتي ذلك فيما حملت هجمات 11 سبتمبر (ايلول) معها رياح التغيير لتهب على منطقة الشرق الأوسط، وأحدثت رياح التغيير هذه حالة من المراجعة لكل ما هو قائم من سياسات وأيديولوجيات واستراتيجيات لأكبر تنظيم إسلامي عالمي، وهو التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. اليوم ثمة إجماع على وجود تغيرات طرأت على رؤية الحركة لما يدور حولها بفعل رياح التغيير، وهي تغييرات تبعتها إصلاحات بالضرورة، بعضها قائم بالفعل وأخرى في الطريق إلى التطبيق. «الشرق الاوسط» توجهت الى الدكتور كمال الهلباوي، المتحدث الرسمي السابق باسم «الاخوان المسلمون في الغرب»، وهو من الشخصيات التي تتمتع بنشاط واسع على المستوى السياسي والفكري، وباحث متخصص في الدراسات الإسلامية والاستراتيجية، وكان قبل ذلك يدير مركز الدراسات السياسية في اسلام اباد في فترة الحرب الأفغانية، مما جعله بحكم اقامته في اسلام اباد في تلك الفترة واتصاله بالقيادات العربية والأفغانية الفاعلة، مرجعا لفهم خفايا هذه المرحلة. الشيخ الهلباوي هو ايضا من مؤسسي «الرابطة الإسلامية في بريطانيا» و«المجلس الاسلامي البريطاني». على ابواب السبعينات من العمر، وهو ناشط حقوقي اسلامي، يدير حاليا بالاضافة لعمله، كلا من معهد الدراسات الحضارية، الذي اشرف في الصيف الماضي على مؤتمر بعنوان: «ماذا يقدم الاسلام للغرب؟»، وأسس اخيرا وحدة بحثية لدراسة الارهاب من وجهة النظر الاسلامية، وتصدر الوحدة نشرة شهرية باللغة الانجليزية باسم «اسلاميزم دايجست». الهلباوي رجل مملوء بالتفاؤل، رغم الضربات التي يقول ان الاخوان يتلقونها الواحدة بعد الاخرى، لغته لا تعرف اليأس، وعلى حد قوله: طالما هناك نبض في العروق، فالامل من عند الله معقود. أصر الهلباوي خلال حديثه مع «الشرق الاوسط»، على انه لا يتحدث الا باسمه ورأيه الشخصي كناشط اسلامي في الغرب، مشددا على انه لا يتحدث باسم «الاخوان المسلمين» في مصر، ورأيه لا يعتبر ملزما لأي عضو في حركة الإخوان المسلمين. «الشرق الاوسط» التقت الهلباوي في منزله بغرب لندن، «وعندما جاء ليأخذني بسيارته كان يستمع الى صوت ام كلثوم، (ولد الهدى فالكائنات ضياء»، وهي من كلمات امير الشعراء احمد شوقي في مدح النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وكان يسرح مع الكلمات الندية ويطأطئ رأسه، الا انه اشار لي ان درج السيارة يوجد فيه المنشاوي والحصري ومحمد رفعت واساطين القرآن الكريم، الذي يحفظه عن ظهر قلب. طوال اكثر من ثلاث ساعات مساء الثلاثاء الماضي، نفى الهلباوي بشدة وجود شيء اسمه «التنظيم العالمي للاخوان»، رغم انه اسس مكتب هذا التنظيم بلندن في عام 1995، وقال ان الموجود اليوم هو «التنسيق العالمي للاخوان»، وكان يصر على استخدام تسمية التنسيق العالمي، كلما وجهت له سؤالا حول التنظيم العالمي. وقال الهلباوي في هذا الصدد: «عندما نقول ان هناك تنظيما فهو شيء مثل الفصائل العسكرية، التي تكون لها قيادة، وحق السمع والطاعة على اتباعها، ولكن الموجود هو تنسيق دولي اشبه بعمل فيدرالي، فيه لقاءات ومشاورات مستمرة، ونقل تجارب، وتعارف وتكافل، ويشمل ايضا هنا التربية ومناهجها للاجيال المقبلة، والتشاور حولها والاستفادة من تخصصات الخبراء، في البلاد التي نعيش فيها، او البلاد الجديدة التي تدخل اليها الدعوة». وعن اللقاءات التي تتم بين اعضاء «التنسيق الدولي للاخوان»، قال الهلباوي: «التشاور يدخل على كل المستويات، اذا التقت مجموعة من الاخوان، في ندوة او مؤتمر، وإن لم يكن الاخوان مصدر هذا المؤتمر، فإنهم بطبيعة الحال وضرورة الحاجة يتشاورون في ما بينهم، ويعقدون اللقاءات على الطعام والشراب، كما يلتقون في الافراح والجنائز، والمناسبات الاخرى، والاخوان لديهم ميزة عامة يحفظونها عن ظهر قلب وهي: عدم تضييع الوقت، وهي ميزة تعلمناها من الشيخ المؤسس حسن البنا رحمه الله، فعندما يلتقي اثنان يكون لديهما برنامج، للحديث والحوار، والفكر المشترك، واذا كانوا ثلاثة، أمروا احدهم عليهم، بنصيحة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويبدأون على الفور في الحوار والتشاور حول كل الامور، خصوصا مع تقدم التكنولوجيا، بات امر التشاور سهلا لنقل المعلومات والخبرات بين الاعضاء». وبالنسبة للنقطة الجوهرية التي دار حولها كثير من اللغط والغموض في الاعلام، وهي تمويل الاخوان، قال الهلباوي: «نعتمد على الله اولا واخيرا، ثم على انفسنا وجيوبنا، الامام حسن البنا كان يوصي الاخوان بأن يخصصوا جزءا من رواتبهم للاخوان طوال حياتهم وجزءا من ثرواتهم عند مماتهم، أي ان الدعوة ترث بعض الاخوان الراغبين في ذلك، في التنازل طواعية عن جزء من ثرواتهم، ولا يوجد في العالم جماعة تدرك معنى التكافل والتعاون مثل الاخوان المسلمين». وحول ما يتردد عن نقل المقر الرئيسي للتنظيم العالمي من المانيا الى لندن، قال الهلباوي، انه افتتح المركز الاعلامي للاخوان في الغرب في لندن عام 1995، وما زال المكتب موجودا حتى الان، ويصدر رسالة الاخوان الاسبوعية، ومقر الاخوان مثل أي شركة او مؤسسة عامة، وهناك مئات المؤسسات الاسلامية الاغاثية والدعوية، اما المقر الرئيسي للاخوان فهو في مصر وله مرشده العام الاستاذ محمد مهدي عاكف، والباقي تنظيمات مستقلة خارج مصر. وعن اتصالات التنظيم الدولي للإخوان مع اطراف خارجية، قال الهلباوي «المسلم الذي يعيش في بلد به حرية، لا يملك الا ان يتعرف على اخوانه وكذلك على المسلمين الاخرين، فاذا كان ينتمي الى حركة اسلامية فمن باب اولى ان يتعرف على ابناء الحركات الاسلامية الاخرى، وانا شخصيا اذهب الى جميع المؤتمرات التي ادعي اليها، من بنغال ومصريين وباكستانيين، واخرها منذ شهر حركة صوفية كبيرة بلندن يقودها شاب سعودي معروف. والمفروض ان نتقرب من الاخر ونتعرف عليه، لان ديننا الحنيف يحثنا على ذلك بقوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان»، وقوله ايضا: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، ونحن في الاخوان درجنا على الشورى امتثالا لامر الله تعالى: وأمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الامر، ونحن نعتمد على التشاور، ولكن من حق الاخ المسؤول ان يعين بعض اللجان لكي تعينه، ويكون خيار الاخ المسؤول ترشيح واختيار الوظائف، ثم تصدر موافقة من الاجهزة الشورية، وهو امر اشبه بالديمقراطيات الغربية. وعن رأيه الشخصي في ان التنسيق الدولي اليوم في حالة ضعف ام قوة، قال الهلباوي: «يعتمد ذلك على معنى الضعف والقوة، ففي نظر الاخوان، القوة تأتي على ثلاث مراحل، اولها قوة الايمان والعقيدة، وثانيها قوة الاخاء والترابط والمودة والمحبة، اما القوة الثالثة فهي القوة المادية، كما يسميها الاستاذ البنا، قوة الساعد والسلاح. وفي ذلك الترتيب يتضح لنا ان الاخوان في حالة قوة دائمة، اذا كانت العقيدة قوية وثابتة الاركان، ان كانوا في السجون او المعتقلات او كانوا خارج المعتقلات، او كانوا في السلطة او خارجها او في النقابات او خارجها او في البرلمان او غير البرلمان، وهي المقاييس التي نعتمد عليها».
وعن الاتهامات، التي تكال الى الاخوان بين الحين والآخر، مثل اخوان المغرب واخوان السودان حول ان التنظيم العالمي غير ديمقراطي، من جهة ارتباطه الشديد بمصر، ولذا لا تربطهم علاقات قوية به، قال الهلباوي: «قيادة الاخوان في السودان بقيادة الشيخ الصادق عبد الماجد والأخ الحبر وغيرهما، لا يقولون هذا، وهما جزء من الحركة الاسلامية العالمية، ولكن الذي قال هذا وبدأه في السودان هو الشيخ الدكتور حسن الترابي، وكانت له اجتهاداته الخاصة، وكان يتطلع الى ترتيبات اخرى ليست كلها في منهج الاخوان، فحدثت الفرقة واستقال الترابي، وتبعه عدد كبير من ابناء الحركة الاسلامية في السودان، وعموما لا يوجد بلد بدون اخوان مسلمين، صغر العدد ام كبر عربيا او دوليا، وفي الغرب هناك حركة اسلامية بعضها يتبع منهج الشيخ حسن البنا، وهناك حركات اخرى ذات دلالات اخرى». وعن أداء «التنسيق الدولي للاخوان»، قال الهلباوي: «لقد تعودنا ان نعذر كل مجتهد، اذا كان بعيدا عن الفساد، وكانت الاهداف واضحة والاهداف شريفة، فالانجاز يعتمد على عوامل اخرى، كما ان الاخوان يواجهون صعوبات كثيرة في اماكن عديدة، لكن الانجازات في مجال تربية الشباب، تغطي كثيرا من اوجه النقص في المجالات الاخرى». وقال ردا على سؤال حول ان التنظيم الدولي مات وان المتبقي هو اعلان الوفاة رسميا: «اميل دائما لان اقول للاخوة ان يعلنوا عن انفسهم، في كل مكان يذهبون اليه، ربما اكون خياليا، ولكن هذا هو الاصل، ونظرا لكثرة الملاحقات الامنية من الانظمة لاخواننا، يصعب اعلان الاخوان عن انفسهم». وتابع لا يوجد تنظيم باسم الاخوان بشكل علني الا في مصر والأردن والسودان. في سورية مثلا، هناك قانون واضح وصريح يقضي بإعدام كل من ينتمي الى حركة الاخوان، وللأسف فان الانظمة الحاكمة هي التي تدفع بعض ابناء الحركة الاسلامية الى اتخاذ السرية سبيلا للعمل واللجوء الى تحت الارض. وحول الاقاويل حول ضعف اداء التنظيم الدولي، قال: «قد يضعف التنسيق، في ظروف حرجة، وقد تصيب الشيخوخة التنسيق الدولي او بعض افراده، ولكن الفكرة لا تموت، فهناك من يحملها من كبار السن والمؤسسين، والأجيال التالية من الابناء تجد الفكرة، واعتقد ان التنسيق الدولي لن يتوقف او يموت في يوم من الايام، بل هناك الوسائل التي ستؤدي، بمشيئة الله تعالى، الى قيام خلافة اسلامية، على منهاج النبوة. والحديث عن وفاة التنسيق الدولي من باب الاماني، وليس من الواقع في شيء، لان الموت في حد ذاته افلاس فكري لا نقبل به، ولكن التنسيق الدولي يسعى الى لقاء الاخوة في كل عصر وفي كل مكان، وقد يكون هناك ما هو مبرمج، وهناك ما هو غير مبرمج». وكانت بعض وسائل الاعلام قد ذكرت ان التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، اجتمع في لندن قبل أيام، وان من ضمن قراراته نقل المقر الرسمي من برلين الى لندن، غير ان الهلباوي قال ردا على هذا: «لا أعرف لقد كنت منشغلا في مؤتمر آخر في مركز دراسة الارهاب بشرق لندن، وبعده سافرت الى الخارج». وقال الهلباوي حول طريقة التنسيق بين «التنسيق الدولي للاخوان المسلمين»: «التنسيق عادة في الحركة الاسلامية يكون بين اقطار وليس افرادا، والأقطار ترشح ما تراه مناسبا للتنسيق الدولي، وربما ينضم الينا بعض الشخصيات المميزة من علماء ومفكرين او رجال اعمال لخدمة اهداف وغايات التنسيق، وعموما فان التنسيق بين الاعضاء موجود في كل الاقطار التي بها حركة اسلامية، اما الاقطار التي لا تزال الحركة الاسلامية بها جديدة، ففي العادة يكون التركيز على البناء والتربية والتعليم وتدريب الكوادر، اعدادا للمستقبل». وحول اعتبار بعض المراقبين وخبراء الحركات الاسلامية ان تنظيمات الاخوان مسؤولة عن حركات العنف التي خرجت من رحمها، وأنها فشلت في ادانة العنف منذ البداية، قال الشيخ الهلباوي: «الابن العاق والابن البار يخرجان احيانا من رحم ام واحدة، وليس للاب او الام في هذا جريمة، ولذلك فان الاخوان المسلمين، عندما وجدوا ان بعض الشباب في السجون والمعتقلات، نحوا نحو التشدد والغلو والتكفير، قام الاخوان داخل السجون، ايضا بكتابة الكتاب الطيب «دعاة لا قضاة»، الذي كان من تأليف الامام حسن الهضيبي، حيث أدان الاخوان فيه العنف وأوضحوا الطريق الصحيح الذي يريدونه، وأرادوا تبصرة المتشددين بعظيم الخطر المقبلين عليه وعلى بلادهم وما يتهدد ابناء الحركة الاسلامية بسبب مزاعمهم. لقد ركز الاخوان في كتابهم وأدبياتهم على مناهج الوسطية، التي يسير عليها شبابهم، بتوضيح خطط المستقبل بعيدا عن العنف». وأوضح ان الجماعات التي تشددت وتطرفت وباتت في السجون المصرية اليوم، اقبلت على ما يسمونه بالمراجعات الفكرية، التي لم تخرج عما قاله الامام حسن الهضيبي قبل وفاته، وحتى الامام المؤسس حسن البنا كانت له كلمة مشهورة، بعد قتل رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا عام 1948، واتهام احد اعضاء الاخوان بتنفيذ العملية، قال: «لا أخوان ولا مسلمون»، وان كنت شخصيا افهم من قول البنا انه لم ينف عن القاتل الاسلام، ولكنه نفى ان يكون مسلما جيدا. وبالنسبة لما يثار من حين لاخر عن ان الاخوان ساحة دعوية تتطلب الشفافية، وهناك كثير من السرية والكتمان بين الاخوان، قال الهلباوي: «على العكس تماما، يخطئ من يظن اننا نلجأ الى السرية والكتمان، والكل يعرف ان الاخوان لديهم في البرلمان 88 نائبا، ومرشدهم معروف وهو الاستاذ محمد مهدي عاكف، والحكومة تعرف اعضاء مكتب الارشاد العام ومجلس الشورى، وعلماء الاخوان ورجالهم كلهم معروفون لا غموض ولا لبس، واذا سألت احد في بيروت مثلا عن مقر الجماعة الاسلامية في لبنان، قالوا لك، تريد مركز: «الاخوان المسلمون». ورفض الهلباوي مقولة ان «جماعة الاخوان» قد تتحول الى العنف بسبب الضغوط المفروضة عليها، وقال: لم يحدث ان لجأت الجماعة الى العنف من قبل، بل الرسالة هي الابتعاد عن العنف، لانه مسلك غير اسلامي، ومسلك ليس فيه رجولة، والتغيير بالقوة لا يحقق الهدف المنشود، وهناك ابواب فقهية تحظر ذلك، وتتحدث عن شروط الخروج عن الحاكم، ويرى جموع الاخوان انهم يجب ان يركزوا على التربية واعداد المواطن، لا الى سرعة الوصول الى الحكم، لان ذلك سيؤدي الى الخروج عن الطريق الصحيح للتغيير والاصلاح، وقد يقدر بعض المراقبين ان الاخوان قد يصلون الى الحكم بسلاسة من دون عنف في غضون 10 او 15 عاما، عموما ليس هناك عجلة، لان العجلة من الشيطان، وليس هناك حرص على الاستحواذ على الحكم، ويكفينا حرص الرئيس مبارك ومن معه. وتابع: «الاخوان لا يضعون على رأس اولويتهم الوصول الى الحكم، ولا نستعجل ذلك ، ولكنهم كما عبروا مرارا وتكرارا، جنود لمن يقود سفينة الصلاح والاصلاح».
محمد الشافعي
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد