"الجولان" في أنابوليس
الجمل: برغم التشاؤم الكبير والتفاؤل القليل افتتحت الإدارة الأمريكية رسمياً مباحثات السلام في مؤتمر أنابوليس وذلك على أمل الوصول إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط.
* سوريا وأنابوليس:
تحدث الكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري في مقاله الدوري بصحيفة كاونترنيكش الإلكترونية الأمريكية المناهضة لجماعة المحافظين الجدد وإدارة بوش والمناهض لتوجهات إسرائيل العدوانية في المنطقة، قائلاً بأن زعماء اليهود اجتمعوا في عام 1948م من أجل التوقيع على "إعلان الاستقلال" بعد أن نفذ البريطانيون مؤامرة تسليم فلسطين إلى العصابات اليهودية الثلاث: أرغون، شتيرن، والهاغانا. وقد اكتشف الزعماء اليهود عدم وجود بيان مكتوب للتوقيع عليه ومن ثم ما كان منهم إلا أن قاموا بالتوقيع أمام الملأ على ورقة بيضاء خالية .
سوف تنتهي اجتماعات مؤتمر أنابوليس مهما طال بها الوقت، فهل سيوقع العرب على ورقة بيضاء على النحو الذي يجعل إسرائيل تحصل على وثيقة عربية موقعة على بياض؟ أم أن العرب سيؤكدون للعالم هذه المرة أنهم أهل للدفاع عن حقوقهم المشروعة؟
الحذر السوري من المشاركة في أنابوليس كان حذراً من مغبة الذهاب إلى المؤتمرات والمشاركة "على بياض"، والمشاركة السورية في المؤتمر هي مشاركة تهدف إلى دفع العرب إلى عدم التوقيع "على بياض"، خاصة أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل عندما تعمّدتا تجاهل سوريا، كانتا تهدفان إلى "لملمة" العرب على عجل ودفعهم (في غياب سوريا) إلى التوقيع على بياض وهو ما لن يحدث طالما أن سوريا موجودة في أنابوليس.
* مؤتمر أنابوليس: عامل الجولان السوري:
برغم تعمّد الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية الأمريكية عدم التطرق إلى ملف الجولان، فإن وجود سوريا في المؤتمر هو حضور لملف الجولان.
• الجولان المحتل وإشكالية الإدراك الإسرائيلي: يختلف الإسرائيليون حول القيمة الإستراتيجية لمرتفعات الجولان، فالعسكريون الإسرائيليون يرون أن تطور تقنيات الحرب الصاروخية والقدرات الصاروخية السورية قد أدت إلى إفقاد مرتفعات الجولان قيمتها الجيو-ستراتيجية في حال نشوب أي صراع عسري سوري – إسرائيلي. التقييم والاستنتاج العسكري الإسرائيلي دفع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ووزير الأمن العام الإسرائيلي عافي ديختر إلى المطالبة بضرورة التفاوض مع سوريا والتوصل معها إلى صفقة سلام مقابل إعادة مرتفعات الجولان لسوريا. أما زعماء المؤسسة الدينية والسياسية الإسرائيلية، فيرون خلاف ذلك، ويحاولون تصعيد التهديدات ضد سوريا لدفعها إلى الرضوخ لمبدأ "السلام مقابل السلام" وتوقيع اتفاقية تحصل بموجبها إسرائيل على السلام وعلى الجولان السوري معاً.
• الجولان المحتل وإشكالية الإدراك الأمريكي: الإدراك الأمريكي الحالي، وتحديداً إدراك إدارة بوش، إزاء ملف مرتفعات الجولان السورية هو إدراك يمثل متغيراً تابعاً لمتغير الإدراك الإسرائيلي المستقل، في معادلة محور تل أبيب – واشنطن. إن أبرز العوامل المؤثرة في عملية اتخاذ القرار الأمريكي إزاء ملف مرتفعات الجولان السورية تتمثل في الآتي:
* دائرة صنع القرار: وتسيطر على هذه الدائرة حفنة من اليهود الأمريكيين ذوي التوجهات والنزعات الليكودية.
