الدمشقيون يحتفون بضيوف القمة وعاتبون على الغائبين

30-03-2008

الدمشقيون يحتفون بضيوف القمة وعاتبون على الغائبين

المعادلة بسيطة بالنسبة الى غالبية السوريين الذين اسُتطلعت آراءهم: نجاح القمة العربية، التي افتتحت أعمالها أمس في دمشق، هو نجاح للقادة العرب، وفشلها يعني فشلهم، إلا ان النجاح الذي سينسب لسوريا، بنظر أهلها، هو أنها، في ترؤسها للدورة العشرين للقمة، ستجعل العالم العربي «عربياً لعام واحد».
الحديث هنا عن «فشل» القمة أو «نجاحها» ليس أمراً يكترث له السوريون، الذين كما قال أحدهم، «يقفون وراء نظامهم»، مرددين الصدى الذي عبّرت عنه الحكومة السورية بالقول إنها «ستعقد قمّتها بمَن حضر»، في معرض ردّها على خفض التمثيل السعودي والمصري.. وفي ما بعد، الأردني والبحريني واليمني.. وهي فعلت، ما جعل الكثيرين يرون أن القمة باتت «قمة التحدي» بدلاً أو ربما إضافةً إلى «قمة التضامن» الذي رفعته دمشق شعارا.
بعيداً عن القمة وكواليسها السياسية.. المدينة دمشق، إحدى أقدم العواصم المأهولة في العالم، اتسعت في الأيام الأخيرة لتضم، برحابة صدر غير منظورة، وفوداً انهالت عليها من جميع الدول، الأجنبية والعربية الصديقة منها أو «المجامِلة»، كما فضّل سائق عمومي تسمية الدول الموالية للدول المقاطعة أو غير الممثلة «على نحو لائق بها» في القمة.
رحابة الصدر تلك بلغت بدمشق حداً أن الرئيس بشار الأسد «أمر جميع العسكريين والموظفين الرسميين ممن يملكون سيارات مخصصة لهم من قبل الحكومة، وضعها في تصرّف القمة وضيوفها»، بحسب ما أكد مصدر سوري. ولمَ هذا الإجراء؟ «لأن الرئيس لمس أن هناك قصوراً في عدد السيارات التي بالإمكان استئجارها».
الشارع السوري هو أيضاً «مضياف ودافئ» تقول إعلامية يابانية، فتصحح لها جارتها «الأصح: لا يزال يحتفظ بدفئه». هو تصويب يصبح مفهوماً عندما تعلم أن المتحدثة... لبنانية.
محقة هي تلك «اللبنانية»، إذ يكفي أن يكتشف المواطن السوري أن محدّثه لبناني، من لهجته، حتى يبادره بطيبة، باتت عملة نادرة، «نحن نحب اللبنانيين، لكن لماذا سمحتم لهم بأن ينسفوا تاريخنا المشترك»؟ يتساءل السائق العمومي مشيرا الى فريق السلطة في لبنان، ويترحم في الوقت ذاته على رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري قائلا «مسكين كان رجلا»، ثم يضيف «كم هو معيب أن يرقصوا مع بوش»، أي الرئيس الأميركي.
ترتيبات القمة بنظر السوريين أصابتهم بـ«الفصام»، فالقمة كانت المناسبة التي لأجلها قامت «الحكومة بتزفيت الطرقات وتوسيعها وتشجيرها»، بحسب ما قال مدرس لغة إنكليزية. لكن هذه الترتيبات أربكت تنقلاتهم بسبب كثرة الطرقات التي أغلقت بشكل كامل ضماناً لأمن الوفود الرسمية، وبسبب الإجراءات الأمنية «المشددة إلى حد الهوس وعلى نحو لم أشهد مثله في حياتي»، بحسب ما قال مثقف سوري في الـ35 من عمره.
من يعرف دمشق قبل القمة، وخصوصاً في المرحلة التي تلت الغزو الأميركي للعراق، وما استتبعه من توافد نحو مليوني لاجئ عراقي إلى سوريا، يعلم انها مدينة تكاد تختنق بقاطنيها.. فما البال إن أُضيف إليهم ضيوف قمتها، الذين استحال على الصحافيين لقاؤهم، مع تسريب شائعات عن إمكان وقوع «تفجيرات»، قالت صحافية في وكالة «سانا» إن هدفها «ممارسة المزيد من الضغوط على القمة الدمشقية».
نقاط التفتيش والحواجز الأمنية التي انتشرت في مختلف أنحاء العاصمة كثيرة، ويكاد عدد رجال الأمن المكلّفين مراقبة الفنادق حيث يقيم الصحافيون يضاهي عدد هؤلاء الصحافيين أنفسهم.
عندما سأل الممثل نضال نجم عن رأيه في أن تتسلّم بلاده رئاسة الدورة العشرين للقمة العربية، اختصر في جوابه حديثاً بكامله: «العالم العربي سيكون عربياً لمدة عام»! والقمة الدمشقية كانت «جهاز كشف الرياء العربي»! .
نجم يعتبر أن غياب لبنان عن القمة قد يكون مبرراً للبعض، لكن «خفض التمثيل المصري والسعودي والأردني وغيرهم أسوأ من التغيب»، حيث يُفترض بـ«الملك والرئيس أن يكونا مواطنين قبل ان يكونا زعيمين». ثم يطلب نجم من المقاطعين أو المخفضين تمثيلهم «إذا كانوا يهدفون إلى ان تتخلى سوريا عن المقاومة، فليشهروا أسلحتهم تجاهها جهاراً مثلهم مثل غيرهم»!.
أما مهندس الأدوات الطبية جورج عقاد، وقبل أن يبدأ حديثه، فإنه يستوي في مقعده، يتخذ نبرة جدية ويروي «إن كنتَ خروفاً هل يتغير شيء إذا كنتَ خروفاً في دمشق أو بيروت او الرياض أو القاهرة.. كلا ستبقى خروفاً.. والقمة إن كانت في دمشق أو بيروت او أية عاصمة أخرى، ستبقى القمة قمة عربية»، مذكرا بأن خيار انعقاد القمة في العاصمة السورية تقرر في الرياض العام الماضي.
عتب عقاد على السعودية ليس مرتبطاً بقرارها خفض مشاركتها في قمة دمشق، فهو «يستغرب ألا تقول الرياض، ولو كلامياً، انها ترفض استقبال (الرئيس الأميركي جورج) بوش، و(نائبه ديك) تشيني، اللذين أيدا وحشية إسرائيل في محرقتها على غزة، ووقفا إلى جانبها في عدوانها على لبنان في صيف 2006»، ثم يجادل «ترى ماذا ستفعل الآن مثلا لموريتانيا المهددة بمجاعة لا سابق لها».
ودافع صحافي أردني، رفض الكشف عن اسمه، عن موقف بلاده من القمة، مؤكداً نقلاً عن مصادر حكومية مقربة من الديوان الملكي أن «الملك الأردني (عبد الله) كان سيحضر القمة وأن مكان إقامته كان مجهزاً لاستقباله» لولا أنه أذعن «لضغوط ربع الساعة الأخير». وعما اذا كان يعني الضغوط الأميركية التي بلغت ذروتها مع مجيء وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس؟ يجيب جازماً «بالطبع، لكن أيضاً الضغوط السعودية والمصرية».
من جهتها، «تستغرب» الموظفة في شركة الطيران السورية منال عمار موقف اليمن تحديداً، بعدما قرر الرئيس علي عبد الله صالح إيفاد نائبه عبد ربه منصور إلى القمة نيابةً عنه، عازيةً هذا القرار «المفاجئ» إلى أن «رايس تقوم بواجباتها على أتمّ وجه».
خصوصية اليمن هي أنها الدولة التي بادرت إلى السعي لحل الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وعدم حضور رئيسها يعني، بنظر فلسطيني من غزة كان متواجداً في دمشق ورفض الكشف عن اسمه خلال حديث، أن «المبادرة تزعزعت، لا بل فشلت»، والرسالة التي حملها وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي لرئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل هي: «رفعنا أيدينا عن المبادرة»، وهو ما ينذر بأن حل الانقسام الفلسطيني أرجئ إلى موعد جديد مع مبادرة أخرى.
بعيداً عن المسائل العربية العربية، التي طغت على كامل الأيام التي سبقت القمة، اضاف وزير الخارجية وليد المعلم في تصريحاته أمس الأول نكهة دولية على حديث الشارع السوري. وتكاد تقسم ربة المنزل سمر حلاق إنها سبقت المعلّم في الرد على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مؤكدةً أنها «عندما سمعت ساركوزي يتحدث عن صوابية قرار مصر والسعودية، وتمادي سوريا، قلت ان هذا الرجل وقح، فنحن لم نتدخل في شؤونهم قط».
وتُقرّ رئيسة تحرير «اذاعة فرنسا الدولية» ديان غاليو، رداً على سؤال بأن تصرّف ساركوزي يعتبر «تدخلاً»، لكن «يجب ألا ننسى أن كلام ساركوزي القاسي أتى كردّ فعل على فشل فرنسا في حل الأزمة اللبنانية، فضلاً عن ان ساركوزي ليس (سلفه جاك) شيراك، فهو أقرب إلى الأميركيين منه إلى العرب».

جنان جمعاوي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...