الرئيس أوباما يتكلم عن الربيع العربي: السَرد والاستعارة

14-09-2012

الرئيس أوباما يتكلم عن الربيع العربي: السَرد والاستعارة

الجمل- مات بونام/جامعة سيراكيوز - ترجمة د.مالك سلمان:

مقدمة
أحاول في هذه الدراسة أن أموضعَ لغة الرئيس أوباما المجازية في سياق أوسعَ هو سردُ مقاربته للعالم الإسلامي, بما في ذلك "مُكامِلاته الدلالية الأساسية". وسوف يبين تحليلي هذا أن اثنين من هذه المكاملات الدلالية, "سياسة أوباما الجديدة" و "الاختلاف عن سياسة بوش", ينعكسان بشكل واضح في استخدامه للاستعارة حول العالم الإسلامي. كما أناقش التحديات التي يواجهها الرئيس أوباما فيما يتعلق بالربيع العربي, حيث يحاول إيصالَ رسالة واضحة إلى جماهيرَ متنوعة لا تشترك معه في تقاليده الثقافية والسياسية والدينية. فعندما ألقى الرئيس أوباما خطابَه في القاهرة في 4 حزيران/يونيو 2009 كان يخاطب العالمَ الإسلامي, ولكن كان عليه أيضاً أن يأخذ بالحسبان الجماهيرَ الأمريكية والأوربية التي ترى العالمَ بطريقة مختلفة نتيجة لتقاليدها الثقافية والسياسة والدينية الخاصة بها. لقد تجاهلَ الرئيس بوش هذا التحدي فوجد, نتيجة لذلك, أن رسالته أربَكت الجماهيرَ في العالم الإسلامي وعززت الموقفَ البلاغي لمعارضي سياساته. قدمَ الربيعُ العربي, "موسمُ الأمل", للرئيس أوباما فرصة للتحدث إلى جماهير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, إضافة إلى جماهيره المحلية في الولايات المتحدة, باستخدام اللغة نفسها والتعبير عن قيم مشابهة. كما مكَنته هذه الفرصة من العودة إلى "البداية الجديدة" في العالم الإسلامي ومواصلة "الرحلة".

المُكامِلات الدلالية الأساسية
في سنة 2010 قام سيرغيف وزملاؤه في "معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية" بإجراء تحليل مكثف لسُرود إدارة أوباما في محاولة لاستخلاص المفاهيم المركزية التي تحكم هذه السرود. وبعد تحديد الشبكة الاجتماعية للرئيس أوباما, استخدموا تقنيات التخطيط المعرفي بهدف تشفير وتمثيل الخطابات بشكل تصويري, إضافة إلى الشهادات التي قدَمها أمام الكونغرس 46 شخصاً يحتلون مركزَ شبكته الاجتماعية هذه. ومن خلال مزج الخرائط المعرفية لكل واحد من هؤلاء الأشخاص, تمكنوا من إنتاج تمثيل للسرد كله. وقد مكنَ تحليلُ هذا التمثيل سيرغيف وزملاءَه من تحديد "المُكامِلات الدلالية الأساسية" للسرد. والمكاملات الدلالية الأساسية هي مفاهيمُ منظِمة تعمل على ضغط أجزاء من التمثيل السردي في بُنىً مُحكمَة بشكل أو بآخر. ففي الجزء الخاص بتمثيل ‘المنطقة المركزية’ (الشرق الأوسط الكبير), وجد سيرغيف وزملاؤه مكاملاً دلالياً أساسياً واحداً. وعلى العكس من بوش, تُرَكز "سياسة أوباما الجديدة" على "استئصال أسباب المشاكل في المنطقة", مما ينتج عنه انحسار في "وحشية" إدارة بوش. وتبعاً لبعض أعضاء شبكة أوباما, يمكن لهذه السياسة الجديدة أن تكونَ جذابة وتعملَ على الترويج لمكانة الولايات المتحدة في العالم. ويتم استخدام المكامل الدلالي الأساسي, "سياسة أوباما الجديدة", بشكل أكثر في التصريحات المتعلقة بمشاكل أفغانستان والعراق, إضافة إلى تحديات أخرى أفرزَتها مشكلة الإرهاب الدولي. ومع ذلك, لاتبرز هذه الاستعارة إلا بشكل نادر في سرود مرتبطة بالأمن النووي والمشكلة النووية الإيرانية, كما تكاد تكون غائبة في سرود تتعلق بالمشكلة الاقتصادية. وقد استنتجَ سيرغيف وزملاؤه من هذه الملاحظة أن "سياسة أوباما الجديدة" لاتمتدُ لتطالَ المشكلة النووية الإيرانية, مما يعني أن السياسة المتبعة تجاه المشكلة النووية الإيرانية لن تختلفَ عن سياسة إدارة بوش.
يشكل الرأي القائل إن إيران قائد طبيعي في المنطقة يجب على السياسة الأمريكية أن تأخذ طموحاتِه بعين الاعتبار موقفاً معقداً وغامضاً تمَ استخلاصه من مَزج سرودِ عدة متحدثين مثل دينيس بلير, المدير السابق للأمن الوطني, ودينيس روس, المساعد الخاص للرئيس أوباما والمدير الأعلى للمنطقة المركزية في هيئة الأمن الوطني, وروبرت غيتس, وزير الدفاع السابق. ويعكس هذا الرأي الموقفَ الواقعي الكلاسيكي القائل إن "عدوَ عدونا هو صديقنا". وبما أن إيران عدوٌ لطالبان فإن تأثير إيران ونموَ دورها في المنطقة ينبثق من رغبة الدولة الطبيعية في المحافظة على موقعها, مع استبعاد الأصولية الإسلامية. وتبدو هذه النظرة, بالنسبة إلى سيرغيف وزملائه, "مكوناً دلالياً أساسياً" لإمكانية امتداد المكامل الأساسي, "سياسة أوباما الجديدة", ليطالَ السرودَ السياسية الإيرانية عند الضرورة. ويقول سيرغيف وزملاؤه إن المسؤولين في إدارة أوباما لا يُلامسون المشكلة الإيرانية لأن أوباما لا يعرف الآن كيف يتعاطى مع إيران.
أما المكامِل الدلالي الثالث فهو "مشكلة الحَد من انتشار الأسلحة النووية", وكان المتحدثين الرئيسين حول هذا الموضوع هم: غاري سامور, المساعد الخاص للرئيس ومنسق التحكم بالأسلحة وأسلحة الدمار الشامل وانتشار الأسلحة النووية والإرهاب, ودينيس روس, وتوماس دونيلون, وروبرت غيتس. وعلى العكس من المكاملَين الأولَين, لايفترض هذا المكامِل الأفعالَ والخططَ بشكل مسبق بقدر ما يشير إلى الحفاظ على الوضع القائم كما هو في ظل معاهدة الحَد من انتشار الأسلحة النووية. وتشكل هذه المعاهدة عاملَ احتواء في "سياسة أوباما الجديدة", لكن جميع المتحدثين قالوا إن خَرقَ هذه المعاهدة يمكن أن يكونَ أكثرَ كلفة.
وقد بيَنَ التحليلُ مكاملاً دلالياً أساسياً آخرَ هو "الاختلاف عن سياسة بوش", الذي يبدو دحضاً علنياً لرؤى إدارة بوش السياسية. ولأن الرئيس أوباما يستخدم إدارةَ بوش كنقطة مرجعية سلبية, فمن المفيد أن نقارنَ رؤية بوش للعالم الإسلامي برؤية الرئيس أوباما.



اللغة المجازية
بُعَيدَ حفل تنصيبه, أظهرَ الرئيس باراك أوباما تغيراً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي في مقابلة على قناة "العربية". إذ ركزَ الرئيس أوباما في هذه المقابلة على العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران. بدأ أوباما بنغمة إيجابية ("والآن, إن الشعبَ الإيراني شعب عظيم, والحضارة الفارسية حضارة عظيمة"), لكنه تابعَ ليشير أن "إيران قد تصرفت بطرق لا تتماشى مع السلام والازدهار في المنطقة ...", ليُنهي المقابلة بتكرار سطر من خطاب التنصيب الرئاسي: "إذا كانت دوَل من أمثال إيران راغبة في إرخاء قبضتها, فإنها ستجد يدَنا ممدودة لها." وهكذا, بالنسبة إلى الرئيس أوباما, فإن "المصافحة" استعارة تتعلق بالعمل والعلاقات الدولية معاً. وعَدَ الرئيس أوباما, في مقابلته على "العربية", "أن يخاطبَ العالمَ الإسلامي من عاصمة إسلامية." ومع ذلك, وعلى الرغم من الأسئلة الملحة أثناء المقابلة, لم يكشف الرئيس عن اسم تلك العاصمة؛ القاهرة.
شكلَ خطابُ القاهرة – الذي ألقاه الرئيس أوباما في 4 حزيران/يونيو 2009 تحت عنوان "ملاحظات الرئيس حول بداية جديدة" – لقاءً دراماتيكياً مع الإسلام. إذ كان لكل شيء قاله في هذا الخطاب أثر يمكن للمرء أن يستشعرَه حتى اليوم لأنه أسسَ لنموذج أمريكي جديد في التعامل مع العالم الإسلامي.
قال الرئيس أوباما إنه جاءَ إلى القاهرة للبحث عن "بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم, بداية مبنية على مصالحَ مشتركة واحترام مشترك." وبعد أن حدَدَ هدفَ خطابه, قدمَ الرئيسُ نفسَه للحضور: "والآن, إن جزأً من هذه القناعة متجذر في تجربتي الشخصية. فأنا مسيحي, لكن والدي ينحدر من عائلة كينية تضمُ أجيالاً من المسلمين." كانت الرسالة بسيطة وفعالة: أنا واحد منكم !
كانت "العائلة" إحدى الاستعارات المهيمنة على خطاب الرئيس أوباما في القاهرة. ففي خطاب حفل التخرج في جامعة نوتردام في 17 أيار/مايو 2009, قدمَ تمهيداً لفكرة "العالم عبارة عن عائلة": "على الرغم من التنوع المتنامي في العالم, بما في ذلك التنوع في التفكير والتنوع في الثقافة والتنوع في الاعتقاد, علينا أن نجدَ طريقة للعيش معاً كعائلة إنسانية واحدة." ومع ذلك, بالنسبة إلى الرئيس أوباما, فإن "العائلة" لا تتكون من أب وأم وولديهما, بل هي أشبه بعائلته الممتدة الخاصة به, وهي مزيج من الأعراق والديانات المختلفة.
بعدَ ذلك بأقلَ من ثلاثة أسابيع وَضَحَ الرئيس أوباما استعارة "العائلة" للتعبير عن رؤيته للعالم. أراد الرئيس "التركيزَ على المستقبل الذي نسعى لتأمينه لأطفالنا," على سبيل المثال, وتَصَوَرَ "عالماً تخدم فيه الحكومات مواطنيها وتُحتَرَمُ فيه حقوق أبناء الله." وفي ملاحظاته في "المنتدى الاقتصادي العالمي" في الدوحة في شباط/فبراير 2010, انتقل الرئيس أوباما من شكل سَردي عاطفي بعضَ الشيء إلى شكل أكثرَ دلالة. ويتميز هذا الخطاب بكونه موجَهاً أكثر وأكثرَ عملية من خطاب القاهرة. فعل سبيل المثال, تحدَث بالتفصيل عن "التشارك" في حقول التعليم والتنمية الاقتصادية والعلم والتكنولوجيا والصحة الكونية. كما رسَمَ صورة أكثرَ دقة للعدو: التطرف العنيف, والفساد. فبالنسبة إلى الرئيس أوباما, المعرفة هي "عُملة القرن الحادي والعشرين." وهذه الاستعارة, "المعرفة هي عُملة", تلفتُ الانتباهَ أيضاً إلى عالم العمل والتمويل.
انتقلَ أوباما, في الدوحة, من النغمة البلاغية المؤثرة لخطاب القاهرة, التي أتقَنَها إلى درجة الكمال, إلى مرحلة أكثر براغماتية في عهده الرئاسي, حيث يصبح السَردُ أكثرَ صعوبة, لأنه مثل "أي شخص آخر." ويمكن القول إنه فَقَدَ سحرَه في هذه الانتقالة: "في أفغانستان وما بعدها, نقوم بتشكيل شراكات تهدف إلى عَزل المتطرفين والحَد من الفساد والترويج للحكم الجيد والتنمية لتحسين حياة الناس." كان هذا أكثرَ سهولة بالنسبة إلى الرئيس بوش, إذ كانت لديه صورة "الخَصم" ليتكىءَ عليها خلال فترته الرئاسية.

الرئيس بوش و "محور الشر"
في الرسالة التي وجَهها إلى الكونغرس في خطاب "حالة الاتحاد" في 29 كانون الثاني/يناير 2002, استخدم الرئيس بوش تعبير "محور الشر" ليشملَ العراق وإيران وكوريا الشمالية. وقد اعتبر البعضُ العبارة مجرد بلاغة فارغة موجَهة للجماهير المحلية في الولايات المتحدة مثل المسيحيين الإنجيليين [البروتستانت]. وعلى الرغم من احتمال اختراع هذه العبارة من قِبَل كُتاب خطابات الرئيس, إلا أنها تحتوي على مفاهيمَ مجازية مُرسَلة متأصلة في التجربة وتعمل – مثل الاستعارات – "ليس على بناء لغتنا فقط بل أيضاً على تشكيل أفكارنا و مواقفنا و أفعالنا." [تبعاً لجورج لاكوف و مارك جونسون].
"إن كوريا الشمالية نظام يتسلح بالصواريخ وأسلحة الدمار الشامل بينما يموت المواطنون من الجوع. كما تسعى إيران بشراسة للحصول على هذه الأسلحة وتعمل على تصدير الإرهاب, بينما تقوم نخبة من الأشخاص غير المُنتَخَبين بقمع آمال الشعب الإيراني في الحرية. وتستمر العراق في إعلان عدائها لأمريكا ودعم الإرهاب."
على الرغم من أن استخدام كلمة "شَر" للإشارة إلى طائرات مخطوفة تصطدم بالمباني يبدو مبرَراً للكثير من الناس, إلا أن الخطرَ يكمنُ في النتيجة النهائية التي تفترض أن التفريق بين ‘الخير’ و ‘الشر’ يتناغم مع التفريق بين ‘نحنُ’ و ‘هُم’. وبالتالي,في هذه الرؤية الثنائية للعالم تبرز الولايات المتحدة بصفتها ‘قوةَ خير’, بل حتى ‘قوة الخير’. وهذا يعني أن أي شيء تختار أن تفعله هو ‘خَيِر’ وأن أي شيء يزعجها أو لا يُرضيها هو ‘شرير’. إن الشيء الهام في مُرَكب ‘الشر’ في الاستعارة هو أنه ليس للشر أي هدف محدَد باستثناء إنتاج الشر. وبما أن ‘الشر’ قوة أنطولوجية, فليس له أية اهتمامات خاصة به إلا الاهتمامات المتعلقة بوجهته؛ ولهذا فإن كافة المفاوضات مع ‘الشر’ عقيمة. ليس هناك سبيل لعَقد صفقة مع ‘الشر’ باستثناء تضمين شرٍ أكبر في هذه الصفقة, ليس لك بل للآخرين. ولذلك يجب تدمير "قوى الشر" بشكل كامل بواسطة "قوى الخير". وفوق ذلك, فإن الوحدة العبثية لقوى سياسية متباينة مثل إيران و كوريا الشمالية لا تبدو عبثية بهذا القدر إذا كنتَ تتفق مع مبدأ "وحدة الشر". فإذا كان هنالك شر واحد فإن كافة تجلياته هي, ببساطة, أشكال مختلفة لقوة واحدة؛ ويمكن للمرء أن يفهمَ وجهة النظر هذه بسهولة عندما يقبل الأنطولوجيا الثنائية. إن التغيرات الأنطولوجية التي تُنتجها الاستعارة هنا جَلية.

مقارنة بين بوش و أوباما
على الرغم من الاختلافات في الأسلوب والنظرة, هناك قاسم مشترك بين الرئيس أوباما و الرئيس بوش هو تاريخ أمَتهما. فكلاهما يستخدمان الخطابَ الديني. إذ استخدم الرئيس أوباما عبارة "بداية جديدة" ثلاث مرات في القاهرة, كما يحتوي خطابه في القاهرة على إشارات أخرى إلى النصوص الدينية. ويعكس خطاب حالة الاتحاد لبوش نظرتَه الأخلاقية القوية. ومع ذلك فإن الإشارتين إلى "البداية الجديدة" من قبل الرئيس أوباما و "الشر" من قبل الرئيس بوش تعبران عن التباينات التي تحكم سرديهما. إذ استخدم الرئيس أوباما "البداية الجديدة" ليُنتجَ مقولة حول الاستيعاب. فعندما يتحدث الرئيس أوباما إلى "الآخر", "يتمنى الخير" بيد ممدودة (‘المصافحة’): "سلام الله عليكم". أما الرئيس بوش فقد استخدم "الشر" لإقصاء الآخرين واستبعاد "الآخر", "حيث دلَل خطاب ‘محور الشر’ على انتقالة في خطاب بوش من الاستعارة المفاهيمية ‘الأمة بصفتها شخصاً’ إلى استعارة جديدة: ‘الولايات المتحدة قائد أخلاقي’."
إن تحليلاً سيميائياً لكلمة "إسلامي" يكشف عن معانٍ كامنة أيضاً. فعلى الرغم من أن الدال هو نفسه بالنسبة إلى كلا الرئيسين, إلا أن المدلول بالنسبة إلى الرئيس أوباما هو مكان "سمع فيه الأذان مع بزوغ الفجر وغروب الشمس," مكان "أتحَفَنا بالأقواس الفخمة, والأبراج الشامخة, والشعر الخالد, والموسيقى العذبة, والخط الأنيق, وأمكنة للتأمُل الروحاني الهادىء." فكلمة "إسلامي", بالنسبة إلى الرئيس أوباما, دلالة على ثقافة ذات تقاليد قوية مختلفة عن التقاليد الغربية. أما العالم الإسلامي بالنسبة إلى الرئيس بوش فهو مكان "رَحَبَ بسقوط الاستبداد بالغناء والاحتفالات," مكان يتكون من "رجال و نساء شجعان" يساندون "قيَمَنا". وفي خطاب له في ‘وست بوينت’ في حزيران/يونيو 2002, صرح الرئيس بوش أن "الأمهات والآباء و الأطفال في كافة أرجاء العالم الإسلامي, وفي كافة أنحاء العالم, يشتركون في المخاوف و الآمال نفسها." وبكلمات أخرى, الناس في العالم الإسلامي مثلنا تماماً.

إيران
بالنسبة إلى الرئيس أوباما, "إيران" بلد كانت له علاقة "مضطربة" مع الولايات المتحدة, وهو تاريخ شكل مصدراً للتوتر و انعدام الثقة. وعلى الرغم من أن إيران "يمكن أن تقودَ العالم إلى طريق في غاية الخطورة," لا تزال هنالك فرصة "للتحرُك إلى الأمام بلا شروط مسبقة على أساس من الاحترام المتبادل." أما بوش فيرى "إيران" نظاماً "يسعى" لامتلاك أسلحة الدمار الشامل و "يُصَدر" الإرهاب و "يقمع" آمالَ شعبه في الحرية. تشكل "إيران", بالنسبة للرئيس بوش, خطراً, لكنها تمثل "فرصة" من وجهة نظر الرئيس أوباما.
بالطبع, يمكن لهذه التباينات أن تعكسَ عواملَ سياقية. ففي سنة 2002 كان الرئيس بوش يخاطب الشعبَ الأمريكي بعد 11 أيلول بأربعة أشهر, في حين كان جمهور أوباما مكوناً من العالم الإسلامي بعد ذلك بأكثرَ من سبع سنوات. وفوق ذلك, فإن مفهوم "البداية الجديدة" يكتسب معانيَ مختلفة تبعاً للجمهور. المضمون, بالنسبة إلى العالم الإسلامي, هو إمكانية نشوء علاقة أفضل. أما بالنسبة إلى جمهور الولايات المتحدة, وخاصة الجمهور المسيحي, يمكن لهذه العبارة أن تدل على "الولادة من جديد".

نَقلة باتجاه المؤسسة
حتى قبل خطاب الرئيس أوباما في منتصف شباط/فبراير 2010, يمكننا أن نتلمسَ تغيراً في مقاربته للعالم الإسلامي باتجاه مؤسسة العلاقات العامة التقليدية. فعلى سبيل المثال, في 25 حزيران/يونيو 2009, وبعد خطاب الرئيس أوباما في القاهرة بفترة قصيرة, انضمَ دينيس روس إلى طاقم ‘هيئة الأمن القومي’. وغالباً ما يوصَف روس بأنه يتمتع بعلاقات وثيقة مع إسرائيل, كما أنه مناوىء قوي لإيران. فمع حلول ربيع 2010, صارت خطابات الرئيس أوباما تشبه خطابات الرئيس بوش أكثر فأكثر: "... على النقيض من الإرهابي الذي يسعى إلى التدمير, فإن مستقبلنا سيتحدد من خلال ما نبنيه. علينا أن نرى ذلك الأفق, ولكي نصل إلى هناك يجب أن نتبع استراتيجية التجدد القومي والقيادة العالمية. علينا أن نبني مصادرَ قوة أمريكا و تأثيرها ونشكل عالماً أكثر سلاماً و أكثر ازدهاراً." في خطاب ‘وست بوينت’ هذا, في 23 أيار/مايو 2010, قال للمرشحين إنه "علينا أن نشكل نظاماً عالمياً يلبي تحديات جيلنا," بما في ذلك "مواجهة التطرف والتمرد العنيفين" و "وقف انتشار الأسلحة النووية."
بعد ذلك بأيام قليلة, لم تُعِر الولايات المتحدة أي اهتمام لاقتراح تبادُل الوقود النووي الذي أشرفت عليه تركيا والبرازيل, والذي كانت إيران قد قدمته سابقاً إلى ‘الوكالة الدولية للطاقة الذرية’. وتبعاً لغاري سيك, كانت تلك فرصة كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة للتفاوض بشكل جَدي, لكن الرئيس أوباما أضاعَها و أيَدَ عقوبات قاسية بدلاً عن ذلك, مما زاد في تعقيد المفاوضات مع إيران.
وفي أوائل حزيران/يونيو 2010, وبعد تصويت مجلس الأمن في الأمم المتحدة على فرض عقوبات ضدَ إيران, أكد الرئيس أوباما أن إيران "فشلت في الإيفاء بالتزاماتها فيما يخص معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية," بينما "يتلطى قادة إيران خلف خطاب بلاغي بعيد عن الواقعية... ." وتبعاً للرئيس أوباما, فإن إيران حبيسة الماضي: "كما قلت في القاهرة, حددت الحكومة الإيرانية هويتَها طيلة عقود بما يتناقض مع بلادي. وعندما جاءتها فرصة جديدة للتقدم إلى الأمام – فرصة كانت ستعود على شعبها بالفائدة – اختارت الحكومة الإيرانية, عوضاً عن ذلك, أن تبقى حبيسة الماضي." هنا, يستخدم الرئيس أوباما استعارات بنيوية تقوم بتنظيم مفهوم بالاتكاء على مفهوم آخر, مثل الاستعارات البنيوية المرتبطة بالرحلة: "لن يؤدي هذا إلى أي مكان", "علاقتنا طريق مسدود", بالإضافة إلى الاستعارة التوجيهية "المستقبل إلى الأمام".
هل هجَرَ الرئيس أوباما – الذي لم تفهمه مؤسسة السياسة الخارجية التقليدية, والذي انغمَسَ في الترويج لمبادراته المتعلقة بالرعاية الصحية – استراتيجية "البداية الجديدة", أو على الأقل هل وضعَها على الرَف؟ في خطاب ‘حالة الاتحاد’ في كانون الثاني/يناير 2011, عمل الرئيس أوباما على الترويج للاستثنائية الأمريكية, والمنافسة مع الصين و الهند, و الجهود الهادفة إلى "هزيمة الأعداء المتعنتين", و "مثال أمريكا الأخلاقي الذي يجب أن يشعَ دوماً على جميع التواقين للحرية والعدالة والكرامة."
وفي أعقاب الاضطراب السياسي الراهن في الشرق الأوسط, لا تقف الولايات المتحدة (والرئيس أوباما) على "الطرف الخاطىء من التاريخ" من خلال الترويج لدكتاتوريين فاسدين وأوتوقراطيين من أمثال مبارك. وربما يشكل هذا الموقف بالذات بداية جديدة, وليس "نهاية بداية جديدة".

الربيع العربي
كان ‘الربيع العربي’, الذي بدأ في كانون الأول/ديسمبر 2010 بعد أن أشعل بائع خضار تونسي نفسَه في الشارع أمام مقر الحكومة المحلية, بمثابة يقظة قاسية للرئيس أوباما وإدارته, حيث أطلق شرارة ثورة ديمقراطية في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وسوريا. كما منحَ الربيع العربي أوباما الفرصة لكي "يرسم فصلاً جديداً في الدبلوماسية الأمريكية" ويعود إلى "سياسة أوباما الجديدة". ففي خطاب له في وزارة الخارجية الأمريكية في 19 أيار/مايو 2011, استرجَعَ الرئيس أوباما خطابَه في القاهرة:
"لهذا السبب, قبل سنتين في القاهرة, شرعتُ في توسيع علاقاتنا المبنية على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل. كنت أؤمن عندها – ولا أزال أؤمن الآن – أن لدينا مصلحة ليس في استقرار الأمم فقط, بل أيضاً في تَحَكم الأفراد بمصائرهم. لا يمكن للحالة الراهنة أن تستمر. إذ يمكن للمجتمعات المتماسكة بعامل الخوف والقمع أن تقدم وهمَ الاستقرار لفترة محدودة, ولكنها مبنية على طول خطوط متصدعة سوف تتفجر وتنهار في نهاية المطاف."
وتابع في خطابه هذا قائلاً إنه "بعد عقود من قبول العالم كما هو في المنطقة, لدينا فرصة الآن لبناء العالم كما ينبغي أن يكون." وهذه العبارة, بالطبع, انعكاس لمكامل دلالي أساسي آخر: "الاختلاف عن سياسة بوش". حتى أن الرئيس أوباما وضح ذلك أكثر عندما قال: "إن دعمَنا لهذه المبادىء [حرية التعبير, وحرية التجمعات السلمية, والحرية الدينية, والمساواة بين الرجال والنساء في ظل القانون, وحَق اختيار الحكام] ليس اهتماماً ثانوياً. أريد أن أوضحَ اليوم أن ذلك أحد أولوياتنا التي يجب ترجمتها إلى أفعال ملموسة ودعمها بكافة الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية المتوفرة لدينا."

خاتمة
إن أحد التحديات التي تواجه الرئيس أوباما فيما يتعلق بالعالم الإسلامي هو إيصال رسالة واضحة إلى جماهيرَ متعددة لا تقاسمه تقاليدَه الثقافية والسياسية والدينية. لقد تجاهل الرئيس بوش هذا التحدي, ونتيجة لذلك وجد أن رسالته عززت الموقف البلاغي للمحافظين بالمقارنة مع الإصلاحيين في إيران.
عندما ألقى الرئيس أوباما خطابَه في القاهرة, كان يتحدث إلى العالم الإسلامي. ولكن عليه أيضاً أن يتذكر الجمهورين الأمريكي والأوربي اللذين يتمتعان بقيَم ورؤىً مختلفة للعالم. وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى قائد عالمي مثل الرئيس أوباما. كيف يمكنك أن تخاطبَ الجماهيرَ في الخارج والداخل دون أن تُتَهَمَ بازدواجية المعايير؟ هل بمقدورك أن تتحدث إلى كل هذه الجماهير في الوقت نفسه وتخاطرَ بالحديث عن قيَم مثل "الديمقراطية" التي يَسهُلُ "فهمها" في الداخل و "يُساء فهمها" من قبل جماهير الخارج؟ لاحظوا أن الرئيس أوباما ينظر إلى الديمقراطية "ليس كبيت يجب بناؤه...بل كمحادثة يجب إجراؤها."
يواجه الرئيس أوباما مشكلة مماثلة تتعلق بجماهيرَ مختلفة داخل الولايات المتحدة. إذ إن نظرته إلى العالم – وبشكل خاص رؤيته للدور الأمريكي في العالم, والتي عبر عنها في القاهرة – غير مفهومة بالنسبة إلى بيروقراطية العلاقات الخارجية التقليدية في واشنطن؛ فهؤلاء يميلون إلى رؤية العالم من منظور أكثر "واقعية", حيث تقوم الولايات المتحدة "بصفتها قوة مهيمنة, بتأكيد نفسها لمواجهة التحديات التي تهدد استقرارَ النظام." وبالطبع, تأتي إيران في قمة هذه "التحديات".
قدم ‘الربيع العربي’ – "موسم الأمل" – للرئيس أوباما الفرصة للتحدث إلى الجماهير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, بالإضافة إلى جمهوره المحلي في الولايات المتحدة, وذلك باستخدام نفس اللغة والتعبير عن القيم نفسها. كما مكنه, أيضاً, من العودة إلى "البداية الجديدة" في العالم الإسلامي والشروع في "رحلة" مرة أخرى.

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...