* تداخلات أزمات الشرق الأوسط: بسبب موقع سوريا المجاور للبنان والعراق، فقد أصبحت الإدارة الأمريكية تحاول ممارسة الضغوط على سوريا واستخدام ملفات سوريا والعراق من أجل ابتزازها في ملف الجولان.
* أزمات إسرائيل الداخلية: بسبب تصاعد المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، وخلافات النخب الإسرائيلية، أصبحت قضية الجولان بمثابة ورقة تستخدم في الخلافات السياسية الإسرائيلية – الإسرائيلية، وأيضاً كورقة تحاول من خلالها إسرائيل الضغط على سوريا في محاولة لابتزازها، وأيضاً لممارسة الضغط على الفلسطينيين وتحديداً حركة حماس، وذلك على النحو الذي يعزز موقف السلطة الفلسطينية ويدفعها لتقديم المزيد من التنازلات لصالح إسرائيل، واستناداً إلى ذلك فقد أصبح العامل الأمني الإسرائيلي الداخلي أكثر تأثيراً على قرار واشنطن إزاء سوريا ومرتفعات الجولان.
* التوجهات الإستراتيجية الأمريكية الخاصة: المشروع الأمريكي إزاء الشرق الأوسط يستهدف سوريا وذلك لأن تماسك القوام الجيو-سياسي لكل منطقة الشرق الأوسط يعتمد على مدى تماسك القوام الجيو-سياسي لسوريا. بكلمات أخرى، فإن السيطرة على منطقة شرق المتوسط بما فيها إسرائيل شرطها الأساسي هو السيطرة على سوريا، وقد فكرت الإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد مراراً وتكراراً وما زالت تفكر في كيفية تحقيق ذلك وعلى أي الخيارات يجب أن تعوّل: العمل العسكري، العقوبات الاقتصادية، العزل السياسي.... الخ. وما كان لافتاً للنظر أن كل الحسابات التي قام بها الخبراء الإستراتيجيون أشارت إلى نتيجة واحدة: إن كل واحد من هذه الخيارات يؤدي عكس النتيجة المطلوبة، وذلك بسبب تماسك القوام الداخلي السوري إزاء المهددات الخارجية، وتأسيساً على ذلك، طالما أن إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد لم يستقر أمرها بعد على خيار محدد إزاء سوريا، فقد كانت النتيجة تعليق ملف الجولان السوري إلى حين التوصل إلى الخيار الممكن.
* ملف الجولان: القراءة في حسابات الفرص والمخاطر:
* بالنسبة للإسرائيليين: يريدون الحصول على التطبيع مع العرب وعدم الانسحاب من الجولان وتدمير حركة حماس بمقابل سيطرة محمود عباس الكاملة على الأراضي الفلسطينية ثم توريط الأردن بالإشراف على الأمن في الضفة الغربية ومصر بالإشراف على الأمن قطاع غزة.
* بالنسبة للفلسطينيين (السلطة الفلسطينية): يريدون ما يلي:
* الاتفاق على قضايا الوضع النهائي.
* الدخول في المرحلة الثالثة من مشروع خارطة الطريق.
* إيقاف الدعم السعودي لحركة حماس.
* إلزام مصر بممارسة الضغوط على حركة حماس.
* تفادي إشراف الأردنيين على الضفة الغربية
* تأمين المساعدات الأمريكية والأوروبية للسلطة الفلسطينية.
* القضاء على نفوذ حركة حماس.
* تخفيف الضغوط والقيود التي تفرضها إسرائيل عليها.
* بالنسبة للسوريين: يريدون الحصول على:
* استئناف محادثات السلام السورية – الإسرائيلية.
* الانسحاب الإسرائيلي من الجولان.
* إدراج ملف الجولان السوري ضمن أجندة مؤتمر أنابوليس التي سوف تبدأ بعد انتهاء المؤتمر على هدي المبادئ العامة التي ستصدر عن المؤتمر.
* الحفاظ على تماسك ووحدة الموقف العربي الرافض للاحتلال الإسرائيلي للجولان والأراضي الفلسطينية.
* بالنسبة للإدارة الأمريكية: تريد الحصول على:
* خروج المؤتمر بنتائج وتوصيات تتطابق مع الموقف الإسرائيلي.
* تحسين صورة أمريكا في الشرق الأوسط.
* إعادة هيمنة أمريكا على ملفات الشرق الأوسط.
* إبعاد الأطراف الدولية الأخرى عن القيام بأي دور في منطقة الشرق الأوسط وبالذات روسيا والصين والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
* إبعاد إيران عن القيام بأي دور في منطقة الشرق الأوسط.
* تهدئة الصراع في الأراضي الفلسطينية.
* بناء تحالف عربي واسع ضد إيران.
* تأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
* التعويض عن فشل الإدارة الأمريكية في العراق وأفغانستان.
عموماً، تدرك إسرائيل والإدارة الأمريكية جيداً لـ"مخاطرة" وجود سوريا في مؤتمر أنابوليس وأيضاً لـ"الفرصة" التي يمثلها عدم وجود سوريا في المؤتمر لجهة إمكانية دفع الأطراف العربية الأخرى إلى التوقيع على صفقة سلام عربي – إسرائيلي تم إعداده وفقاً للمواصفات الإسرائيلية التي لا تتماشى مع المنظور السوري.
وقد فشلت جهود الإسرائيليين والأمريكيين لدرء وتفادي "مخاطرة" مشاركة سوريا، وبالتالي فإن "الفرصة" المتاحة من أجل تنفيذ سيناريو الصفقة أصبحت أكثر تضاؤلاً، خاصة وأنه في الجلسة الافتتاحية بدأت رياح المشاركة السورية تأتي بما لا تشتهيه السفن الأمريكية والإسرائيلية:
• تشديد السوريين على موقفهم المطالب بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان.
• مطالبة السعوديين بضرورة البدء في المفاوضات السورية – الإسرائيلية.
• مطالبة الأطراف العربية للولايات المتحدة بالعمل كقوة دفع لإسرائيل من أجل قبول مبدأ التطبيع الكامل مقابل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م.
• انتقاد الوفد اللبناني للإسرائيليين وتحميلهم المسؤولية ومطالبتهم بالانسحاب من مزارع شبعا.
• تحذير الوفد السوري القائل بأن فشل مؤتمر ومفاوضات أنابوليس سوف تترتب عليه عواقب وتداعيات كبيرة.
حتى الآن، فإن الإدارة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل سوف يعتمدون على استخدام السعودية كطرف رئيسي في ممارسة الضغوط على الأطراف العربية وذلك لجملة من الأسباب:
• احتراق مصداقية مصر كقوة إقليمية.
• عدم قدرة الأردن على القيام بدور "عامل الضغط".
• تزايد النفوذ الأمريكي على القرار السياسي السعودي.
• تزايد النفوذ السعودي على حركة حماس.
• قدرة السعودية على ممارسة الضغط على الجامعة العربية والأطراف العربية الأخرى.
أما السعوديون فإن قبولهم للضغوط الأمريكية هو قبول يتوقف على مدى قدرة نتائج المؤتمر على الانسجام مع التوجهات السعودية، وحجم السقف المتاح أمام السعوديين لتلبية المطالب الأمريكية، والسعوديون لن يستطيعوا الموافقة على تدمير حركة حماس التي تمثل النخبة الفلسطينية السنية، كذلك لن يستطيعوا القبول بضم القدس بسبب القيود الإسلامية، كما لن يستطيعوا الضغط على سوريا من أجل التنازل عن الجولان، وعلى ما يبدو فإن نجاح المؤتمر سوف يكون مرهوناً بمدى قبول إسرائيل لرد الحقوق العربية المشروعة، وليس لـ"التنازلات المؤلمة" التي تحاول إدارة بوش فرضها على الأطراف العربية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد