التبدلات الثلاثةفي مسارالدبلوماسيةالتركيةوالتحررمن المسارالأمريكي
الجمل: تسعى تركيا في هذه الأيام إلى تفعيل سياساتها الخارجية نحو مسار أكثر استقلالية عن واشنطن وبرغم توافق المصالح التركية – الأمريكية إزاء الكثير من القضايا فإن دبلوماسية أنقرة أصبحت تبتعد أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم بشكل ناعم عن دبلوماسية واشنطن التي تحاول توظيف تركيا لتقوم بدور القاعدة الإقليمية الرئيسية للتوجهات الأمريكية إزاء الشرقين الأوسط والأدنى.
* دبلوماسية أنقرة وإعادة تشكيل مفهوم الأمن الحيوي التركي:
يرتبط مفهوم الأمن الحيوي بمفاهيم فرعية أبرزها مفهوم الأمن والدفاع ومفهوم السياسة الخارجية وبالنسبة لتركيا فهي تحاول حالياً توجيه سياساتها الخارجية والسيطرة على أدائها السلوكي لجهة الآتي:
• استبدال دور الوكيل السياسي الأمريكي بدور الوسيط في حل النزاعات الإقليمية وعلى وجه الخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي وأزمة الملف النووي العراقي.
• استبدال دور الحارس للمصالح الأمريكية بدور المتعاون الذي يسعى إلى تحقيق التوازن الإيجابي بين مصالح الجميع.
• استبدال دور بؤرة التحالفات الإقليمية الأمريكية بدور الإطار الجامع لتحالفات التعاون مع جميع أطراف المنطقة.
وعلى خلفية هذه التبدلات الثلاثة تسعى دبلوماسية أنقرة إلى التحرر من دائرة الارتباط الصارم بالمسار الأمريكي لجهة الانتقال النوعي الذي يتيح لأنقرة المزيد من هامش الحركة والمناورة وذلك بما يجعل من تركيا مركزاً إقليمياً يقوم بدور رائد ومستقل في استقطاب الجميع وبناء شبكة المصالح المتوازنة بين الأطراف المتنافرة الموجودة في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى.
* الخارطة الجيو-سياسية لمنطقة بحر قزوين:
تقول التسريبات الدبلوماسية بأن أنقرة قد قطعت شوطاً كبيراً في تحقيق التقارب بين أذربيجان وأرمينيا وعلى وجه الخصوص في الاعتبارات والجوانب المتعلقة بالصراع الأذربيجاني – الأرمني الدائر حالياً حول السيطرة على إقليم ناغور كرباخ الأذربيجاني الذي تطالب أرمينيا بالسيطرة عليه بسبب الأغلبية الأرمنية المسيحية فيه برغم ووجوده ضمن الأراضي الأذربيجانية الإسلامية، وإقليم تاختشيفان الأرمني الذي تطالب أذربيجان بالسيطرة عليه بسبب الأغلبية الأذربيجانية المسلمة فيه برغم ووجوده ضمن الأراضي الأرمنية.
تعود جذور الخلاف إلى المرحلة الستالينية السوفيتية عندما قرر ستالين توطين الأذربيجانيين داخل أرمينيا وتوطين الأرمن داخل أذربيجان وكان ستالين يسعى إلى إدماج الطرفين ضمن بعضهما البعض بما يترتب عليه بمرور الزمن تعزيز قدرة كل طرف على التعايش مع الآخر وصولاً إلى تقليل حدة التوتر وتسريع عملية الاندماج الوطني بين شعوب وأمم الاتحاد السوفيتي.
خلال فترة الصراع الأرمني – الأذربيجاني التي وصلت إلى الحرب خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال كل من أرمينيا وأذربيجان، حدثت بعض الاستقطابات التي أدت إلى تغيير خارطة التحالفات في المنطقة:
• وقفت تركيا إلى جانب أذربيجان.
• وقفت روسيا إلى جانب أرمينيا.
وبسبب تصاعد الخلافات الأمريكية – الإيرانية والتقارب الروسي – الإيراني فقد وقفت الجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة! الأمر الذي أدى بالضرورة إلى تقدم واشنطن ووضع يدها على أذربيجان ومحاولة استخدامها كقاعدة انطلاق لاستهداف روسيا وإيران إضافة إلى استخدام أذربيجان للمزيد من الانطلاق باتجاه دول آسيا الوسطى الموجودة على الجانب الآخر من ضفة بحر قزوين.
اكتسبت الصراعات في منطقة قزوين ديناميكية أكبر بسبب الخلافات بين دول المنطقة فيما يتعلق بالسيطرة على مخزونات بحر قزوين من النفط والغاز، إضافةً إلى محاولة كل طرف السيطرة والاستفراد بمزايا تمرير أنابيب نقل النفط والغاز عبر أراضيه، وقد أدت هذه الظاهرة إلى إشعال حرب باردة نفطية بين دول المنطقة والشركات الكبرى، والولايات المتحدة وروسيا.
* دبلوماسية أنقرة وإشكالية إعادة ترتيب منطقة بحر قزوين:
ركزت التحركات الدبلوماسية التركية خلال الفترة الماضية على مثلث تبليسي الجورجية – باكو الأذربيجانية – ييرفان الأرمنية، وتجدر الإشارة إلى أن دبلوماسية محور واشنطن – تل أبيب قد ركزت في فترة ما قبل الحرب الروسية – الجورجية على ترتيب منطقة بحر قزوين على أساس اعتبارات تعزيز مثلث باكو – تبليسي – أنقرة، وهو المثلث الذي تم على خلفية إخراج سيناريو خط أنابيب باكو – تبليسي – جيهان وصولاً إلى الساحل الإسرائيلي، وبالمقابل لهذا المثلث ركزت دبلوماسية واشنطن على عزل مثلث طهران – ييرفان – موسكو بحيث يتم حرمان النفط الإيراني والروسي من مزايا العبور عبر الأراضي التركية والجورجية إضافةً إلى وضع دول آسيا الوسطى أمام الأمر الواقع بحيث لا يكون أمامها من مفر سوى تمرير أنابيب النفط عبر تركمانستان وعبور بحر قزوين إلى أذربيجان وجورجيا وتركيا.
أدت الحرب الجورجية – الروسية إلى ظهور بعض النتائج الجديدة وهي نتائج تحاول أنقرة استثمارها حالياً عن طريق:
• حل الخلافات الأرمنية – التركية.
• حل الخلافات الأرمنية – الأذربيجانية.
• حل الخلافات الإيرانية – الأذربيجانية.
• حل الخلافات الروسية – الأذربيجانية.
وتجدر الإشارة إلى أن دبلوماسية أنقرة تركز على المحاور الآتية كوسيلة لحل الخلافات:
• بناء المصالح بشكل جديد يقوم على التعاون بين دول المنطقة في مجال النفط والغاز وتعزيز التجارة الإقليمية.
• التوصل إلى تسويات حقيقية حول قضايا السيادة والنزاعات الحدودية.
• إبعاد الأطراف الخارجية والتدخل الأجنبي في حل الخلافات.
• اللجوء إلى التفاهم والحوار عبر الآليات الإقليمية بدلاً من اللجوء إلى الحرب والنزاع.
تشير التسريبات والمعلومات إلى أن التسوية الأرمنية – الأذربيجانية تجري حالياً على قدم وساق وعلى الأغلب أن تجد أرمينيا نصيبها هذه المرة في استثمارات تمرير أنابيب النفط والغاز عبر أراضيها، وتقول المعلومات بأن إيران ستسعى للدخول على خط التقريب بين أرمينيا وأذربيجان بما يترتب عليه تنفيذ مشروعات تمرير أنابيب النفط والغاز الإيراني عبر الأراضي الأرمنية وصولاً إلى شمال تركيا. أما بالنسبة لجورجيا فإن وضعها في الترتيبات الإقليمية سيكون رهناً باحتمالات حدوث الآتي:
• نجاح المعارضة الجورجية الناشطة حالياً في القيام بمهمة إسقاط نظام الرئيس ساخاشفيلي الموالي لواشنطن وتل أبيب.
• تعديل نظام الرئيس الجورجي ساخاشفيلي لتوجهاته الحالية والقبول بالتقارب مع توجهات دول المنطقة.
إن نجاح أنقرة في إعادة ترتيب خارطة تحالفات منطقة بحر قزوين سيترتب عليه بالضرورة:
• تقليل النفوذ الأمريكي في المنطقة.
• بناء الروابط مع روسيا.
وبعد ذلك، سيتبقى أمام أنقرة مهمة تهدئة الصراعات التي بدأت تحتدم في منطقة دول حوض البحر الأسود الذي توجد في شماله أوكرانيا المتحمسة للتحالف مع واشنطن وبلغاريا ورومانيا اللتان تورطتا في الارتباط بواشنطن وفي شماله الشرقي توجد روسيا وفي جنوبه الشرقي جورجيا وفي جنوبه توجد تركيا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد