اللجنـة الرباعيـة تختـرق الجمـود الإقليمي حـول سـوريا
المسار السياسي الدولي لحلّ الأزمة السورية، ليس معلقاً في انتظار ناقوس الانتخابات الأميركية. فالحراك الذي شهدته أمس، كل من باريس والقاهرة، حول مبادرتين روسية ومصرية على المستويين الدولي والإقليمي، شكّل نوعاً من الاختراق للجمود السياسي الذي كرّسه الانقلاب الغربي على اتفاق جنيف.
متمسكاً بهذا الاتفاق «المقدس»، ذهب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى باريس حيث التقى مسؤولين فرنسيين ومعارضين سوريين. واقترح بوغدانوف عقد مؤتمر يضم النظام والمعارضة وممثلي الطوائف السورية، على غرار مؤتمر الطائف اللبناني، محذراً من مخاطر تضخم التسليح واحتمالات التقسيم، ومشيراً إلى بعض مساحات التقاطع مع فرنسا وأميركا حول الملف السوري، بالرغم من الخلاف القائم في مجلس الأمن.
أما في القاهرة، فقد تمكن الرئيس المصري محمد مرسي الذي يسعى لتكريس موقعه كوسيط إقليمي، من حشد دفع ملحوظ السرعة، خلف مبادرة «اللجنة الرباعية» التي تضم كلا من مصر وايران وتركيا والسعودية. وبالفعل عقدت اللجنة أول اجتماع لها على مستوى كبار المسؤولين تمهيداً لاجتماع على مستوى وزاري خلال الايام المقبلة. وقد استفاد المبعوث المشترك
إلى سوريا الأخضر الابراهيمي من وجوده في القاهرة، ليطلق جولته التي ستأخذه بعد ايام إلى سوريا، بلقاءات مع كبار المسؤولين العرب ومنهم وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم الذي يلتقيه غداً، قبل زيارته الى دمشق.
وفي مقابلة مع «السفير»، دعا بوغدانوف الذي التقى ديبلوماسيين فرنسيين ومعارضين سوريين في باريس، إلى اجتماع يضم «كل ممثلي تيارات المعارضة وقوى النظام، في موسكو أو في واشنطن او نيويورك أو أي مكان آخر، مع ممثلي وسلطات مختلف الطوائف من سنة وعلويين ومسيحيين وغيرهم، وليتفقوا كيف ينظمون مستقبل البلاد، وكيفية تعهد مصالح الآخرين واحترامها، عبر دستور الدولة أو غيره»، في صيغة تشبه إلى حد كبير اجتماع الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية.
وأشار بوغدانوف إلى تجربته في العمل الديبلوماسي إبان الحرب اللبنانية حيث «شهدت بعيني تفتت الدولة المركزية... ولكن في النهاية اندفع الجميع نحو الحوار والبحث عن مخرج سياسي مشترك، وهذا هو الحل الوحيد، وما ينبغي تطبيقه في سوريا وإلا فإن النزاع سيستمر، ويوقع ضحايا جدداً».
ورأى المسؤول الروسي الرفيع إن الرئيس السوري بشار الأسد لا يستمع «معظم الوقت» إلى النصائح الروسية، لكنه أكد على أهمية موافقة دمشق «على اتفاق جنيف والعملية السياسية والتفاوض دون شروط مسبقة، والتوافق على مخارج متنوعة للازمة مع التركيز على اجراء انتخابات حرة وشفافة بأسرع ما يمكن».
واعتبر بوغدانوف أن خطر التقسيم قائم فعلا، و«قد يكون ذلك في شكل يكرر النموذج الصومالي». وأضاف «اذا ما واصلت الأطراف المتقاتلة رفضها لوقف النار، واستمروا بتضخيم مخزون اسلحتهم، والحصول على اسلحة متطورة فلن يسمح ذلك بوضع حد للنزاع، بل على العكس، فإنه سيدفع به إلى طريق مسدود وليس بوسعنا ان نعلم إلى متى يمكن له ان يدوم».
وفي القاهرة، انطلقت أعمال الاجتماع الرباعي الذى يضم وفود وزارات خارجية كل من مصر وتركيا والسعودية وايران وذلك لبحث تفعيل مبادرة مصر الرباعية لحل الأزمة السورية. ورأس الوفد المصري السفير شوقي اسماعيل مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية، فيما رأس وفد السعودية وكيل وزارة الخارجية ناصر البريج والوفد التركي سفير تركيا السابق في دمشق عمر اوهون وايران مساعد وزير الخارجية حسين أمير.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أصدرت فى وقت سابق بيانا أوضحت فيه أن هذا الاجتماع يأتي تفعيلا للمبادرة الرباعية التي أطلقها الرئيس محمد مرسي والهادفة «لمواجهة تدهور الأوضاع في سوريا ووضع حد لمعاناة الشعب السوري، وإيقاف نزيف الدم من خلال إطلاق عملية سياسية تهدف لتحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والانتقال لمجتمع ديموقراطي تعددي» .
وصرح نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية نزيه النجاري بأن مصر ستركز على الخروج بتوافق حول عدد من الثوابت «أهمها: الوقف الفوري لأعمال القتل والعنف، الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، رفض التدخل العسكري الخارجي في سوريا، وضرورة إطلاق عملية سياسية بمشاركة مختلف أطياف الشعب السوري ومكوناته وصولا لتحقيق آمال وتطلعات الشعب في الديموقراطية والحرية والكرامة وفي نظام سياسي ديموقراطي وتعددي، ومساندة الجهود العربية والدولية المختلفة الهادفة لمعالجة الأزمة، بما في ذلك مهمة المبعوث العربي الأممي المشترك الأخضر الإبراهيمي».
وصرح وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو للصحافيين عقب اجتماع بين مرسي والابراهيمي، ان الاجتماع الرباعي على مستوى كبار المسؤولين يهدف الى الاعداد لاجتماع وزراء خارجية الدول الاربع «خلال الايام المقبلة». وفي انقرة اكد ديبلوماسي تركي ان اجتماع وزراء الخارجية «ربما يعقد الاسبوع المقبل».
وردا على سؤال حول عدم الإشارة إلى «عزل» الأسد في الثوابت التي أعلنت لتحرك اللجنة الرباعية، أجاب وزير الخارجية قائلا «إننا في مرحلة مبكرة حاليا والثوابت موجودة وما نريده الآن هو وضع حد لسفك دماء الشعب السوري».
ونسبت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي القول إن أعضاء الرباعية يجب أن يزيدوا إلى ستة، مقترحا ضم العراق لكن لم يحدد الدولة الأخرى. وقال الوزير بحسب الوكالة «نتفق من ناحية المبدأ مع هذا المقترح (من جانب مرسي) لكن إيران قدمت مقترحات إضافية وطلبت ضم دولتين أخريين.» وأضاف «حضور العراق... باعتباره دولة مهمة ومؤثرة في المنطقة يمكن أن يلعب دورا مهما في حل الأزمة السورية».
واكد الابراهيمي للصحافيين بعد لقائه الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي انه يعرف مدى صعوبة المهمة التي اوكلت اليه. وقال «أدرك تمام الادراك ان المهمة صعبة جدا الا انني رأيت أنه ليس من حقي أن أرفض محاولة تقديم ما أمكن من مساعدة للشعب السوري». وتابع قائلا «أثناء قيامي بهذه المهمة فأنا في خدمة الشعب السوري وحده ولا سيد لي إلا الشعب السوري، والأمم المتحدة والجامعة العربية لا مصلحة لهما إلا مصلحة الشعب السوري». وقال انه سيزور سوريا «خلال الايام القليلة المقبلة للقاء المسؤولين هناك وعدد من مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين» معربا عن امله في ان يلتقي الاسد.
كما التقى الابراهيمي مرسي، وقال «آمل كثيرا جدا في وجود نهاية وانا واثق من انه ستكون هناك نهاية. يجب على الاطراف المعنية ان تدرك انه كلما كان الحل سريعا كان ذلك افضل للشعب السوري. قلت ايضا انها (المهمة) صعبة تماما. يجب الا نتوقع حدوث معجزات. لا توجد معجزات. ويقوم نهجنا ايضا على اساس اننا لا ننظر إلا لمصلحة شعب سوريا وسنحاول مساعدة شعب سوريا ولا أحد غيره».
وقال نائب الامين العام للجامعة العربية احمد بن حلي، إن الابراهيمي سيجتمع مع العربي ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم غداً في القاهرة لبحث الازمة السورية. واكد بن حلي ان هذا الاجتماع يأتي تنفيذا لقرار وزراء الخارجية العرب الذين «طلبوا» في الخامس من ايلول الحالي من الشيخ حمد بصفته رئيسا للجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا ومن الأمين العام للجامعة «متابعة الاتصالات» مع الامين العام للامم المتحدة والأخضر الابراهيمي «لبلورة تصور جديد لمهمة» الاخير.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد