البوكمال: غليان قبلي وعشائري على خلفية الاستقطاب بين "النصرة" و"الدولة الإسلامية" والأخيرة تهدردماء عشيرة الجبور
دخلت الحدود العراقية – السورية على خريطة الأحداث الساخنة بعد غيابها لأشهر طويلة، لحساب الانشغال بالمناطق الحدودية الأخرى، سواء اللبنانية مع القلمون، أو التركية مع كسب، أو حتى الأردنية من خلال الحديث عن فتح الجبهة الجنوبية.
وسلّط الهجوم الحاشد الذي شنّه أمس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على مدينة البوكمال في ريف دير الزور، الضوء على هذه المنطقة الحدودية الغنية بالنفط.
وتداخلت عوامل عسكرية وعشائرية واقتصادية عدة في إنضاج "الساعة الصفر" لدى قيادة "الدولة الإسلامية" لشن هذا الهجوم. وجاءت "الساعة الصفر" مباشرة بعد إطلاق "الأمير" العسكري البارز في "جبهة النصرة" في دير الزور أبو أسامة العدني شعار: "الآن الآن جاء القتال"، مهدداً بإرسال الأرتال لاستعادة الرقة، التي تعتبر معقل "داعش" الرئيسي في سوريا، كما يأتي بعد أيام فقط من إصدار "النصرة" بياناً تهدر به دماء عشيرة الجبور في البوكمال.حيث الغليان العشائري والقبلي الذي يتصاعد في المنطقة الشرقية عموماً، ودير الزور خصوصاً، على خلفية الاستقطاب بين "النصرة" و"الدولة الإسلامية".
كذلك، فإن غنى البوكمال بآبار النفط وحقول الغاز لعب دوراً في التشجيع على تسريع قرار الهجوم، لما تتيحه هذه الآبار من مصادر تمويل ضخمة جداً لمن يسيطر عليها، بالإضافة إلى أن من شأن اقتحام البوكمال، بالتزامن مع التقدم الذي يحققه "داعش" في منطقة مركدة وصولاً إلى بلدة غريبة على مدخل دير الزور الغربي، أن يضع مدينة دير الزور، التي تسيطر عليها "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية" بين فكي كماشة، ويحيي بالتالي آمال "داعش" بربط دير الزور مع صحراء الأنبار في العراق، والتي تقع تحت سيطرته الفعلية.
وتمكّن عناصر "الدولة الإسلامية" من اقتحام مدينة البوكمال والسيطرة على مقارّ ومواقع عدة تابعة لـ"جبهة النصرة"، أهمها مقر "الهيئة الشرعية" واعتقال رئيسها محمد الراوي (أبو الليث)، ومستشفى عائشة ومبنى فرع "حزب البعث" سابقاً، لكنهم لم يسيطروا على المدينة بشكل كامل. وشملت سيطرتهم كلا من بلدة كباجب ومنطقة جسر الأمن السياسي الذي شهد انفجار سيارة من دون معرفة مصدرها أو النتائج التي ترتبت عنها، وذلك في الوقت الذي امتدت فيه الاشتباكات إلى كل من بلدة الطيانة ومدينة القورية وسط تضارب الأنباء حول الطرف الذي يسيطر عليها. إلا أن مصدراً محلياً أكّد، أن مفاوضات حصلت في وقت متأخر من مساء أمس توافق فيها "النصرة" و"داعش" على عدم رفع راية أيٍّ منهما في القورية، تمهيداً للتوصل إلى اتفاق نهائي حول المدينة، مشيراً إلى أن مجموعة "داعش" التي هاجمت القورية كانت بقيادة "أمير من داعش" يسمى أبو الغرباء التونسي.
وتعددت الروايات حول الهجوم على البوكمال، حيث أصرّ قياديو "جبهة النصرة"، وعلى رأسهم عطية الله العكيدي، أن أرتال المهاجمين دخلت عبر الحدود العراقية. ووجه العكيدي اتهاماً غريباً إلى زعيم "داعش" أبي بكر البغدادي بأنه يتلقى الدعم من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في الوقت الذي يخوض فيه الطرفان حرباً شرسة ضد بعضهما البعض منذ سنوات طويلة تصاعدت حدتها خلال الأشهر الثلاثة السابقة.
أما المعلومات المؤكدة فتشير إلى أن رتل "داعش" الذي قام بالهجوم على البوكمال جاء من البادية، حيث اقتحم البوكمال في البداية من منطقة معزولة ليس فيها سوى بنايات قيد الإنشاء ومنها انتشر إلى المواقع والمقارّ التي تمت السيطرة عليها.
وأكد المصدر المحلي، أن عشائر عدّة ساعدت رتل "الدولة الإسلامية" في الهجوم على البوكمال، ومن بينها المراسمة، والجبور الشيخ حمد، وعقيدات الشعفة، والبكّير، في المقابل قاتل إلى جانب "جبهة النصرة" ألوية عدة مثل "لواء القعقاع" و"جيش أهل السنة والجماعة" و"جيش مؤتة" و"جيش محمد" وقسم من قبيلة العقيدات.
ونفى المصدر أن يكون صدام الجمل، الذي كانت "النصرة" هدرت دمه، قد بايع "داعش"، مشيراً إلى أن مشاركته في القتال ليس لأنه تابع لـ"داعش" وإنما لأنه يقاتل ضد خصومه المعروفين في "جبهة النصرة" و"الجبهة الإسلامية".
والجدير ذكره أن صدام الجمل كان "قائد المنطقة الشرقية في هيئة أركان الجيش الحر" قبل إعلان "توبته"، وإشاعة أنه بايع "داعش"، وأنه تولى فيه منصب "والي البوكمال". وقد لقي شقيقه نادر الجمل مصرعه أثناء اشتباكات أمس، التي سقط فيها عشرات القتلى والجرحى من كلا الطرفين، من دون معرفة الحصيلة بشكل نهائي بسبب استمرارها. كما أسر "داعش" قائد "لواء أحرار المشاهدة" محمد رجا مع 11 عنصراً تابعين له.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد